محمد زعل السلوم: الموت المخفي والموت المعلن

0

تساءل كاتب نيجيري يقيم في برلين بأنها مدينة لا موت فيها، ولا حتى عربة دفن موتى، مدينة لا تحتفي بالموت لدرجة أنه يندهش بأنها مدينة أحياء فقط أو ربما لا أحد يتذوق الموت فيها، ليكتشف بعد فترة أن جارته الألمانية المسنة قد اختفت بعد أن افتقد لصباحها وتحياتها العذبة حينما يهم بالدخول لشقته ويصادفها، هكذا لم تعد موجودة.

وليفاجأ بعد فترة بأن مديره بالعمل لم يكن موجوداً على رأس عمله ليراسله حول العمل ليجيبه بأنه مشغول بوفاة إبنه وليرسل له تعليماته بالعمل، أي تعليمات هذه وقلبه مفجوع وليعود لعمله باليوم التالي؟!

ليتابع مذهولاً هل فقد أبناء برلين حسهم الإنساني أم أنها سياسة بلدية برلين بإخفاء الموت وعدم المجاهرة به، ففي بلادنا المعذبة والمشرذمة والمقتولة تدق الكنائس أجراسها والمآذن تعلن وفياتها، فالموت علني في بلادنا، فيما سيارات الإسعاف في برلين تتكفل الموت بأشخاص مدربين لتهيئة موت صامت لأنه باعتقادهم أنهم قد يؤذون مشاعر الناس، كيف يمنعونا من الحزن؟ كيف يخفون عنا موت جيراننا الذين ربما سهرنا ليلة في ديارهم وضحكنا وتبادلنا الثقافات، كيف لا يسمحون إلا بذاك العدد القليل القليل من أقاربه وأصدقائه المقربين ولا يمنحونا بركة وداعهم والترحم على أرواحهم ورمي وردة على أجسادهم الميتة وأن نطلب السلام لهم.

في بلادنا الموت معلن رغم محاولات النظام قمع صوت الموت واخفاء قتل معتقليه وحرقهم ودفنهم في المقابر الجماعية، في بلادنا الموت لا يخفى فهو إما يتساقط على رؤسنا من السماء براميل وصواريخ بالستية وقذائف أو بالسواطير والرمي بالرصاص لحفرتنا الأخيرة.

في بلادنا صدور الأمهات تحيا للقاء ابن لاجئ أو تهفو للقاء ابن مفقودٍ أو معتقل بسجون الأسد.

ولكن الموت في بلادنا أصبح بعيد على علانيته، ننشر بوستات التواصل لننعى فقيد من جيراننا وأهلنا وعشيرتنا وأصدقائنا، حتى لهذا الموت عن بعد تهفو نفوسنا وتتراكم كلماتنا المتلعثمة والمترددة، في أعوام الحزن. يتخذ الموت في بلادنا أشكال وألوان وأنواع مختلفة فموت الفراق وموت الوداع وموت الرحيل وموت المسافات في أصقاع الأرض، ومع ذلك فهو صامت مثل أجهزتنا البكماء وشاشاتنا السوداء.

ربما هو احتفالي ربما هو كمناسبة زفاف لكنها أتراح على طريق الجلجلة السورية الصاخبة ودروب الآلام المشفقة مثل قمح بلادنا الدامي ومطره الأحمر ومقابره اليتيمة.

*خاص بالموقع