محمد عبد الرحيم: رحيل نوال السعداوي… الصوت النسائي الأكثر صخباً في مصر والعالم العربي

0

من الناحية النظرية ما زالت الدنيا مفتوحة أمامها، ويمكنها البدء من جديد متى أرادت، مثلها مثل الرجل. ولكن عمليًا سوف تنكفئ على نفسها جراء الخيبات المتكررة، والأرجح أن تبقى وحيدة طيلة حياتها إن لم تكن صغيرة السن، وباهرة الجمال، ومن دون أطفال وطموح على الصعيد الشخصي. كما أنها قد تحتاج إلى طاقة كبيرة لكبت عاطفتها خشية استغلالها من قبل من يريد تجريب حظه مع امرأة أربعينية دون التزامات أخلاقية، وخاصة أنها الأدرى بالعواقب النفسية و/أو الاجتماعية التي ستنال منها حصريًا. فضلًا عن أن قطار الحياة لا ينتظرها، ريثما يكبر أطفالها ويكفوا عن الاحتياج إليها. وبينما يتعامل الناس معها بمزيج من الريبة والخوف والحذر والفضول، نراهم أقرب للشفقة على الرجل المطلّق. يا حرام، من سيعتني به الآن؟! ولكنه سرعان ما يعاود محاولاته الطبيعية والصحية بالارتباط، وليس مستبعدًا أن يبدأ من جديد مع امرأة أصغر سنًا من الأولى، ولكنه سوف يكون هذه المرة أكثر حذرًا باختيار واحدة على قدر أسنانه: غِرّة وبتول. لأنه لن ينسى أن يستقصي تاريخها، قبلة قبلة، قبل أن يقع في الفخ. 

تقولون الآن إن العيب في المحبين وليس في الحب، وعلى الأرجح أنكم محقون. ولكن ماذا نحتاج كي نعيد تأهيل هؤلاء المحبين، ونحفظ كرامة الحب كعاطفة نبيلة تربط بين قلوب البشر؟

من الواضح أن مشاكل الحب التي ذَكرتُها لا يمكن حلها جذريًا على المستوى الفردي فقط. قد نطالب رجالنا أن يقرؤوا أهم عشرين كتاب نِسوي عالمي، على أمل أن يخرجوا قليلًا عن التمركز حول أنفسهم وامتيازاتهم، ويلمسوا جزءًا من معاناتنا، ويعيدوا لنا حقنا بالغضب دون اللجوء الواعي أو اللاواعي إلى تقزيم آرائنا، واللف والدوران حول رغباتنا غير المحققة لتصبح مصدرًا للتهادر المتبادل، بدلًا من أن تكون بداية لتفاهم أعمق أو وئام. ولكننا ندرك منذ الآن أننا لن نلقى التجاوب الكافي من الجميع. لا شك أن هناك رجالًا يحاولون ببطء أن يشتغلوا على أنفسهم، ويعترفون أنهم يتحمّلون جزئيًا مسؤولية تجاوز المسافات بيننا، التي لم يصنعوها بأنفسهم فقط وإنما جاءت نتيجة عملية تأهيل مجتمعية طويلة الأمد. ولكن عدد المحظوظات اللواتي تعثّرن برجلٍ من هذا النوع ليس كبيرًا إلى درجة تتغير معها المعادلة العامة، وأنصحهنّ ألا يَبُحنَ بتجاربهنّ الإيجابية أمامنا، كيلا نصيبهنّ بالعين الحسود.

من أجل حفظ كرامة الحب، سوف نحتاج أولًا إلى الربط بين هموم المرأة الواحدة وهموم جميع النساء، لأنه حين تبقى همومنا حبيسة المجال الخاص، ولا نقدر على البوح بها، سوف نظن أنها مشاكل شخصية بالدرجة الأولى ويتعيّنُ على كل منا أن تحلّها وحيدة. أما حين نعترف أن مشاكل النساء أكثر تشابهًا وتقاطعًا من أن تكون مشاكل فردية، ونخرج بها سوية إلى المجال العام، ونحمّل مسؤوليتها على عاتق المعنيين بها مباشرة وغير المعنيين، أي حين يصبح الشخصيُ سياسيًا، ويتحول الألم الفردي إلى قضية عامة، سوف نكون خطونا خطوتنا الأولى نحو التغيير.

