عرضت نيتفليكس نهاية 2020 بداية 2021 فيلم “غيمس على الهواء” وهو دراسة سريعة للانغماس في حياة نجم البوب الفرنسي الحالي وعلى مستوى العالم، ميتر غيمس، وهو مغني راب ولد في الكونغو عام 1986 ونشأ في باريس منذ كان عمره عامين بعد لجوء والده المغني أيضاً لباريس إثر أغنية انتقد فيها نظام دكتاتور الكونغو الشهير موبوتو سيسيكو، لكنه لم يحصل على حق اللجوء فعلياً ليعاني الأمرين هو وأسرته المكونة من أب وأم وأربعة أطفال، ثم لتنفصل والدته عن والده وتنقسم العائلة ليعيش عيشة أطفال الشوارع في باريس. يتميز غيمس بصوت “أوبرالي” يميزه بشدة عن معاصريه. وكان الفيلم معه في منزله بمراكش التي اختارها سكناً له منذ عام 2014 وقد خطط للاستقرار فيها منذ اسلامه عام 2004 والذي انعكس على مستوى كلماته الأقرب للتصوف والروحانيات بعيدا عن الكلمات البذيئة كما في الراب المعتاد فتميز بالعمق والانسانيات وكذلك صديقه سوبرانو الرابر من أصول مغاربية، كما رافقه فريق الفيلم خارج البلاد إضافة للمغرب كينشاسا التي زارها مرتين حيث مسقط رأسه وكذلك جولاته الموسيقية بأنحاء فرنسا أعوام 2017 و2018 و2019.
اشتهر غيمس بنظاراته الشمسية ذات الحضور الشامل، ولأعماله الناجحة مثل “كاميليون” و “بريزيه” ولبيع الكثير من التسجيلات وصلت لخمسة ملايين ألبوم والسيطرة على الإذاعة الفرنسية في السنوات الأخيرة، والتي تبث أغانيه طوال ساعات النهار. يعد فيلم “التسجيل أو على الهواء وعنوان الفيلم بالفرنسي المعجزة السوداء” بإلقاء نظرة خاطفة خلف النظارات، أو على الأقل لمعان سطحي على شخصيته العامة المصممة بعناية.
يتتبع هذا الفيلم الوثائقي غيمس من حفل توزيع جوائز الموسيقى الكبير ان ار جي (اسم مجموعة الاذاعات الشهيرة ان ار جي) في فرنسا لعام 2017 وقد حصد تلك الجائزة أخيه الذي ينافسه على عرش الغناء الفرنسي في السنوات الأخيرة، إلى حفل موسيقي عام 2018 في ملعب فرنسا الشاسع، خارج باريس.
نراه يتعامل مع المعجبين، ويعمل على الأغاني، ويتباهى برسم المانجا على الطريقة اليابانية ( في القصص المصورة وكان يحلم أن ينتقل لطوكيو لطباعة لوحاته على شكل قصص مانغا)، والغناء في الاستوديو وفي الحفلة الموسيقية، والاسترخاء في المنزل في مراكش (حيث يعيش الآن) والسفر على متن طائرة خاصة في هذه “الأعمال المليئة بالخيال” والحياة “في قفصه الذهبي” الذي يقوده بنفسه.
الأصدقاء والزملاء، مثل ربيبه الغنائي وشقيقه الأصغر دادجو، يتحدثون عن “غيمس”، الذي يراه الجميع والأشخاص الذين لا يرون عينيه سوى عائلته – أي الشخص الذي لا يرتدي النظارات الشمسية طوال الوقت. عكس فترة وجوده في الأماكن العامة.
“هل سنرى عينيه؟” نكتة غيمس الدائمة للكاميرا، مما يعطي فيلمه الوثائقي بعض الغموض.
بدأ عمله كمغني راب، وأدرك أن “لديه صوت شرعي”، كما يشرح أحد أعضاء فريق الإدارة. وقد منحه ذلك “ميزة على أي شخص آخر” في موسيقى البوب والراب الفرنسية، بالتأكيد. بصفته ابن مغني كونغولي مشهور إلى حد ما هو دجانانا دجونا، مغني في فرقة بابا ويمبا ومفضل للديكتاتور الكونغولي الراحل موبوتو، حتى غنى ضده فولى هارباً من بطشه لفرنسا، بالطبع كان لديه صوت هام في الكونغو.
