قراءة في الملحمة الكوردية “مَمي آلان”

0

حيدر عمر

مجلة أوراق العدد 13

الملف

الحدث في هذه الملحمة الكوردية مبني على حب الفتى “مَمْ” ابن أحد ثلاثة أخوة أمراء، وسلطان الكرد في بلاد المغرب، وهي بلاد نعتقد أن خيال الرواة اختلقها تعبيراً عن بُعد المسافة، والفتاة “زين”، شقيقة أمير جزيرة بوتان. تقابلا عن طريق بنات الجن في ما يشبه الحلم، فهام كل منهما بالآخر هياماً شديداً، جعل الفتى يصمم على السفر إلى جزيرة بوتان للقاء محبوبته، ولا يمتثل لنصائح أبويه وأعمامه في العدول عما صمم عليه، فيمتطي حصانه الأشهب العدَّاء، الذي علِق بشباك الصيادين، فبذل ألف وخمسمائة من خير الفتيان بقيادة صديقه الحميم “بنكين” جهداً كبيراً لجرِّه من البحر إلى اليابسة.

تبدأ هذه الملحمة بخروج أخوة ثلاث، وهم أمراء، من ديارهم، في صبيحة يوم عيد الأضحى، هائمين على وجوههم، لأن لا ولد لهم يرث الحكم بعدهم. يتراءى لهم “الخضر”، ويعاتبهم على ما هم فيه، ويطلب إليهم أن يعودوا أدراجهم إلى الديار، ويفتحوا خزائن أموالهم للناس متصدقين بها في هذا اليوم المبارك، وأن يخطبوا ابنة شيخ القرشيين لأخيهم علي بيك، الذي سوف يُرزق طفلاً ذكراً، ينبغي ألَّا يطلقوا عليه اسماً، لأنه سوف يأتي ويسمِّيه بنفسه. وهذا ما يحدث وُفْق ما نراه في الملحمة، إذ يسميه “مَمي آلان”.

ثمة فتاة في جزيرة “بوتان”([1]) هي شقيقة أمير الجزيرة، اسمها “زِين”. يلتقيها “ممي آلان” بواسطة بنات الجن، اللواتي يحملن “زِين” مع سريرها، في ليلة ما، ويطرن بها إلى حيث “مَمْ”، فيضعن سريرها بجانب سريره في غرفته، وذلك في ما يشبه الحلم، فيتعارفان، ويتبادلان خاتميهما. كان هذا الحلم سبباً لأن يهيم “ممي آلان” بالفتاة “زِين” ويصمّم على السفر إلى “جزيرة بوتان” ناشداً لقاءها.

لاقى “مَمْ” في طريقه إلى جزيرة بوتان مصاعب، سهَّلها له “الخضر” الذي كان قد أطلق عليه اسم “مَمي آلان” بعد ولادته، وأعلمه بأن ثمة فتاة اسمها أيضاً “زِين” تنتظر قدومه عند شاطئ نهر دجلة لتخدعه، وتدَّعي أنها “زِين” نفسها التي يسعى إليها، ولكنها في الحقيقة ابنة “بكو” النمام، حاجب أمير جزيرة بوتان “زَيْن الدين”، و كان قد علِم بقدوم “مَم” عن طريق التنجيم، فأرسل ابنته لتخدعه مدَّعية أنها فتاة حلمه، وإن لم ينخدع، فعليها أن تدله إلى مكان لعبور النهر كافٍ لأن يغرق فيه، إلا أنها حين رأت أن حيلتها لم تنطلِ عليه، راحت تتودَّد إليه، راجية أن يأخذها معه إلى بلاده، بعد قضاء غايته في الزواج من “زِين”، كما أوصته بأن لا يقبل استضافة أبيها “بكو” النمَّام، بل يلجأ إلى الأخوة الجلاليين الثلاثة “حسن وچكو وقَرَتاجين”، فهم سيساعدونه في مسعاه.

يعبر “مَم” النهر، ويصل إلى “جزيرة بوتان”، يعترض حاجب الأمير طريقه، و يستضيفه، ولكنه يدَعه ويتابع طريقه سائلاً عن قصر الأخوة الثلاثة، الجلاليين، وهم أبناء عم الأمير زين الدين، أخي “زِين”، المشهورين في المدينة بالكرم والشجاعة والوفاء والمروءة وحُسْن الضيافة ومساعدة كل مَن يلجأ إليهم، ويستضيفه بعض من عامة الناس الفقراء، فيعتذر، ثم يلتقي كبير التجار في المدينة، فيستضيفه هذا، ويعرض عليه المساعدة، إن كان مراده يُقضى بالمال، وحين يدرك أن ما يريده “مَم” لا يُقضى بالمال، بل قد تُراق الدماء من أجله، يوجهه نحو الأخوة الجلاليين.