 ينبغي إذن أن نشتغل على عدة مسارات تتقاطع فيما بينها. الأول سياسي/قانوني، والثاني ثقافي/اجتماعي. نحتاج  أولًا أن نغير عن طريق السياسة جميع القوانين الخزعبلية التي تكرس عدم المساواة بين الجنسين. هذا يعني إلغاء قانون الأحوال الشخصية الذي يفضّل الرجل على المرأة في أمور الزواج والطلاق وحضانة الأطفال والإرث والجنسية وغيرها. ليس مجرد تعديل مادة هنا أو مادة هناك، بل نسف القانون برمته. لا شك أن هذا الطريق طويل وشاق، وبخاصة ضمن ظروف انعدام الدولة والديمقراطية والأمان التي يعيشها السوريون والسوريات حاليًا. غير أن طرحه للنقاش في غاية الأهمية، نظرًا لتأثيره السلبي في حال وقع حيز التطبيق أو حتى بقي مجرد حبر على ورق. فالأفكار التي يطرحها القانون خطيرة، ولها تأثيرها النفسي على البشر. من ناحية يجعل القانونُ النساءَ يشعرن بقلة الحيلة والقيمة، فيتقبلّنَ الضيم كالقَدَر، ولا يحاولنَ النهوض بأنفسهنّ والخروج من العلاقات والظروف السامة. ومن ناحية أخرى ينفخُ الرجال، ويجعلهم يشعرون أنهم أكثر أهمية مما هم في حقيقة الأمر. الرجل الذي يصدق أنه قادر على أربع زوجات في آن، سوف يبالغ في هواماته حول قدراته الجنسية، ويتماهى لا شعوريًا مع هارون الرشيد، فيشعر ضمنيًا بالظلم إن اكتفى بامرأة واحدة، وقد يؤثر ذلك على تعامله مع النساء بشكل عام. والرجل الذي يقبل بفكرة أن للذكر مثل حظ الأنثيين، سوف يعتقد عن وعي أو غير وعي أن قيمته ضعف قيمة المرأة، ويتوهم أن كلمته أعلى بالضرورة. من غير الممكن ألّا يكون لقانونٍ يعتمد مبدأ قوامة الرجال على النساء تأثيرٌ على التكوين النفسي للنساء والرجال على حد سواء. كيف استشرَت إذن حالات العنف المادي والمعنوي في جميع أرجاء المجتمع إن لم يكن ثمة تواطؤ بين تسلط ذكوري مُشرَّع وعجز أنثوي مُتعلَّم؟ لذلك لا بد من مواصلة مناقشة قانون الأحوال الشخصية ودحضه وتفنيده إلى ما لا نهاية، حتى ولو تبدّى أن تغييره على المدى القريب أمر غير قابل للتحقق عمليًا. هذه مهمة الجميع، وتحتاج إلى تعاضد النسويات الليبراليات والإسلاميات، فيشتغلن معًا من داخل المنظومة وخارجها، على النخر في القلاع الذكورية. ينبغي أن نرفع سقف مطالبنا، وألا نرضى بقانون يتناول الحب والزواج بلغة أقرب إلى تجارة السلعة، على أمل أن نقدر على اجتثاثه جذريًا مع الأيام.

وسوف نحتاج كذلك أن نشتغل بكثافة على المسار المجتمعي والثقافي لنُخرِجَ الحب من خانة الحرام، أو بالأحرى من خانة الحرام على المرأة دون الرجل. لا يمكن أن يكون هناك حبٌ خال من الخوف ومشاعر الذنب والحسابات غير الرومانسية، طالما أن العلاقة التي تجمع اثنين لا تُخضِعهما لمعايير العفة ذاتها.  ليست صدفة أن تتشبث المرأة عادة بأمثولة الحب الأحادية، وتضع كل ثقلها على أول علاقة دخلتها على حين غفلة، ولم تجد فيها ما تستحقه كإنسانة كاملة القيمة، ولكنها لا تنبذها إلا بعد أن تتأكد أنها شارفت على أن تخسر نفسها. تربّت منذ نعومة أظفارها على أن أول حب هو آخر حب، فيخيب ظنها حين تكتشف أنها أمثولة كاذبة. لا أصدق أن ثمة كثيرات ممن يخرجن بطرًا من علاقة عاطفية، أو يطالبن بالطلاق قبل أن تتقطع جميع السبل. في حين ينحو معظم الرجال إلى التعددية العفوية في استهلاك الحب واستبداله، إلى أن يجدوا من يقنعون بها جمالًا وشبابًا وتواضعًا ليعقدوا معها زواجًا تقليديًا. هذه الفروق بين المعايير المفروضة على الجنسين تؤدي إلى رضوض نفسية واجتماعية يكون للمرأة النصيب الأكبر منها. من ناحية تجد نفسها مطالبة بالحفاظ على عذريتها والابتعاد عن جميع الشبهات، ومن ناحية أخرى مطاردة من قبل ذكور يطلبون ودّها. لن يسعها حلّ هذه المعضلة إلا بالنفاق، حيال النفس أو حيال المجتمع.

