قصّة وحوار وسيناريو: نجم الدين سمّان.
“إضاءة عامة ترتفع تدريجياً.. ومعها موسيقى سيمفونية الحرية لمالك جندلي”
“طاولة سوداء في وسط المسرح.. حولها 4 كراسٍ بلون أحمر؛ فوق الطاولة: شمعتان بلون أحمر على قاعدتين بلون اسود؛ وردتان بلون أحمر في مزهريتين بلون أسود؛ كأسا نبيذ أحمر فوق مُربعين بلون اسود.
نافذة كبيرة خلف الطاولة.. بإطار أسود؛ وبستارة حمراء مربوطة وغير مُسدَلَه.. تتبدّى من النافذة: صورة “باريس مع برج إيفل” بنسختين: نهارية وليلية – أو بحسب المدينة أو العاصمة التي تُعرَض فيها المسرحية- النافذة تتحوّل إلى شاشة عرض حين اللزوم؛ على الطرف الأيسر أريكة ثنائية حمراء.. أمامها منضدة سكائر سوداء؛ على المنضدة نفاضة سكائر حمراء.
“شام” ترتدي بنطالاً أسود وبلوزة حمراء.
“آرام” يرتدي بنطالاً أسود وقميصاً أبيض اللون.
بقعة ضوء إلى يسار المسرح؛ على الحامل الأحمر.. لوحة سوداء؛ أمامها كرسي رسم أحمر؛ ألوان؛ ريشات.. الخ.
*- المشهد 1
“الإضاءة العامة ذاتها؛ بينما تتصاعد موسيقى سيمفونية الحرية للجندلي؛ حين تدخل شام مُتجهةً نحو حامل لوحتها لتُمسك بأول ريشةٍ تحت بقعة ضوء علي يمين الخشبة؛ حتى ليبدو للجمهور بأنها تكاد ترسم ما تسمعه من هُتافاتٍ مُضمَرَةٍ في السيمفونية: يلّا ارحل.. يا بشار.. لكنها تقف؛ تدور حول لوحتها السوداء؛ تُقرّب الريشة لترسم؛ تتردّد فتتوقف عن الرسم مع توالي اللقطات على الشاشة: مونتاج لمظاهراتٍ سِلميَّة من الثورة السورية؛ خلفيتها الموسيقية سيمفونية الجندلي ذاتها”.
الشاشة تتوقف.. الموسيقى تتوقف.
*- المشهد 2
“تتجه شام نحو الطاولة.. تحمل إحدى الشمعتين؛ تتقدّم نحو منتصف مقدمة الخشبة “الركح” داخل بقعة ضوء؛ تضع الشمعة أمامها؛ تجلس كأنما في اعتصامٍ صامت بالشموعٍ؛ يدخل آرام من الممرّ بين الجمهور تُضِيئُه شمعةٌ يحملها بيده؛ مُتجهاً نحوها.. يتأملها؛ ترفع شام رأسها بينما تضع سيجارة بين شفتيها؛ تُلاحظه وهي تُفتش عن قدّاحة في جيبها؛ تتأمل آرام كأنما تستكشفه؛ يرفع شمعته ليُشعل لها لفافتها؛ تبتسم له.. باقتضاب”.
شام: – شكراً.
آرام “وهو يضع شمعته قرب شمعتها”: – عفواً..
“يستدرك وهو يجلس على حافة الخشبة بجانبها”:
– أول مرّة؛ كُنّا معتصمين قدّام سفارة مصر؛ شِفتِك.
شام “تهزّ رأسها”: – نعم.. كِنت هونيك.
آرام: – ولمّا فرَّقونا من قدّام سفارة ليبيا؛ دوَّرت عليك.
شام “تنهض من جلستها”: – عَلَيّ أنا؟!.
آرام: – لمَحتُ في عيونكِ أكتر من غضب؛ أكتر من سخرية؛ قررت.. إكتشفِك.
شام: – أو.. تكتشِف نفسَك؟!.
آرام “يبتسم”: – التنين.. سوا.
“تنحني وهي تأخذ شمعتها وتنظر في عينيه؛ ينزل آرام من حافة الخشبة؛ يستدير راجعاً من حيث أتى.. وينتظر خلف الجمهور”.
*- المشهد 3
مُتتاليات بانتقال الإضاءة بدون قطع “شام تضع الشمعة عند اللوحة داخل بقعة الضوء مع تعتيم المنصّة تدريجياً” تُمسِك بالريشة؛ تغمسها في لون أحمر؛ تبدأ برشّ اللون الأحمر وكأنه قطرات دم”.
شام: – صار لنا خمس سنين.. بعِيدين عن بعض يا آرام.
“يرنّ موبايلها… تركض إليه؛ تُمسكه”: – رقم.. ما بعرفه.
“تتردّد بينما يتواصل الرنين؛ ثم تفتحه؛ تنفتح بقعة ضوء على الطرف الأخر من الخشبة؛ يصعد آرام إلى المسرح من بين الجمهور في الصالة؛ بحيث يرى الجمهور حركة ضوء شاشة الموبايل بين يديه حتى يصير تحت بقعة الضوء على الخشبة”:
شام “ترفع الموبايل نحو أذنها”: – ألو..
آرام “يرفع الموبايل نحو اذنه”: – كيفِك؟.
شام “تتعرّف إلى الصوت”: – آرام..
