أثارني يوم 17 ديسمبر كانون الأول 2022 عنوان دراسة للايكونوميست باسم حرب الشتاء، وهي عن الجرب الأوكرانية وإمدادات النفط والغاز التي سببت أزمة عالمية خاصة في أوروبا، بينما آلمني أنه في رحلة اليتم السوري لا يلتفت العالم إلى حروب الشتاء السورية المريرة وعلى مدار سنوات، ربما لأن سوريا ليست جوار مباشر للاتحاد الأوروبي حيث يتربع العالم الأول، وليس فيها أو لها علاقة بإمدادات الطاقة، رغم أن ذات العقوبات الأوروبية الغربية لو مارستها على روسيا منذ أكثر من عشرة أعوام على الروس لما أطلقت الوحش الروسي في القرم 2014 ولا في سوريا 2015 ولما وصلنا لهذه الأزمة العالمية اليوم والتضخم وشهور البرد السورية ولا حتى الأوكرانية والأوروبية.
حرب الشتاء السورية باردة بل وزمهرير بلا محروقات ولا إمكانيات حتى للحصول عليها، ويعاني السوريون اليوم في مخيمات الشمال وصولا لكل جزء في سوريا لاحتمالات قضاء شتاء قاسي ومؤذي بل ووباء البرد حتى العظام، بالطبع المسؤول الأول عن هذه المأساة هو نظام الأسد، والذي أمعن ويمعن في ذبح الشعب السوري من الوريد للوريد، فهو الخراب والدمار الفعلي للبلاد.
ولكن اليتم السوري يتعدى ذلك ففوق سجن الأسد هناك سجن البرد، ولاننسى سجون حروب المياه التي تسببت بانتشار الكوليرا وحروب إحراق القمح في سوريا المفيدة الحقيقية وأقصد شرق الفرات حيث النفط أيضاً والغاز وبالطبع السلة الغذائية، ودخلت سوريا مزرعة الأسد أيضاً بإقرار الكونغرس الأمريكي إعلانه الحرب على الكبتاغون الذي تديره عائلة الأسد، عدا ظاهرة حرب الآخرين على الأرض السورية وحروب الوكالة بين إرهابيي جبال قنديل والترك أو بين الكيان الإسرائيلي وإيران وميليشياتها الإرهابية التابعة لها، وقبل ذلك اخترعوا لسوريا داعش ولتشتعل حرب التحالف عليها، فيما لم يلتفت أحد لصعلوك الشام وأس بلائها وبلاء السوريين، كل هذه التعمية ولعبة الغميضة الدولية في سوريا تعبر ليس عن لامبالاة الغرب في إنقاذ الشعب السوري فحسب بل هو شريك، وأقصد العالم، متواطئ مع دول الجوار لصالح النظام لسحق سوريا، وتثبيت مفهوم الدولة المارقة وبالفعل حولها الأسد لدولة مارقة ووظيفته الإجهاز عليها، فالمسرح السوري البارد هذه الأيام هو فعلياً صفيح ساخن تقوم عليه الصفقات وتبنى على ظهره العضلات وتبادل الأدوار المسرحية وكل حسب مصلحته الداخلية والخارجية، فالإيراني الذي يعاني اليوم من مواجهة شعبه للشهر الرابع على التوالي من الانتفاضة والاحتجاجات يبحث في سوريا عن مخرج، والأمريكي يضغط من خلال سوريا على مناوئيه في المنطقة هنا وهناك، والإسرائيلي يبحث عن انتخابات الداخل والتركي كذلك، فضلاً عن الروسي المهزوم في المستنقع الأوكراني والصيني الذي يعيش مأزق الحرب الاقتصادية مع الولايات المتحدة في ظل غياب العرب عن الساحة السورية بشكل بائس.
هذه الأدوار الهزلية لبشاعة هذا العالم في الحفرة السورية لا تعبر إلا عن شيء واحد فقط وهو أن الشتاء السوري طويل وطويل جداً.
*خاص بالموقع