ليست المرأة وحدها المضطرة إلى النفاق، بل كذلك الرجل. ذلك أن معايير العفة تنطبق عليه أيضًا، وإن بشكل غير مباشر. هو مطالب بحراسة نسائه، ولكن ماذا عن بنات الناس؟! هل هو مسؤول عنهن أيضًا؟ يعاني الرجل من انفصام سببه تلك المفارقة بين قيمة المرأة قبل أن تصبح امرأته وبعد ذلك. ومن هنا يأتي السؤال المشهور الذي يتداوله الرجال فيما بينهم: «هل ترضى ذلك على أختك؟». من ناحية نراه يفنى من أجل الحصول على خطافة القلوب، ولكن ما إن يتحقق مرامه حتى تتلبسه حالة قلق عجيبة، ويبدأ يشك بقيمة المرأة التي أدخلها لتوه حياته وصارت منه. يسألها مندهشًا: ألم تندمي؟ وكيف لا تندمين؟ وهنا تبدأ عملية عكس شعوره بالنقص إليها. وفي حال استمرت العلاقة أكثر مما قدّر لها الحب، ولم تصبح خراءً منثورًا، لن ينسى أن يفرك الملح في الجرح ويذكرها بين الحين والآخر أنها سقطت. وحتى ولو تَحمَّلَ المسؤولية وتزوج منها في آخر المطاف، ستبقى تلك السقطة سيفًا مسلطًا على رقبتها إلى يوم الدين. والمشكلة أنه كان معها منذ البداية، خطوة خطوة، ويدرك تمامًا أنها لم ترمِ نفسها عليه، ولكن هل يحق لها ما يحق له؟ قد لا ينطبق ما أقوله هنا على جميع الرجال بالطريقة أو بالدرجة نفسها، ولكن أعتقد أن فكرتي وصلت. ومن اللافت في هذا الصدد أن بعض رجالنا الشرقيين مستعدون أن يغيروا فجأة من أنفسهم في حال تسنى لهم الارتباط بامرأة أوروبية/ غربية. يا لعجبنا حين يصبحون متحررين فجأة، ويتخلصون من عقدهم الذكورية، ويحدّون تلقائيًا من ازدواجيتهم وبعض تسلطهم، ويتقبلون المرأة كما هي، بعجرها وبجرها، بماضيها وحاضرها وطموحها، حتى أنهم يبقون مهذبين في حال باءت العلاقة إلى الفشل رغم التنازلات. تصوروا؟! السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لا يفعلون ذلك مع بنات جلدتهم أيضًا؟ وإلى أي غور وصلت بنا التناقضات؟

وطبعًا لم أتكلم بعد عن سلوك بعض الرجال الجنسي. لا أدري لماذا يعتقدون أن المتعة خُلقت من أجلهم فقط؟ يخطر على بالي أحيانًا أن أدخل في عقولهم، لأرى كيف ينظرون إلى المرأة ويتواصلون معها. هل سأستغرب إن اكتشفتُ أن أحدهم يفكر مثلًا أن يكتب رواية يكون قضيبه البطل الحقيقي فيها؟ لا شك أن جسد الرجل يختلف عن جسد المرأة، ولكن ليس إلى تلك الدرجة. ليس إلى درجة ألا تتذوق بعض النساء الذروة طيلة حياتهن الزوجية التي قد تمتد لعقود. يحصل هذا دون أن يشعر الشريك بالمسؤولية حيال ذلك. لا حاجة أن يتعب نفسه، المشكلة عندها. المهم أنه تَخلَّصَ من احتقانه، تصبحين على خير! ولكن ألا تنشأ العلاقة بين شريكين، وتتأثر بهما معًا، تنجح أو تفشل لأسباب تخصهما كثنائي؟ دعونا نفترض أن سلوكه نابع عن جهل بجسد المرأة لا أكثر، وهذا ممكن لأن ليس للمجتمع الذكوري مصلحة بالعناية بالجسد الأنثوي. ولكن لماذا لا يتوانى ذلك الرجل الذي يواجه مشاكل بالانتصاب عن صب غضبه على رأس شريكته، أو حتى إهانتها، لأنها غير قادرة أن تثيره برأيه؟ من قال لهؤلاء إن المرأة في خدمتهم؟! صحيح أن هذين المثالين يستعرضان حالتين قصويين، ولكنهما حقيقيتان، وتُعبّران عن الوضع بفجاجته الصريحة. يحصل أحيانًا أن تشكل الحياة الجنسية عبءًا على المرأة (المتزوجة)، أكثر مما تمنحها الرضى والامتلاء كما ينبغي لحب. هذا هو الأثر الحرفي والمباشر لتشييء المرأة في المخيلة الجمعية لثقافة الحريم.

كما أن لِعالِم النفس فرويد فضل علينا في ذلك. يا ليت كتبه لم تصل إلينا! هاهم شبابنا يتعلمون أن المرأة كائن جنسي سلبي ومُتلقٍ، ولا يمكن أن تكون مبادرة على الإطلاق، وإلا فهي تغار من الذكور. حتى إن بعضهم صار يعرف كيف تفكر وتشعر المرأة أفضل منها هي، لأن فرويد أخبرهم بذلك. وفي حين أحال الغرب أعمال فرويد إلى خانة التراث الفكري الذي بنوا عليه عبر نقده وتطويره، ما زال شبابنا المتنور يصدقون كلماته حرفيًا كما نُزِّلَت إليهم. يتقبلون تلك الأفكار بسهولة، لأنها تدعم ذكورية عريقة لديهم. من أين جاءنا فرويد؟ ألا يكفينا همّنا مع موروثنا الثقافي المحلي؟  

يبدو لي أن الفجوة بين التجربة العملية لكل من الرجال والنساء تجعل كل واحد منهم يغني على ليلاه، كما لو أن الربّ نزل وبلبل لغتهم حتى لا يفهم بعضهم لغة بعض. هي تحمّله مسؤولية معاناتها، وهو لا يفقه ماذا تريد، فيُحيلها إلى الدين أو التقاليد أو فرويد. على عينها ورأسها الدين والتقاليد وفرويد، ولكن ألا تتعامل المرأة مع إنسان من دم ولحم، إنسان واع جدًا لمصالحه وامتيازاته، لا بل يتفوق عليها في كثير من الأحيان بالمعرفة والفرص والإمكانيات؟ أين مسؤوليته كفرد إذن؟ كإنسان عاقل؟ كإنسان أخلاقي؟