آرام: – بتذكّري.. لمّا صرنا نتخبّى من بيت لبيت.
شام “تبتسم ساخرة”: – تخبِّينا عند اللِّي بيشبهونا.
آرام: – لقطوا تنسقيتنا.. ضَبِّة وحدة.
شام: – بس إنتَ هربت.
آرام “مُدافعاً عن نفسه”:
– ما هربت.. قلتلِك نِطِّي ورايِي من هالشبّاك؛ وبعدين سمعت صرختِك..
شام “تصرخ هامسةً وهي تتذكر”: – اركض.. ما توقف.. ما تطلّع لورا.
آرام: – ولسّا عَم اركض يا شام.
شام: – صوتك قريب كتير.. وين إنت؟.
آرام: – هون.. منتظرِك بافتتاح معرضك.
“تتجمّد شام؛ ينزلق الموبايل من يدها؛ موسيقى للثلاثي جبران: مجاز؛ شام ترى آرام واقفاً بانتظارها؛ تركض إليه من بقعتها إلى بقعة ضوئه.. تُعانقه طويلاً – إطفاء”.
*- المشهد 4
“تستمرّ موسيقى مجاز.. مع إضاءة عامة شاحبة؛ تبدأ الشاشة بعرض لوحات لنجاح البقاعي طيلة المشهد ولكن ببطء”.
“تدخل شام وآرام.. عائدان من افتتاح المعرض؛ يتقدّمان نحو الطاولة وهي تنظر عميقاً في عينيّه؛ بينما هو يتأمل الاستديو الذي تسكن فيه؛ يسحب لها الكرسي لتجلس؛ يقف لحظة وراءها.. ترتفع يداه لتلمس شعرها.. يتراجع”
أرام: – مبروك نجاح معرضِك.
شام: – لولاك.. ما كنت عرِفت رَتِّب لوحاتي.
آرام ” يرشفان؛ يجلس على كرسيٍّ مُقابلها”:
– إنتِ بترسمي بشريانك الأبهر.. مُو بالريشة.
شام “تنهض؛ تدور ببطء حول الطاولة بينما تتوالى على الشاشة رسومات نجاح البقاعي بسرعة أكبر”:
– رسمت نفس اللوحات مرتين: مرَّة.. بالزنزانة؛ ومرَّة.. هون في باريس؛ وبكلّ لوحة كان في حدا يشبهًك يا آرام.
آرام: – وأنا اعتقلتني داعش.
“يُطِلّ من الشاشة وجهُ مُحقق بلحيةٍ طالبانية ومن ورائه صورة أبو بكر البغدادي”
المُحقق الداعشي: – شكون إنت؟.
آرام: – طالب صحافة.. لسّا ما تخرّجت.
المُحقق الداعشي: – إيش تعمل في الرقة؟.
آرام: – جيت أشوف أهلي.
المحقق الداعشي “يظهر في يده موبايل يُقلب فيه”:
– لقينا في موبايلك.. صور مظاهرات؛ صورة قاعد فيها وقدّامك شمعة “يضحك” هههه.. تريدون تحرقوا النظام بشمعه؟!.
“آرام لا يردّ؛ يصرخ المُحقق الداعشي فجأة”:
– لا تدول عروش الطغاة.. إلّا بالجهاد.
آرام: – في تونس.. هَرَب الرئيس بعد المظاهرات؛ وفي مصر.. ميدان التحرير لوحده.. أجبر الرئيس يتنحَّى.
المحقق الداعشي: – دماغك مليان تفاهات مجتمع مدني وحقوق إنسان؛ هذي أنظمة كفر؛ وبالجهادِ وحدَه.. تصيرُ البلاد: بلادَ الإيمان.
“آرام يهزّ رأسه ولا يردّ؛ ينظر المُحقق الداعشي في الموبايل”:
– وهذي الطفلة السافِرة الكافِرة معاك.. شكون؟.
آرام “يلتفت نحو صورتها التي تظهر على الشاشة”:
– هي رفيقتنا.. طلعِت معنا بالمظاهرات؛ اعتقلها نظام الأسد؛ ما بعرف أخبارها بعدين.
المُحقق الداعشي: – شكون؛ نصرانيّة ولّا.. من الروافض؟.
“آرام”: – سوريِّه.. من درعا.
المُحقق الداعشي “يتلمَّظ بشفتيه”: – هالطفلة حلوة برشا؛ غادي في الجنّة تلاقي 40 وحدة أحلى منها.
آرام “يصمت ولا يردّ”.
المُحقق الداعشي: – رَح يهبطوا عليك رجال الحِسبَة. “يحكّ لحيته”: – اعذرني.. رح يجلدوك 99 جَلدَة ليطالعوا من دماغك تعاليم الكفّار؛ وبعدها 99 جلدة ليستَتِبوَك؛ إذا تِبت ورجِعِت لطريق الحقّ.. نشوف.
“يضحك المحقق بوحشية بينما تغيب صورته عن الشاشة”.
آرام “ينهض.. مشبوحةً ذراعاه إلى أعلى؛ يُمكن استخدام مؤثرات صوتيه لضربات سَوط؛ يتلوى تحت الضربات.. بينما تراه شام من جلستها”:
– تفسَّخ ضهري؛ انفزر اللحم؛ صار الدود يسرح بين الجِلد والدم؛ حَسِّيت حالي رَح موت؛ ما بعرف كيف صرخت: الله أكبر.. تجلّى الحقُ لي وزُهِق الباطل.. إن الباطلَ كان زهوقاً.
