محود أبو حامد: “أوراق برلين” لـ نهاد سيريس.. رواية تحاكي عنوانها بصور من حلب

0

من يعرف كاتب الدراما السوري نهاد سيريس وتجربته الروائية الغنية، سيلتفت إلى العنوان: هل كتب هذه الرواية من خارج بلاده، هل كتب لها وعنها ضمن أوراقه “البرلينية” الألمانية؟

لكنه لن يتأخر في الوقوف عند عتبة العنوان، فمن الصفحات الأولى يضعه الروائي في أجواء “غربته”، وتفاصيل غرفته والحي الذي يعيش فيه، ويشركه في يومياته ومشاهداته المكانية، وتصفّح أوراقه على إيقاع زمنه الوقائعي وصدى هذا الإيقاع الخاص بتداعياته التي قد تتجاوز المألوف.

من تفاصيل اللوحة المعلقة في غرفته، يفتح صفحته أو ورقته الأولى عن “كريستا” التي دفعها حبها للتصوير إلى السفر لكولومبيا لتصوير غاباتها وكائناتها الغريبة، ويتحدث عن هذه الرحلة وكيف عضّتها حشرة سامة واستطاعت الوصول عبر نهر -لا يذكر اسمه- في قارب ٍمصنوع من جذع شجرة “ماهوغاني”، إلى أقرب قرية فيها مستوصف.. وأُنقذت، وأُنقذت رجلها من البتر.

قد يتساءل القارئ ما علاقتي وعلاقة أوراق برلين برحلة كريستا إلى غابات كولومبيا؟ لكنه سيكتشف بعد حين أن الكاتب يحاكي أوراقه بصور من برلين وحلب، ويوزع أحداث روايته ضمن مسارين سرديين، الأول عبر تفاصيل حياته اليومية، ومن نقط ارتكاز فيها، يتداعى نحو المسار السردي الثاني عن حياة شخصيات يعتقد، للوهلة الأولى، أنها من صنعه “التخييلي”، لكن الكاتب يعود ليربطها بيوميات السارد الذي يتعايش معها حد الإيحاء بالسيّرية التي تستعيد طفولته وتسجّل يومياته، لكنها لا تتوسل تصنيف الرواية المتداخلة “بحرفية” بين المشهدية وأدب الرحلات، واستعادة التاريخ واستحضاره، والتوثيق والتسجيل والسيناريوهات والقصص والحكايات الشعبية، وحتى الخرافية أيضاً، في تجربة قد تكون جديدة للكاتب.

الصداقات الألمانية 

يبدو واضحاً من الصفحات الأولى إصرار الروائي سيريس على المشهدية، وربط السارد بزمنه الوقائي، وربط شخصياته بيومياته، فمن اللوحة المعلقة في غرفته انتقل إلى حديثه عن كريستا التي يذهب لزيارتها في اليوم التالي “دون موعد”، وكونها لم تكن في البيت، تستقبله أمها “هيلدا” التي ستحدثه عن طفولتها وحياتها وحياة أسرتها.. وبذلك يفتح ورقة من أوراق الحرب في ألمانيا، وتظهر على السطح أيضاً، وحتى عند شخصيات الرواية، اهتماماته وهواجسه:

“ – لماذا تهتم بالحرب؟

– أنا مهتمٌّ بما كان يحصل في ألمانيا أثناء الحرب، ومهتم بالدمار الذي تحدثه الحروب، فإنت تعرفين أني قدمت من بلد تدور فيه حرب مدمرة”.

مرحلة الحرب في طفولة هيلدا كانت مرعبة، وفيها تفاصيل مقززة عن الموت والجثث والجوع والتشرد.. والدمار الذي خلفه القصف للمدينة، والجرائم البشعة التي ارتكبها الجيش الروسي اثناء احتلاله لبلدتهم من سرقة وقتل ونهب واغتصاب للبنات والنساء.. لكنه لا يحد المكان أو المدينة أو القرية التي كانت فيها، في حين يحدد المدينة “بانكو” والقرية “كارو” في توثيقه لمشاهدات جدّها لأنتونيا للتداعيات التي خلّفتها الحرب هناك!