رغم احترامي الشديد للتحديات الجبارة، وغير المنصفة أحيانًا، التي يواجهها جميع الرجال في مجتمعاتنا، إلا أني ألمس فرقًا في المعاناة ضمن العلاقات الحميمة. كما ظهر لي، وحسب ملاحظاتي المتواضعة، فإن الرجال الذين يفشلون عاطفيًا يميلون بشكل عام إلى مثلنة المرأة، أي إلى تكوين صورة خرافية في أذهانهم عنها، صورة غير أرضية ومتناقضة في سماتها، القديسة والعاهرة في آن. ويواصلون البحث عنها دون أن يجدوها في أي امرأة واقعية. هم لم يُعانوا فعليًا وعمليًا من أخطاء حقيقية قامت بها امرأة باسم المجتمع في حقهم. هم يعانون فقط من أن الحبيبة الحلم غير موجودة في حيواتهم لتُغرقهم بِحدبها وحنانها وجمالها الأسطوري. المرأة التي يريدونها غير موجودة أصلًا. يا لها من مأساة فعلًا! أما النساء اللواتي فشلنَ عاطفيًا، فيملنَ غالبًا إلى شيطنة الرجل، أي إلى اعتبار جميع الرجال مسؤولين عن أخطاء رجلٍ واحد مستهتر (أو أكثر من رجل) قدّمت له الكثير ولم يحترم كيانها. وتتعزز الشيطنة من خلال ربطها المعقول والمنطقي بين جروحها الطازجة وضعف حصانتها المجتمعية. في رأيي، هذه ردة فعل نفسية واقعية، وصحية في بعض وجوهها، على واقع مُزر بالعموم. تحتاج النساء مؤقتًا إلى شيطنة الرجل كي يحمينَ أنفسهنَّ من رضوض جديدة. وقد يترك ذلك أثرًا مديدًا على موقفهنّ من الحياة، ونظرتهنّ إلى الحب. هذه الهوة بين تجربة النساء والرجال في الحب، تجعل المرأة تظهر كما لو أنها لا تُقدِّر النعمة، بينما الرجل، يا عيني عليه، طالب القرب، والعكس صحيح.

كل الفروق التي ذكرتها حتى الآن بين تجربة الرجال والنساء في الحب لا تنبع عن اختلافات جوهرية بين الأنوثة والذكورة، وإنما عن فروق بنيوية في المكانة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية والتاريخية. نحتاج إذن إلى تحليل علاقة الحب ثقافيًا من منظور يأخذ جميع اعتبارات السلطة بعين الاعتبار، وألا نكتفي باجترار النظريات الرومانسية التي كتبها بعض المفكرين الرجال المدللين عاطفيًا. حيث أنهم لطالما تناسوا أن العواطف تنشأ في بيئات غير محايدة، ولا تنبثق حرة من أعماق الإنسان الفرد. والسبب برأيي أنهم لم يتذوقوا ماهية الكبت والقهر الوجودي الضاغطان على كاهل المرأة. حتى ولو كان الرجل والمرأة مخلوقين ليحبّا بالطريقة ذاتها، إلا أنهما سوف يختلفان تبعًا للتوقعات والتبعات المجتمعية المرتبطة بسلوكهما وخياراتهما. ومع ذلك ينطلق هؤلاء المنظّرون من وضع مثالي خالٍ من الضغوطات والتوترات. كما لو أن الحب بين الرجل والمرأة علاقة ندية في أساسها، ولا تؤثر الأعراف السائدة وموازين السلطة على العِشرة بينهما بعد زوال غشاوة الشهوة الأولى.

من أجل فهم الحب وتحليله بصدق، ينبغي إذن ألّا نتجاهل أصوات النساء وتعبيراتهنّ عن تجاربهن، وألّا نتغافل عن البعد الذكوري لسلوكيات الأفراد حتى ولو انطلقنا مبدئيًا من حسن نواياهم، وألّا ننسى ازدواجية المعايير والميسوجينيا المنتشرة في المجتمع، والتي تؤثر على العلاقة الحميمة بين الرجل والمرأة من دون أدنى شك. الميسوجينيا هي احتقار النساء والاعتقاد بدونيتهنّ مقارنة مع الرجال. ماذا تقولين؟ الميسوجينيا؟ أسمع الآن بعض الرجال يستنكرون: «الميسوجينيا؟ أتقصدينَ كره النساء؟ ماذا إذن عن افتتاننا الحقيقي بوجودكنّ يا معشر النساء؟ ومطارداتنا المريرة لكنّ؟ وتعلّقنا بأذيال أثوابكنّ؟ وماذا عن المعلّقات الشعرية الطويلة التي كتبناها حول ولهنا بأهدابكنّ وعيونكنّ الحوراء؟ ألا تسمّينَ هذا حبًا؟ وحاجتنا العميقة إليكن إذن؟ ماذا تسمينها إن لم تكن حبًا؟». أنا متأكدة أن هذه هي التساؤلات التي تجول في أذهان بعض الرجال حين يسمعون مصطلح ميسوجينيا، كره النساء، للمرة الأولى. وهذا لأن الحب يختلط لديهم بالإثارة الجنسية العابرة التي تتمحور غالبًا حول الرغبات الذاتية أكثر مما تهتم بالآخر. لا، ليس هذا حبًا يا صديقي. الحب هو أن تحترم كياني كإنسانة كاملة القيمة، وتصون حدودي وجسدي وسري ومستقبلي وطموحي، وتحترم عقلي، وتَصْدُقني، وتهتم لتعبي، وتتكلم وتُصغي، وتأخذ وتعطي، وتتعاون من أجلك وأجلي، وتعتذر حين تخطئ، وإن تعذّر كل ذلك أن تنسحب دون أن تدمر ما خلفته وراءك. هل أنت قادر على كل ذلك؟ إذن أنت تعرف الحب!!

