كارمن كريم: يرميهم في الشوارع بلا ذاكرة أو مال… هكذا يفرج نظام الأسد عن معتقليه

0

يقف المعتقل الذي أُفرج عنه منذ بضع ساعات مذهولاً وسط الجموع، تقترب امرأة منه وهي تحمل صورة صغيرة لابنها أو زوجها، لا نتمكن من تحديد صاحب الصورة، تمدُّ يدها المتجعدة إلى وجهه، فيما يمد البعض هواتفهم بغية عرض صور أحبائهم وسؤال المعتقل عنهم، فقد يكون التقاهم في السجن أو ربما يعرف أي خبر عنهم، مشهد يختصر مأساة المعتقلين والمغيبين قسراً داخل أقبية النظام السوري.

لا قوائم رسمية حتى الآن

آلاف العائلات انتظرت عفواً عاماً عن المعتقلين، حتى لو كان تحت اسم عفو عن جرائم الإرهاب، مع يقينهم بأن أبناءهم ليسوا إرهابيين، إنها عائلات متعطشة لخبر صغير أو لبارقة أمل تقول لهم إن أبناءهم ما زالوا يتنفسون في مكان ما، أمنية حرمهم النظام منها طوال سنوات وحتى حين لوّح بأمل قريب، فقد جعله ثقيلاً وغامضاً وغير مؤكد.

كان الأسد أصدر نهاية شهر نيسان/ أبريل عفواً عاماً عن الجرائم الإرهابية التي ارتكبها سوريون قبل 30-4-2022، باستثناء تلك التي أفضت إلى موت إنسان، وكان القاضي نزار صدقني معاون وزير العدل قال في تصريح إن المرسوم شمل جرائم مختلفة منها العمل مع مجموعات إرهابية أو تمويل أو تدريب إرهاب أو تصنيع وسائل إرهاب أو إخلال بالأمن، لذلك جاء إلى مختلف أنواع هذه الجرائم، ولا حاجة ليراجع المشمولون بالعفو الدوائر الرسمية، فمؤسسات الدولة ستقوم بالإجراءات بشكل فوري. وبحسب وزارة العدل تم خلال الأيام الماضية إطلاق سراح مئات السجناء الموقوفين من مختلف المحافظات السورية، ويعتبر العفو غير مسبوق فلا يشترط أن يسلم المطلوب نفسه للعدالة، وبإمكان كل قاضٍ أو وكيل نيابة أو موظف معني بما في ذلك الأفرع الأمنية، تطبيق العفو.

حتى الآن، لا قوائم رسمية وكل ما يصل إلينا هو أخبار متفرقة من هنا وهناك دون تأكيدات واضحة، ما يثير مخاوف من عدم جدية النظام في تطبيق القرار، أليس من حق عائلات المعتقلين والمغيبين قسراً معرفة حال أبنائها على أقل تقدير؟ ألا يحق للمعتقلين إخبار عائلاتهم بأنهم ما زالوا على قيد الحياة؟

معتقلون مرميون على الطرق

الصور التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي لمن أفرج عنهم تعكس رعب ما كان يحدث في الداخل، فالنظام لم يكتفِ بإخراج المعتقلين ورميهم في شوارع دمشق من دون مال أو طريقة للتواصل مع ذويهم، فهو لم يعلم عائلاتهم حتى! وبذلك واصل استهتاره بآلام السوريين، متعاملاً مع المعتقلين، حتى في لحظة خروجهم، بطريقة لا أخلاقية ولا إنسانية. وبحسب الصور التي انتشرت للمعتقلين، كانت وجوههم شاحبة، عيونهم مذهولة، وعظام أجسادهم نافرة. كما انتشرت صورٌ لمعتقلين فقدوا الذاكرة  على “فيسبوك” في محاولة للوصول إلى أهاليهم.