بعد خروجه من بيت كريستا، وتسجيله لحديث أمها عن مرحلة الحرب العالمية الثانية في طفولتها عام 1944، يذهب إلى مكتبة مختصة بأدب المثليين، يشتري كتاباً عن تربية الأطفال ليقدمه هدية لصديقتيه “كاتيا وأنتونيا”، ومع تقليبه لصفحات الكتاب، يفتح ورقة جديدة من أوراقه، يتحدث فيها عن مساعدتهما له في تقديم صفحات لمشاهدات أجدادهما عن الحرب؛ وعن تفاصيل العلاقة المثلية بينمها، وصولاً إلى العلاقة بين كاتيا وتوماس أخيها لأنتونيا للحصول على طفل لهما من إنجاب حقيقي بدل التبني.. كانتا تريدان طفلاً من لحم ودم إحداهما.

كريستا وهيلدا

من مهاتفة كريستا له وهو في المقهى، يتابع الحديث عن وضعها الحالي، وكيف تعمل على إخراج مسرحية “كلهم أبنائي” لآرثر ميللر، كان إيليا كازان أول من أخرجها.. ولكن للأسف في اللقاء الواقعي الحميمي في الرواية تكون نهاية العلاقة، إذ تخبره أنها ستعود لصديقها القديم “غونتر” الموسيقي البوهيمي الكبير، بعد أن اقتنع بالزواج منها لإنجاب طفل شرعي، كما كانت تحب وتريد، والمفارقة أن السارد يعتبر ماحدث “مهانة وحزناً” له، رغم أن كريستا اعتبرته صديقاً طوال العلاقة، في حين أن أمها هيلدا تفضله عن الموسيقي المتشرد، كما تقول، وترى أن السارد رغم “وضعه” يمكنه أن يوفر لابنتها طفلاً دون الزواج بها.. وهذا يجرها من جديد إلى الحديث عن الحرب وتداعياتها والتحولات الاجتماعية الجذرية في ألمانيا التي أدت إلى تمتع المرأة بحرية مطلقة في اختياراتها العاطفية والزوجية، وحتى الحمل بدون زواج، كما حصل مع هيلدا التي أنجبت كريستا دون أب لها.

وستتوضح للقارئ أن السارد، الذي تعرف عليه أصدقاؤه الألمان ككاتب يقرأ في منتديات برلين نصوصاً عن أجواء الحرب في حلب.. هو روائي أيضاً وداخل الرواية يقوم بكتابة رواية.. وسيكتشف القارئ أن أي تفصيل، وحتى جنسي، أو أي حدث أو حوار أو صورة أو كتاب أو لوحة..كلها تصب في مسارات الرواية وتعززها وصولاً لنهايتها.. وليعزز مساراته السردية أيضاً، يلتقي بأشخاص جاؤوا قديماً من سوريا إلى ألمانيا، مثل “هنادي” التي التقاها مصادفة، وقصة والدها الذي تزوج من ألمانية وذهبت معه بعد حرب  1944 لتعيش في حلب، في حين عادت هنادي في التسعينيات لتحصل على جنسية أمها المتوفاة وتستقر في برلين.. كما ويلتقي بأشخاص تشردوا وجاؤوا من سوريا بسبب الحرب المستمرة فيها، وأهمهم كان “صبري” الذي سيشغل حيزاً مهماً من حديث الروائي عن الحرب في سوريا.

الشرقية والغربية

إذا كان ثمة التقاط للحظة، أو التقاط لصورة.. فهل ثمة التقاط لتقاطعات تاريخية؟

لم يكتف الروائي نهاد سيريس بعقد مقارنات ومقاربات بين تداعيات الحرب في ألمانيا وتداعيات الحرب في سوريا، بل التقط تلك التقاطعات بين الحرب في برلين بشطريها، وانقسام مدينة حلب أيضاً إلى شرقية وغربية.. فهل هذا الانشطار في حلب شكل مرحلة تاريخية لها سماتها وخصوصياتها كما في برلين؟

