محمد أوزملّي: تاريخ “الذكورية” والعنف ضد المرأة

0

ثلاثة أسئلة إذا تمَّت الإجابة عنها يمكننا أن نستنتج الدور الأساسي الذي لعبتهُ المرأة في تاريخ الإنسانية، وأن نستعرض أيضاً ما واجهته من عنف من قبل الذكور عبر ذلك التاريخ:

  •  من رسم الفن الصخري؟
  •  من طارد الحيوانات وطبخ لحمها؟
  •  من صنع الأدوات الحجرية، وصنع الملابس من فراء الحيوانات؟

المرأة في العصور الحجرية

يشير علم الآثار من خلال اللُّقى الأثرية إلى أنَّ دور المرأة كان عظيماً في تلك الحقبة، فقد كانت مُشاركةً للرجل في جميع الأعمال اليومية في الوقت الذي كان فيه من الصعب تأمين المأكل والمأوى الآمن، حيث كانت المرأة تساعد الرجل في جمع النباتات البرية والبذور والمكسرات، وبعض الأشياء الأخرى المتوفرة في البرية، وكانت النساء أيضًا يطبخن الطعام الذي يصطدنه مع الرجال، ويصنعن الملابس من فراء الحيوانات، والملحقات من العظام إلى جانب اعتنائهن بالأطفال.

وكما أوضحت الهياكل العظمية التي تعود للنساء إلى القوة التي كانت عليها المرأة في تلك الحقبة، وهذا ينفي ما تم اعتقادهُ حول مهمة المرأة الأساسية في عصور ما قبل التاريخ والتي تنحصر في البقاء إلى جانب أولادها بينما يقوم الرجل بمهام الصيد وتأمين الغذاء لأفراد أسرته. يمكننا القول إنَّ الوظائف في هذه الحقبة لم تكن محصورة على جنس من دون الآخر، بل تشارك فيها الجنسان رغم قلتها وانحصارها حول العيش ضمن ظروف حياتية صعبة.

وتدعم أبحاث جديدة في مجلة Sciences advances ذلك من خلال تأكيدها بأن 30_50 بالمئة من صيادي الطرائد الكبار في القارة الأميركية كانوا من النساء، وذلك منذ نحو 12 ألف سنة من الآن(1). وهذا ما أكدته أيضاً البحوث الجديدة، والتي نفت ما تمَّ ذكرهُ في الفرضية التي وضعت عام 1960، المعروفة باسم “نموذج الرجل الصياد” والتي تحصر عمل الصيد في ذلك العصر بالرجال فقط.

العصور الحجرية الحديثة ودور المرأة في الثورة الزراعية

  • الهجرة من المغارة إلى السكن في منازل بدائية.
  • نشوب الحروب على الأراضي الخصبة.
  • اكتشافات بدائية للزراعة، وبدء الاعتماد عليها.
  • تخصيص فترات الصيد.
  • تطور المعدات المستعملة في الحياة اليومية.
  • منهجية بدائية للحياة الاجتماعية.

هذه التغيرات كانت كفيلة لتطور الحياة الاجتماعية في تلك الفترة، ومنها التي طرأت على الإنسان، والتي تجلَّت في تخصيص الأعمال بين الرجل والمرأة. حيث انحصر نشاط المرأة في الأعمال المنزلية فقط (الطهي، رعاية الأطفال، الزراعة على نطاق ضيق) وبهذه المهام البسيطة أصبحت المرأة أقل قوة جسدية من الرجل عما كانت عليه في الحقبة السابقة.

أمَّا الرجل، فقد توسَّعت أعماله وقوته الجسدية مع تطوّر الأسلوب الجديد للحياة مثل: (الصيد بتقنيات حديثة، الحروب من أجل الأراضي الخصبة، الزراعة ضمن نطاق واسع، وصناعة الأدوات الزراعية والأسلحة الحربية..)، ولكن هذا التطوّر كان مرافقا لصعوبات عاشها الرجل بأوقات الهزيمة في الحروب والجفاف في أوقات الزراعة، وهنا لا بدَّ من الاستعانة بـ (الآلهة/ قوى الطبيعة)، والاسترضاء منها للحماية من الكوارث الطبيعية والانتصار في الحروب.

تقديم المرأة كأضحية!

