وحيد نادر | |
شاعرٌ ومترجم وأستاذ جامعيّ من أصل سوريّ يعيش في ألمانيا. حاصل على جائزة الشّعر في الجامعات السوريّة عام 1978 وعلى جائزة معهد غوته للترجمة الاحترافيّة/معرض كتاب لايبزغ الدولي عام 2012. عضو في اتحاد الكتّاب الألمان وفي رابطة الكتّاب السوريّين، يكتب باللّغتين: العربيّة والألمانيّة وله أربعة دواين شعر. |
مجلة أوراق- العدد 17-18
أوراق الشعر
بكائيّة على صدر مظفّر النّواب
قوموا اسمعوا همسي، غَدي أمسي، وبَعدَ العرسِ أَدعوكُم لعرسي، فصوتي صارَ معراجي إلى قدسي،
وصَمتي كالمَدى يجتاحُ صوتي يُستباحْ
أوَ ليسَ صوتي عريَ وجهي ما استبيح لكي أبوحَ، ففاض روحي واستراحْ؟
ماضٍ غَدي، صمتي صدى صوتي وصوتي ما تُكذّبه الجِراحْ
وطني كَما الأَمواج ترعاهُ السّمومُ من الرّياحْ
سَكِرٌ فلا الأقداح تُبكيني، ولا قمَري يُشاركُني سحوري في مَخاضاتِ الصّباحْ
الأَرضُ جسمي مَن يودّ عناقَها؟
فأَنا الذي خرّشتُ في ليلِ السّكوتِ مَسامِعَ الربّانْ
وأَنا الذي خَربَشتُ فوقَ جنوبنا بدمِ الشّمالِ قَصائِدَ الأَديانْ
وأَنا الذي عَربَشتُ فَوقَ ذراكَ يا صنّين، كَي أَصلَ السّماواتِ الطّباقَ بربّها عَريان أرفعُ مثل أوجاعي الأذانْ
إنّ البليَّة أَن تُصدِّقَ رقصَهم، فالميّتونَ الرَّاقصونَ بلا أَمانْ
منْ وحَّمَ الحُبلى، شيوخُ النفط أم فقه الوليّ القهرمان؟
من (أمْركَ) الدنيا و (روَّسَ) في الشآم سقامَها، والحربُ دينٌ للطوائف والرّعاة من الطغاة تصهينوا كالأمريكان.
وأراني أعرفُ باكياً مثل النبيّ وأحمر الرّمانِ: ماذا يرتجون برقصهم ورجولةِ الألفاظ في أفواهِهم غيرَ المهانة في الهوانِ المستبيحِ الحنجراتِ على نشيدٍ أقحوانْ!
أو كمّ أفواهِ العبادِ بصفعةٍ من كهربا (شبّيحةٍ) ومزاجُها كالمخبرينَ عداوة، لو تنتهك زمناً يباركُها الزّمان
أيرقّعونَ هزيمةً بهزيمةٍ، أم يملؤونَ السّوقَ نصراً باهتاً، وهْماً يفرّخُ ذلّهُ في القلبِ يغتصبُ الفخارَ بزهرة التّفاح في أرض الجُولانْ؟
ما أرحمَ الأعراب في أعدائهمْ: لهمُ السّلامةُ والحمامةُ والبداية والنّهايةُ والحفاوة والحنانْ
ما أقذرَ الأعراب في أبنائهِم وبناتهم: لهمُ الطّوارئُ والسّجونُ، لهمْ “طَراميش” العيونِ، لهمُ العصا، لهمُ “الكلبشةُ” والأسى ولهمْ جهنّمُ في الحياةِ وفي الممات وفي التّراب وفي السّماوات الخصيفِ على الجنان
ما أقبحَ الأعرابَ في أسلافهم/ أخلافهم وورودِهم ومياهِهم وقعودهِم وقيامِهم في كلّ حينٍ أو مكان
ما أجبنَ الأعرابَ إن هُزموا وإن نُصروا وإن صلّوا وإن كَفروا وإن صاموا وإن فطروا على خزيٍ ألمّ بهم وهان
أَ عزاؤهُمْ في أنّ كلباً أو جباناً صار يفرحُ أن يُقالَ لهُ: جبانْ؟
هل كلّ معجزة المليك وراثةٌ للحكم تبقيه الزّعيمَ الفهلويّ بلا منافس أو رهان؟
أم أَنَّ مأثرةَ اللّصوص حظوظُهم في أنّهم ولدوا لصوصاً كالبعير فخارُه في ضرع ناقتِه الأتان؟
أو إنّ مكرمةَ الكلاب أصولُها ووفاؤُها للبهلوان؟
حكّامنا كخرابنا أو موتنا، (لا ينحنوا يوماً سوى للقتلِ) أو للنشر بالمنشار مذعورينَ في جسد الشّعوب كقاتلٍ أعماهُ لون الدمّ فاختار العمى في حكمه كالأخطبوط تشبّثاً بفريسة ملّت مواتاً فارتقت في ظلّ سيّدها المهانِ تسربتّ كالماء من أيدي الدّمار ولم تخن، فالطيرُ يهجرُ عشّه والسنديانُ جذوره في شوقه للسنديانْ!
فبكى الأميرُ وتاه يجمعُ كالسّجيع سعالَهُ، من ذا يُصدِّق دمعَهُ، لو راحَ يَبكي كلّ ماء الذلّ معبودُ القيانْ؟
مازال فينا -إن ولدنا- مَن سيوأد كالنموّ عويلهُ، صحراؤنا الكروانُ لقّحها عويلٌ في انعطافِ الأمنيات على الصهيلْ
صحراؤنا عطشتْ وما خانتْ، فخانتها المواسمُ والحقولُ السّمر في أيدي بنيها والرّياحُ السّاهرات على الجليلْ
حنِثتْ رياحٌ فيها نفطٌ لا يخون سوى النّخيلْ،
مثل الطغاة الرمّ يذروها الجفافُ فضاؤها قفرٌ وقلبي يابسٌ كحياتها والمستحيلْ.
أفلا نُهاجِر صَوبَ حلمٍ مولعٍ بالأَنبياءِ ونَجمةٍ ترخي ضَفائِرها وتحبو صوبَ أضواء تَدقّ الهمَّ بالنعناع تعجنُ (أخرقاً) ورثَ الرئاسةَ عن أبيه النِّمس مُلْكاً كالمخاط يسيلُ يبقى في الجحور وليس يرقى؟
كم لَستُ أَدري إِن تَنائينا، وكم أَمشي إِليكُم عسرَ دربٍ أوحشته مسافةٌ وسلاهُ برقٌ فيه رُقّ القلب يحيا في الحبيبِ ولا يملّ كموجةٍ يغويها دفقٌ فيه هقَّ الحبّ مقموعاً يدقُّ برأس حلاّجٍ تقطّع مثل ماء النبع حيّاً إذ رأى في مصر نخلَتَهُ فأبكتهُ دمشقُ تصوّفاً ينبي وفي بغداد تبكيه الجزائرُ أهلَها في القدس: هل في العين بين الدمعِ والأشواق فرقُ؟