في الحقيقة لم يمر عليّ تحليل للحب أقرب إلى قلبي مما كتبته نوال السعداوي في فصل (ما هو الحب؟) من كتابها المرأة والجنس (1972). برأيي ينبغي أن يدخل ذلك الكتاب في «المنهاج الإلزامي» لجميع اليافعين واليافعات. فهو كتاب سهل وصادق ومباشر، ويعالج قضايا أساسية، ويجيب على أسئلة تشغل من لم تعركهم الحياة بعد، وما زالوا منفتحين للتعلم خارج الأطر المتحجرة. في ذلك النص الذي عالجَت فيه مختلف النواحي التي تخص نشأة الفتاة الجنسية، تقول السعداوي: «إن شرطًا من شروط الحب هو التكافؤ، ومعنى التكافؤ هو أن يكون المحبّان متكافئين. إذا كان أحدهما إنسانًا له جسم ونفس وعقل، فلا بد أن يكون الآخر إنسانًا له جسم ونفس وعقل. ولا يمكن للحب أن يحدث بين إنسان متكامل العناصر وبين آخر ليس له إلا جسد فحسب». وتضيف: «الحب أرقى عملية يمارسها الإنسان، لأنه من خلالها تستطيع مكوناته الجسمية والنفسية والعقلية جميعًا أن تمارس أعلى وظائفها تغلغلًا في كيان الإنسان». وتُبيّنُ أن الإنسان الذي لم تنمو عنده جميع هذه المكونات غير قادر على تبادل الحب مع الآخر. هذا يعني أن النضج شرط من شروط الحب، وهذا ما لم يُتحه المجتمع للمرأة بشكل كاف، وما لم ينتفع الرجل منه لعدم قبوله بالآخر كندٍ. إذا كنت لا تعترف بندية الآخر، أو كان الآخر غير قادر أن يكون ندًا لك، فلا يوجد شيء اسمه حب! كما تؤكد السعداوي على أن: «القدرة على الحب تعتمد على قدرة الإنسان على إدراك حرية الشخص الآخر وحقيقته واحترامه». كم نحتاج إلى الأقلام النسائية التي ترسم معالم الحب من منظور الثائرة التي تطمح إلى خلق عالم أكثر حبًا واحترامًا للمرأة! أكرر: حب واحترام! حب واحترام! حيث أنه يوجد احترام من دون حب، ولكن لا يوجد حب من دون احترام. برأيكم، ما الذي يجعل النساء لا يكفنَّ عن التأكيد على مسألة الاحترام في الحب؟

ما زلت لا أدري كيف تجرأتُ أن أكتب عن الحب، عن ذلك الموضوع الشائك الذي يمسنا جميعًا. أتمنى أن تكون لكتابتي قيمة مضافة، من حيث أنها لعبت على أوتار لا نرغب عادة بإثارتها، أو رمت حجرًا في المياه الراكدة. وعلى ذكر المياه الراكدة، لا أعتقد أنها ستبقى كذلك بعد أن بدأت حالات التحرش والعنف المنزلي وانتهاك خصوصية النساء تصل إلى المجال العام وأسماع الناس. جميع هذه الحالات تخاطب آلامًا خاصة جدًا لدى النساء. أتمنى أن يأتي دور الحب قريبًا، ليخرج من قفصه الذهبي، ونتعرَّفَ على تجارب النساء العادية. سوف يحتاج الأمر بداية إلى كسر الصمت. ولا بأس أن نتعلم ممن سبقننا على درب النِسوية. أحد أهم الأدوات التي استخدمتها النسويات الغربيات، على سبيل المثال، كانت حلقات الكلام النسائية. تقول النسوية الهولندية أنيا مولينبيلت في حوار أجريته معها: «لو لم تنظّم حلقات الكلام، لما كان هناك نِسوية، ولما تكلمنا عن المواضيع التي تعنينا». ولقد تناولت حلقات الكلام مواضيع من قبيل الحب والجنس والجسد والجمال والزواج والأمومة والإجهاض والتربية والخيانة الزوجية والطلاق والتدبير المنزلي والعمل غير المأجور والتمكين المهني والتحرش الجنسي والعنف المنزلي وإلى آخره. يبدو أن تلك الحلقات الدورية دفعت النساء نحو وعي أكبر بمشاكلهنّ وبمسؤوليتهن في استمرار العلاقات الاستنزافية، وساعدتهنَّ على الاستشفاء واكتشاف مكامن قوتهنّ. كما شكلت المواضيعُ التي طَرحنَهَا المادةَ الخام للكتابات والشهادات اللاحقة، والتي حضت بدورها على خلق شبكات دعم للمعنفات، وفتحت الطريق للتفكير الإيجابي بحلول على المستوى الفردي والأُسري والمجتمعي.