ولكن لهذا الاسترضاء تبعات وطقوس أغربها كان يكمن في القرابين (الأضاحي البشرية)، من أجل إرضاء الآلهة واتقاء غضبها. احتاج الرجل إلى تقديم أضاحي بشرية “قرابين” بحسب المعتقدات، وحينئذٍ دار في ذهنه السؤال الأهم “من سيكون الأضحية؟”.

ففي مجتمع سادهُ الرجل في تدابير الأمور الصعبة من الحروب وصيد الفرائس القوية، لا بدَّ أن يستبعد نفسه من الأضحية البشرية، ولم يكن أمامهُ سوى تقديم “النساء والأطفال” كونهم الفئة الأضعف، ويُعتبرون ملكاً للرجل _حيث كانت النظرة إلى المرأة في هذه الفترة نابعة من طبيعة الملكية_ وبذلك ظهر مفهوم الأضحية البشرية، وانبثقت معهُ معتقدات وليدة تتعلق بخوف الرجل على نفسه، وترسخ فكرة أن النساء هن الأضحية المناسبة للآلهة، تحت مبرر عقائدي صنعه الرجل مفاده “الآلهة ذكر لذا يجب أن تكون الأضحية فتاة عذراء”.

المرأة في حضارات بلاد الرافدين ومصر

مع تطور الحياة بدأ معتقد “الأضحية بالنساء” يزول، ولكنهُ ترك أثراً  كبيراً في الفصل الاجتماعي بين الرجل والمرأة، حيث بقيت المرأة محجوبة من حريتها وولائها الدائم هو لمالكها (الأب، الأخ، الزوج، الابن) كما يمكننا القول بأن ولادة معتقد “الأضحية” كان حجر الأساس للمكانة الأدنى التي أصبحت عليها المرأة في الفترات اللاحقة عند بعض الشعوب.

ففي الألف الثالثة قبل الميلاد وبحسب قوانين وإصلاحات “أوركاجينا” و”أورنامو” و”أشنونا”  و”حمورابي” التي كانت تطبق في مجتمعات بلاد الرافدين، كانت المرأة عديمة الأهلية، أي أنَّها محرومةٌ من أغلب حقوقها، كما كانت مملوكة وليست مالكة، ولا يحق لها أن ترث زوجها أو والدها من التركة إلا الهدايا والمهر الذي يُقدم لها من زوجها، وهذا فقط كان يطبق على المتزوجات، حيث كانت الورثة تقسم على الأبناء الذكور بالتساوي، لاعتقادهم أن الأولاد (الذكور) هم الذين يعّدون امتداد لشخصية والدهم المتوفي. وهم الذين يقيمون الشعائر الدينية وفق ديانتهم.

أما إذا ما انتقلنا إلى بلاد النوبة (جنوبي مصر) في الفترة ذاتها، سنرى أن الحضارة المصرية استطاعت النهوض بمكانة المرأة، حيث تمتعت حينها بالكثير من الحقوق وكانت جديرة بالتقدير، كما روعيت المساواة بين الرجل والمرأة، واستطاعت النساء تملّك الأراضي التي أشرفن على إدارتها بأنفسهن؛ مما أعطاها الاستقلال المادي والاقتصادي، وكان لها الحق في إقامة الدعاوى القضائية بنفسها، وتمثيل شهادتها أمام القضاء وبهذا يمكننا القول إنَّ المرأة كانت مسؤولة ومساوية للحقوق مع الرجل في المجتمع المصري.

مكانة المرأة في العصور الكلاسيكية 

يقول “ديموستين” وهو رجل دولة إغريقي وخطيبٌ بارزٌ في أثينا القديمة: “نتزوج النساء لنرزق بأطفال شرعيين ولكي نوفر راعياً مخلصاً للبيت، ونملك الخليلات لخدمتنا والعناية بشؤوننا اليومية، والعشيقات لمتعة الحب”.