بعض هؤلاء دخلوا المعتقل مع بداية الثورة عام 2011 واليوم يخرجون ليدركوا أن الأشياء تغيرت، هناك ربما من لن يجدوا عائلاتهم التي قُتلت أو هُجّرت والبعض لن يجد منزلاً يعود إليه. عشر سنوات ليست مجرد وقت مضى إنما هي أرواح أزهقت ومنازل قصفت وأحياء دمرت عن بكرة أبيها، إنهم معتقلون لم يكونوا مغيبين في أماكن بعيدة إنما قريباً جداً من العاصمة السورية وربما قريباً جداً من أحبائهم، ماذا لو لم يجد المعتقلون عائلاتهم أو أي منازل يعودون إليها؟ ماذا سيفعلون وسط العدم من دون عمل أو معين؟ وبذلك يشكل القرار إدانة للنظام وأجهزته، فهؤلاء الشبان وكبار السن الذين خرجوا فاقدي الذاكرة أو بمشكلات نفسية وجسدية هم دليل على وحشية نظام الأسد وما يحدث داخل سجونه من تعذيب وإهانة ومعاملة لا إنسانية.

وبحسب دياب سرية مؤسس رابطة “معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا” فالعفو هو الأول من نوعه، بعد عفو عام 2014 والذي لم يكن بهذه الشمولية، إذ اقتصر على العساكر والضباط المنشقين، وبحسب الرابطة بدأ إخلاء سبيل المعتقلين بالفعل وهوما يثير الاستغراب، خوفاً من وجود مخطط في رأس النظام، وبخاصة بعد إصدار قانون مكافحة التعذيب، في مخطط أكبر ربما يسعى من خلاله لإثبات الإصلاحات والتغييرات السياسية التي يقوم بها الأسد. وهي برأي دياب إجراءات شكلية وتجميلية، ولكن من جهة أخرى، هي طريقة للضغط على اللاجئين في الخارج ودول الجوار كتركيا، إذ إن الأسد أصدر عفواً وبإمكانهم العودة، لأن العفو يشمل أيضاً المتوارين على الأنظار لكن هذا الكلام يثير الشكوك، إذ لا يمكن تصديق هذا النظام، لا سيما في ظل الضبابية السياسية الراهنة. 

هل تقطع العائلات الأمل؟ 

بعد بدء الإفراج عن المعتقلين توافد آلاف السوريين إلى منطقة جسر الرئيس وسط العاصمة دمشق، بانتظار الحصول على معلومات عن ذويهم أو مقابلة أبنائهم الذين أفرج عنهم، ليبدو المشهد كمهرجان أو احتفالٍ لكن للأسف لم يكن كذلك، إنها عائلات وأبناء ورفاق ينتظرون ولو خبراً، لقد ترك النظام الناس معلقين على حبل الأمل واليأس من دون أن يعرفوا إن كان ذووهم  أحياء أو موتى، فيما النظام لم يكلّف نفسه عناء نشر لائحة بأسماء المفرج عنهم.

تبكي فتاة خلال لقاء مع قناة “شام أف أم” الموالية قائلة إن أخاها وأباها معتقلان منذ 9 سنوات، ولا تريد العائلة سوى معرفة إن كانا على قيد الحياة… حوالى 5000 سوري افترشوا الطرق في صورة قاسية للمأساة السورية، إحدى الأمهات نامت عند سجن صيدنايا وحين فقدت الأمل انتقلت إلى منطقة جسر الرئيس، آلاف الأبرياء ما زالوا يقبعون في الداخل، آلاف ألصق النظام بهم تهم الإرهاب خلال حملات اعتقال عشوائية وبخاصة بين عامي 2012 و2014، والتي طاولت مئات المدنيين بهدف القضاء على الثورة في أقصر وقت ممكن.

الاف العائلات السورية تعيش على أمل التعرف على صورة ابن أو اب او قريب ويبحثون عمن يخبرهم أن آحبائهم مازالوا أحياء لكن نظام الأسد يتلاعب حتى بهذا الأمل فيخرج مدنيين فاقدين للذاكرة، في صورة متناقضة للحالة السورية اليوم التي مازال نظام الأسد مصراً على جعلها تراجيدية حتى في لحظاتٍ يفترض بنا الفرح فيها.

(درج)