كارمن كريم: “اعتقلوني يومين وقال رجعتْ لحضن الوطن”… العودة المزيّفة للمعتقلين السوريين

0

للسوريين ذكريات مع جسر الرئيس، ولنقل تحت جسر الرئيس تحديداً، والذي يقع في قلب العاصمة دمشق قريباً من فندق الـ”فورسيزون”، ليس غريباً أن يكون واحداً من أكثر الأماكن بؤساً على الرغم من اسمه: “جسر الرئيس حافظ الأسد”.

 المكان هو عبارة عن كاراج باصات وميكروباصات تنطلق نحو عدد من المناطق الواقعة على أطراف العاصمة دمشق، كقدسيا وضاحية الأسد ودمر البلد، كما يمر من هناك النقل الداخلي المتجه نحو باب توما أو المزة. في اختصار هي منطقة تعجّ بالبؤس والانتظار، تنتشر فيها بسطات المأكولات الرخيصة ويتبول المتشردون على جدران المكان، ولم يكن انتظار عائلات المعتقلين في ذلك المكان تحديداً سوى استكمال لعلاقة السوريين الموجعة مع ذلك المكان.

طفلٌ بين المعتقلين

بعد الفوضى التي عمت وسط العاصمة بسبب عشوائية وقسوة النظام الذي لا يكترث لا بالمعتقلين ولا بعائلاتهم بحيث لا يعلن معلومات واضحة عن المعتقلين أو أسباب اعتقالهم أو متى يفرج عنهم، إذا أفرج عنهم. وبعد الضجة التي رافقت حملة الافراج الاخيرة، قامت محافظة دمشق بخطوة أقرب إلى محاولة التعتيم على هذه الفوضى من خلال تبنّي منهج مخادع يعتمد على جلب بعض المعتقلين وعائلاتهم، وسط تغطية إعلامية في مبنى المحافظة في دمشق.

الصور تشي بمكر النظام عن طريق إحضار معتقلين بصحة جيدة إلى حد ما عكس المعتقلين الذين  أطلق سراحهم سابقاً والذين بدا عليهم الإرهاق والضعف الشديد، إلا أن النظام وقع في خطأ جديد وهو أن بعض المعتقلين كانوا مراهقين وهكذا أثبت، من دون قصد ربما، أنه يعتقل الأطفال ويعذبهم في سجونه. 

ما يزال أخ الطبيبة رانيا العباسي، عبر صفحته على فيسبوك، يناشد معرفة مصير أخته وأبنائها وبناتها الستة، طبيبة الأسنان التي اعتقلت عام 2013 برفقة أولادها والتي كانت أصغرهم رضيعة في عمر السنة والنصف، تُرى هل اتهم النظام الرضيعة بالإرهاب؟

جلس المعتقلون بينما حركوا أيديهم يهتفون للأسد: “بالروح بالدم نفديك يا بشار” وكأنهم آلات تفعل ذلك بشكل تلقائي، كأنهم مصممون لفعل ذلك أمام الكاميرا، ستصل بعدها صورتهم لكل منزل سوري، وخصوصاً منازل عائلات المفقودين والمغيبين قسراً. من الوجوه المميزة بين المعتقلين كان طفلاً يبدو أنه لم يتجاوز السادسة عشر، ينظر مباشرة نحو الكاميرا والسؤال: ماذا يفعل هذا الطفل هناك؟ وكم سنة قضاها في السجن؟ وما التهمة التي ألصقها النظام به؟ 

الرجوع المزيف إلى حضن الوطن

لكن ما نحن متأكدون منه أن هؤلاء المعتقلون ألقي القبض عليهم قبل أيام، ففي حادثة مشابهة قبل أعوام، ولحماية الشهود، لن نحدّد عن أي عفو نتحدث بالتحديد، كان ثلاثة شبان يركبون سيارتهم حين أوقفهم حاجزٌ للنظام وألقى القبض على اثنين منهم، أحدهم بحجة أن هويته مكسورة. بعد يومين ظهر الشابان على التلفاز برفقة عدد من المعتقلين والذين تبدو صحتهم جيدة ضمن من شملهم العفو، بينما وقف مفتي الجمهورية يخطب بهم قائلاً إن هذه فرصة جديدة ومكرمة من الرئيس ليبدأوا حياتهم من جديد. يقول أحمد (اسم مستعار) باستغراب: “أنا هويتي مكسورة، اعتقلوني يومين وقال رجعت لحضن الوطن!”. 

