محمد زعل السلوم: البوفارية النسوية السورية ومفهوم العزلة السوداوية

0

يقول الشاعر الياباني فيتسو ايدا :

زنبقة الوادي البيضاء والتي لا يراها أحد

لا تفسر نفسها لأي كان

إنها تعيش للجمال فقط

لكن الرجال لا يمكنهم العيش على “فقط”

ويفسر معنى تلك القصيدة الكاتب العراقي عبد الله طاهر المقيم في هولندا : (ادركت في الحال أنها تحمل بين ثنايا طياتها، دون ان تعي، عيوب مدام بوفاري الأكبر منها)

وجميعنا أو بعضنا على الأقل قرأ رواية فلوبير الأشهر “مدام بوفاري” وسمع عن متلازمة البوفارية، لتلك المرأة التي تلاحق أوهامها وتتخلص من زوجها الطبيب وراء المجتمع المخملي، لكن إمكاناتها متواضعة لتلحق بتيار مجتمع الهاي لايف فيما ترفض واقعها، فتبحث بالموضة الدارجة في عصرها وملابس الأميرات وأثاثهن وسر سعادتهن البراقة والمظاهر الخادعة لمجتمع برجوازي محدث النعمة، وهي ذاتها امرأة اليوم، فتحت شعارات جاذبة يكمن سمها في العسل، والظاهرة البوفارية اليوم تتحول لمستوى أشد خطورة عن ذي قبل والقائمة على مفهوم النيتشوية أي القوة. وفي الحقيقة المرأة اليوم أكثر براغماتية بمعنى أشد ضعفاً أمام المغريات وقائمة على ردة الفعل لا الفعل كما النيتشوية.

حوّل عالم اليوم المرأة كما الرجل لمجرد سلعة فأطرب أذنيها بالتنمية البشرية لزيادة استهلاكها وهذا مافعله ابن أخت سيغموند فرويد حين زاوج الديمقراطية بالرأسمالية بالولايات المتحدة. فذات مرة استغل خروج النساء في مناسبة للمطالبة بحقهن بالاقتراع عام 1925 أو دفعهن لتلك المطالبة وجعلهن يحملن السجائر لترمز السيجارة لقضيب الرجل بمعنى السلطة، وحرص على تواجد أكبر عدد من المصورين الصحفيين والسينمائيين بتلك المنطقة، وتحت عنوان شعار رنان وعظيم هو حقوق المرأة، فيما كان الهدف الفعلي فقط لتجاوز كساد بيع السجائر، لتنتشر تلك الغريزة التي قام بإشباعها كالنار في الهشيم. وتمرير موضوعه الاقتصادي البحت في الأساس، لنشاهد بعدها ملايين الاعلانات لنساء بسجائر طويلة ونجمات جميلات في السينما يقمن بإشعال سجائرهن والرغبات الجنسية الكامنة وإشباعها بلا توقف في اللاوعي الجمعي للمجتمع الأمريكي. والقائم على الاستغلال الاقتصادي والسياسي للتحليل النفسي الفرويدي؟!!.

اليوم ظهرت النسوية بما يمكنني ربما تقسيمها لنوعين : (النسوية الوحشية أو المتوحشة) وهي البوفارية النسوية وتعززها مسرحية سوفاج أو المتوحشة لجان أنوي وبيت الدمية لهنريك ايسبن، بمعنى النسوية السلعة والاستهلاكية والعقائدية كمفهوم وفكر متشدد عبثي وعدمي، مظهره المرأة القوية المنتزعة لحقوقها والمستقلة والقادرة، وهدفه الفعلي بالمقابل زيادة الاستهلاك حتى للأشياء الزائدة عن الحاجة كشفط الدهون وتكبير الصدر وتضييق الفرج وتجديد العذرية والبراءة وتعريض الدّبر وتكبيره، وخلق المرأة الباربي، وتعزيز نظرية داروين البقاء للأصلح والأقوى.

و(النسوية الإيجابية) المقاومة للمغريات التي تعتبر الرجل شريك في الحياة لا عدو، والمطالبة فعلياً للحقوق، وليست مطية الاستهلاك، والمعتدلة الخطاب غير الصادمة والمصطدمة. بمعنى النسوية الذكية لا الحمقاء.