شام “تنهض نحوه”: – كيف خطرِت على بالَك هِيك جِملة؟!
آرام: – ما بعرف.. كنت بدِّي إخلَص.. وبَس.
شام: – وفَلَّتوك؟!.
آرام: – عرَضوا عَليِّي التوبة؛ كانوا يشتموني مع كل جًلدِة: علماني؛ كافر؛ مُرتَد؛ خَيَّروني بين قطع راسي أو.. حفظ القرآن كلّه.
شام “تبتسم”: – ما عَم اتخيَّلَك بدقن؛ ولابِس شروال أفغاني.
آرام: – عطوني كاميرا ديجتال.. قالوا لي: إنت طالب صحافة؛ رَح تطلع مع أبو عمر الأردني تصوِّر “غزوة جرابلس”؛ وبأول المعركة.. هربت؛ ومن بستان لبستان.. حتى صرت بأقرب ضيعة؛ حَلَقت دقني؛ بادَلت الكاميرا ببنطلون جينز وقميص وبوط رياضة؛ هربت؛ صارت داعش تتمدّد؛ هربت.. عبرت الحدود التركية.
“موسيقى تركية..
*- المشهد 5
“مُتتالية مشهديّة مع الموسيقى ذاتها؛ بقعة ضوء حين يجلس آرام مهدوداً على الأريكة.. تُقرفِص شام أمامَه؛ مُمسِكةً بيديه”
آرام: – وإنتِ.. شو صار معِك؟.
شام “تقف.. فتتوقف الموسيقى”:
– صار معي متل ما صار مع كلّ السوريات المعتقلات.
آرام: – يعني.. متل شو؟.
“يظهر وجه المُحقق الداعشي ذاته؛ ولكن بلا لحية ومن ورائِه صورة بشار الأسد؛ يُحدِّق بها؛ يبتسم بتشَفٍ”: – خايفه؟!.
شام “تهزّ رأسها وكأنها تقول نعم”
المُحقق الأسدي “يضحك”:
– نحنا هون منشان تخافوا؛ بدكُن حريِّة.. ما هيك؟!.
“شام تهزّ رأسها مرةً ثانية وكأنّها تقول نعم؛ ولكن بإيقاع فيه تَحدٍ”
المُحقق الأسدي: – بسيطة.. رَح شَوفِك الخوف شخصي. “يستدرك”: – قالوا لي إنك طالبة فنون جميلة؛ “يضحك” بتقدري.. ترسمي الخوف؟!.
“تهزّ رأسها كالعادة؛ تمتد يدها نحو الشاشة؛ أو بالمونتاج داخل الشاشة ذاتها إلى الورقة؛ يتمّ عرض تفاصيل الرسم بأسرع من المُعتاد.. يتناول المحقق الورقة؛ يُحدّق فيها.. يُقهقه بوحشية”:
– رَح شَوفِك الخوف.. متل النجوم بعِزّ الضِهر؛ “يصرخ”: – خدوها.. لتحت.
“موسيقى مع فيديو أغنية: يا حيف.. لسميح شقير”.
*- المشهد 6
“تتوقف الشاشة؛ تتغيّر الإضاءة إلى عامة ليلية شاحبة قليلاً”
“تجلس شام إلى الطاولة؛ يجلس آرام قبالتها”
“شام ترفع رأسها”: – آرام.. خلّينا نحكي بشي تاني.
آرام “يرشف من كأسه وهو يُحدّق بها”: – متل شو؟.
شام: – بتعرِف إنّي حَبِّيتَك.. يا آرام؛ مِن لمَّا رفعت شمعتَك بالاعتصام لتشَعِلِّي السيكارة؛ صار وجهك قمر نيسان؛ وعيونَك عَم تلمع متل عيون قط عتيق.
آرام: “يُكشّر عن أنيابه مُمازِحا”: – نياااااو.
“تضحك شام.. وكأنها تضحك لأول مرَّة منذ سنوات؛ ترفع كأسها ثمّ كأنها تغصّ برَشفَتِها”:
– كنت مخبَّاية بكارتي لأهدِيك ياها.. اغتصبوها.
“ينهض آرام مِن مكانه.. شام تضع رأسها بين كفيها؛ تبدأ مشاهد لكاميرا غير مُستقرة.. فيما يُشبه عِراك رجلٍ مع امرأة ويريد اغتصابها.. ثم صرخات”.
“موسيقى: ظافر يوسف.. يا دامي العينين إن الليل زائل”
*- المشهد 7
“مشهدية مُتتابِعة.. مع أغنية ظافر يوسف؛ الانتقال يتمّ بالإضاءة فقط”
“آرام يحتضن شام؛ يلمَس شعرَها بهدوء؛ تنفلِت منه نحو الأريكة؛ شام تجلس مُنهارَة؛ يجثو آرام عند ركبتيها؛ يضع رأسه على ركبتيها؛ تلعب شام بشعره”
شام: – ما تقول ولا شي.. يا آرام.
آرام “يرفع رأسه ناظراً إليها”: – بِدّي قول شغلِه صغيرِه.. بَس.
شام: – قُول..
