محمد زعل السلوم: فجر أيلول للروائي الارتيري هاشم محمود حسن

0

اول رواية أقرأها من الأدب العربي الارتيري للصديق الروائي هاشم محمود حسن وهي رواية تقع في ٣١٢ صفحة وكم سعدت بقراءتها وعنوانها اللافت فجر أيلول تقع الرواية في تصنيف الأدب الوطني الأرتيري وادب المستضعفين ولكنها صوت من أصوات ادب الهجرة … ربما هذا الصنف بالكتابة بات نادرا في مرحلة مابعد الوطنية وموجات اللجوء العظيمة وانهيار الدول وتشرذم أبناء العالم الثالث ونهاية مرحلة مابعد الاستقلال ومكافحة المستعمرين وبداية الجيل الثالث الذي تنهار في وجهه الحدود إما افتراضيا او زحفا للشمال بحثا عن أوطان اكثر امنا … تفتح الرواية دفاتر قديم الاستعمار وجديده بين ثلاثة أجيال هم جيل والد ابراهيم وووالد ترحاس الثائران الأرتيريان في وجه الاحتلال الحبشي وابراهيم وترحاس اللذان تمردا على عادات وتقاليد ارتيريا فتزوج المسلم من مسيحية زمن انتصار الثورة الارتيرية وتحرير أسمرة واستقلالها بعد ٣ عقود من الكفاح المسلح وجيل ابنهما ادريس وصديقته البريطانية ليزا في لندن … والأجمل تتعرف على امباسيرا قمة ارتيريا المقدسة ومصوع وتشهد مجازر الاحتلال الحبشي الفظيعة بحق الارتريين من خلال شخصيات الروائي … اعتقد سأكتب الكثير عن هذه الرواية التي تقترب من أسلوب الطيب صالح تارة في موسم هجرته للشمال ومن أسلوب الحلم الوطني والهوية المؤكدة وإن عزت على زمننا اليوم وأصبحت قطعة نادرة كما تتعدد هويات الكاتب بين ارتيريته وعروبته وافريقيته ليتوجها بإنسانيته وهي الهوية الغالبة لعصرنا الحديث والتي ربما ستنتصر ممزوجة بكل ماسلف من انتماءات على أساس قبول الآخر لا إلغاءه وللحديث بقية معمقة وطويلة في لقاءنا القادم مع اتحاد الكتاب الارتيريين في المهجر.

تزامنت قراءتي للرواية مع فوز شاب سنغالي بالغونكور الفرنسية وزنجباري بنوبل للآداب والاثنان عاشا في فرنسا وبريطانيا أي في الغرب وهذا التزامن مع قراءتي لأدب عربي وإفريقي هام هو الأدب الإرتيري والذي حضرت شخصياً وعبر الزوم ليلة اعلان قيام اتحاد الكتاب الإرتيريين في المهجر بدعوة خاصة من الاتحاد ومن أخي الكاتب والروائي السوري محمد فتحي المقداد، وتحدثت عن ارتيريا في مناهجنا الدراسية في سوريا ونشاطات الطلاب الارتيريين في جامعتي بدمشق لتحرير ارتيريا وما بعد الاستقلال. ومن حسن حظي حصلت في اليوم التالي على 8 أعمال روائية وقصصية من الأدب الارتيري ولتكون فجر أيلول طباعة 2021 للروائي العربي الارتيري هاشم محمود حسن روايتي الأولى التي أقرأها في الأدب العربي الارتيري وأنا المتشوق للتعرف على الكتاب العرب خارج إطار جامعة الدول العربية من ارتيريا لتشاد لمالي للسنغال لتركيا وإيران وداخل الجامعة من الأدب العربي غير المعروف لنا في الصومال وجيبوتي وأدب القرن العربي الإفريقي وصولاً لزنجبار وجزر القمر.

تعرفت من خلال فجر أيلول على أسمرة ومصوع وتنوع ارتيريا الثقافي والعرقي والديني مما يؤكد غناها وجمالها وروحها بل وقرأت تاريخها عبر الروائي بعمق وبشكل أقرب بحيث لو زرت قمة أمباسيرا لشعرت بروح ابراهيم وترحاس وثقافة المكان.

