في الحقيقة فكرت بعنوان مناسب للمقالة لمسلسل أثار الجدل في الأوساط السورية من شارة الحلقة الأولى
للمسلسل بل وحتى قبل عرضه بفترة، حتى بين أوساط المعارضة والموالاة، فمنهم من ناقش المستوى الفني
للمسلسل بعد كل حلقة تعرض في رمضان 2023، والسيناريو لسامر رضوان ومستوى الإخراج للشاب
عروة محمد والأداء للفنان الكبير مكسيم خليل وكوكبة من الفنانين السوريين، وانتقال المشاهد وتكرار
الحوارات وما إلى ذلك، بل ذهب تصنيف البعض لكونه وثائقي أكثر منه درامي، وبات السوريون بعد كل
حلقة تعرض عن حقيقة الشخصيات الموجودة في المسلسل ويتحرون عن الأحداث عبر محركات البحث.
ما يُحسب للمسلسل أنه تناول لأول مرة بالتاريخ العربي حكاية عائلة تسيطر على حكم بلد عربي ونظام
شمولي دكتاتوري لازالت على موقعها، وأصبح المسلسل شيئاً فشيئاً مثل كرة الثلج مع تصاعد الأحداث،
وتوقعات الشخصيات الحقيقية التي أسقط عليها المسلسل وقائعه. بل وقضى على مقولة “هو منيح واللي
حواليه عرصات” إلى “هو مجرم واللي حواليه أدوات”.
أعتقد برأيي الشخصي والمسلسل لم ينتهِ بعد ولازلنا في الحلقات الأولى هو نقطة تغيير في الدراما السورية
فهو أخذ بزمام الواقع السوري خصوصاً والعربي عموماً ونقله لمكان آخر، ونزع القدسية عن المحرمات
الدرامية بعد سنوات طويلة على حكم أنظمة الديستوبيا العربية، وجعلها تحت مجهر الفن الكاشف لحقيقتهم،
رغم أن المسلسل كرر عبارة عدم الإسقاط المباشر على شخصيات وأحداث بعينها، وبدأ التصعيد الدرامي
مع الحلقة الثالثة لنشهد الذروة في الحلقة السادسة، ويبدو أن هناك قمم أخرى سنشهدها للمسلسل، تماماً
كتصاعد سيمفونيات بيتهوفن التسعة ليبلغ ذروة أعماله الخالدة في السيمفونية التاسعة، وكان بالسيمفونيات
الفردية يبلغ قمة فأخرى بينما بالزوجية يستريح ويأخذ نفس كالسيمفونية الريفية السادسة ليبلغ هيمالايا في
السابعة وهكذا.
عاتبني عدد من الأصدقاء لأني وصفت هذا العمل الهائل بتراجيديا شكسبيرية أخرى وطالبت بأجزاء ربما
تشمل بقية أنظمة العرب، على طراز هاملت والملك لير وماكبث وتلك الأسر المالكة القادمة من ظلام
العصور الوسطى ليصنع منها شكسبير أيقونات خالدة، وخاصة أن الدراما السورية بالمعنى التراجيدي لم
تتوقف منذ ستين عام وحكم البعث، بل وقبل ذلك بالانقلابات العسكرية والوحدة الفاشلة مع مصر.
وأشرت لأهمية الفنانين الكبار في المسلسل، فقبل حوالي الربع قرن عندما تقدمت لدراسة النقد والإخراج
بالمعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق كتبت عن مسرحية مونودراما هي عازف الكونترباص عن الروائي
باتريك زوسكيند بالمركز الثقافي الفرنسي بالبحصة وبأدوات سينوغرافية بسيطة صنع الفنان على ما أذكر
مازن عباس تحفة فنية، بمعنى بفنان محترف تصنع معجزة، للأسف لم أستكمل دراستي بالمعهد ولكن
تفجرت في داخلي روح المتابعة الحثيثة للمسرح والدراما وكتابة النقد في ذاك الزمن، وأعتقد بوجود فنانين
محترفين ومن ذوي التاريخ الكبير وهم حوالي العشرة يمكنهم حمل مسلسل كامل على أكتافهم، ولا ننكر أن
للمخرج دور كبير في ذلك، وخاصة أن معظم الممثلين في العمل هم لا ممثلين بالمعنى الحرفي وأعرف
بعضهم وبعضهم الآخر أصدقائي، ربما شاركوا ليس لإكمال ديكور المسلسل أو مجرد كومبارس وإنما
ليقولوا أنهم أخذوا صورة تذكارية لمسلسل تاريخي من ناحية تطور تاريخ الدراما السورية، وقبل أيام قرأت
لصحفية إيطالية في معرض حديثها عن دراما رمضان العربية بالإجمال بأنها تقدمت على الأنظمة العربية
بسنوات من ناحية الفكر والوعي وكان ابتسم أيها الجنرال أحد أهم تلك المسلسلات التي ستؤثر على الوعي
الجمعي العربي التواق للحرية والتعبير وتقود نحو التغيير.
الجميل في هذا العمل أنه نوعاً هو حكاية كل سوري عاش هذا العالم المظلم السوداوي تحت حكم عائلي
مراهق في السياسة، وأقرب ما يكون لمزرعة الخنازير لجورج أورويل.