يحلُّ “مَمْ” ضيفاً على بيت الأخ الأكبر “حسن”، الذي يعامله معاملة أحد أفراد العائلة، فيبقيه في بيته حين يلبي نداء الواجب، ويقود أخويه والفرسان لملاقاة الجيش الفارسي عند ثغور البلاد. وبعد أن يعرف حسن مقامه في بلده، يسأله عن سبب قدومه إلى جزيرة بوتان، ويعرض عليه مساعدته وأخويه، مهما كان سبب مجيئه، لكن “مم” يلمِّح ولا يفصح.

وأثناء حوار بينهما، عرف حسن وأخواه أن مجيئه ليس إلا من أجل “زين” خطيبة أخيهما “چكو”، عندئذ يطلب من أخيه أن يفسخ خطوبته من أجل ضيفهم الكبير. يرفض “چكو” في البداية، ولكنه بعد حوار ونقاش طويل مع أخية “حسن”، يمتثل لرغبته، فيفسخ الخطوبة.

يتعرَّض “مَم” لأحابيل “بكو” النمَّام، الذي يؤلِّب عليه الأمير، فينتهي به الأمر إلى السجن، ويموت في سجنه موتاً تراجيدياً، وتلحق به “زِين”، فتموت بعد أسبوع من موته، وتُدفَن إلى جواره. 

إلا أن هذه الملحمة أبعد ما تكون مقتصرة على قصة حب، بل تتحدث عن أمور كثيرة يتردد صداها في الحياة الكردية. إنها أكثر ملاحم العشق انتشاراً بين الكُرد، في أجزاء كردستان الأربعة، وأينما تواجدوا، وقد أنشدها المنشدون طوال أجيال، والإنشاد “مهنة كانت شائعة بين أجيال شتَّى من الناس، وكان للرواة والمنشدين منزلة يُحسدون عليها”([2])، غناها المغنون الكرد الشعبيون، ولا يزالون يغنونها، يمتد غناؤها بضع سهرات من سهرات ليالي الشتاء الطويلة. حازت هذه الملحمة على اهتمام المستشرقين فدوَّنوها قبل الكُرد، وكانت غايتهم الأولى من ذلك هي أن يقدِّموا لقُرَّائهم قصة حب عذري، يعكس السمات البارزة للشعب الكردي،([3]) فقد مرَّ سابقاً أن الكردولوجي الألماني آلبرت سوسين جمعها ونشرها أول مرة مع ترجمة ألمانية لها في بيترسبورغ في روسيا عام (1890)، ثم نشرها مستشرق آخر هو أ. لي. كوك في طبعة أخرى عام (1903)، وبعده نشرها أوسكار مان مع ترجمة ألمانية عام (1906) في ألمانيا. وفي عام (1926) قدَّمها الكردولوجي هوغو ماكاش للقرَّاء الأوروبيين، وفي عام (1936) قام عدد من الأرمن الضليعين باللغة الكردية بنشر ترجمة ثلاث روايات مختلفة لهذه الملحمة في بيترسبورغ. وجمع نصها الكامل المستشرق الفرنسي روجيه ليسكو، بعد أن استمع إلى ما يزيد على عشرين مغنياً، ثم اصطفى منهم اثنين، كانت لغتهما الكردية جيدة، ونشرها مع ترجمة فرنسية لها عام (1942) في بيروت. ثم أُعيد نشرُها مع مقدمة مسهبة، كتبها كاتب عرَّف بنفسه في آخرها باسم “چيروك نڤيس / كاتب القصة” في دمشق عام (1957)، يُعتَقَد أنه الدكتور نورالدين زازا، كما مرَّ سابقاً. أما الطبعات اللاحقة، سواء في تركيا أم في أوروبا، فجميعها إعادة طباعة هذه النسخة، كما ترجمها الدكتور عزالدين مصطفى رسول إلى اللغة العربية، ونشرها عام (1984) في بغداد، كذلك ترجمها الدكتور أحمد خليل إلى اللغة العربية في تسعينيات القرن الماضي، أعتقد أن هذه الترجمة مازالت مخطوطة ولم تُطبَع. واستوحى منها الشاعر الكردي أحمد خاني (1650 1707) ملحمته الرائعة “مَمْ و زِين” عام (1695)، التي  ترجمها الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي إلى اللغة العربية مستثنياً مقدمتها التي تتضمن أفكار خاني القومية، و نشرها في دمشق عام (1958).