ثمة تجارب عالمية وعربية مشابهة، أكانت في الدول أو المدن، كالكوريتين وشطري اليمن والسودان وجنوبها.. وربما الأقرب للتجربة البرلينية هي بيروت الشرقية والغربية، في حين يشتغل الكاتب نهاد سيريس في روايته على مقارنتها بشطري حلب، ويسعى إلى تأكيد ذلك عبر الأحداث والصور، فالسارد يقول مثلاً: “الانتقال من حلب الشرقية إلى الغربية ليس بالأمر السهل، فقد كان قنّاصو الجيش يتمركزون على أسطح الأبنية العالية لقنص الناس..”. وفي بحث أسرة “صبري” عن شيخة تضرب بالمندل لتعرف أين مصير ابنها المنشق عن الجيش، قالت أخته: “لا يمكن اجتياز الحدود بين الغربية والشرقية بسبب المعارك التي تجري هناك”. كما ويعتمد ” السارد ” على سلسلة من الصور التقطها بنفسه في حلب بشطريها، تؤرخ لذلك الدمار الرهيب الذي حلّ بمرابع الطفولة والمدارس “ميسلون” والمعالم الأثرية والأبنية الجميلة والساحات والأبواب والمساجد والحدائق، والسوق “الِمْدينة” عصب حياتهم.. والقلعة بقنواتها المائية التي تشبه مترو الأنفاق في برلين.. يسردها بتداعٍ حزين وشفيف وموجع.. ضمن شريط مصور يربط تلك الأمكنة المدمرة بتفاصيل من طفولته ونشأته وحياة أسرته وتاريخها في حلب “..سردابُ  معتم ، كان هذا جزءاً من قناة حلب التي تتشعب تحت بيوت المدينة مثل مترو الأنفاق الآن في برلين..”.

يستعيد ويستحضر الروائي التاريخ البعيد في ألمانيا، منذ الحرب العالمية الأولى والثانية، والتاريخ القريب في سوريا منذ بداية حربها التي مازالت مستمرة.. وبحيادية العارف يحمّل كل الأطراف أسباب هذا الدمار، ويكون سبب هروب بطله “صبري” خارج سوريا، لأنه لا يريد أن يظل في الجيش ويستمر بقصف المدنيين بدبابته، ولا يريد أن ينضم إلى الجيش الحر.. كما ويشير إلى نجاة “صبري” وأصدقائه الموسيقيين والمغنين من “المُلتحين” الذين كسّروا أدواتهم الموسيقية لأن الموسيقا حرام، وكيف تم ذلك بمساعدة مقاتلين غير ملتحين.. وبحيادية العارف يتحدث عن يوميات الحرب من خلال صوره: صور مرعبة لأجزاء من حلب القديمة المدمرة.. صور لمقاتلين يلبسون الثياب المدنية ويعصبون رؤوسهم بالكوفيّات.. وإعلانات ّ تحذر من خطر القنّاص وبراميل  رُسم عليها علم الثورة ذو النجوم الحمر ليمشي المارة في محاذاتها.. كما ويتابع أخبار الحرب في سوريا من وسائل الاعلام، ومن أشخاص جاؤوا إلى ألمانيا بسببها، “قالا: إن الجيش استعمل أمس الغازات السامة مرة أخرى.”. ويتابع تداعياتها عبر حياة أشخاص جاؤوا إلى برلين ينتمون إلى مشارب مختلفة، تشير إلى ذلك أسماؤهم ودراساتهم وأعمالهم، واهتماماتهم وسلوكهم اليومي في برلين.

بين ثقافتين

لا يحدد الروائي اسماً للسارد، ويشير سريعاً إلى موت زوجته وتركها لثلاثة أبناء متفرقين في عدة دول تحيل قوانين تلك الدول دون وجودهم في مكان واحد.. ولا يذكر إطلاقاً كلمة “لاجئ” ولا كيف يعيش ومن أين؟ رغم أنه يعيش مرفهاً إلى حد ما، والفارق بينه وبين أصدقائه الألمان فقط بيته وعدم ملكيته لسيارة.. ولا يشير إلى أي إشكاليات أو ملاحظات في علاقة اللاجئ مع مجتمع جديد وثقافة جديدة..

يركز الكاتب خلال حديثه عن حلب على الجوانب التاريخية والحضارية العريقة لمدينته، وفنونها المعمارية عامة، والقلعة خاصة، وأسواقها وساحاتها ومعالمها.. وجماليات الحياة فيها، ويؤكد على التراث الفني الموسيقي والغنائي عبر شخوصه، فالسارد منذ طفولته حتى وصوله إلى برلين وفي برلين يفصّل في الحديث عن هذا التراث العريق ويشيد بأساطينه.. ويدرجه في يومياته، وحتى صبري يروي حكاية من حكاياته عن الفرقة الغنائية التي تحاصر معها أثناء الحرب.

ويحرص الكاتب على تميّز شخصية السارد أو بطل الرواية، فهو مثقف “شمولي” وحساس ومؤدب وكاتب ومتابع للفنون البصرية والسمعية، وناقد تشكيلي أيضاً؛ ويغذي مساراته السردية بقراءات ونقاشات وحوارات، وحضور مسرحيات وحفلات موسيقية وغنائية، وباهتمامه بكتب عن الفن المعماري، ككتاب “Arab Conteporarz” وروايات لكتّاب ألمان مثل رواية فابيان لإريش كستنر، والحارس في حقل الشوفان للروائي سالنجر، وبمشاهدته للوحات “جورج غروس”، وصور الفنّان “أوتو ديكس” الذي يفرد له عدة صفحات.

