محمد بن الظاهر: الكُتّاب ودور النشر في زمن السوشال ميديا.. ما بين تسويق الكاتب وتشكيل الذائقة الأدبية

0

من جملة الأسئلة التي تدفع إلى التفكير في العلائق بين القراء والكتّاب ودور النشر وتوافد هؤلاء للعالم الافتراضي هو سؤال الذائقة. كأن نرى شخصية عامة توصي بقيمة كتاب، وما إن يحدث هذا حتى نراه في قوائم الأعلى مبيعاً في المكتبات. فكيف نقي هذه المنتخبات والترشيحات من فتك الأطماع كي لا تخلق لنا ذائقة مشوهة، ودور نشر تراهن على الربح المادي؟ ولا يخفى انتشار صفحات الكتاب ودور النشر في السنوات الأخيرة، التي تسهم في تسويق إنتاجهم، ما يستشكل طبيعة العلاقة بينهم وبين القرّاء، وكذا الثقافة في العالم الرقمي، حول الإجابة عن هذه الأسئلة كانت الآراء الآتية.

أخلاقيات المهنة

بداية تقول الإعلامية المغربية ورئيسة تحرير مجلة «ذوات» الإلكترونية سعيدة شريف، إن النشر الإلكتروني اليوم فرض نفسه بشكل كبير، وبإمكانه أن يخلق متنفسا كبيرا للصحافة الورقية التي تعاني من أزمات كثيرة، ما أدى إلى إغلاق العديد من الصحف العريقة، وما الأزمة التي نمرّ منها حاليا في العالم بسبب جائحة كورونا، إلا دليل على ذلك، فكل الصحف توقفت عن الصدور ورقيا، وخلقت لنفسها منصات رقمية تتواصل من خلالها مع القراء، لهذا يجب التفكير مستقبلا في كيفية استثمار وتوظيف التكنولوجيا الرقمية لصالح الصحافة المهنية الحقيقة، التي تخدم المجتمعات، وليس صناعة محتويات تافهة تفنى بعد دقائق من نشرها. وبرأيي، فمن كان فاعلا مهما في النشر الورقي سيكون فاعلا في النشر الإلكتروني، شريطة احترامه أخلاقيات المهنة.

الكاتب والقارئ

يقول الكاتب المصري عادل عصمت، إن أهم ما أحدثته وسائل التواصل الاجتماعي أنها غيرت طبيعة العلاقة بين الكاتب والقارئ. فالكاتب لم يكن يطلع على أثر عمله ــ قبل وسائل التواصل الاجتماعي ــ إلا عبر وسائل محدودة، مثل الرسائل الشخصية، أو مقالات الجرائد، أو في أثناء الندوات الثقافية. الآن لم يعد القارئ ذلك الكائن البعيد الغامض الذي لا يعرف عنه الكاتب شيئا، وأصبح الكتّاب على صلة بقرائهم على نحو مباشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي فتحت علاقة حوارية مع القراء. بطبيعة الحال ساعدت هذه الوسائل الحديثة في انتشار الكتب، وقلصت، إلى حد ما، من سلطة المحرر الثقافي، وأصبح النقاش أكثر حرية وجرأة، فكل فرد يمكنه أن يعبر عن نفسه كما يشاء، سواء بقبول العمل أو رفضه، لقد فتحت هذه الوسائل الحديثة فضاء الحياة الثقافية، ومنحته حيوية وقلّصت من عزلة الكتّاب والمثقفين، ومنحت الناشرين والكتّاب طرقا جديدة في الترويج للأعمال الفكرية، وبالتأكيد ساعدت في انتشار الكتب. لكن الأمر مختلف مع الجوائز الأدبية، التي تعني حكما على القيمة الفنية للأعمال الأدبية، فالقارئ هنا، مدفوعا بحب الاستطلاع، يريد أن يتعرف على الأسباب التي من أجلها مُنح هذا العمل الجائزة، ومع ذلك فإن وسائل التواصل الحديثة والجوائز الأدبية، لهما أثر فعال في انتشار الأعمال الأدبية، والنقاش حولها، وأظن أنهما غيرا تقاليد الحياة الثقافية العربية، ومنحاها حيوية وانفتاحا، رغم الخلافات في الرؤى والأذواق، بل ربما بسببهما.

