ترجمة: صالح الرزوق
بخطوة واسعة تشبه المارش العسكري قذف ستاسيك، البعوضة، ساقيه (الأصابع مضمومة، الكعب مشدودا، والركبتين متجاورتين، والحوض للأسفل) وشق طريقه في اتجاه البيت. كان قد طلب من البيطري آكوب الكوندور، أن يضمد له موقع عضة بق الفراش مستيسلاف، فالعضة مؤلمة جدا، ولم يعد بوسعه أن يمشي. ومن الطبيعي أن يحلم ستاسيك البعوضة بوجبة ساخنة. على كل حال وهو يدخل إلى البيت سمع صوت صياح مكتوم يأتي من زوجته البعوضة تومكا.
قالت: «نعم هكذا. بالله عليك انتظر. ثانية أخرى. لثانية أخرى. دقيقة أيضا».
وجاء الجواب الخشن يقول: «ولكن لم يعد بمقدوري».
وجمد ستاسيك بمكانه للحظة. ثم اقتحم بيته وشاهد تومكا وهي تنتف لحية زويا الضبع، شعرة بعد شعرة (يا له من تجميل وتنظيف للوجه).
قالت له تومكا بسرعة حين طلب وجبة ساخنة: إذهب وابحث عنها في المستنقع.
أنا أذهب إلى المستنقع يعني أن أذهب إلى المستنقع: للانتقاء والحصاد والغسيل والتنظيف ثم التقطيع والسكب والتجهيز وإيقاد النار والتقليب وهكذا. وسيستغرق تجهيز الطعام حوالي أربعين دقيقة، وربما يحترق خلالها ولا يخلف بين أسنانه غير الرمل.
لا أريد هذا العناء بدون مردود.
تنهد ستاسيك بمرارة بينما زوجته تصرخ، وزويا الضبع يزمجر في الخلف، ثم تناول الزجاجة الثمينة والغالية التي حصل عليها من الخالة ليدا الخنفساء، ما يسمونها «زجاجة آخر استجمام» وجرع القليل مما تبقى منها.
لقد نسي كل شيء باستثناء إيلا الخنزيرة وتنورتها القصيرة التي تتمايل في الهواء.
وبكى ستاسيك وهو ينشد أغنيته المفضلة: نعود لهناك حيث بحر الأنوار.. وبسرعة طار من البيت في اتجاه حظيرة الخنازير، ونسي كل جراحه. وحينما كانت تومكا البعوضة تدس أجرها في بوطها، كان زويا الضبع ينظر لوجهها الناعم من وراء دموع البهجة، لكن كان ستاسيك يطير حول إيلا الخنزيرة التي استلقت باسترخاء بمؤخرتها المكشوفة. ثم سألها بصوت مرتفع كالصفير إن شاهدت مستيسلاف بق الفراش مؤخرا، وهل تعرف أن لمستيسلاف مرض لعين – هو نخر في الأسنان – ويتطلب ضمادات لا بد من استبدالها باستمرار لفترة طويلة؟
ولكنها لم تمنحه أذنا مصغية، لم يكن ستاسيك هو الضيف الوحيد الذي كان في زيارة إيلا الخنزيرة، بل هناك حلقة واسعة من المعارف – أبناء دومنا إيفانوفنا الذبابة، وهم أولاد بالغون، وقد دعوا أنفسهم وانطلقوا في الحظيرة بعاصفة مدوية، كما لو أن النار تشتعل بهم. وكانت أصواتهم مثل حفلة روك أند رول. وبرفقتهم أفاناسي العنكبوت، المشغول في الزاوية بنسج شبكته التي صممها خصيصا لهؤلاء الزوار.
كانت الحفلة في ذروتها ولذلك قرر ستاسيك البعوضة أن ينسحب. وبخطوة عسكرية قوية، الركبتين للخارج والحوض للأسفل، عاد إلى بيته مستعدا للشجار، فقد كان الجوع ينهشه. وعندما اقترب شم رائحة وجبة طيبة وساخنة. فقد طهت تومكا العشاء، وجهزت الطاولة، وجلست تنتظره بالمريول، مثل بينلوبي.
ومن التأثر أشرفت عينا ستاسيك أن تنفجر بالدموع.
ترجمها من الروسية مايكل أ. بيردي Michele A. Berdy .
لودميلا بتروشيفسكايا
Lyudmila Petrushevskaya
كاتبة روسية معاصرة. تكتب الـــرواية والمسرح. من أهم أعمالها: التــــوقيت في الليل، حـــب للأبد، الرقم واحد، هناك امرأة فكرت مرة بقتل طفل جارتها….
*القدس العربي