القيمة التاريخية و الفكرية و الأدبية لهذه الملحمة

  1. ملحمة “ممي آلان” تاريخياً

يستنتج جيروك نفيس (د. نورالدين زازا) من خلال مقدمته المسهبة التي كتبها لطبعة عام (1957)، أنها ملحمة قديمة، وتعود في قِدَمها إلى ما قبل ميلاد المسيح([4]). و يستند في ذلك إلى أن الإيرانلوجي الدانيماركي أ. كريستيزن (1875 – 1945) تحدث عن وجود ملحمة بين الشعوب الآرية شبيهة بهذه الملحمة قبل ميلاد المسيح بألف عام، وعن رواية شبيهة بها أيضاَ، كتبها قبل ميلاد المسيح بخمسمائة عام كاتب يوناني اسمه (شاريس دي ميتيليني).

قصة شاريس مبنية على حب ابنة أحد الملوك القدماء اسمها (أُوداتيس) وأحد أبناء الآلهة أدونيس وأفروديت، اسمه (زاريادريس)، يتراءى كل منهما للآخر في الحلم، فيتحابان، ويقطع زاريادريس آلاف الأميال، فيلتقي أوداتيس ويهربان معاً([5]).

ثمة تشابه كبير بين ملحمة “ممي آلان” وقصة شاريس اليوناني، فـ”مَمْ” و”زاريادريس” متشابهان إلى حد بعيد، إن كان “زاريادريس” ابن الآلهة، فإن “مم” سليل الأمراء وسلطان الكرد، وفرسه أسطوري. لدى كل منهما صديق بمثابة الأخ، مستعد دائماً لتنفيذ ما يريده، وهناك تشابه بين “زيِن” و”أُوداتيس” أيضاً، كلتاهما تنتميان إلى نسب عريق، وثمة تشابه بين “هومارتيس” والد “أوداتيس” وبين الأمير “زين الدين”، أخ “زين”.

يذهب كريستيزن إلى أن أحداث رواية دي ميتيليني، معروفة لدى جميع سكان آسيا الوسطى، بمن فيهم الكرد والفرس، وهما شعبان آريان، وأنها أول ما ظهرت، ظهرت بين الشعوب الإيرانية. ومعروف أن الكرد أحد هذه الشعوب. وأن المصادر الفارسية لا تتحدث عن قصة شبيهة بها في الأدب الفارسي الفولكلوري والمدوَّن على حدٍ سواء، وهي انتقلت من الشرق إلى الغرب([6])

بالإضافة إلى ما استنتجه جيروك نفيس، فإننا نجد فيها أموراً أخرى، تنمُّ عن قِدَمها، ويبدو ذلك واضحاً منذ بدايتها. فهي تبدأ بداية أسطورية، وتتحدث عن أخوة ثلاثة هم أمراء كُرد، علي بيك وعَمَر بيك وألماز بيك، لم يُرزقوا ولداً ذكراً ليكون ولي عهد لهم، يرث الحكم من بعدهم، لذلك يزهدون في أمور الدنيا، ويخرجون في صبيحة عيد الأضحى في هيئة الدراويش تاركين إمارتهم وأملاكهم، هائمين على وجوههم، فتراءى لهم “الخضر” بمشيئة إلهية. ونصحهم بالعودة إلى ديارهم، والتصدُّق على الفقراء والمحتاجين في هذا اليوم المبارك، وأوصاهم بأن يخطبوا ابنة شيخ القرشيين لأخيهم الكبير علي بيك، وأخبرهم أنه سوف يُرزق طفلاً، يتوجَّب عليهم ألا يطلقوا عليه اسماً إلى أن يتراءى لهم ثانية، ليسمِّيه بنفسه، وهذا ما كان، فسمَّاه “مَمي آلان”([7]).

يظهر “الخضر” في الملحمة مرة ثالثة، أثناء سفر “مَمْ” إلى جزيرة بوتان قاصداَ لقاء “زِين”، ويرافقه إلى أن يقترب من شاطئ نهر دجلة، فيوصيه بأن يكون حذراً، لأن فتاة اسمها أيضاً “زِين”، تنتظر قدومه عند الضفة الأخرى، ستحاول خداعه، هي ابنة “بكو” حاجب أمير الجزيرة، وهو منجِّم علِمَ بأمر قدومه، فأرسل ابنته كي تخدعه، عسى أن يغرق هو و فرسه في النهر.([8])

لا تقتصر العناصر الأسطورية على ظهور “الخضر” وولادة “مَمْ” فقط، بل تظهر مع ظهور فرس “مَمْ”. إنه فرس أسطوري تمَّ اصطياده من البحر، حيث علق بشباك الصيادين، وقد جهد ألف وخمسمائة من خيرة الفرسان، لجرِّه نحو اليابسة، وظل عصياً على الترويض، إلا من قِبَل “عمر بيك القُرشَي” خال “مَم “، وهو شخصية ذو كرامات، و سمَّوْه “بوزي رَوان”، أي (الأشهب العدَّاء)، وهو فرس يقطع مسافة ستة أشهر في اثنيْ عشر أو خمسة عشر يوماً؟!([9]).