آرام: – ما بتهِمنِي بكارتِك؛ إنتِ مِتِل “عشتروت” في الأساطير السورية؛ كلّ ما عَطِيتِ بكارتِك لحدا بِرضَاكِ؛ أو.. أخدوها غَصب عنّك؛ بترجَعِي عذراء مِن أوّل وجديد.
شام: – بتعرف شو يعني.. يغتصبوك؟!.
آرام: – بعرف يا شام.. يامَا اغتصبوا رجال وأطفال كمان.
شام “تنهض”: – فيه وِحدِة معنا بالمُعتقَل.. هَسترِت من أول اغتصاب؛ كلّ ما اغتصبها واحد.. بتسِبّ رئيسُه؛ وأبو رئيسه اللّي ورَّت الرئاسة لإبنُه؛ تناوبوا عليها كلّ رجال فرع المخابرات.. صارت تنزف؛ ضمّدناها؛ ومن القهر.. نمنا؛ فكّرناها.. نامت متلنا؛ فِقنَا الصِبِح.. لَقِينَاها جَمَّعِت كلّ كيلوتاتنا اللّي غاسلينهم بعد كلّ اغتصاب؛ ربطتهم مع بعض.. مِتل الحَبل؛ وشنقِت حالهَا.
“تنخرط شام.. في بكاءٍ صامت؛ يتجمدان في عناقهما.. يبدأ على الشاشة مونتاج لاعترافات نساء سوريات من فيلم “الصرخة المكبوتة” المُترجم أيضاً إلى الفرنسية؛ يجلس آرام وشام في مُنتصف مُقدمة المسرح وظهرهما إلى الجمهور؛ يُتابعان مع الجمهور مونتاج الفيلم”.
*- المشهد 8
“يستدير آرام وشام في جلستهما إيّاها نحو الجمهور؛ ولكن مُتقابلين وجهاً لوجه.. حين ينتهي مونتاج الفيلم.. تبدأ موسيقى كنان العظمة”
“شام.. تأخذ أصابع يده بين كفيها”:
– وشو صار معك.. في تركيا؛ في عينتاب؟.
آرام: – آآآخ.. وِصلِت المُعارَضَه لعينتاب؛ طلعِت الثورة من الباب.
شام: – نحنا ثوره.. مُو مُعارضة؛ يا آرام.
آرام: – نظام الأسد وداعش.. قتلوا زهرة شبابنا.
“تتوالى على الشاشة صور باسل شحادة وغياث مطر.. الخ”
شام “تقف؛ تسألُه فجأةً”: – كنت عَم تتذكَّرنِي.. يا آرام؟
آرام “يقف قبالتها”: – إذا ما تذكَّرتِك.. ما بِتذَكَّر حالي.
شام: – وأنا دَوَّرت عليك.. ما لَقِيتَك؛ الشام مُو حِلِوِه بدونَك يا آرام؛ صارِت مَليانِه.. جِيش وحواجز أمن وشَبِّيحَة؛ بيفحصوا موبايلك.. وكتير مرَّات ما بيرجعولَك ياه.
شام “تُتابع”: – صار اللّي بدُو يطلع من بِيتُه؛ بيعرِف إنُّه مُمكن ما يرجع؛ لَمًّوا الشباب فوق ال 18 وأخدوهم ليقتلوا سوريين متلهم؛ هرَبِت عَ الغوطة؛ وَصَّلوني الشباب لحدود الأردن؛ كان بيناتهم واحد.. بيشبَهَك؛ بَس.. أصغَر منّك بعشر سنين؛ قتلوا أخوه بالمظاهرة؛ وبالجنازة.. رشهم الأمن بالرصاص؛ قتلوا خمسِه مِن المُشيّعين.
آرام: – هيك يبدا حَبل الدَمّ.. ويمتدّ.. وما بيخلَص.
شام: – صرت لاجئة بمخيّم الزعتري؛ ولأنِّي بنت ولحالي.. صاروا موظفي الإغاثة يلَمحُوا لعلاقة؛ وبعدين صاروا يُساومُوني: منَعطِيكِ خيمِه لحالِك.. تعَلمِي الرسم فيها للأطفال وتنامِي فيها لوحدِك؛ بشرط: تنامي.. معنا.
آرام: – ما ضَلّ حَدا.. ما سَاوَمنَا يا شام؛ وبَاعنَا؛ وتاجَر بقصِّتنا.
شام: – قدَّمت لجوء عن طريق الأمم المتحدة.
أرام: – صرنا بتركيا ممنوعين من السفر.. حتى بين مدينتين.
شام: – ما كان يهمنِي شي.. غير إنّي لاقِيك.
آرام “تتجه نحو الطاولة”: – عن جَد؟!.
شام: “تتجه نحو الطرف المقابل لها”: – أكتَر من كِلّ جَدّ.
“موسيقى…”
*- المشهد 9
“انتقال من بقعة الضوء الأمامية.. إلى بقعة الضوء فوق الطاولة؛ يتناول كلًّ واحد منهما “لابتوبين” مسنودين على أحد قوائم الطاولة فوق الأرض؛ يفتحانهما؛ يجلسان أمامهما مُتقابلين؛ يكتبان.. وهما يُرددان ما يكتبانه.. بتقطيع الكتابة ذاتها؛ ولا موسيقى في هذا المشهد.. سوى هذا الإيقاع المتواتر – يُمكن استخدام الشاشة هذه المرّة.. لعرض ترجمة الحوار الفيسبوكي بينهما”.