هذه القصة القصيرة تلخّص خداع النظام الذي لا يستطيع أن يُظهر معتقلين مضى عليهم سنوات داخل سجونه لأن هيئتهم ستفضح وحشيته ولذلك يعتمد على اعتقال شبان جدد، أو يجلب سجناء من سجون أقل وحشية من سجن صيدنايا كسجن عدرا ويظهرهم على الإعلام في محاولة للتغطية على المعتقلين الذين خرجوا في الأيام الأولى بأجساد ضعيفة ومنهكة.

النظام الماكر مازال يبدع في إدهاشنا، ليس فقط في مراوغته وكذبه إنما بقدرته على التغطية على آلام السوريين وتحويلها إلى “سعادة” أو “لحظة تاريخية”، لا حول للسوريين ولا قوة، إذ بات الانتفاض بوجه النظام شبه مستحيل في ظل تعويم النظام من قبل عدد من الدول العربية، وشتات السوريين في جميع أنحاء الأرض، في حين أن من بقوا في سورية هم قلة من المعارضين. ولا يمكن تحمل البقاء تحت حكم هكذا نظام إلا في حالة العجز المادي أو وجود فرد من العائلة في معتقلات الأسد لا تودّ العائلة تركه خلفها.

فلسطين المعتقلة داخل سجون الأسد

أفرج النظام كذلك عن خمسة معتقلين فلسطينيين، بينهم لاجئ فقد ذاكرته بسبب التعذيب، بينما لايزال هناك أكثر من 1800 معتقل فلسطيني في سجون الأسد لا توجد أي معلومات عنهم وذلك بحسب ما قالت ” مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية“. قد تكون الأعداد أكبر من العدد المعلن بسبب تخوف الأهالي من الملاحقات الأمنية وغياب أي قوائم رسمية. الفلسطينيون الذين يعانون في سجون الأسد أضعاف معاناتهم في سجون الاحتلال الإسرائيلي هم خير إثبات على تورط النظام في زيادة مأساة الفلسطينيين وليس العكس كما يدعي.

وبحسب النظام سيصار إلى تأمين وصول المفرج عنهم إلى ذويهم سواء بشكل مباشر أو عن طريق الوحدات الإدارية. وإذا اتّبع النظام هذه الآلية فعلاً سيكون لأجل هدفٍ واحد: تخفيف أصداء خروج المعتقلين والصور المرعبة التي تنتشر للتائهين منهم، أي لن يكون ضمن أولوياته أهالي المعتقلين إلا إذا صبّ الأمر في مصلحته. على سبيل المثال، حتى الآن لم يتحدث النظام مع عائلات جميع من ماتوا داخل معتقلاته مؤكداً وفاتهم، يقول المحامي سامر (اسم مستعار): “على الرغم من تأكدي قبل سنوات من موت عدد من المعتقلين ونقل الخبر إلى عائلاتهم إلا أنهم وبعد العفو عاودوا الاتصال بي”. عدم منح هذه العائلات أي يقين بشأن أبنائهم هو شكل من أشكال التعذيب والإرهاب النفسي بحقهم،  ليس هذا وحسب يقول سامر: “من المعروف لو ذهب الأهالي للسؤال عن أبنائهم في سجن صيدنايا وقيل لهم أنه تمّ نقلهم إلى فرع الامن العسكري فهذا يعني أنهم ماتوا لكن النظام لن يخبرهم بذلك!”، وهذا ما يتسبب في غضب الأهالي ورجوعهم إلى المحامي متهمين إياه بالكذب بعدما أخبرهم النظام بأن أبناءهم نقلو إلى مكان آخر، يقول سامر: “من الصعب إخبارهم أن النقل إلى فرع الأمن العسكري يعني موت أحبائهم”.

(درج)