في عام 1886، اشترى فنسنت فان كوخ زوجا من الأحذية المستعملة في سوق للسلع الرخيصة والمستعملة في باريس. ولدى عودته إلى المنزل، أدرك أنهما غير لائقين، وهو المعتاد على السير عاري القدمين معظم حياته، ولكن بدل رميهم بعيدا، جعلهما محور إحدى لوحاته، وفي النهاية أصبح زوج الأحذية ذاك بالغ الشهرة. وفي عام 2009، أقيم معرض فني في كولونيا بألمانيا وكان كامل ذلك المعرض حول تلك الأحذية الجلدية ذات اللون البني. والتي تحدث عنها ستة عظماء من الفلاسفة ومؤرخو الفن مثل جاك دريدا وهيدجر وبدت بالنسبة لهم كما لو أنها رموز قوية تستحق أقصى قدر من الإهتمام والتحليل الفكري والإجتماعي والفلسفي الوجودي المتعلق حتى بمصير الإنسان بل هناك من وصف تلك الأحذية بأنه تعيشها روح من ارتداها وأن فيها أشباح وأنها دليل العدمية والتلاشي… فتخيلوا أصدقائي مستوى التأثير المتواضع الذي يمكن إعطاؤه اعتبارات أكبر. وأتذكر قصة حذاء عزيز نيسن الساخرة حين ذهب ليخطب وهو الفقير المقطوع من شجرة وذهب لشراء حذاء مستعمل ولأنه لا يملك ثمن النمرة التي تناسبه إضطر لشراء نمرة أقل فشعر بالضيق أمام والد الخطيبة وانحصر فكره بألم الحذاء الذي خنقه وهو الثرثار المعلاق كما نقول بلهجتنا لدرجة ان والد الفتاة انبهر به لصمته وخجله واحمرار وجهه فوجده الشخص المناسب لابنته.. ولا ننسى قصص الأحذية العسكرية والبسطار العسكري الذي جلب للعالم العربي الكوارث والدمار على مدى عقود من الزمن فلا تستهن عزيزي بتأثير الأحذية على ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا.
تجنب حالة الكلب الذي يعوي على القمر ويتبول على القبور
قال الكاتب النمساوي الساخر كارل كراوس ذات يوم بأن (المفارقة العاطفية هي كلب يعوي على القمر بينما يقوم بالتبول على القبور). بكل تاكيد علينا تجنب هذا الشعور المنحط وبدل ذلك علينا رفض المشاعر الغير ضرورية والتخلص منها وكل ما يؤذي الذات. والتي ربما تتشكل في داخلنا او تأتي من الآخرين. وما نسميه (القسوة الذكية) او (الشفقة النبيلة على الذات) أو (الإنتقام الذاتي اللطيف). وعلينا الحرص أكثر على حالتنا المزاجية التي تأوي تلك المشاعر السلبية وتجنب التأثيرات التي تسمح بخروجها في مساحاتك الخاصة. وبالطبع من حقك وواجبك ان تكون انتقائيا للغاية في تشكيل بيئتك الداخلية والخارجية. لتكون قادرا على كل تجديد وشيك في حياتك.
الغريب في هذه الحكاية ومقولة كارل كراوس وهو المعروف بنقده اللاذع بزمنه ووصف ظاهرة (الصحفجية) أن عبارته الشهيرة كانت إجابة على عبارة كتبتها ذات مرة في قصيدة شعرية من ديواني الحب والتكوين والذي طبعته في دمشق عام 2014 وهي (وأنا الديناصور القزم) وأنا أتساءل مع ذاتي وقد كتبت هذا الديوان فعلا منذ عام 2010 … لم كتبت هذه العبارة وما الحالة التي عشتها لأكتبها وبالأحرى ماذا قرأت حينها حتى وصلت لهذا المستوى من الصراع الذاتي بعيدا عن الأنا الشاعرة وكسرا للمعتاد في البارانويا الشعرية لدرجة الإنفصام. ربما نوع من تعزيز الذات او مواساتها بين داخلي وخارجي في عالم مجنون يحاول كسرنا وتقزيمنا بينما في ذواتنا نعيش عالمنا الخاص وواقعنا الفعلي.
شخصية Sehnsucht في داخل كل منا
تحدد الكلمة الألمانية Sehnsucht رغبة عميقة ومتلهفة لشيء ما، دون معرفة ما هو بالضبط. وهذه الرغبة العميقة توقعنا في قبضة Sehnsucht الشخصية الخاصة بكل واحد منا. لكنني أعتقد أيضأ أنه يمكن لكل إنسان بين الفينة والأخرى على وشك تحديد تجربة من شأنها أن ترضي تلك الرغبة التي تبدو غير قابلة للتحقيق. ربما سيرضي Sehnsucht الخاص بهذا الإنسان من خلال اكتشاف مصدر جديد للإشباع العميق أو تحويل مصدر موجود. مما يجعله ممتعا بشكل لا يصدق، لذا علينا القيام بتحرير بعض المساحة في جداولنا المعتادة. لتلقي هذه الSehnsucht.