من هنا نستخلص وضع المرأة في المجتمع اليوناني الذي لم يكن مرّحباً بها، فعلى الرغم من التطور والازدهار الذي شهدته بعض فترات هذا العهد، إلا أنَّ مكانة المرأة تمثَّلت في موضوعين:

  • المرأة المراد “تعقيمها” من الخطايا لتكون وعاءً طاهراً للإنجاب والحفاظ على النسل، لذلك حرَّم عليها الاختلاط والتبرج خارج المنزل نظراً لأنها تعود للملكية الخاصة.
  •  المرأة العامة: وهي تلك التي تكون للناس جميعاً، وتتمثل بطبقة العبيد من الجواري والغواني.

 هذه النظرة لم تقتصر على العامة والنبلاء فقط، بل شملت المفكرين والفلاسفة اليونانيين أيضاً، وأكثر من ذلك في بعض الأوقات، فقد حاربها “ديموقريطس” وهو فيلسوف يوناني حين اعتبرها “معطلة للفلسفة والتفلسف” لذلك لم يتزوج أبدا؛ اعتقاداً منه أن الشهوة تغيّب العقل، وإذا غاب العقل غاب التفلسف.

كما ذهب بعض الفلاسفة وهم سقراط وأفلاطون وأرسطو إلى دونية أكثر لمنزلة المرأة، وأرجعوا سبب هذه النظرة إلى القوانين والأنظمة الطبيعية، حيث رمّزوا المرأة بالرغبات الحسية والجسدية، وأنَّها مكمن الملذات والشهوات بحسب اعتقادهم.

واتّبعت الشعوب الرومانية والصينية والهندية النهج ذاته. فلم يكن للمرأة عندهم أي دور إلا في حالة واحدة وهو أن تكون من طبقة النبلاء، أما العامة كانوا مهمشين في جميع الأدوار الاجتماعية. بل كانوا يعتبرون أنها ” كائن بلا روح” وحتى إذا كان لها روح فهي لا تشبه روح الرجل، وما زالت المرأة حتى الآن في بعض المجتمعات الهندية تُمنع من لمس الرجل والأشياء في فترة الحيض، لا، بل تُعزل في غرفة جانبية مهملة من المنزل حتى انتهاء حيضها.

هذه النظرة للمرأة بقيت بشكل متأرجح بين المجتمعات حتى العصور الوسطى، فعلى الرغم من أن مشاهد القرابين قد لغيت تماماً، إلا أنها اتخذت أشكالاً مختلفة من التعذيب والتعنيف في تلك العصور، منها على سبيل المثال “لجام التوبيخ” وهو قفص حديدي يوضع على رأس المرأة وبداخلهُ قطعة معدنية يغلق بها الفم لمنعها من الكلام وإذلالها علنية من قبل الزوج أمام العامة.

مكانة المرأة في الأديان السماوية

كُرمت المرأة في جميع الأديان السماوية، اليهودية والمسيحية والإسلامية، وأعطيت مكانة مرموقة ونظرة تكريم واعتزاز، واستُنكرت كل الأفكار والمعتقدات التي أحاطت بالمرأة قديماً.

ففي قولهُ تعالى: {يا أيُهَا النَاس اتَقوا ربكُم الذي خَلَقَكُم من نَفسٍ وَاحِدةٍ} سورة النساء:1؛ أي هو الله وحده الذي أوجدكم (الذكر والأنثى) من نفس واحدة.

كما أن الديانات السماوية أزالت عن المرأة اللعنة التي أوجدتها بعض الفرق، حين حمّلتها خطيئة الخروج من الجنة. ففي القرآن الكريم نرى بأنهُ حُمّل الرجل هذه الخطيئة، إذ قال تعالى {وعَصَى آدًمُ رَبَهُ فَغَوى} سورة طه: 121.

لم تقف الديانات السماوية عند المرأة موقف الكف عن الأذى فقط، بل ذهبت لمنحها كل حقوقها التي ساوتها مع الرجل، فأوجدوا بينها وبين الرجل المودة والرحمة والتآلف، حيث تُعمر بها البيوت وتجتمع الأسر ويحفظ النسل، ومكانتها عظيمة تنبع من نظرة شاملة عادلة ومتوازنة.

أما ما تعانيه النساء في زمننا الحاضر عند بعض المجتمعات، من عنف وتهميش متصاعد؛ ما هو إلا عادات وتصرفات نابعة من معتقدات بشرية تعود لعصور الهمجية الغابرة، وبقي أثرها عالقاً في النفوس حتى يومنا هذا.

تلفزيون سوريا