وتستمر الأسطورة في الظهور في الملحمة مع حبّ بطلَيْها أيضاً، فقد تراءى للاثنين معاً لقاؤهما ذات ليلة، فيما يشبه الحلم([10])، إذ حملت ثلاث من بنات الجن (پيري) ذات ليلة سرير “زِين” وهي نائمة، وطرن بها من مدينة “جزيرة بوتان” إلى حيث “مم” سلطان الكرد في “بلاد المغرب”، وضعّنها بجانبه في غرفته. وكان هذا الحلم سبباً لأن يهيم كلٌّ منهما بالآخر. وكان سبباً لأن يُصرَّ “مم” على السفر إلى “جزيرة بوتان” للقاء “زِين”، الفتاة التي تراءت له في الحُلم.

وتميط الأحداث اللثام عن الأسطورة عند نهايتها أيضاً، حين يأمر الأمير زين الدين، وبتدبير من حاجبه بكو، بتقييد “مَم” وسجنه، حيث نرى السلاسل الحديدية التي يقيِّده بها حاجبُ الأمير، تتقطَّع عندما يضغط محاولاً فكَّها، وتتحول إلى ثعبان كبير مخيف يلاحق الحاجب([11]). وكذلك حين يندفع “مم” إلى وسط النيران المندلعة في قصر مضيفه “حسن” الجلالي، ثم خروجه وهو يحمل ابن حسن، من بين تلك النيران: وكلاهما سليم([12]).

ومثلما كانت ولادة “مم” أسطورية، فقد كان موته أسطورياً أيضاً. لقد تراءى له خاله وهو في السجن، في حُلمٍ، وأخبره أن موته قد اقترب، فسوف تأتيه “زِين” زائرةً في خفية من أخيها الأمير، وسوف تقدِّم له رمّانة، سمَّمتها ابنة حاجب الأمير دون علمها، وعليه أن يأكلها، فيموت، وسوف تلحقه “زين” بعد موته بأسبوع واحد.

بعد أن ألقت إليه الفتاة الرمانة، أخبرها بحُلمه. وهنا يدور بينهما حوار مؤثِّر، تحاول الفتاة أن تثنيه عن أكْل الرمانة، ولكن المحاولة لم تُجْدِ.([13])

إن ظهور الأسطورة بهذا الشكل المكثَّف في الملحمة، يشكِّل في اعتقادنا دليلاً على قِدَمها، حين لم يكن الإنسان قادراً على فهم وتفسير بعض الظواهر، فما كان منه إلا أن يلجأ إلى عالم الخيال. وأما اقتصارها هنا على شخصية “الخضر”، والفَرَس الأشهب العدَّاء، وبنات الجن، والتنجيم متمثلاً في شخصية “بكو”، والكرامات متمثلة في القرشي خال “مم” وفي “مم” نفسه الذي تتحول السلاسل الحديدية بين يديه إلى أفعى، والذي لا تحرقه النيران، فيعود في رأينا إلى أن هناك فترة زمنية طويلة تفصل بين ولادة هذه الملحمة وروايتها إلى أن تلقَّفتها أقلام المدوِّنين الفولكلوريين. ونعتقد أن الرواة أسقطوا منها كثيراً من الأعمال الخارقة، وأبقوا أو حلُّوا محلها ما يمكن أن تتقبَّله العقلية الإسلامية، خاصة وأن شخصية “الخضر”، وكذلك الجن، والتنجيم والكرامات مقبولة في الثقافة الشرقية بشكل عام، ولا سيما في الأوساط الثقافية والدينية الإسلامية.

وعلاوة على ذلك، تتحدّث الملحمة عن غزوتين فارسيتين على تخوم البلاد دون الدخول في تفاصيلهما.([14]) والتاريخ يذكر أن حروباً جرت بين الميديين (أسلاف الكرد) والفرس سقطت بنتيجتها مملكة ميديا عام (550 ق. م) في أيدي الفرس الأخمينيين، واستمرَّت الانتفاضات الميدية في وجه الفرس بعد سقوطها، ولعل أهمها اثنتان، كانت الأولى بقيادة القائد الميدي غاؤوماتا عام (522 ق. م)، الذي أعاد المُلك الميدي، ونصَّب نفسه ملكاً، إلا أن حكمه لم يدم سوى سبعة شهور، والثانية بقيادة قائد ميدي آخر هو فراؤورت الذي ينتمي إلى أسرة الملك الميدي دَياكو مؤسس المملكة الميدية، ولكنه وقع في إحدى معاركه ضد الأخمينيين أسيراً في أيدي قوات الملك الفارسي دارا الأول، الذي مثَّل به تمثيلاً وحشياً، فقطع أنفه وأذنيه ولسانه، وفقأ عينيه، وعلّقه على البوابات الخارجية، وأحرق مساعديه([15]). ولعل الأهم من ذلك كله دليلاً على قِدَم هذه الملحمة، هو ورود نوع من التحية في الملحمة، سنتحدث عنها لاحقاً، تختلف عن التحية الإسلامية، نعتقد أنها التحية الكردية قبل الإسلام.