آرام: – طَمنِينِي عنّك.
شام: – اطمَّن.. إجانِي لجوء لفرنسا.
آرام “مصدوماً”: – لفرنسا؟!.
شام: – ما بقدِر إجِي لعندَك؛ ما بتقدِر تِجِي لعندِي؛ ما عاد ولا مطار يستقبل السوريين؛ جواز سفرهم.. صار حبر على ورق؛ صار.. لَعنِه. “تتابع” بَس آخُد إقامة؛ بَعمِلَّك لَمّ شَمل.
أرام: – أدِيش الإقامة ولَمّ الشمل بِدهُم؟.
شام: – سنتين على الأقل.
آرام: – سنتين كتِير.. يا شام؛ بموت من القهر؛ ما بقدِر إصبُر سنتين لنِلتِقِى؛ جَاي.. بالبحر.
شأم “تقف وهي تكتب على اللابتوب”: – كِيف.. بالبحر؟!.
آرام “يقف أيضاً”:
– فتح أردوغان الشواطئ ما بين طِروَادَه وإسبَارطَه.
شام: – ونحنا السوريين.. جُوَّا حصَان الخشب.
آرام: – بالضبط.. إلياذة هوميروس؛ بَس.. معكوسة.
“شام تترك الكتابة على اللابتوب.. بينما يستمرّ ظهور الترجمة على الشاشة بنفس الطريقة”:
– خايفِه عليك.. تضيع في البحر متل أوليس.
“آرام يفعل مثلها.. يلتقيها أمام الطاولة”:
– ما تخافي؛ اتفقنا مع المهرِّب التركي؛ رَح نطلَع بالبِلم عَ اليونان.
شام: – شُو هادا البلم؟!.
آرام: – مركب مطاطي بيِسَع 10 اشخاص؛ بَس رَح نكون فيه 40 مَرصُوصِين مِتِل سَمَك السردين.
شام: – هَي مُو مُغامرة؛ هَي انتحار.
آرام: – ساعَه بالبحر بَس.. ونكون بأول جزيرة يونانية.
شام: – ما تروح.. خايفِه عليك تغرَق.
أرام: – رَح أعمِل مِتل الفينيقي “قَدمُوس” اللّي راح يدوِّر على أخته “أوروبا” بعد ما خطفها “زِيُوس” من مدينتها “صُور”.
“موسيقى الأوديسة – إيرين باباس”.
*- المشهد 10
“انتقال الإضاءة من بقعة ضوء فوق الطاولة.. إلى إضاءة عامة ليلية خافته قليلاً؛ تترافق بانخفاض أغنية إيرين باباس حتى تتوقف”
شام: – تعبت؛ بِدِّي نام؛ آسفِه.. تَختِي مِفرِد؛ ما رَح يسَع تنِين.
آرام: – التخت المفرد بيِسَع اتنين بيحبّوا بعضهم.
شام: – بعرف إنك بتحبنِي أكتر من أيّ شي بالدنيا.
آرام: – ومشتقلِك.
شام: – افهمني يا آرام؛ صرت أكرَه جسمي؛ أكرَه أنوثتي.
آرام “يحضنها برفق”: – أنا اللِّي بفهمِك؛ كان يومِك مليان مُفاجئات؛ أحلى ما فيها.. معرَضِك الأول في باريس.
شام: – أحلى ما فيها.. إنت.
آرام “يُمسِك بيديها”: – هادا أحلى تاني يوم بحياتي.. لمّا لقيتِك من جديد.
شام: – وأول يوم.. شو كان؟.
آرام: – أول يوم.. لمّا شِفتِك باعتصام الشموع في الشام.
شام: – من هَدَاك اليوم.. لهاليوم؛ كبِرنَا تِسع سنين.. يا آرام.
آرام: – حاسِس حالي.. كبِرت تسعين سنه.
شام: – حَاسِّه حالي.. كِتلِة قَهِر؛ بَعد نِصّ مليون قتيل؛ وربع مليون معتقل ومختفي قسرياً؛ و10 ملايين مهَجَّر؛ بَعد.. بَلَد مدَمَّر.
آرام “يُقبِّلها في جبينها”: – روحي ارتاحي يا شام؛ إنتِ فارطَه مِن تعبِك.
– تصبح على خير.
– وإنتِ من أهلُه.. يا شام.
“تبدأ موسيقى “مسار” للثلاثي جبران”.
*- المشهد 11
“تخرج شام نحو غرفة نومها؛ تنخفض الإضاءة تدريجياً مع إطفاء آرام لبقايا الشموع؛ لا يتبقّى سوى بقعة ضوء خافته فوق الأريكة؛ يجلس.. يخلع حذاءه؛ وقميصه؛ يضعهما جانباً؛ ينحني مُتكئاً بذراعيه على فخذيه واضعاً رأسه بين يديه”
شام “تصرخ من غرفتها”: – لاااااااااااا
“يندفع آرام باتجاه غرفة شام؛ تندفع شام نحوه خارجةً إليه بقميص نوم أبيض؛ يلتقيان في منتصف الخشبة؛ مع بقعة ضوء تتصاعد إضاءتها تدريجياً”
آرام: – شو صار؟.
شام: – احضنِّي يا آرام.