بالطبع يفسر علماء النفس Sehnsucht عدة تفسيرات فلا ترجمة حقيقية لهذه الكلمة عن الألمانية ربما تعني توق الروح لأمر غامض لنقص مطلوب لبعيد غائب في الوطن للوطن ذاته وتقترب هذه الحالة من حالة سوداد والتي تعني بلغة الجبل الأخضر وكانت عنوان اغنية العملاقة ايف سيزاريا ربما تعني توق الأم للغائبين عنها في بلاد بعيدة. كما في الحالة السورية إذ يتوق من تبقى في البلاد لمن ألفوهم لعقود من الزمن ومن عاشروهم لكنهم ليسوا اليوم في متناول اليد وهي حالة Sehnsucht وقمة هذه الحالة أن يتم اللقاء او تتحقق الامنيات الغريبة الغامضة تلك والتي تجتاح ذواتنا وربما تعني حسب علماء النفس هذه الدفقة من المشاعر الفياضة بانها ربما سعي فردي نحو سبيل السعادة والتي بذات الوقت تتعارض مع الرغبات التي لم تتحقق او حنين لبيئة مألوفة لأشخاص نرغب بوجودهم الآن بين ظهرانينا كوالد متوفي أو قريب كما يقول الجنرال ديغول ذات مرة : في المقابر رجال لا غنى عنهم. هذه الغمرة من المشاعر تتأرجح بين النقص والرغبة وتتجسد ربما في مشروع وفي سفر وفي شيء ربما يختلط علينا ولكننا ما إن نجد سبيل إليه فستغمرنا السعادة الجامحة ربما وتنعش ذاكرتنا لنرى المستقبل بطريقة أسلم لقلوبنا وصحتنا العقلية.
آلام النمو ضرورة لتغيير حياتنا
يشير مصطلح “آلام النمو” إلى الصعوبات التي تحدث في أوقات النضج السريع أو النمو القوي. حتى لو كانت مزعجة، فإنها تشير غالبا إلى أن التحولات الجارية ستجعلنا أقوى. أي مشروع لا يشمل تلك الآلام فهو يفتقر إلى الطموح. فإذا أردنا دفع حدودنا لاتجاهات أبعد وتحقيق أنفسنا بشكل كامل، فنحن بحاجة إلى توسيع مداركنا بطرق تزعج أنفسنا القديمة. بالطبع ستكون آلام النمو أحد الموضوعات الرئيسية لدى الطموحين في الحياة والذين يحلمون بتغيير ذواتهم ومداركهم. من المهم ألا تكبتوا الانزعاج من ذلك، ولكن لا يستحوذ عليكم ذلك أيضا. احتفظوا برؤية واضحة لما ستسمح لكم هذه التضحيات بفعله.
فعندما دخلت الجامعة كان نمو لغتي الفرنسية مؤلم ولكني تعلمت وتمرست وعلمت وكذلك الكثير من المهارات. احيانا نفقد جزئية لكن الخبرة غلابة ولكنها لا تأتي دون آلام وكذلك في دراساتنا ونفس الشيء في حياتنا وعلاقاتنا ولكن كلما تألمنا اكثر كلما نضجنا أكثر وفتحنا آفاق اوسع … بالأمس كنت أتابع برنامج او سلسلة وثائقية من اربع حلقات للجزيرة الوثائقية بعنوان تاريخ السرعة سواء على الارض او نحو السماء او في المحيطات او الفضاء ومستوى كفاح البشرية لاختصار الزمن واختراق الزمكان وتغيير العالم وتطوير الحضارة الإنسانية. وكل ذلك لم يأتي ببساطة لدرجة اننا سنفطر ذات يوم في نيويورك ونتغدى في سيدني بأستراليا مع تطوير أبحاث على طائرات تسير بسرعة 6500 كم/سا ونظرية الثقوب الدودية لاختصار السنوات الضوئية والشراع الفضائي لدفع كشافات الكواكب بسرعات عملاقة وسيارات طائرة وماكينات برمائية وطائرات الماء وغيرها من التصاميم المذهلة التي تريد ان تحافظ على وجود الإنسان قدر المستطاع. ولكن كل هذا لا يتحقق دون التجربة ودون الفشل وكما يقول المثل الياباني الذي اردده على الدوام طوال حياتي نانا كوروبي ياؤوكي أي يسقط سبع مرات وينجح في الثامنة. أنا كل يوم لدي جديد ربما اخفق باشياء ولكني مع تجربة أشياء جديدة حتى لو بسيطة تدفعني للبحث عن الأفضل رغم تعطيل حياتي وتضرري بشكل كبير خلال العامين الماضيين ومع ذلك أتقدم ولو ببطء شديد أو على الأقل لا يرضيني ومع ذلك أحاول اعتبارها مجرد سحابة صيف عابرة لما ينتظرنا ونحن في منتصف العمر.