بالمقابل تعيش المرأة السورية في بلاد اللجوء والداخل كالرجل تماماً، من ناحية المستوى ذاته من الضغوط وجيل مابعد الصدمة والتحول. ففي الوقت الذي تحمل إرثها البالي والمترنح منذ قرن وأكثر أثناء انتقالها للغرب. فإنها تصبح أقرب للبوفارية ومحدثي النعمة تماماً كالرجل، الغير معتاد على حس الحرية الشخصية للانسان بمفهومه المتزن والمعتدل، والقيم الغربية العلمانية الأخلاقية لا السلعية والبعيدة عن المصلحة الشخصية والانتفاعية، وإنما على المنظور الانساني البحت، هذه الصدمة الحضارية أنجبت المتلازمة البوفارية الشرهة للاستهلاك والتلقيم، وكأن المرأة السورية باتت مجرد ببغاء ووعاء فارغ يتم الصب فيه مختلف المياه الآسنة والنظيفة، عكس الفَرس العربية الأصيلة المعروفة بلقب “الشقرا العفوف” التي لا تشرب إلا من رأس النبع. وهي ميزة في الحصان والخيل العربي الأصيل، وحتى في الغزوات فلا يمكن لتلك الفرس الأصيلة أن تستعملها لرعي الأغنام والأبقار كالخيل الأمريكية، كما يفعل مستوطنو الجولان السوري، وإنما تتمتع بذاك النقاء المذهل والجمال المذهل وبذات الوقت تحافظ على روحها وحريتها كما هي فلا يمكن تدجينها ولا ترويضها لما هو أقل مما تستحق.

ما حصل هو العكس وخاصة أننا تحولنا رجالاً ونساء لمجرد سلعة مثل بقية العالم الغربي، وأصبح العالم ذو لون واحد فالجميع أصبح كيم كاردشيان والجميع تحول لإنجيلينا جولي، والجميع يعيش عيشة الأصدقاء وتقليد الثقافات المنتصرة أي النيتشوية، وهذا التأثير حتى على مستوى إعمار مدن العالم فشنغهاي كما ذكرت في كتابي الحروب الأمريكية الصينية أصبحت كشوارع نيويورك وشوارع اسطنبول وأبنيتها كأبنية باريس وبرلين، لتفقد تلك المدن التاريخية المذهلة مذاقها ولونها الخاص.

بالمقابل وفي اليابان تمت صناعة ثقافة الكيوت اليابانية وبذات الوقت الهوية اليابانية الرائعة، فأنا على سبيل المثال والمهتم بالثقافة اليابانية انتبهت يوم 21 يناير 2022 لدعاية لفتاة يابانية ترتدي الكيمونو وتتزلج على لوح سيرف فبينما تقدم نفسها بالكيمونو وكأنها فتاة وسط العاصمة القديمة والتقليدية لليابان كيوتو المتألقة والمشبعة والمفعمة بالروح اليابانية، تقدم زلاجتها روح ثقافة الهيب هوب الغربية وهذا الدمج المذهل بين ثقافتين. والهدف دعائي لكنه يرسخ بالمقابل جمال التراث والتمسك به في اليابان.

وللمقارنة السريعة فأحمر الشفاه ظهر للمرة الأولى في نيويورك وكان الشعار المطروح أنه يعبر عن حق المرأة بالاقتراع لكنه فعلياً ترويج لهذه الموضة وللبيع والتسليع، ولكن بقيمة مادية بحتة لا هدف لها فعلياً وإلغاء للقيم الأمريكية والغربية المحافظة عكس اليابان.

الموضوع الأخير بمقالي هذا، لماذا هناك عزلة سوداوية؟ من تابع مسلسل بلاك ميرور الشهير بمعنى الشاشة السوداء، سيعرف بالفعل ما أرنو لإيصاله للقارئ، المرأة اليوم لم تعد أسيرة أو ملك الرجل بالمفهوم التقليدي البالي الذي تم ترسيخه عبر عشرات السنين، وإنما أصبحت “شيء” يستهلكه جهاز، فأنا أعرف سيدات يقضين معظم يومهن إن لم يكن بأكمله لمشاهدة الدعايات فقط والموديلات فقط وبعضهن يحرمن أنفسهن من الحياة ذاتها ولسنوات طويلة للحصول على مرادهن، والمراد وللمفارقة أنهن بتنَ “شيء” ليصبحن “شيء” يبحث عن “شيء” وكذلك الرجل بات “شيء” يقضي معظم حياته للحصول على منزل وعربة وأشياء ربما لا يحتاجها بل وتدمر البيئة والوجود البشري ذاته، في الماضي كانت المرأة تبحث عن الرجل والعكس صحيح، بمعنى إنسان يبحث عن انسان، اليوم المرأة هي “شيء” يبحث عن “شيء” لا أكثر والسؤال أين القيمة الانسانية في كل هذه المعمعة؟ أقول صفر.