محمد حجيري : عهد التميمي .. انشطار الأيقونة

0

منذ أن اعتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، “أيقونة” النضال الفلسطيني عهد التميمي، تحولت الأخيرة كائناً ميديائياً، تستهويه نشرات الأخبار وكاميرات التصوير وقصائد “الشعراء” وألسنة السياسيين وتغريدات الفنانين (عشاق شعار “القدس لنا”) وريشات الرسامين وتحليلات المستشرقين…

وعهد، الناشطة وصاحبة الشعر الأشقر والجذابة واليافعة التي واجهت جندياً إسرائيلياً في بلدة النبي صالح في منطقة رام الله الفلسطينية، قبل المواجهة هذه تعرضت بيوت بلدتها للمداهمة واعتقل والدها و”أصابت رصاصة مطاطية جمجمة قريبها محمد، فتشظت، وصار مشوه الوجه”، على ما نقلت جريدة “لوموند” الفرنسية. لذا، سارت عهد مع قريبتها إلى حيث يقف الجندي وصفعته بيدها الطرية، وصوّرت والدتها ناريمان الحادثة. والتزم الجندي وزميله “ضبط النفس” على غير عادة. وبحسب زعم بعض وسائل الإعلام الغربية، المناصرة لإسرائيل، فإن التميمي كانت خلال هذه السنوات “تفتعل مواقف تستفز عناصر جيش الدفاع” الذين هم “أكثر جنود العالم انضباطاً”!ّ وهذه الحادثة (أي صفع الجندي الإسرائيلي) كانت لتمرّ مروراً عابراً، لو لم ينتشر فيديو الحادثة “انتشاراً وبائياً في الإنترنت”. بمعنى آخر، هذه إشارة إلى سلطة الصورة ودورها في ايقاظ المشاعر والتوهمات والبطولات والغايات والعنتريات والمظلوميات. فعشاق فلسطين والقضية الفلسطينية، وجدوا في الصورة معنى البطولة والنضال الحقيقي والشجاعة، ووصفوا التميمي بـ”أخت الرجال” واستكثروا على أنثى أن تستعمل يدها، كأنهم يقولون ان التميمي اخترقت نمطية المرأة ككائن ضعيف.

واندلع نقاش حاد في إسرائيل حول ما يقتضي التزامه في مثل هذه المواقف. وبعد أربعة أيام على الحادثة، اعتقلت السلطات الاسرائيلية، عهد التميمي، ودخلت الفتاة في إطار الأسطورة والأيقونة، وجذبت محاكمتها الأضواء. وليس وراء ذيوع صيتها والتعاطف معها في الخارج، خصل شعرها الأشقر وحُسنها فحسب، فعائلة التميمي النضالية أنشأت صفحة “فايسبوك” وقناة في “يوتيوب” وحسابات في “تويتر”. والفنان الإيرلندي جيم فيتزباتريك، الذي جعل صورة تشي غيفارا أيقونة شهيرة قبل 50 عاماً، وجد عهد التميمي جديرة بأن تكون “المرأة الخارقة الحقيقية”. ورُسمت عهد لوحة غرافيتية على جدار الفصل العنصري في فلسطين من قبل رسامين ايطاليين، وأمر وزير الدفاع الإسرائيلي افيغدور ليبرمان إذاعة الجيش الإسرائيلي بمنع بث أغاني الشاعر الإسرائيلي يوناتان غيفن، بعدما كتب قصيدة قارن فيها عهد التميمي، بكل من جان دارك وآنا فرانك (الصبية اليهودية التي تحولت إلى اسطورة بعدما اشتهرت مذكراتها التي دونتها في مخبئها في هولندا إبان مطاردة النازيين لليهود في أربعينات القرن العشرين). وسرعان ما قدّم الشاعر الاسرائيلي “اعتذاراً” على المقارنة بين عهد الفلسطينية وآنا اليهودية…