ولا يتوقف تعزيز المسار الخاص بالتصوير، الذي يتكئ عليه السارد في تناوله لتداعيات الحرب في حلب، على رحلة كريستا لكولومبيا لتصوير الغابات، ومشاهداته لصور الفنان “هنريش زيللة”، بل يفرد ورقة كاملة لشخصية جديدة يضيفها على صداقاته الألمانية، حيث يلتقي مصادفة بعجوز اسمه “والتر هاسّه” وربما هذا الاسم الثنائي الوحيد في الرواية، يجمع صوراً تغطي معظم فترات حياة زوجته، وتشغله فكرة الاحتفاظ بها، فتكون نصيحة السارد بأن يكتب وصية لدفنها معه في قبره، وتروق لهاسّة الفكرة جداً، ويصير من أصدقاء السارد.

الثقافة الجنسية بكل تفرعاتها، محور رئيسي في الرواية، وبالأخص الحرية الجنسية عند المرأة في ألمانيا التي كانت من نتائج الحربين فيها، وربما ثمة خلاف على المغالاة في هذه الحرية بين الثقافات، إلا أن السارد يعيشها بتشعباتها ويتخذ منها موقفاً واضحاً، فهو لا يبدي إعجابه بشجاعة روائي أردني  كتَبَ رواية مثلية في بلد عربي وحسب، بل يكوّن صداقة حميمية مع مثليتين “كاتيا وأنتونيا”.. ولايكتفي بسرد حالات إنجاب أطفال دون زواج، بل يفعل ذلك أيضاً، وكما يعزز مساراته المشهدية، يعزز أيضاً مسار علاقته بكريستا، بدءاً من والدتها التي تربيها دون أب لها ويشكل ذلك لها”عقدة” أو ردة فعل لكنها لا تكتمل مع نهاية الرواية.. ومروراً بطفلة كاتيا وأنتونيا، وحتى صديقته الجديدة فلورا كانت قد حملت أيضاً ضمن علاقة عابرة، وأنجبت طفلة قام جدّاها بتربيتها.

والمفارقة الأولى هي أن كريستا تحمل من السارد في لقائهما الأخير، رغم أنها تركته وتزوجت شرعاً من الموسيقي البوهيمي  كي تتجاوز عقدة أنها عاشت بلا أب!

والمفارقة الثانية أن كريستا وزوجها لم يهمهما أن السارد هو والد الطفل الحقيقي، وإنما هما سعيدان كون شعره أسود وعيناه بنّيتين وبشرته سمراء..

 والمفارقة الثالثة هي أن السارد يطلق على المولود الجديد اسم “عمر” وينال الاسم موافقة وإعجاب الزوجين الألمانيين، ولماذا عمر لا أدري؟ رغم أن الروائي لا يذكر اسم السارد في الرواية، ولا يذكر أيضاً الأسماء الثنائية أو أسماء عائلة شخوصه، ولا يهتم برمزية أغلب الأسماء، وقد يدل اسم صبري على صبره طوال هروبه من الحرب، والنور للشيخة نوران، والحلم للجنية أحلام، لكن باقي الأسماء عادية لسوريين مثل ماجد وإلياس وعبد القادر، وأسماء فيها تهكم كاسم شحرور للكلب، وغرابة كعجيبة وبديلة ومحترمة أسماء أخوات صبري.

أسئلة الترجمة

في الرواية ثمة تفاصيل وإشارات تجبرك على تقصيّها.. منها الضروري والمستمر بقرار، ويغذي المسارات حتى نهاية الرواية، ومنها العفوي، ومنها الانتقائي، ومنها المربك والمثير للأسئلة.. وباختلاف الثقافتين العربية والألمانية، واللغة التي تعبر عن بنائين متباينين في الرواية نفسها.. ما الذي سيثير أسئلة الترجمة عامة، والترجمة إلى الألمانية خاصة؟

ثمة ظواهر لافتة عند الشعب الألماني كصرامة تعاملهم مع القوانين، وإخلاصهم للعلاقة الزوجية، وحبهم للنظام والعمل، وتقديسهم للغتهم وقوميتهم، واهتمامهم الشديد بالأطفال والحيوانات، وخاصة القطط والكلاب.. لكن في الرواية إشارة واحدة للقطط، وتغييب كلي للكلاب التي تعد ضريبة تربيتها في برلين أعلى ضريبة في ألمانيا.. وبالمقابل الكلب  شحرور يرافق صبري طوال رحلته المرعبة والخطيرة، ويلفت حدسه لقدوم الجنية أحلام، وينام قربه، بل ويجلس في حضنه في الحافلة.. وذلك كله بين أناس يعتقد أغلبهم بأن الكلاب نجسة وتفسد طهارتهم.

