تجاوز فيلم “تذكرة إلى الجنة” (*)، من بطولة جوليا روبرتس وجورج كلوني، التوقعات بإجمالي 16.3 مليون دولار في الأسبوع الافتتاحي لعرضه داخل الولايات المتحدة. فيما حقق الفيلم – حتى الآن – أكثر من 100 مليون دولار في جميع أنحاء العالم. ما السرّ؟
جوليا روبرتس وجورج كلوني. جورج كلوني وجوليا روبرتس. رؤية هذين الاسمين في الجزء العلوي من ملصق الفيلم نفسه أمر مذهل ويوّد العديد من المنتجين والمخرجين الحصول على مثل هذا الثقل لعملهم. وعلى الرغم من أنه قد يبدو في المخيلة الشعبية أنهما قد شوهدا معاً على الشاشة مرات عدة، إلا أن الحقيقة أنهما لم يعملا معاً كثيراً، أو بالأحرى لم يحظيا بوقت معاً على الشاشة كما يحدث في “تذكرة إلى الجنة”. صحيح أنهما تشاركا الشاشة مع قائمة طويلة من النجوم في أول جزأين من سلسة كوميديا الجريمة “أوشن 11” (2001 و2004) Ocean’s. بين ذلك التقيا مرة أخرى على استحياء في “اعترافات عقل خطير” (2002)، أول ظهور إخراجي لكلوني، ثم انتظرا حتى العام 2016 للالتقاء مرة أخرى في “وحش المال”، من إخراج جودي فوستر. لكن لم يعرض أي منهما ما أراد الجميع رؤيته: كوميديا رومانسية بين اثنين من أكثر الممثلين شعبية وجاذبية في جيلهما.
حسناً، انتهى الانتظار، وهذا لا يعني أن اجتماع القمة كان ناجحاً. بالتأكيد سيكون كذلك من الناحية التجارية، ليس فقط لأن الاقتراح مصمم لجذب جمهور عريض، وإنما لأن وجود الاسمين الكبيرين أعلى الملصق يعتبر سبباً كافياً لمغادرة “نتفليكس” وأخواتها فترة والعودة إلى صالة السينما. وأيضاً لأن كلا الممثلين يلتزمان بمشاركة سحرهما لفترة مع شخصياتهما، وفي هذه البادرة أفضل ما في “تذكرة إلى الجنة“.
كتب البريطاني أوليفر باركر جزأين من الدراما الكوميديا “The Exotic Marigold Hotel” وأخرج فيلماً متمّماً للكوميديا العائلية “ماما ميا”. تعمل هذه السوابق على كشف اهتماماته وانشغالاته (المشابهة تماماً) في عمله الجديد “تذكرة إلى الجنة” (*)، الذي كتبه وأخرجه. سينماه بسيطة، أولية، مرتبطة بالصيغ المعروفة، سهلة الهضم، لا تنقصها العواطف وتملك العديد من العناصر المميزة لإرضاء الجمهور الواسع.
في الفيلم الجديد، يعود باركر إلى عالم الكوميديا الرومانسية، وبشكل أكثر دقّة، إلى تلك الإمبراطورية السينمائية من الحوار اللاذع والوتيرة المحمومة للكوميديا الهزلية (screwball-comedy)، ضمن حبكة تدور حول القضايا الأخلاقية. القليل من “حكاية فلادلفيا” (1941، جورج كوكور)، مع القليل من “جمعة فتاته” (1940، هاورد هوكس)، والباقي عبارة عن إعادة تدوير لهياكل كلاسيكية مثل صراع الجنسين ومؤسسة الزواج وخطط إعادة الارتباط.
يلتقى جورج كلوني (الذي سيكون هنا نوعاً من وريث كاري غرانت) وجوليا روبرتس (ملكة هذا النوع بلا منازع في التسعينيات) من جديد عندما لا تمرّ حياتهما بأفضل لحظاتها. هو، البالغ من العمر 61 عاماً، وهي ابنة الـ54 عاماً، وافقا على لعب مباراة العودة سواء على الشاشة أو خلفها. وهما يفعلان ذلك باحتراف وليونة وسحر ووقار نجمين حقيقيين. أما الفيلم نفسه فلا يتعدى سقفاً منخفضاً للغاية، وذلك لأن نصّ باركر وإخراجه متوسطان للغاية، وضحلان، ومبهرجان. ليس الأمر أن عشّاق الكوميديا الرومانسية يتوقعون مفاجآت كبيرة أو اكتشافات في هذه المرحلة، لكن التروس الرئيسية للفيلم يبليها الكثير من التكرار والتقليدية.