“يحضِنُهَا.. يُحاوِل تهدئتها بلمسات أصابعه في شعرها”
شام: – من خمس سنين.. ما بلحِّق إغفا حتى شوف كابوس.
آرام: – كابوس.. مِتِل شُو؟
شام “تشير إلى لوحتها.. تذهب نحوها.. ترتفع تدريجياً إنارةُ بقعة الضوء فوق لوحتها”: – كلّ ما بلَّشِت أرسم لوحة.. بشوف كوابيس كِلهَا اغتصاب.
“تجلس شام على كُرسِيّ الرسم مُتهالِكَةً؛ عيناها تنظران في فراغ لا نهائي؛ بينما يتقدَّم آرام نحوها.. يضع من الخلف يديه على كتفيها ويبدأ بتدليكهما بهدوء”
شام: – كلّ ما خلّصِت لوحه.. بشوف كابوس فيه سكين كبيرة ونازلِه طَعِن باللوحة؛ “تُمسِك بريشة رسم؛ كما لو أنها تُمسِك بسكين”: هيك.. هيك.. هيك.
“من خلفها.. يُمسِك آرام بيدها الطالعة في الهواء لتطعن لوحتها؛ يأخذ الريشة بهدوء من بين أصابعها؛ يلتفّ نحوها وهو يُقبّل أصابعها”: – إهدي.. يا شام؛ إهدي. “تنهار شام على كتفيه وهي تبكي بصمت”
– ما عَمّ إقدر نام؛ بقوم بنِصّ الليل.. بضَلّ إرسُم؛ إرسُم.. ليطلع الضَو؛ وبَس يطلع الضَو.. بِغفَى.
“تُشير الى النافذة حيث تبدو باريس مع برجها ليلاً”:
– أديش باريس حلوة في الليل؟.. صرت إكرهها.
آرام: – ما رِحتِ لعند طبيب نفسي؟.
شام “تهزّ رأسها بالنفي؛ تنزل من الكرسي”: – إنت طبيب روحي؛ حِبنِي من جديد.. يا آرام.
آرام “يسحبها نحو غرفتها”: – أنا جَنبِك.. وبحِبِّك؛ رَح حِبّك أكتَر مِن أوّل مرَّه؛ أكتر من كلّ مرّة.
“تنهار شام بين يديه قبل باب غرفتها الحقيقي أو الافتراضي؛ يحمِلُها آرام بين يديه ويدخل بها إلى الكواليس؛ تخفُت إضاءة البقعة الجانبية وتبقى الإضاءة العامة الليلية الخافتة.. تبدو باريس وبرجها من النافذة مُتلألئة في الليل”.
“أغنية فرنسية: تحت سماء باريس – إديث بياف”.
*- المشهد 12
“يعود آرام من الداخل بعد أن اطمأنّ على شام؛ يستلقي على الأريكه؛ يسحب اللِحاف فوقه؛ ينام مع نهاية الأغنية؛ تتغيّر إضاءة الصورة الباريسية الليلية تدريجياً وببطء إلى إضاءة نهاريّة؛ الصورة ذاتها بلقطتين: ليلية ونهارية؛ موسيقى مع أصوات موج بَحر خافت.. ترتفع تدريجياً”
“آرام.. يتلوَّى في نومه؛ يتموَّج جسدُه؛ تتحرَّك يداه كأنما تُعَارِكان الأمواج؛ يتحشرج تنفسُه؛ وكأنما يُصارِع الغرق في بحرٍ لا نهاية له؛ يكاد يختنق.. يصرخ”: – لاااااااااااااا
“تندفع شام نحوه بثوب نومها الأبيض من غرفتها وقد سَمِعَت صرخته؛ تنحي عليه؛ تهزُّه”: – فِيق آرام.. فِيق.
“يستفيق آرام وأنفاسًه تتحشرَج وكأنه يختنق؛ تأخذ شام بيديه ليجلس”:
– عَم تشوف كابوس.. ما هِيك؟.
“آرام.. يهزّ رأسه بنعم؛ يُحاوِل ان يأخذ نفساً عميقاً”: – حَاسِس صدري مليان مَيِّه مالحَه.
شام “تجلس بجانبه.. تأخذ يده في حضنها”: – لازم نِحكِي لبَعض كوابِيسنَا.. منشان نطلَع منها.
“تذهب شام إلى زاوية المسرح اليمنى؛ حيث لُفافة قماش زرقاء مُعلَّقه ما بين كالوسين؛ القماش بعرض 60 – 80 سم؛ تبدأ بسحب القماش الأزرق على امتداد مُقدمة المسرح بخطواتٍ مُتراجِعَة حتى الزاوية الأخرى؛ تبدأ موسيقى “لا مير”:
“تتغيّر الإضاءة تدريجياً إلى بُقعتي ضوء جانبيّتَين من عُمق الكواليس.. تُضِيئان القماشة وشام وبعضاً من آرام كلّما اقتربَ أو ابتعدَ عنها؛ بينما يحكي عن تغريبته البحريّة؛ فيما تبدأ شام بهزّ القماشة إلى فوق وتحت بحركة بطيئة أولاً؛ ثمّ بحركة تصاعدية كأنما تُحاكِي بصرياً مَوج البحر”
آرام “وهو يتقدّم نحو مقدمة المسرح؛ يتحرّك بمُحاذاة القماشة الزرقاء”:
– أخدنا المهرّب لشَط قريب من “طِروادة” قبل طلوع الضَو بِشَوَيّ؛ لَبَّسًونا سِترَات نَجَاة.. طِلِع نِصهَا مزَيَّف؛ حشرونا 40 شخص بينهم أطفال ونساء في مركب مطاطي بيسع 10 أشخاص؛ كان الجَوّ رَايِق؛ شويِّة غِيم فوق البحر؛ سَاق البِلم واحد مِنَّا؛ وبعد ربع ساعة.. إجتنا موجة عاليِه شَوَي؛ صار الغِيم أكتَر.. حَجَب شمس الصِبِح عنَّا؛ مال البِلم فينا؛ موجة تانية أعلى؛ صارت السَمَا تمطِّر علينا؛ مِن فُوقنَا مَي.. ومن تحتنا مي؛ صاح جَنبِي شَبّ من بانياس: – الله يستِرنا من المُوجِه السابعه.