الأب، الذي تم عرضه في مقاطع قديمة وتم إجراء مقابلة معه حديثاً هنا، يقول إنه كان على خلاف مع نظام موبوتو ولهذا السبب انتقلوا. عندما انقسمت الأسرة، كان غاندي بلال جونا (اسم غيمس يوم ولادته) صبياً بلا مأوى، وظل مع إخوته لفترة من الوقت.
حول اسم الميلاد هذا، يمزح غيمس، “كان أبي من محبي (غاندي)” و “الكونغوليون هم الأفضل في اختيار الأسماء”. ثم أصبح يرتجل في شوارع باريس وكان عندما اعلن اسلامه انضم لجماعة التبليغ التي أرسلت مجاهدين للعراق وقد توقف عن الغناء حينها ثم انفصل عنهم ليشق طريقه نحو الغناء مرة أخرى، ويدعم أطفال بلاده الكونغو في المدارس ومياه الشرب ومختلف أنواع المساعدات الانسانية. وكان يرى الإسلام يمنظور الاعتدال والروحانية التي تنعكس فعليا على كلمات أغنياته. وقبل شهرته أسس فريق ليكسيون داسو ثم تميز عنهم وحلق بعيداً خلال أعوام 2012 و2013 و2014.
يبدو الرجل ساحراً تماماً وأطلق عبقريته لدرجة أنه يرتجل كلماته ويسجلها في ساعة واحدة، وربما يكون هذا سر نجاحه الكبير. نادراً ما يتعامل الفرنسيون مع نجوم البوب ”المتغطرسين” الذين يتباهون بالثروة، الأمر الذي يعيق العديد من مغني الراب، كما يذكر أحد المسؤولين التنفيذيين. “العدوان الذكوري” المرتبط بالراب هنا وليس هناك مشكلة مع غيمس.
لكن بينما يسخن غيمس وراء الكواليس بأغنية فنية صغيرة (أوبرا)، كما نراه مرتدياً سترة بقلنسوة عليها شعار إنجليزي مكتوب عليها “أنا لست مغني راب”، ندرك أننا لا نتعامل مع مجرد بشر هنا.
“”لمجرد أنك مغني راب لا يعني أنه لا يمكنك الغناء”، كما يقول ستينغ، نجم الروك الإنجليزي الذي لم يجد مطلقاً مغنياً “جديداً” من ثقافة غريبة لا يريد أن يغني معه. (لقد فعل) “فقط لأنك مغني، لا يعني أنك لا تستطيع غناء الراب”. وبالفعل سجل ستينغ مع غيمس أغنية جميلة.
في فيلم غيمس على الهواء نصل إلى ذروة غيمس، من خلال عودة سعيدة إلى الكونغو ( التي ابتعد عنها بعمر سنتين)، وحفله في ستاد دو فرانس وهو أمر نادر وللمشاهير النادرين فقط، والذي أثار قلقه من قبل زميلته وزوجته ومستشارة صوره ورفيقته من محبي النظارات الشمسية، “ديمدين” التي رافقته في كل خطوة على الطريق من الفقر المدقع للغنى الفاحش. وقد صممت مؤخراً أزياء وموضة خاصة بها. إذ قال غيمس لا يجب على زوجتي أن تكون مجرد ظل لي بل عليها أن تثبت ذاتها مع نفسها وتصنع جمهورها وبالطبع تعتني بأطفالها.
نسمعه يتحدث عن احتضانه السريع للفن والثقافة والقيم الفرنسية عندما كان طفلاً، ويخطط لعرض الجوائز التي وصلت “لثاني أغلى أداء في العالم (كأغنية فردية) (بعد ريهانا)”، ويُظهر جانباً تنافسياً حول عمل شقيقه في غناء الراب والذي ينافسه بقوة في نيل الجوائز، “ربما يفوقني يوماً ما”.
وبعد ذلك يقود زوجته ديمدين في شارع في مدينة كان، بصفته “رجل أمني” لحماية “بيونسيه” كونها تشبهها، ليطالب المارين بأنه “غير مسموح” التصوير فيما يرافقهم مصوري الفيلم، وينطلق بعيداً، ويعبر عن معاناته بسبب هراء الشهرة هذا حتى عندما يتوقف بإخلاص للحصول على الكثير من الصور الذاتية مع المعجبين على طول الطريق. “أتساءل عما إذا كان هناك مغنيوا راب أمريكيون يشاهدون هذا؟” ربما عليهم التفكير جيداً لو قرر غيمس الغناء بالانجليزية. والسؤال : “هل هم قلقون بشأن تعلمه للغة الإنجليزية؟ ربما يجب أن يكونوا كذلك”
*خاص بالموقع