وخضعت التميمي لمحاكمات صحافية وشعبية، فأصبح عدم ارتدائها للحجاب “عيباً يشينها ويقلّل من أثر نضالها”، أو يتم النيل من كونها فتاة بطرق عديدة بحسب جريدة “القدس العربي”. وكل هذه التنميطات التي تدعي تبجيلها، تُخفض، بشكل أو بآخر، معناها الإنساني كأنثى. وبعض المواطنين حاكموها لأن صورتها الأيقونية غطت على الكثير من الاغتيالات السياسية للفلسطينيين وحتى صور المقعدين الذين يتحدون إسرائيل بالحجارة والإعاقة الجسدية، ويُقتلون اثناء المواجهة. وأحدثت عهد أيضاً نقاشاً مستفيضاً من قبيل: لماذا تأخذ كل هذه الضجة وهي ليست أكثر من صورة؟ وماذا لو كانت فتاة لا تمتلك حُسناً وشَعراً أشقر وعينين زرقاوين؟! وماذا لو كانت مجرد صورة نمطية للمرأة المسلمة المحجبة أو المنقبة؟!

فمُحاكمتُها الإسرائيلية، سَبَّبَها، قبل أي شيء، انتشار الفيديو. ولا ننسى انه في 2013، تحدث تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة عن سوء معاملة ممنهجة ومؤسساتية للقاصرين أمام القضاء العسكري الإسرائيلي. وبحسب الكاتب الفرنسي بيوتر سمولار، ارتضت عهد التميمي، “الإقرار بالذنب، شأن مئات القاصرين الفلسطينيين الذين تعتقلهم السلطات الأمنية الإسرائيلية سنوياً، في غياب القدرة على الدفاع عن نفسها على ما يقتضي القانون ومعاييره”. وحين أُفرج عنها، سُئلت عن وقتها في السجن الإسرائيلي: “كنا نعمل حفلات ونغني ونرقص ونضل ننط بالغرف نتهبل، وكنت أقضى الوقت في دورة القانون ودراسة التوجيهي وقراءة الكتب ومشاهدة التلفزيون”. وهذا الأمر جعل الكثيرين يتذكرون السجن السوري ويقارنونه بالسجن الاسرائيلي، في حين كان النظام الأسدي ينشر أسماء سبعة آلاف سجين سوري قتلوا تحت التعذيب في سجونه، ويتحدث في الوقت نفسه عن الاعتقال التعسفي لعهد التميمي بمناسبة خروجها من السجن الإسرائيلي. وبعض الأقلام رفضت المقارنة بين السجنين على اعتبار أن الاسرائيلي احتلال، والنظام الأسدي ذروة الاستبداد والوحشية، ونتيجتهما واحدة في تشريد الشعبين الفلسطيني والسوري، حتى وإن كان الاسرائيلي أذكى في محاولة اظهار الصورة الحسنة لنظامه أمام المجتمع الدولي.

حبس الاحتلال الإسرائيلي، لعهد التميمي، في كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، أثار حملة تعاطف واسعة في العالم العربي (بغض النظر عن الأفكار الايديولوجية والمحاكمات المتعددة)؛ رفضًا للظلم ودفاعًا عن المستضعفين الذين اعتبر المتعاطفون أن الفتاة تمثلهم، وقد “شكل إطلاق سراحها بعد ذلك بنحو 8 أشهر مصدر فرح لكل هؤلاء”. لكن المتعاطفين مع عهد ما كانوا ليتوقعوا أن تلجأ الفتاة اليافعة إلى مدح أمين عام “حزب الله”، حسن نصرالله، بحجة أنه ساندها أثناء سجنها، وهو الذي أصبح عنواناً للانقسام بعد الحرب السورية، حيث شارك أيضاً في حصار فلسطينيي سوريا في مخيم اليرموك. هكذا، تكون التميمي قد دخلت في دائرة الانقسام بعد تصريحها الأخير، بعدما كانت عنواناً للتأويل، بين تمجيدها من إعلام الممانعة ونقدها من وسائل أعلام أخرى. صحيح أن مجرد مديح نصرالله يستفز اسرائيل، لكنها لا تعلم ان الكثيرين من عشاق القضية الفلسطينية على خلاف استراتيجي مع نصرالله وسياسته الإقليمية وأهدافه، وهي بذلك تشطر أيقونتها لمصلحة تصريحها السياسي، لا لموقعها الرمزي.

المصدر : المدن

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here