محمد زعل السلوم: ابتسم أيها الجنرال فالملك هو الملك

0

المشهد الغروتيسكي في مسلسل ابتسم أيها الجنرال ليس مجرد نبذة تاريخية ولا مجرد وثائق وأحداث
حصلت في دولة ما من دول الشرق الأوسط كما يشير المسلسل، ومتكئين على عبارة “جميع شخصيات
المسلسل وأحداثه من وحي الخيال، وإنّ أي تشابه بينها وبين شخصيات حقيقية هو من قبيل المصادفة”،
والتي تؤكد بدورها على العمل الفني والدرامي، وقبح النظام السياسي للدولة المشار إليها وانتهاك الدستور
والحكم العائلي والتوريث الحاصل لجمهورية فرات، بل والاعتداء على دولة مجاورة تحت وصاية تلك
الدولة، واستباحة دم كل من يعارض هذه العائلة السيكوباتية. كل هذا القبح الدرامي نسميه الغروتيسك فلا
هو كوميدي ولا تراجيدي وإنما قبح فقط.
فالجنرال فرات وبتلميحات ذكية للمخرج عروة محمد يركز على رمز الشر رغم أنسنته، حيث تنفرد به كاميرته الذكية في كل حلقة بلقطة مقربة أمامية أو جانبية، ويذكرنا بلقطات إنغمار برغمان في أفلامه
الشهيرة مثل الفراولة البرية والختم السابع وابتسامات ليلة صيف وانتظار السيدات، والسينما النفسية
السيكولوجية لغور أعماق البشر سواء مرضى نفسيين أو غير ذلك، ومن يتذكر غروتيسكية شكسبير
الشهيرة في مسرحيته حلم ليلة صيف ليعبر عن مخلوقاته العجائبية في الغابة من وحوش وسحرة ومصاصي
دماء حيث تُعبّر عن أرواح البشر المكتظة بالخوف والفظائع والفزع والهلع، وهذا القبح كله يظهر بقالبه
الكوميدي لدى كبير المسرح العالمي، وجميع تلك المآلات التي نتصورها عن الأشرار ولكن بقالب مؤنسن
يثير فينا الاشمئزاز.
والمثير إذا عدنا للوراء فسنجد مسرحية سعد الله ونوس الشهيرة عام 1977 “الملك هو الملك” وتم تجسيدها
في مختلف أنحاء الوطن العربي أشهرها بمصر عام 2006، ومن بطولة صلاح السعدني ومحمد منير
وجمال الشربيني وكوكبة رائعة من الفنانين، ليجسدوا مسرح غروتيسكي أصيل، عبر عنه قلم سعد الله
ونوس حين يضع السياف ميمون شخصية عرقوب تحت نصاله، بعد أن قرر الملك الظالم -ليلهو قليلاً ويرفه
عن نفسه- أن يضع مكانه التاجر السكير والمعربد أبو عزة، ليكمل بهلوانيات المملكة والشعب الذي لا يؤمن
إلا بمن يجلس على العرش ويضع التاج ويحمل الصولجان، وهذا المشهد القبيح في إدانة تلك الأنظمة
المتناسلة حيث السلطة والمال تغري بالمزيد والمزيد على إيقاع الظلم، والسياف هنا الملك البديل في عرض
السعدني عام 2006، فيستبدل الصولجان في نهاية المسرحية بالساطور، وقد قضى على المؤامرة التي
تخيلها. ليستكمل مسلك الاستبداد. وكأن ونوس يشير لزعيم ما وأخيه العربيد بذاك الزمن، ليكرر سامر
رضوان ملحمة ونوس المسرحية بملحمة تلفزيونية أقوى من مدافع النظام ذاتها وبراميله، وإنما إنعاش
ذاكرة الناس داخل وخارج تلك البلاد.
ولدى عودتنا لمهازل دولة فرات وألعاب مدير الاستخبارات فيها، وخيانة أخيه له مع دولة خارجية
وتهديداته لحياته، وصراع السلطة بين الأخ وأخيه ومقولات مثيرة للسخرية والقرف بذات الوقت عندما
تقول الأم لفرات : هادا البلد شركة بينك وبينو (مشيرة لابنها عاصي أخو فرات) ليجيبها فرات مستغرباً :
شركة؟!! شو جمعية استهلاكية؟!. هذه اللقطة الغروتسكية بين وقاحة الأم وسذاجتها وقناعتها بأنها تمتلك تلك
الدولة “المزرعة” الخاصة بزوجها “الراحل” و”تركة” لأولادها من بعده، إنما تعبر عن حجم الكارثة القائمة
على هذا البلد.

لا يتوقف هذا العمل عن تلك اللمحات الغروتسكية المُقنّعة تارة والفاضحة الفاقعة تارة أخرى، لتتفجر أحداث
المسلسل وتتصاعد بلا هوادة، وعلينا نحن المشاهدين المتفاعلين ملاحقة أحداث بلادنا التي عشناها قبل
الثورة 2011. ونعود إلى عام 2005.
في زمن شكسبير كانت مخلوقات الغابة عبارة عن وحوش كاسرة ومخلوقات عجائبية كما في حلم ليلة
صيف أما في زمن سامر رضوان فهم أصحاب النفوذ والمال من مشعلي الحرائق ومتزعمي الأنظمة
الشمولية والأنظمة الوظيفية والشقق المفروشة، مع إضفاء الشعور بعدم الطمأنينة والقلق القائم والمَشَاهد
التي تعبر عن البدائية الإنسانية ومخلوق الغابة ورجل الكهف الذي يغذي وجوده ليس الخوف فحسب وإنما
استعمال القوة المفرطة والمزيد من الضحايا كمصاصي الدماء لدى شكسبير. ومما لاشك فيه أن نظريات
النقد الفني والأدبي وعلم النفس الإجتماعي الحديث، سيظل يبحث عن العلاقة بين تفاهة الشر وقبح السلطة
ولعبة الرعب من جهة والإنسان من جهة أخرى.
شخصيات سامر رضوان هي شخصيات لازالت اليوم على رأس السلطة، تماماً كما في عصر جورج
أورويل حين هاجم ستالين بروايته 1984، بينما اليوم أبدع مكسيم خليل ومازن الناطور وعبد الحكيم
قطيفان وعزة البحرة وغطفان غنوم وسوسن أرشيد وريم علي ومرح جبر ونوار بلبل وغيرهم في جعل هذا
المسلسل رقم 1 في رمضان 2023. وليس المطلوب بعد رؤية غروتيسك من هذا النوع التعاطف مع
الضحايا أمام هؤلاء الجلادين وإنما الاستمرار بالثورة حتى اقتلاع هذا النظام عن آخره في فرات
المستقبل؟!!.