“ممي آلان” فكرياً

كما قلنا سابقاً، إن هذا النص الذي بين أيدي القُرَّاء والباحثين قد دُوِّن بعد ظهور الملحمة بزمن طويل، ولا بد أنها في مراحل انتقالها شفاهاً، من جيل إلى جيل، ومن عصر إلى عصر، تعرًّضت للحذف من جهة وللإضافة من جهة أخرى، شأنها شأن جميع أنواع أدب الفولكلور([16])، حتى انتهت إلينا وهي ترتدي لبوساً إسلامياً، دون أن تفقد سماتها الكردية. حيث أن وجود الأخوة الجلاليين “حسن وقَرَتاجين وچكو” من جهة، و”بكو” الشرير من جهة أخرى يعكس شيئاً من الفلسفة الدينية الكردية القديمة، أقصد الزرادشتية، التي تدعو إلى “العمل الخيِّر والكلام الخيِّر والفكر الخيَّر”، وتغلُّب الخير على الشر، ومثلما يدعو إليه الفكر الكردي الأيزيدي أيضاً من ضرورة طلب الخير للآخر أولاً. وكذلك من خلال حفاظها على الكثير من المعتقدات الشعبية الكردية، من مثل الاعتقاد بوجود نجم في السماء لكل شخص، يسقط بموته:

“اليوم هوى نجمي من السماء.”([17])

والاعتقاد بأن ليلى ومجنون أصبحا نجمين وصعدا إلى السماء. فقد ورد في الملحمة على لسان حسن في ما يشبه المونولوج:

“مازال چكو شاباً لمَّا يبلغ العشرين من عمره

أخشى أن تكون زين أحبَّته منذ الطفولة.

ولا تريد أن تكون زوجة لسواه.

لعلَّهما يحبان بعضهما مثل ليلى ومجنون، اللذين أصبحا نجمتين،

وصعدا إلى السماء”.([18])

 وكذلك من خلال احتوائها على الكثير من العادات والتقاليد الاجتماعية الكردية، منها مثلاً ورود تحيةٍ في أكثر من موضع، تختلف عن التحية الإسلامية التي تكون بإلقاء السلام “السلام عليكم”، ويردُّ الآخرون بقولهم “وعليكم السلام”، بينما تَرِدُ التحية في الملحمة في شكل آخر، نعتقد أنها التحية الكردية قبل ظهور الإسلام بكثير، وتكون بأن يضع المرء يده على الأرض، ثم يرفعها إلى صدره أو رأسه:

“لمس الأرض براحته، ثم رفع يده إلى رأسه وعينيه.”([19])

تطلعنا هذه الملحمة على مدى الاحترام الذي تحظى به المرأة في المجتمع الكردي، فلها منزلتها الرفيعة، وهي جميلة، تستحق أن يقطع المرء آلاف الأميال من أجلها، فقد قطع “مم” مسافات طويلة، واجتاز صعوبات كبيرة، كل ذلك من أجل الظفر بالفتاة الكردية التي تراءت له في الحُلم، مثلما تطلعنا الكثير من القصص الفولكلورية والأساطير أيضاً على المنزلة التي تحتلها المرأة الكردية في مجتمعها، ولها كلمتها التي لا تُرَدُّ.

يَرِد في الملحمة أن اثنتين من بنات الجن حين تَعِدان أختهما الصغرى بأن تُرِياها كلاً من “مَمْ وزِين”، تُقسمان لها بـ “كلمة المرأة” أنهما ستفيان بوعدهما، فتقولان: “كلمتنا كلمة المرأة “([20]).ما يعني أن للمرأة مكانة مرموقة في المجتمع الكردي، وكلمتها مسموعة. ولا ترى المرأة الكردية، كغيرها في المجتمعات الشرقية والإسلامية خاصة، ضيّراً في الاختلاط مع الرجال، فلا تحتجب عنهم، وخاصة في الأرياف وبين العشائر. سنتحدَّث بشيء من التفصيل في الصفحات القادمة.

يتمثَّل العنصر النسائي في الملحمة في الشقيقتن “زِين” و “ستية” زوجة حسن، كلتاهما لا تحتجبان عن الرجال. لقد ظهرت جموع الفتيات والنساء، بينهن “ستية وزِين” حاسرات الرؤوس أمام “مَمْ”عند نبع “عين القسطل”([21])، رغم أنه غريب بالنسبة إليهن، وإذ يحين واجب الدفاع عن ثغور البلاد في وجه الغزو الفارسي، يترك “حسن” ضيفه مع أهل بيته، وينصرف مع أخويه إلى قتال الأعداء:

“قال حسن لضيفه “مم”:

إذا حلَّت الفرائض، تُترَك النوافل.