وبما أن يدًا واحدة لا تُصفّق، بودي أن أقتبس في هذا السياق ما تردده النِسويات العالميات: «الرجل ليس جزءًا من المشكلة فقط، وإنما جزء من الحل أيضًا». أستغرب لماذا لم تظهر حتى الآن بوادر حراك بين الرجال السوريين رغم الطموح والكلام الكبير حول الديمقراطية والتغيير. حراك يطمح إلى تحرير الرجل، وليس المرأة فقط، من الذكورية والأبوية القاهرة. غير مستبعد أن يرغب بعض الشباب ممن لا يزالوا يؤمنون بدورهم في التغيير بتشكيل النواة. نحتاج إلى روّاد يفكرون بهذه القضايا الحساسة، ويبحثون عن حلول معنا، ويرفدوننا بكتابات صديقة للمرأة تعالج الحب من منظور إصلاحي وواقعي. نحتاجهم في حني الخطاب العام نحو جوهر القضية، كي لا نضيع في متاهات ومعارك جانبية. لعل مساهماتهم تُوسِّعُ الرؤية إلى المشكلة، ويجدون معنا سبلًا لخرق السلوك الذكوري ليصلوا إلى الرجل المعنِّف، ويساعدوا من خلال تقديم أمثولات للذكورة الإيجابية، ويصمموا البرامج التوعوية التي تهدف إلى تحسين مؤسسة الزواج ودور الأبوة، والحدّ من مشاكل ما بعد الطلاق، ومن سلوك العنف والتحرش، وتطوير سلوك العناية بالنفس والآخرين. قد لا تسمح الحرب والشتات بكل ذلك دفعة واحدة، ولكن لا بأس من البدء تدريجًا والمراكمة إلى أن يحين الظرف. هل أنا حالمة؟ لمِ لا؟

الكلام عن الحب لا ينتهي، ولا أعتقد أني أعطيت همومه كامل حقها، وبخاصة أن لكل علاقة عاطفية مطباتها التي تخصّ الشريكين كثنائي، وتختلف بالتفاصيل عن أي ثنائي آخر. ومع ذلك أتوقع أن تتعرف كثير من النساء (والرجال) على شذرات من تجاربهنّ الشخصية في كتابتي، لأني لم أخترعها، بل استقيتُ من تجربتي وتجربة جميع النساء اللواتي عرفتهنّ ذات يوم. آمل أن أكون وفقت بصياغتها. وطبعًا لن أستغرب إن استجلبت كتابتي نقدًا، كأن يرى بعض القراء أني استخففت كثيرًا بحجم العطب، ولم أتطرق بَعدُ إلى أشنع الانتهاكات التي تصيب المرأة في مجتمعاتنا. يتساءلون هل حان وقت نقد الحب، بينما تُغتصب النساء تحت قوة السلاح في هذه الأيام العصيبة؟ وما معنى كل هذه الآلام الصغيرة في زمنٍ عَرِفَ عودة استرقاق النساء؟ جوابي هو أن هذا من ذاك! لو لم نتغافل عن اختلال الموازين قبلًا، لما وصلنا إلى هنا. هل تعتقدون أن العنف الوحشي الذي تواجهه المرأة في ظل الحرب هبط فجأة من السماء؟ ألم يبدأ يومًا على شكل تجاوزات لحصانة المرأة ضمن الأسرة والمجال العام؟ ألم تكن بذوره مزروعة سلفًا في القوانين والتربية والمناهج التعليمية والإعلام؟ ولماذا ينبغي علينا أن نعترض فقط على الانتهاكات الجسيمة؟ ألا نكون قد تأخرنا كثيرًا؟ وهل يفيد الاعتراض عليها إن لم نربطها بتلك الانتهاكات «المنزلية» التي تَعوَّدنا عليها إلى درجة بدت لنا طبيعية؟ وهل من المعقول أن نعتبر إصلاح العلاقات الحميمة أمرًا ثانويًا؟ تكمن جذور العنف فعليًا في السلوكيات التي تعودناها إلى حد الملل، وليس في الانتهاكات الجسيمة التي هي ليست سوى طفرة بشعة ونادرة نسبيًا لما هو شائع ومتكرر. قد لا ينقلب العالم إن سمعت المرأة كلمة نابية في حقها، ولكن قذف المرأة بكلمة هي الخطوة الأولى في الطريق نحو رجمها بالحجر.