تسير الحبكة كالتالي: ليلي (كايتلين ديفر)، أنهت لتوّها دراسة الحقوق في شيكاغو وللاحتفال بتخرّجها تسافر مع صديقتها المقربة رين (بيلي لورد) إلى بالي (رغم أن التصوير تمّ فعلياً في أستراليا). هناك، في منتصف الجنة التي يلمّح إليها العنوان، تقع في حب شاب أندونيسي وسيم يتكلم الإنكليزية بطلاقة اسمه غيدي (مكسيم بوتير)، وتقرر البقاء والعيش هناك. عندما تخبرهما ليلي أنها تنوي الزواج، سيسافر والديها ديفيد (كلوني) وجورجيا (روبرتس) إلى هناك لمنع ذلك. لماذا؟ لأنهما لا يريدان أن تكرر ابنتهم الخطأ الذي ارتكباه قبل 25 عاماً.
في الواقع، تزوّج ديفيد وجورجيا قبل 25 عاماً، وأنجبا ليلي، لكنهما انفصلا بعد ذلك بأسوأ الشروط. اليوم هم أعداء حميمون. وعلى الرغم من أنهما يكرهان بعضهما البعض، فسيتعين عليهما توحيد الجهود لجعل ابنتهما تتخلى عن فكرة الزواج أو إفساد حفل الزفاف. لا يحتاج المتفرج/ القارئ لمعرفة المزيد (يمكنه تخمين الباقي)، باستثناء أنه لتعقيد الأمور أكثر، فإن جورجيا في علاقة عاطفية مع الفرنسي بول (لوكاس برافو)، وهو طيّار وسيم بقدر حماقته.
صحيح أنه لا يوجد العديد من الممثلين الآخرين القادرين، جسدياً وتمثيلياً، على استعادة الروح المفقودة للكوميديا الهزلية الكلاسيكية، والتي حظيت بشعبية كبيرة في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي بفضل نجوم مثل كاري غرانت أو جيمس ستيوارت أو أودري هيبورن. غير أن الحبكة والتطور وخاصة الخاتمة المحافظة لـ”تذكرة إلى الجنة” تسعى يائسة لتقليد تلك الخفة عبر إنكار ظروف لم تكن دائماً بريئة وإلباسها ثوب البراءة، عبر مزيج من الحوارات اللطيفة والمشاهد الطبيعية الخلّابة.
ما يحدث هو أنه، حتى مع الممثلين المناسبين، يفتقر فيلم باركر إلى تعدد الطبقات التي سمحت لكلاسيكيات مثل “حكاية فلادلفيا” و”جمعة فتاته” باللعب والتفاوض مع الشقاوة وسوء السلوك بحثاً عن مخرج ومَنفذ لتجاوز قوانين الرقابة حينها. بعد 80 عاماً من تلك الأفلام، مع طبقة من خيبة الأمل التي جسّدتها سينما السبعينيات (بعد حرب فيتنام) وحتى سينما ما بعد 11 سبتمبر (وزخم الحرب المزعومة على الإرهاب)؛ تأتي نهاية مثل تلك التي يقترحها “تذكرة إلى الجنة”، سعيدة بشكل تعسفي، باعتبارها فرضاً للتسويق وجذب الجمهور أكثر من كونها قرار كاتب سيناريو جيد. وهذا رهان ناجح في نيل هدفه: الإيرادات.
“تذكرة إلى الجنة” فيلم لطيف، غير منطقي، أنيق، ديماغوجي، وفي بعض الأحيان ممتع. سيعتمد هذا الاستمتاع في جوهره على التعاطف الأكبر أو الرفض الذي يتمتع به كل مشاهد في ما يتعلق بالكوميديا الرومانسية الأكثر تقليدية. بهذا المعنى، من الضروري أن تذهب دون الكثير من المطالب ليلبّيها هذا الفيلم وتدع نفسك للانجراف في مسارات يمكن التنبؤ بها، ولكن مصحوباً بجاذبية نجمين لا يوجد الكثير منهما اليوم، يستحقان أفضل تقاليد هوليوود الكلاسيكية.
*المدن