كنت جالساً على الدرجات المؤدية إلى محل كبير للأزياء ذي واجهة زجاجية عريضة، بعد أن تركت البنتان تدخلان لغرض شراء ملابس جديدة، فالعيد على الأبواب. كنت في الستين ولم يمض على تقاعدي من الوظيفة سوى أشهر قليلة، اقتعدت دكة المحل لولا ملابسي اللائقة ونظرات عيني الثاقبة لحسبتني شحاذاً. كنت انظر للمارة ولا أغمض بصري، فجأة هربت ثلاث بنات باتجاهي ترافقهن ضحكات ممزوجة بصياح خوف شديد، لا لشيء إلا لخروج كلب من الفرع المظلم إلى الشارع الرئيسي، نظر إليهن بعينين منكسرتين، ثم حرك ذيله وواصل عبور الرصيف، وعند حافته وقف، كان الشارع عريضاً ذهاباً وإياباً وذا جزيرة وسطية، نظر الكلب إلى مجرى السيارات، تقدم خطوات وما لبث أن عاد إلى الرصيف، التقت عيناي بعينيه، وهو يعود القهقرى، تشجّر في نفسي سؤال: ليت عمري إلى أين يريد أن يذهب هذا الكلب؟ وأنا ما زلت انظر إليه انسلخ منه مثل ظل ملون لكلب عابر، وجاء اتجاهي، قال أنت الوحيد من بني البشر من شعر بي، ونظر إلي ملتفتاً ومتساءلاً، أعلم إني منذ ثلاث ليالٍ تعرفت إلى كلبة رائعة، تختلف كثيراً عن كل الكلاب في كل شيء، وترافقنا لمدة ثلاثة أيام، وسلكنا شوارعاً خلفية، وفي هذا الصباح استيقظت ولم أجدها، لكن رائحتها كانت تدغدغ أنفي وتتسرب عميقاً إلى دماغي، فعرفت أنها قريبة، وكلما تتضخم الرائحة أقول وصلتها، لكني لا أجدها، بل أجد مكاناً ربما أقعت به من تعب.عبر الكلب جانب الإياب بتؤدة وأسرع في جانب الذهاب فصدمته سيارة مسرعة، رأيت ظل الكلب الملون ينسحب مسرعاً أسرعت خلفه، وهو يعود إلى الجسد المسجى ذي الرأس النازف، نهضت مسرعاً مرعوباً ووقفت عليه. كانت عيناه تتوسلاني وسرعان ما نزت دمعتان كبيرتان من عينيه، توقف بعدها تنفسه وصمت لهاثه، حصل ازدحام في الشارع ثم ما لبثت السيارات عادت إلى حركتها، تمر من فوقه، أو بالقرب منه. نظرت إلى الرصيف ابحث عن ورق مقوى لأحمل الجسد المدمى والهامد لأعود به إلى الشارع الفرعي المظلم الذي جاء منه.
*القبس الثقافي