وقد يجد آخرون أني ظلمتُ الحب وحمّلته ما لا يحتمل، وعمّمتُ تجارب وأغفلتُ أخرى. أجيب هؤلاء أني لم أفعل سوى كشف بعض المستور. ولم أغفِل تجارب غير قادرة أن تجد سبيلها إلى النور من تلقاء نفسها. يسهل الاعتراف بالحب الناجح، ولكننا نستصعب الكلام عن إخفاقاتنا. ألا يقول المثل: صيت غنى ولا صيت فقر؟ هذا ينسحب كذلك على الحب. أدرك وجود تجارب حبٍ سامية، ولكنها ليست سوى جزء من الحقيقة. حاولت فقط أن أعبّر عن صوت الهامش، الذي أنا جزء منه، مع إدراكي أنه سيكون نشازًا. صوت الهامش مزعج بالضرورة. بيد أني لم أنسَ أثناء الكتابة ثانية واحدة أن للحب أكثر من وجه. كما أَصدقكم أني بتّ لا أعرف ما هو الطبيعي. هل الطبيعي أن تصيب قلوبنا من أول أو ثاني محاولة، فنعيش العمر بثبات ونبات وأمان؟ أم أن الطبيعي ألا نجد ذلك الحب أبدًا، لأنه وهم، ونبقى وحيدات كجذع شجرة مقطوع، أو نسكن إلى شخص نشاركه في أمور الحياة العملية فقط؟ أيهما الطبيعي يا ترى؟ فضلًا عن أن تركيزي على السلبيات نابع عن عشمٍ بالتغيير نحو الأحسن. هل تعتقدون أني كنت سأكتب كل هذه الكلمات لو نفضتُ يدي تمامًا من الحب؟

ذكرتُ منذ قليل أن مشاكل الحب لا يمكن حلها جذريًا على مستوى الفرد فقط، ولكن هذا لا يعني أن الأفراد لا يمكنهم صنع واحات حب وارفة وسط القحط والسراب. نحن بأمس الحاجة إلى تلك الواحات. ونظرًا للتغيرات الكبيرة، السلبية والإيجابية، التي تحصل في مجتمعاتنا، وتَعرُّض الكثيرين إلى ظروف وبيئات جديدة وتجارب خارقة، أرى أن موضوع الحب راهن كما لم يكن من قبل. لن نتغلب على القهر والفقدان والاغتراب إن لم نحرّر الحب من سلاسله، ليلمّ شتاتنا، ويغدو مَرهمًا لجراحنا الغائرة. يحتاج الأمر إلى الشجاعة من النساء والرجال على حد سواء. شجاعة النساء في قول كلمة الحق، وشجاعة الرجال في قبول كلمة الحق.

وفي الختام أقول إن نقد الحب لا يعني نقضه. كل ما طمحتُ إليه هو إضافة زاوية نظر إلى فهمنا للحب. ذلك أن جزءًا لا بأس به من تعاستنا يتعلق بأوهام وسوء فهم وأحكام مسبقة حوله. يحتاج الحب إلى ثورة في تفكيرنا، وسلوكنا، وانقلاب على المعايير البائدة. هل ستكون ثورة في الحب يا ترى، أم ثورة عليه؟ لكلٍ منا ثورتها!

الختان

أنا ضد ختان الإناث والذكور، أقول هذا من منطلق كوني طبيبة، كما أقول أيضا بصوت عال إن كل المعلومات الطبية تقول إن قطع جزء من جسد الطفل فيه خطورة شديدة. تاريخيا، فكرة الختان جاءتنا عن طريق العبودية وليس لها علاقة بالإسلام. إنه لمن المضر قطع جزء مهم من جسد المرأة، فدول مثل السعودية وسوريا والعراق وتونس، لا تعرف فكرة ختان الإناث. لقد ذكر في التوراة أن بني إسرائيل وذرية إبراهيم ستكون لهم الأرض الموعودة مقابل أن يختنوا الذكور. أؤكد أن الختان عادة ليس لها علاقة بالإسلام أو الطب، هل منطقي أن نقوم بقطع جزء من الطفل الذي خلقه الله سليما؟

الحجاب والحج

ما أعارضه هو أن يستولي الزوج على مصاريف أسرته ومدخرات زوجته ويشتري تذكرة للحج، ويقبّل الحجر الأسود. فالعمل عبادة وإطعام الأطفال عبادة، بل إن كل طقوس الحج جاءت قبل ظهور الأديان، وهذا هو جزء من التاريخ. الحج ليس عبادة إسلامية فقط، فالإسلام جاء ليمنع تقبيل الحجر الأسود. أما بالنسبة للحجاب، فأنا ضد اعتبار أن المرأة عورة، فالأخلاق في سلوك المرأة وعملها، وليس في تغطية شعرها الذي يعد تزييفا للأخلاق. لا بد أن ننظر للمرأة على أن لها عقل.

الدين والدولة

من الممكن فصل الدين عن الدولة، وقد حدث ذلك بالفعل في بلاد أخرى. أنحن شعوب أقل من الشعوب الأخرى التي قامت بذلك؟ طالما أن الدين دخل في السياسة، لن يكون هناك نقاش وسيكون القتل مصير من يختلف معك. فعلى الدولة أن تحكم بقوانين مدنية، فالدين حالة خاصة، وعلى كل شخص أن يعبد إلهه في بيته.