لقد حاول الروائي نهاد سيريس في شغله على شخصية “صبري” أن يمنحها بعداً (هذيانياً) دون التأكيد على إدانته كمتعاط  للمخدرات أو الحشيش، وبرر سهره اليومي في “الديسكويهات” بأنه مالياً يكون بمساعدة ندمائه الذين يقص عليهم حكاياته الممتعة، واجتماعياً بهروبه مما حدث معه أثناء الحرب في سوريا.. وربما يقبل القارئ هذه النقلة النوعية في السرد والبناء على أنه حديث “معنن” أي على لسان صبري، ورغم تبدل ضمير الروي عدة مرات وتدخل السارد الرئيسي، إلا أن الأجواء تظل في إطار هواجس صبري والحكايات الشعبية، أكان في طفولته وأحلامه، أم في شبابه وفي بحث عائلته عنه، وما فعلت من أجل معرفة ما حل به كالضرب “بالمندل” وتكليف الشيخة نوران برعايته.. وكيف تعيش الأسرة حياتها وتمارس غيبياتها وطقوسها.. بالإضافة إلى الانتقال من حكاية إلى حكاية كما في “ألف ليلة وليلة” ضمن تداع يصب في تعميم علاقة الجن بالإنس، وفي التعبير عن هول الحرب ونتائجها المفزعة والمدمرة..

ولكن في هذا “التثاقف” أي منطق يقنع القارئ الآخر بوجود “جنية” تنقذ صبري ومن معه من الموت عدة مرات وبطرق مختلفة؟ وليس هذا وحسب، بل تحبه وتمارس معه الجنس، ويفض لها بكارتها.. وأخيراً تحمله إلى خارج الحدود السورية بمساعدة  الجن الأحمر.. وحتى لو اعتبرنا أن هذا “مجاز” يدل على استحالة الحياة ضمن هذا الموت المحقق في الحرب السورية دون مساعدة قوة خارقة، إلا أن “الجان” موجود في القرآن وفي السير الشعبية وقناعات المسلمين، وسيقودنا هذا إلى مرجعيات دينية إشكالية ويثير أسئلة ترجمة جديدة.

إذا اتفقنا على إشكالية الترجمة لمواضيع خرافية خارج المنطق العام للبشرية، وإذا استثنينا الجانب الإنساني لتداعيات الحرب في سوريا، والجوانب الجمالية والتراثية التاريخية والمعمارية والفنية والغنائية.. لمدينة حلب، فكيف سيكون التبادل الثقافي بين اللاجئين السورين والشعب الألماني؟ وما هي الإضافات التي سيقدمها كاتب سوري للقارئ الألماني عبر تناوله لتداعيات الحرب العالمية الأولى والثانية التي مرت على بلاده، أو عبر حديثه التفصيلي عن مبدعين وأدباء وفنانين وموسيقيين ومصورين، كما فعل بطل الرواية مع الفنّان “أوتو ديكس” الذي ذهب إلى مدينته وزار بيته خصيصاً، وفرد له صفحات تفصيلية عن حياته وأعماله في أوراقه البرلينية.

سيريس في سطور

نهاد سيريس روائي وكاتب دراما سوري، وُلد في مدينة حلب عام 1950، أصدر العديد من الروايات، منها: رياح الشمال، والسرطان، والكوميديا الفلاحية، وحالة شغف، والصمت والصخب، وأوراق برلين الصادرة عن دار ممدوح عدوان.

تُرجمت بعض رواياته إلى الألمانية والإنكليزية والفرنسية والإيطالية والتشيكية والهولندية والتركية وحصل على جائزة “روكرت” الألمانية.

كتب العديد من الأعمال الدرامية للتلفزيون ومن أبرزها: مسلسل خان الحرير الذي جاء في جزأين، والثريا، والخيط الأبيض، والملاك الثائر (عن حياة جبران خليل جبران) بالإضافة إلى العديد من القصص والمسرحيات والمقالات.

(سوريا)