ها أنت، وهذه الدار، فقد سبق وقلنا نحن أخوة.”([22])

و في هذه الحال، حال غياب زوجها عن البيت، تتخذ “ستية” القرارات الخطير، فهي بعد وفاة “مَم” تدعو الأخوة الثلاثة إلى طلب الثأر والانتقام له([23]). بينما في المجتمعات الإسلامية الأخرى لا تختلط المرأة حتى مع أخوة زوجها.

كما إن ثبات “حسن” على موقفه، وتمسُّكَه برأيه لدرجة أنه أجبر أخاه على فسْخ خطوبته، يذكرنا بالقول الدراج الذي يشير إلى عناد شخص ما (كلمتُه كلمةٌ كرديةٌ). ولعلنا لا نذهب بعيداً إذا قلنا إن العناد أحد أهم الخصال الكردية، وهو في العقلية الكردية خُصلة ذات وجهين، أو لها نوعان، سلبي وإيجابي وقد ظهر في الملحمة بكلا النوعين.

سلبي مفاده الجمود والعنجهية والتعنُّت وعدم المرونة. وقد جسّده في الملحمة بطلها “مم” منذ بدايتها، واستمر كذلك حتى نهايتها. لقد أصرَّ على أن يتبع حلمه الذي تراءت له فيه الفتاة “زِين”، و لم تنفع توسُّلات والديه وعمَّيْه في ثنيه عن المضي إلى بلد وعالم مجهول لا يعرف عنه، لا هو ولا أبواه ولا عمَّاه، شيئاً:

“رأى أمَّه العجوز جالسة عند رأسه،

ووقف أبوه الشيخ قبالته،

وفي كل جانبٍ واحدٌ من عمَّيه الجليلين.

والجميع يمطرون وجهه بالدموع.

قالوا معاً: الأمان! ماذا تفعل يا مم؟ من غيرك لا أمل لنا نحن الأربعة.

استمعْ إلينا، ولا تدع نفسك منقاداً مع الأحلام.

تلك التي حلّت عليك ضيفة في الليلة الماضية،

ليست إلا الشيطان متنكراً في هيئة فتاة.

من أجل حُلمِ، لا تدَعنا جميعاً في عزاء”.([24])

ولم يردعه كون “زِين” مخطوبة لابن عمها، بل أصرَّ على المضي فيما صمم عليه.

وإيجابي مستظل بالوعي المستنير والثبات على الحق.([25]) وقد جسّده “حسن” كبير الأخوة الجلاليين. ظهر عناد “حسن” في الملحمة من خلال الثبات على موقفه واستمراره تكريم ضيفه “ممي آلان”، رغم معرفته أنه قادم إلى الجزيرة من أجل ابنة عمه، خطيبة أخيه، وإجبار أخيه على فسخ الخطوبة إكراماً للضيف، وكذلك في مواجهة الأمير، ابن عمه، إكراماً لضيف غريب حل في بيته:

“قال حسن: أسرعوا يا اخوتي!

البسوا الدروع، واعقدوها على الصدور.

احملوا السلاح، وامضوا نحو قصر الأمير أزين.

فإما نموت اليوم، أو نستولي عليه”([26]).

إن موقف حسن وأخويه هذا، لَيدلُّ على كثير من الاعتزاز بالنفس أيضاً. فقد وعد ضيفه بأن يساعده، ويمنعه اعتزازه بنفسه من أن ينكث بوعده.

إن احترام الغريب وإكرام الضيف، كما يبدو في الملحمة ليس وقفاً على حسن وأخويه الذين ينحدرون من الأسرة الحاكمة فحسب، بل إن الفقراء وعامة الناس أكثر التزاماً بها، وهذا ما يبديه أحد المارة العابرين حين يلتقيه “مَمْ” ويسأله أن يرشده إلى قصر الأخوة الجلاليين الثلاثة، فهو من ناحية يلوم “مَمْ” لأنه لم يستجب لدعوته إلى بيته، ربما لأنه فقير الحال، ومن ناحية أخرى، يطلعنا على عادة متأصلة في سكان مدينة الجزيرة بفقرائهم وأغنيائهم، والعاطلين عن العمل، الذين ربما يفتقرون إلى ما يعيلون به أُسَرَهم، والذين يَرِدون في الملحمة باسم (العَبَبُوز)، وهي أن إرشاد الغريب إلى بيوت الآخرين يُعتبَر نقيصة في عُرفهم. وهنا يدور حوار مؤثِّر بين ذلك الفقير و”مم”، يعبِّر الفقير من خلاله عن مدى تأثُّره بعدم قبول “مم” دعوته:

“وقف محيِّياً إياه، ومدَّ يده إلى رسن الأشهب العدّاء.