“يُتابِع آرام وهو يهتزّ من جانبٍ إلى جانب؛ كلَّما مالَ البِلم بهم”:
– واحد.. تنين.. ثلاثه.. أربعه.. خمسه.. سته.. مع الموجة السابعه.. انقلَب البِلم فينا؛ صِرنا كِلنا جُوَّا المِلح والزَبَد؛ حَبَست نَفَسِي؛ لمَحت جَنبِي مَرَا عَم تتخبَّط؛ أخَدِت إيدها بقوِّه؛ حاولت طَالِعهَا لتاخُد نَفَس؛ قَلبِتنَا مُوجِه تامنِه؛ صارِت أتقَل من أوّل؛ حَسِّيتهَا عَم تِسحَبنِي معها.. لَتَحت؛ لَجُوَّا البحر؛ حاولت إرفَعهَا؛ قَلبِتنِي المُوجِه التاسعة؛ ما عِدِت شُوفهَا؛ ما عِدِت إقدِر أنقِذهَا؛ طلِعِت لفوق.. يا دُوب أخَدِت نَفَس؛ إصطَدَم راسِي.. براس حَدَا؛ يِمكِن بصخره؛ يمكِن بِجِثِّة حدا؛ يمكِن بموتور البِلم؛ تلاشى إحساسي بوزني.. ما عِدِت حِسّ بطعم المِلح؛ كأنّي.. استسلَمِت للموت؛ يِمكِن شِفت حالي عَم إنزِل شَوَي.. شَوَي لقاع البحر؛ وغِبت عن الوعي؛ فِقت بَعد دَهر بمستوصف يوناني؛ ما كان حَدَا جَنبي غير طابور جثث؛ كيس أسود ورا كيس.
“آرام ينهار على أرضيّة المسرح.. سيبدو رأسُهُ للجمهور فوق الستارة الزرقاء؛ وجسدُه تحتها؛ شام.. تُردِّد مقطعاً للشاعر ت. س. إليوت: الموت بالماء – من قصيدته: الأرض الخراب.. وهي تطوي القماشة الزرقاء لتُعيدها إلى مكانها في الكالوس المُقابِل؛ بينما تعرِض الشاشة ترجمةَ القصيدة إلى الفرنسية أو غيرها من اللغات بحسب مكان العرض”:
“فليباس الفينيقي،
مَيتٌ منذ أسبوعين،
نَسِيَ صَخَبَ النوارس،
ولُجَّةَ البحرِ العميق
والربحَ.. والخساره.
تيارٌ.. في قَعرِ البحرِ
فكَّكَ عِظامَه؛
وإذ.. راحَ يَعلُو ويَخِفُّ
مَرَّ بمراحلِ شيخوخته والشباب
وهو يَلِجُ الدوَّامَه
أنتَ.. يا مَن تُدِيرُ الدفَّةَ
وتنظرُ صَوبَ الريح،
تأمَّل “فليباس” الفينيقيّ
الذي كان يوماً.. وَسِيماً وفارِعاً مِثلَك”.
“بينما تعرض الشاشة مونتاجاً لرحلات الموت البحرية؛ تعود شام.. لتحتضن آرام.. تنخفض الإضاءة تدريجياً؛ الشاشة تتابع عرض مونتاج التغريبة البحرية بالترافق مع الموسيقى”.
*- المشهد 13
“تنحني شام نحو أرام؛ تأخذ بيده لينهض من مكانه”:
– قوم يا آرام.. صار وقت نروح للبوليس تقدِّم أوراقَك.
آرام: – تعبان يا شام.. بكرا منروح.
شام: – لأ.. اليوم؛ طلعنا مظاهرات منشان يتطبّق القانون ع الكلّ.
“ينهض آرام.. تأخذه شام نحو الطاولة؛ تخفت الإضاءة تدريجياً”
شام: – قعود هون.
“تُجلِسُه على الكرسيّ وظهرُه للجمهور؛ تسحب كرسياً إلى جانبه”
شام: – وأنا بقعُد هون.. منشان ترجملك.
“تجلس بجانبه مُعطِيةً ظهرها للجمهور أيضاً؛ تخفت الإضاءة إلى درجة يظهران فيها كخيالين؛ بينما تظهر على الشاشة محققة فرنسية -يُمكن أن تُؤدّي شام نفسها دور المحققة في الفيديو المعروض- الحوار يجري بإيقاع متواتر وسريع”
المُحققة الفرنسية: – اسمَك؟.