سبيل التغيير في مصر

لماذا نناضل إذا كانت بلادنا تتمتع بالديمقراطية؟ نريد أن نتحدى الديكتاتورية، لا أن انتظر الديمقراطية تهبط من السماء، ولذلك قمت بترشيح نفسي في الانتخابات لمواجهة النظام الديكتاتوري في مصر، رغم أنني كنت أعي جيدا أن مشاركتي رمزية ولن يسمح بها.
أشير هنا أن الحكومات العربية كلها ديكتاتورية، وكذلك الحكومات الغربية. الحل هو أن يبدأ كل شخص بنفسه. لا بد أن تسأل نفسك «ماذا قدمت حتى تكون هناك ديمقراطية حقيقية» بدلا من أن تجلس في بيتك لتربية الأولاد. أتعجب لماذا لم يكن هناك رد فعل عندما تم استدعائي للنيابة.

المثقف

المثقف هو الإنسان الذي يحاول أن يفهم العالم من حوله ويتحاور معه ويربط بين المجالات المختلفة للمعرفة (الطب والأديان والتاريخ). أما الاختلاف في الرأي فأمر لابد منه، لكن هذا الاختلاف لابد أن يكون بالفكر والعقل لا بالسيف والتكفير. وهنا تقع مشكلتنا في العالم العربي، إن من يختلف معنا نعتبره كافرا، يجب أن يعتقل أو يقتل. فلم نتعود على التعامل مع من يختلف معنا في الآراء.

الديمقراطية

لا توجد ديمقراطية في مصر، أو في أي من بلاد العالم حتى الولايات المتحدة الأمريكية، التي درست فيها لمدة 13 عاما، حيث تبنى فيها الديمقراطية على المال والسلطة، بل إن السؤال يبقى: ما هي الديمقراطية؟ إنها ليست الذهاب إلى صناديق الاقتراع، أو ممارسة حرية التعبير، إنما هي العدالة الاجتماعية والاقتصادية. لقد رأيت فقرا في بلجيكا يشابه ذلك الموجود في مصر، ورأيت فقرا في أمريكا لا يقل عن مثيله في الهند.

سيرة مختصرة

تخرجت نوال السعداوي في كلية الطب في جامعة القاهرة عام 1955 وعملت طبيبة، ثم تخصصت في الطب النفسي. وفي عام 1972 فقدت وظيفتها في وزارة الصحة بسبب كتابها «المرأة والجنس» الذي هاجمت فيه تشويه الأعضاء الجنسية للمرأة/الختان. أُغلقت في عام 1973 مجلة «الصحة» التي أسستها قبل بسنوات. في عام 1975 نشرت كتاب «امرأة عند نقطة الصفر» المستوحاة من قصة حقيقة لامرأة التقتها وكانت تواجه عقوبة الإعدام. ثم كتاب «الوجه العاري للمرأة العربية» عام 1977، موثقة من خلاله جرائم اعتداء جنسي وجرائم شرف ودعارة، أثناء عملها كطبيبة في إحدى القرى، ما أثار حالة من الغضب. وفي 1981 طالتها حملة اعتقالات السادات، فكتبت مذكراتها في السجن ـ هناك العديد من المآخذ على هذه المذكرات، بأنها كانت تنفي ما تدعيه من حرية، عن طريق علاقتها بالسجينات الآخريات ـ بعدها خرجت لتواجه الأصوليين، حتى استقرت في الولايات المتحدة، هرباً من مقاضاتها والتهديد بالقتل. وما بين الحجاب ومساحيق التجميل والملابس الكاشفة لجسد المرأة، وقفت السعداوي بالمرصاد، فالمرأة ليست عاراً، ولكنها ليست سلعة في الوقت نفسه. ترشحت في الانتخابات الرئاسية عام 2004، ثم شاركت في ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011. تصدرت صورتها غلاف مجلة «التايمز» الأمريكية ضمن قائمة أكثر 100 امرأة تأثيراً عام 2020.

أعمالها

أول أعمالها مجموعة قصصية بعنوان «تعلمت الحب» 1957، وأول رواياتها «مذكرات طبيبة» 1958. ويعد كتاب «مذكرات في سجن النساء» 1986 من أشهر أعمالها. ونذكر من هذه الأعمال مثالاً لا حصراً.. «أوراق حياتي»، «مذكرات في سجن النساء»، «سقوط الإمام»، «موت الرجل الوحيد على الأرض»، «المرأة والجنس»، «امرأة عند نقطة الصفر»، «كسر الحدود»، «الحاكم بأمر الله»، «الأنثى هي الأصل»، «الرجل والجنس»، «الحب في زمن النفط»، «الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة»، و»زينة».

الجوائز

حصلت السعداوي على العديد من الجوائز العربية والعالمية، منها.. جائزة الشمال والجنوب من المجلس الأوروبي، جائزة ستيغ داغيرمان من السويد، جائزة إينانا الدولية من بلجيكا، جائزة رابطة الأدب الافريقي، جائزة جبران الأدبية، جائزة من جمعية الصداقة العربية الفرنسية، جائزة من المجلس الأعلى للفنون والعلوم الاجتماعية، وجائزة شون ماكبرايد للسلام من المكتب الدولي للسلام فى سويسرا، بالإضافة إلى الدكتوراه الفخرية من قبل الكثير من الجامعات الأجنبية.

*القدس العربي