معرباً عن رغبته في استضافته.

قال مم: إن كنت تريد أن تقدِّم لي خدمة،

فارشدني إلى قصر الأخوة حسن وچكو وقَرَتاجين.

قال الرجل الفقير: تمنَّيتُ أن تقتلني، وألَّا تطلب مني إرشادك إلى بيوت الآخرين.

فهذا في عُرْف مدينتنا نقيصة كبيرة.

تمنيت أن تنزل ضيفاً لديَّ ليوم وليلة”.([27])

وهذا كبير التُجَّار أيضاً حين التقى “مم” الغريب عن هذه الديار، استضافه في بيته، وعرض عليه مساعدته:

“حُلَّ ضيفاً على عمك هذه الليلة.

سأفتح لك أبواب الدكاكين والمخازن.

إن لم يُفدْك هذا، فسأفتح الخزائن والكنوز، خذ منها ما تشاء.

ليس عليك سوى أن تدل عمك بإصبعك حيث تشاء.

سأغرق ذلك المكان بالمال والذهب”([28]).

إذا كان موقف كبير التجار يعبِّر عن الكرم والضيافة كقيمة اجتماعية متجذِّرة في المجتمع الكردي، فإنه يعبِّر في الوقت نفسه عن ثقافة الأغنياء والتُّجار، ثقافة البرجوازيين، الذين تكمن قوتهم في أموالهم، ويعتقدون أن جميع المشكلات يمكن أن تُحلَّ بالمال، ولهذا حين يعلم أن ما يسعى إليه “مَمْ “ربما لا يتحقق بالمال، بل قد يتطلب سفك الدماء، يرشده إلى الأخوة الجلاليين الثلاثة، فهم معروفون بالشهامة والشجاعة والبطولة، وهم وحدهم قادرون على مثل هذه الأمور:

“مادام أمرك لا يُقضى إلا بإراقة الدماء،

فليأخذك أحدٌ إلى قصر الأخوة حسن وچكو وقَرَتاجين.

حين يقصدهم أحد ما،

يداوون جراحه، ويفدونه بأرواحهم”([29]).

وتُطلعنا الملحمة أيضاً على صور للحياة الاقتصادية المزدهرة في مدينة “جزيرة بوتان”، فهي بأحيائها الخمسة والعشرين مزدهرة الأسواق، وتُقام فيها المزادات الكبيرة([30])، وتجارها يرسلون القوافل التجارية إلى مختلف الجهات. يَرِد في الملحمة على لسان ابنة “بكو” النمَّام عن المدينة:

“الأمير شَمْ والأمير سيف الدين([31]) يسيِّرون القوافل التجارية إلى مختلف الدول والبلدان.”([32])

ولكنها تفتقر إلى الوحدة والتكاتف، فهي مقسَّمة بين أبناء الأعمام إلى ثلاثة أقسام:

“قسم لأبناء الأمير تاجين، وهذا كله للتجار.

قسم لأبناء الأمير جلال، حسن وچكو وقَرَتاجين.

قسم ثالث لابن الأمير زنكين، أمير جزيرة بوتان”.([33])

وكثيراً ما تُثار المنازعات بينهم، فيبدون غير متكاتفين، وعلى الرغم من أن أمير الجزيرة أحد أبناء عمهم، فإن سلطته لا تتجاوز أحد الأحياء إلى الحيين الآخرين.

نعتقد أن هذا المشهد في الملحمة يترجم إحدى السمات الجوهرية في الشخصية الكردية، وهي عدم انصياع الكرد للحكم المركزي، وربما كان هذا الأمر من أهم أسباب عدم وصولهم إلى دولة مستقلة لهم. ولعل هذا يتضح أكثر من خلال وجود سلطان لهم في الملحمة هو “ممي آلان”، يمد يده لأحد أمرائهم، هو الأمير “زين الدين” أمير الجزيرة، ويريد مصاهرته من خلال الزواج من شقيقته، ولكن الأمير يرفض هذه المصاهرة. ربما انتبه المخيال الشعبي إلى هذا الأمر، إلى نفور الكردي من الحكم المركزي، فعبر عنه بهذه الصورة. أليس الأدب الشعبي هو المرآة التي تنعكس عليها أحوال الشعب وآمال الأمة؟!