القيمة وتصفية الحسابات

ويضيف الروائي والمترجم المغربي عبد المجيد سباطة قائلاً.. أدين بفضل كبير لوسائل التواصل الاجتماعي في وصول أعمالي إلى شريحة مهمة من القراء، هذه ميزة لن ينكرها إلا جاحد. فمع صدور الكتاب، ومشاركة القراء لمقتطفات منه، وكتابتهم مراجعات تتناول رأيهم فيه، تتسع دائرة المهتمين به، ويحظى بانتباه النقاد المتخصصين، والقراء الباحثين عن الجديد والمختلف، كما أنها تخلق نوعا من الثقة بين الكاتب والقارئ، تمكن الأول من التعرف على مختلف الآراء حول أعماله الإبداعية، وتسهل على الثاني مهمة التواصل مع الأول وعرض أفكاره ووجهات نظره، التي قد يستفيد منها الكاتب بشكل كبير.
ولكن وجبت الإشارة هنا إلى نقطة في غاية الأهمية، وسائل التواصل الاجتماعي وحدها غير كافية لصنع عمل أدبي ناجح، فالكتاب الذي يمتلك صاحبه حسابا بعشرات الآلاف، أو حتى مئات الآلاف من المتابعين مثلا، يستطيع خلق ضجة مع الإعلان عن صدور كتابه الجديد، ما سيضمن له «موجة أولى» من الاهتمام، يمكن إدراجها في خانة ما بات يعرف اليوم بـ«البوز»، لكن وحدها جودة الكتاب قادرة على ضمان استمرارية هذا الاهتمام، بل حجز مكان له في قائمة الكتب القادرة على الصمود أمام سطوة الزمن، فمن الغباء الاستهانة بذكاء القارئ النبيه، القادر على وضع شهرة الكاتب، والهالة التي يوفرها جيش متابعيه جانبا، ثم محاكمة النص بحياد، هذا الذكاء هو الفيصل في ضمان أو حرمان الكتاب من النجاح الدائم، والأمثلة عديدة ولا يتسع المجال لذكرها، لأعمال اجتاح صيتها وسائل التواصل الاجتماعي فور صدورها، وتحولت إلى مادة لحديث كل الألسن، ثم نسيت بسرعة غريبة، لأنها ببساطة شديدة (لا تستحق).
نقطة أخرى لابد من التطرق إليها، وهي الجانب «المظلم» إن صح التعبير في وسائل التواصل الاجتماعي، فمع اتساع رقعة المتابعين، وسهولة إنشاء الحسابات الوهمية مجهولة المصدر، تتحول هذه المنصات أحيانا إلى ساحة لتصفية الحسابات، لم يسلم منها الميدان الثقافي الذي يفترض به الترفع عن مثل هذه المعارك الطفولية.

نجم افتراضي

بينما يقول الروائي والمسرحي الجزائري عبد المنعم بن السايح، إنه لا يمكن لأحد أن ينكر أن لمواقع التواصل الاجتماعي دورًا مهمًا في دعمِ المسيرة الإبداعية للكاتب وانتشار مؤلفاته. هذا الفضاء الواسع خلق روحًا جديدة للعلاقة ما بين الكَاتب وجمهورهِ وقراءه؛ لأنه كسر الحواجز واختزل المسافات في ما بينهما. وعلى الرغم من أن هذه الوسائط كانت تشكل خوفًا كبيرًا للمثقف خلال ظهورها الأول؛ فقد شاعت في البدايات أنها ستُفقد الكَاتب هيبته والكِتاب قيمته، مما سينقص من معدل القراءة وتراجع مبيعات الكتاب الورقي، ولكن حدث العكس، فوسائل التواصل الاجتماعي لها القدرة على نشر ما يبدعه الكاتب في أوسع نطاق، وتساعده على الترويج لمؤلفاته وللدعاية والتسويق بكل أريحية، وبدون واسطة، وتعرفه بجمهور قراء من مختلف الشرائح والأعمار.