أرام: – آرام السوري.
المحققة: – عمرَك؟.
آرام: – خمسة آلاف سنه.
المحققة “تتوقف عن التسجيل مُستغربةً”: – شو قلت؟!.
شام “تُترجم بالفرنسية”: – تلاتين سنة.
المُحققة: – دخلت فرنسا بطريقة غير مشروعة؛ منِين جِيت.
آرام: – من اليونان.
المحققة: – وقبل اليونان؟.
آرام: – كنت في تركيا؛ وقبلها في سوريا؛ وهربت من النظام؛ بعدين من داعش.
المحققة “بردّة فعل واضحة”: – من داعش؟.
آرام: – كنت مُعتقل عند داعش؛ بعدين استتابوني؛ مثّلت إنِّي تِبت.
المحققة: – شو يعني.. تِبت؟!.
شام: – أوهَمهُم إنّو صار مِتلهُم.
المحققة “تهزّ رأسها”: – وشُو كمان؟.
آرام: – حَطّوني بوكالة أعماق؛ بمكتبهم الإعلامي يعني؛ كلّفوني بتصوير احتلالهم لجرابلس.
شام: – مدينة في شمال سوريا.
المحققة: – صوَّرت لصالحهم يعني؟.
آرام: – عملت حالي عَم صَوِّر؛ بَس هربت منهم؛ وبعدين عبرت الحدود لتركيا.
المحققة: – بتركيا ما حققوا معك؟.
آرام: – كانت الحدود مفتوحة؛ دخلت مع آلاف من السوريين الهربانين من النظام ومن داعش.
المحققة: – قصدي.. ما حققوا معك لتعاونك مع داعش.
آرام “يقف مُستنكِراً”: – ما تعاونت معهم؛ أجبروني أو.. يقتلوني.
المحققة “تدق جرساً على مكتبها”: – اقعُد.. لو سمحت.
“تشدّه شام من يده”: – إقعود يا آرام.. ما في داعي تنفعل.
آرام “يظلّ واقفاً”: – أنا مو داعشي.. أنا ناشط سِلمِي.
“يدخل رجل أمن يُخفِي وجهه؛ يضع القيد في معصميه ويقتاده نزولاً من الخشبة إلى الممرّ ما بين الجمهور”
شام “تصرخ في المحققة”: – لوين آخدِينُه.
المحققة “ترفع يدها بانتهاء المقابلة”: – ما عاد من اختصاصنا.
“تصرخ شام باتجاه الشاشة حيث تختفي المحققة”: – نحنا.. مو داعش.
“ثمّ باتجاه الجمهور حيث يُكمل آرام خروجه من الصالة برفقة رجل الأمن؛ بينما يتوالى على الشاشة وراء شام.. مونتاج للمظاهرات الأولى في الثورة السورية؛ تجلس في منتصف مقدمة الشاشة ورجلاها متدليتان من حيث نزل آرام؛ تُتابِع بصوت خافت ومقهور.. وفي العتمة كظلِّ من ظلال ما يُعرَض على الشاشة”
شام: – طلعنا بمظاهرات سلميّة.. طلعنا بالشموع؛ وَزَّعنا الورد على الجنود؛ وزَّعنا عِبوَات المَي؛ ردّوا علينا بالكلاشينكوف؛ قصفونا من الجَوّ ببراميل محشيِّة نترات الأمونيوم وخردة ومسامير؛ قصفوا بيوتنا ومدارسنا وأفراننا بالمدفعية والصواريخ؛ قصفونا بالكيماوي؛ نسِيتوا كلّ شِي عِملُوا النظام فينا؟!.. صارت داعش هِيّي الفَزَّاعة؟!.
شام “تقف”: – نحنا.. مُو داعش؛ نحنا الناجين من المُعتَقَلات؛ من المجازر؛ من القصف والتدمير والكيماوي؛ نحنا الناجين من قوارب الموت؛ من قرارات الأمم المتحدة اللِّي كلها حبر على ورق؛ نحنا ضحايا حكومات تتباهى بالديمقراطية؛ ولمَّا منطالِب فيها لبلدنا ما بتسمعنا”.
“تمضي شام نحو لوحتها غير المُكتملة؛ بقعة ضوء عليها فقط؛ تأخذ ريشةً في يدها؛ ترسم شام باللون الأحمر علامة استفهام كبيرة.. نقطتها.. كنقطة الدم حين ترشها رشاً بالريشة”.
شام: – يا خوفي.. ما عاد نلتقي مرَّه تَالتِه يا آرام.
“بينما تعرض الشاشة الأغنية الفرنسية: نهضت سيدة دمشق هذا الصباح..
“شام تتجمّد فوق كرسيها؛ حتى يدخل آرام من الصالة مُخترقاً الجمهور؛ يصعد نحوها من المكان الذي نزل منه؛ يأخذ يدها لتحيّة الجمهور؛ بينما يتواصل عرض الأغنية حتى النهاية”.
*- بيزانسون 2018 ق.م الحرية.
*- جميع حقوق النشر والإنتاج الفنّي محفوظة في فرنسا للمؤلف والمترجمين.
*- ترجمها إلى الفرنسية: فرات سمّان – تصميم الغلاف: أنمار النابلسي.