يقول بول ايلوار في ديوانه “سبع قصائد حب في زمن الحرب” عام 1943، في وصف عدد من المثقفين الفرنسيين الذين عملوا على خدمة المحتل الألماني :
أرعبوا فبعثوا الرعب
جاءت الساعة كي نحصيهم
فقد أوشك سلطانهم أن يزول
فقد امتدحوا لنا جلادينا
وفصّلوا لنا الشرّ تفصيلا
لم يقولوا شيئاً بحسن نيّة
يا كلمات التحالف الجميلة
لقد غطوك بالحشرات
فمُهُم يطلّ على الموت
ولكن الساعة قد أزفت
لكي نتحابّ وكي نتحد
ولكي نهزمهم ونجازيهم
باسم الجبين الكامل العميق
باسم عيون أرى
وفمٍ أُقبّل
اليوم وإلى الأبد
باسم الأمل المدفون
باسم الدموع في السواد
باسم الأنّات التي تبعث على الضحك
باسم الضحكات المخيفة
باسم الضحكات في الشارع
وعذوبة تجمع أيدينا
وباسم الثمار تغطي الزهور
فوق أرض جميلة طيبة
باسم الرجال في السجون
وباسم النساء في المنفى
وباسم جميع رفاقنا
المستشهدين والمذبوحين
لأنهم لم يقبلوا الظلمة
علينا أن نتدفق بالغضب
وننهض بالحديد
حفاظاً على الصورة العالية
صورة أبرياء طوردوا في كل مكان
في كل مكان سينتصرون
ربما يمكننا إضافة مصطلح الضفادع على عملاء السلطة كما حصل في تسليم الغوطة عام 2018، وتعميمها على مثقفي السلطة وفعلياً ليس فقط العملاء لنظام بعينه وإنما أي نظام.
فضفادع بول ايلوار كانوا ممن وقفوا مع المحتل الألماني وضد إرادة شعبهم، وكذلك فعل الكثير من مثقفي فرنسا طوال عقود. وذات الأمر في كافة شعوب الأرض، أن نجد مثقفين يقفون إلى جانب جلاديهم ويسوقون لهم من أتباع الأدب المخصي وأدب السلطة وأدب حملة المباخر لكل سلطان.
ولكن حين ينتهي سلطانهم فكيف سيكون موقفهم، ربما الأحرار في كل المنافي تمكنوا من تكوين شخصيتهم الأكثر حرية وعبروا عنها بقوة أكبر.
بول ايلوار الذي تغنى بالحرية وكذلك جان جاك أنو في مسرحيته الشهيرة المتوحشة، وقد وصف بطلته بأنها تأنفت من دياثة والدها الموسيقي الفاقد للشرف، وهو يساير الجمهور المخمور الذي يستمع لموسيقاه. لتقرر الخروج وحدها عن هذا الجو الخليع الفاقد لأدنى درجات الكرامة البشرية. وأنو بذلك يدين مثقفي الاحتلال الألماني ودياثتهم على حساب وطنهم وهويتهم، كثر من المثقفين كانوا عبارة عن أفواه للسلطة ولكن بالمقابل أبدع الأدب الفرنسي في رفض الوحشية النازية مثل ألبير كامو في روايته العظيمة الطاعون، وتحويل السلطة المريضة للبشر لشكل من أشكال الغيتو المعزول، وكذلك جان بول سارتر وسيمون دو بوفوار، فقد رفضوا الظلم وتغنوا بالحرية وعلى رأسهم شاعر المقاومة والحرية ايلوار ليقول عبارته الخالدة : “ولدت كي أتعرف عليكِ وأسميكِ أيتها الحرية”.
قبل فترة قصيرة خرج علينا عباس النوري فنان سلطة الأسد بتصريحات جديدة مهاجماً عائلة الأسد التي نهبت سوريا طوال عقود، ومسؤولية البعث التاريخية عن خراب البلاد، وتضامن معه كل من أيمن زيدان وشكران مرتجى بأنها حرية رأي تحت سقف الوطن وضرورة وقف تكميم الأفواه، وهم المعروفون طوال عقد ونيف من الثورة السورية ووقوفهم ضد أبناء شعبهم لصالح السلطة. ربما يمكننا تفسير هذه الظاهرة بسبب انهيار النظام من الداخل وصعوبة الحياة المعيشية لكنها لن تعبر أبداً عمن اختاروا من البداية الوقوف في وجه النظام ودفعوا الغالي والرخيص ثمناً لذلك، فالحرية لا تتجزأ، ومن الطبيعي أن يكمن الفرق هنا بين اختيارك أن تكون ضفدعاً وأن تكون حراً.
بالمقابل انتشرت ظاهرة السوركيين في تركيا، وهم المسبحون بحمد السلطات التركية حتى لو قامت بانتهاك حقوق السوريين من ترحيل وغيره، وبالتالي خرج السوريون من الحبس عنبر رقم واحد إلى الحبس عنبر رقم اثنين، ومبازرة قضية اللاجئ السوري في تركيا داخل الصراعات الحزبية، وهذا البازار العنيف الذي يؤدي بشكل شبه يومي لقتلى سوريين داخل الأرض التركية بسبب التحريض العرقي والعنصري والكيدية السياسية المتلاطمة والهائجة وليكمل مشهد الهرج والمرج هذا ما نطلق عليهم السوركيين.
ثقافة الغلمنة تلك متنقلة فالغلمان وظيفتهم تقييم كل سوري لاجئ وتقديم تقارير عنه حسب الجهة المهتمة، واليوم فضحت الواشنطن بوست زعيم تنظيم داعش خليفة البغدادي القريشي الذي قتلته القوات الأمريكية في أطمة بداية شباط 2022، بأنه ثرثار كبير للاستخبارات الأمريكية والكارثة ليست هنا بل بقتل أربع نساء وستة أطفال في تلك الجريمة.
لن تتوقف الحكاية الانسانية السورية عند هذا الحد فكوميديا الاستبداد وما صنعه من تخريب في العقلية السورية وتشويه الانسانية فيها حولها لمسوخ متنقلة وزلمنة وغلمنة عند هذا وذاك مع شديد الأسف.