فقد شكلت وسائط التواصل الاجتماعي فارقًا كبيرًا في التعريف بي وبمؤلفاتي، فهي المنصة التي أعتمد عليها لإلقاء كل ما أكتبه، وأروّج من خلالها كل أعمالي، وحتى لأفكاري الحرة، من خلال بث حي أو منشور أو ملاحظات دائمة، أو حتى من خلال صورة. زد إلى هذا، العالم الافتراضي جعلني لا أعتمد على الناشر في تسويق كتابي، أو أعتمد على التسويق بطريقة كلاسيكية من خلال المدونات والجرائد، بل أقوم بالدعاية من خلال صفحتي التي تضم: الصحافيين والكتاب والنقاد والقراء، وهم يقومون بالترويج لمؤلفاتي في صفحاتهم، كلٌ حسب مجالهِ، لتكون بذلك الدعاية من محلية إلى وطنية، ومن وطنية إلى قارية، في وقتٍ وجيز. ولكن في المقابل، لا أراهن كثيرًا على هذه المواقع. أحيانًا تسوّق لمؤلفك في منشورٍ عادي أو مموّل، فتجد إقبالا افتراضيا كبيرا، ما يجعلك تؤمن أن مؤلفك سيكون على الرفوف الأولى، حيث الكتب الأكثر مبيعًا، ولكن في لحظة التوقيع، لا تجد العدد الذي توقعت حضوره، بل أحيانًا تجد شريحة أخرى من القراء تنتظرك، تختلف عن الشريحة التي استهدفتها في حملة ترويجك. الذي يعتمد على الافتراض يعتمد بذلك على الحظ، فنسبة المبيعات لا توازي أبدًا نسبه الانتشار لمؤلفك افتراضيًا، ولا بعدد اللايكات والتعليقات، فهذه المواقع الافتراضية تكون أحيانًا خادعة، تجعلك نجمًا افتراضيًا وفي لحظة الواقع تسحب البساط من تحت قدميك، وتجد نفسك وحيدًا تغازل مؤلفك على طاولة التوقيع.

الشللية والمشاريع الوهمية

أما الروائي المغربي طارق بكاري فيقول.. أعتقد أن شطرا كبيرا من جمهور الرواية يقع خارج مواقع التواصل الاجتماعي، لكن في المقابل يكبرُ داخل هذه المواقع جمهور للقراءة ــ خاصة قراءة الأعمال الروائية ــ جمهور فتي، شاب ومتحمس للقراءة، جمهور يكبر بوتيرة مطمئنة، يدافع عن القراءة، وينقل عدواها الحميدة هنا وهناك. وفي هذا السياق لا أنفي دور هذه الوسائط في تسويق أعمالي واستقطاب قراء جدد، غيرَ أن هذا لا يعادل ما تقوم به الجوائز، فبعضها يأتيك بجمهور جاهز، وبعضها يساهمُ بشكل كبير في تسويق الكتاب وتسويق اسم الكاتب على نطاق واسع، إن تسويق العمل الأدبي يرتبط بجودته أساسًا، فكثيرة هي الأعمال التي حظيت بالجوائز، بدون أن تلفت انتباه القراء، وحتى حين تفعل فإن القراء يتعاملون معها بازدراء، كما أن كثيرا من الكتاب يملكون حسابات بألوف المتابعين لكن مبيعاتهم تكون هزيلة جدًا. إن الجوائز ووسائط التواصل الاجتماعي تخدم الكتاب الجيد، من خلال تسويق جودته، لكن حين يكون الكتاب رديئًا فإن هذه الجوائز والوسائط تعمم هذه الرداءة، الأمر الذي يكون ذا أثر سلبي في الكتاب. فشبكات التواصل الاجتماعي، على علاتها، استطاعت أن تصالح جمهورا عريضا من الشباب مع الكتّاب، بدليل ظهور مجموعات كثيرة للشباب المهتم بفعل القراءة، الكثير من المبادرات النبيلة التي تستحق التنويه والدعم، لأنها تخدم الكتّاب والثقافة، أكثر من بعض الجمعيات التي تنتزع الدعم المادي من هنا وهناك لتمويل مشاريع، يبقى أغلبها حبرا على ورق. فوسائل التواصل الاجتماعي سحبتْ إلى الهامش كثيرًا من الوسائط الإعلامية، التي كانت في وقت مضى ترتهن إلى الشللية، وتبادل المصالح وفتحت في المقابل نوافذ محبة مباشرة وعفوية بين الكاتب وقرائه.

*المصدر: القدس العربي

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here