ورغم تلكؤي في البداية في قراءة الرواية فقد توقفت عند الصفحة 100 لأنشغل بكتابة مجموعت القصصية (لو لم يكن هناك شمال؟) وللصدفة هي جواب على رحلة بطل رواية فجر أيلول إدريس الذي يعبر عن امتعاضه من الغرب الاستعماري القديم ودراسته للقانون الدولي في لندن لمحاسبة المسؤولين عن عذابات شعوب العالم النامي، إلا أنني أجد في هذا الشمال اليوم وكلاجئ سوري الملجأ والحماية والحرية.

ربما هذا التناقض بيني وبين الروائي هاشم بسبب خيباتنا السورية الكبيرة مقابل الأمل الارتيري في وطن عاد إليه ادريس في حين لا أرى أن لعودتي بالمقابل ذات جدوى.

مع ذلك قرأت سوريا في عذابات الشعب الارتيري من مجازر ارتكبها النظام الإثيوبي والعنصرية الحبشية تشبه إلى حد كبير حكايتنا، لكن حبشة هي المحتل والمختلف بالمقابل فالمجرم والظالم هو من عاش بين ظهرانينا واعتبر نفسه سوري.

الحكاية كانت جزء مني وأنا جزء منها، فيها الكثير ليقال فكما إدريس هو ابن امباسيرا فأنا ابن جبل الشيخ حرمون ومرتفعات الجولان التي سلمها الخونة منذ عام 1967، ثم ليكتمل العقد بتسليم كامل سوريا للغرباء والمحتلين.

فجر أيلول ليست حكاية ارتيرية فحسب بل حكاية كل لاجئ تعرض للخيبة والحرمان في هذه الأرض، وكل إفريقي وعربي وكل من شهد أنظمة احتلال وغيرها كامتداد للمستعمرين كما في سوريا والعراق ولبنان واليمن.

تآمر الجميع على الشاب الارتيري في عاصمة الضباب في لندن كما يتآمر الجميع على كل لاجئ آخر لإفشاله، لكن ادريس انتصر في النهاية بأن أعاد حجارة مصوع الكريمة لقمة أمباسيرا وجلب ليزا الانكليزية الشقراء لأحضانه.

عاد إدريس في التاريخ لحادثة دنشواي وجرائم الانكليز في الهند ومجزرة صبرا وشاتيلا، وكأنه يشير بأن المستعمر بالنهاية كان أساس المصائب، لكنه أشار لجيل حركات التحرر العالمية وعبد الناصر والسادات وأحلام العرب والأفارقة في الحرية والعدالة والاستقلال.

الرواية ليست مجرد حكاية جيل ما قبل الاستقلال والكفاح الوطني فحسب وجيل الاستقلال بل ويضيف جيل الهجرة واللجوء بأنه لابد من عودته لوطنه. فلابد من عودتي لجبل الشيخ كما عاد إدريس لامباسيرا وربما بين أحضاني مثله سيدة أحنبية جديدة لعالمنا ربما ترمز للمعرفة والحماسة لمستقبل مشرق كضياء ليزا في قلب إدريس، وربما الفكر الإنساني الأكثر قدرة على تفهم الآخر والعكس صحيح والمزيد من القيم الغربية الإيجابية الذي يلتقي بالضرورة مع قيمنا القديمة الفطرية والبريئة القائمة على الحرية والإخاء والعدالة كما شعارات الثورة الفرنسية.

لن أناقش هنا بنيوية الرواية من حيث المكان والزمان وغيرها من الأسس والسرد والذروة وغيرها، لكنني ناقشت رسالتها المتنوعة والتي تصل أحياناً للخطابية المباشرة وأحيانا عبر كلام الشخصيات وحوراتهم والأحداث. رواية متكاملة وغاية في الإشراق. وعليه أبارك للأدب العربي خاصة والإنساني عامة تشرفنا بهذه الرواية والمولود الجديد لجعل عالمنا أجمل وأكثر اقتراباً لروح إنسان أي إنسان.