ولعل نفور الكردي من الحكم المركزي عائد، حسب ما يذهب إليه الدكتور أحمد خليل، إلى الجغرافيا التي تكوَّنت فيها الشخصية الكردية، وهي جغرافيا جبلية في الغالب “تكثر فيها الأمطار والثلوج والينابيع والمراعي الصالحة لتربية الحيوان، وفيها السهول الصالحة لنموّ النباتات والأشجار”([34]). فأضحت هذه الجغرافيا منبتاً لثقافة تكوين الشخصية الكردية، نمّت فيها نزعة رَفْض السلطة المركزية، ورسَّخت الذهنية القائمة على الحكم الجماعي. ولعل نمط الإدارة في الدولة الميدية يشكِّل دليلاً على ذلك، فمن المعروف أن قيادتها كانت جماعية تتكون من زعماء القبائل الست، التي كانت تشكِّل قوام التحالف الميدي، وحين مال القائد الميدي “أستياك” إلى نوع من المركزية في الحكم، ثار عليه بعض الأعيان بقيادة “هارپاك”، قائد جيشه، فأسقطه عن الحكم بتحالفه مع الفرس، ولعل أحدث مثال على ذلك في التاريخ الكردي الحديث، هو النجاح الذي أحرزته “الجبهة الكردستانية”([35])، التي ضمَّت مختلف القوى والأحزاب الكردستانية في إقليم كردستان أثناء الانتفاضة الشعبية عام (1991).  

إن هذا الازدهار الاقتصادي والتجاري في جزيرة بوتان، يشي بتقدُّم فكري أيضاً، ذلك لأن هذا النوع من الازدهار لا يمكن أن يتحقق في ظل الجمود الفكري. إن مقارنة سريعة بين مواقف “مَم” ومواقف “حسن”، لَتدلُّ على أن ثمة تحوُّل فكري بدأت طلائعه تطلُّ في الأفق ولو بصورة باهتة. بدا “مَم” شخصية تتحكم فيها قوى خفية غير مرئية، فكل ما حدث معه وله في الملحمة، كان بمساعدة الخضر والجن وقوة السحر، ونراه يرضخ كلياً لتلك القوى، التي رسمت له مصيره في نهاية الملحمة. بينما يبدو حديثُ “حسن” حديثَ إنسان واعٍ، صادراً عن شخصية تتكلم بلغة العصور المزدهرة، “إنه يشعر بقوة الإنسان وقوة عزيمته، فهو كائن حرٌّ، لا يرضى بالرضوخ للعبودية، يدعم أميره في حماية الوطن، ويهاجم العدو دون تردُّد، وعندما يشتط الأمير، يتمرَّد عليه، وينوي قتله. إنه يعشق القيم الإنسانية الرفيعة، فهو الصدق بعينه، والنبل والمروءة والشجاعة والوفاء بالعهد والشهامة، يعكس في تصرُّفاته القيم الكردية المُثلى.”([36]) يحب الإيثار والتضحية في سبيل الآخرين. وهو في ذلك يذكِّرنا بالفكر الديني الكردي متمثِّلاً في الديانة الإيزيدية. وهو في كل ذلك يمثِّل الأصالة الكردية في تطلُّعها إلى المعاصرة، ولا غرو في ذلك، فإن نواة الجديد تبدأ في النمو من صلب القديم.

ثم إن هذا التغيير الذي حدث في الملحمة حذفاً أو إضافة، لتنتهي إلينا بهذا اللبوس الإسلامي، يكشف عن تطوُّر الذهنية الكردية، وعدم مراوحتها في المكان، كما يدل على أن الكردي، رغم التغيير الحاصل في الملحمة، لم يتنازل عن هويته، بل ظلَّ محافظاً عليها. ويبدو هذا من خلال الشخصيات، فجميعها كردية، وكذلك من خلال اختيار المكان، فهو “مدينة جزيرة بوتان”، وهي مدينة كردية، تقع في الجزء الشمالي من كردستان، الملحق بدولة تركيا، حيث جرت أحداث الملحمة.

إلا أن هذه الطلائع الفكرية تصطدم بموانع متعددة، منها ما هو فكري داخلي تعبِّر عنه شخصية “مَم” برضوخه للقوى الخفية، وما هو اجتماعي، يتجلّى في الجفاء الذي نلحظه بين أبناء العمومة من الأسرة الحاكمة، ومنها ما هو خارجي، متمثِّل في أطماع الأعداء.

إذا أخذنا كل ذلك بالاعتبار، وأضفنا إليه أن مدينة الجزيرة المزدهرة كانت عاصمة إمارة كردية، لها حكومتها، ولها قوانينها، وعلى رأسها أمير، ولكنه ذو سلطة ضعيفة، فسوف ندرك أن كردستان كانت تمر في مرحلة اجتماعية وسياسية واقتصادية وفكرية متقدِّمة، وتخطو نحو اجتياز الاقطاعية، ولو بخطىً بطيئة جداً، ولكن ضعف سلطة الأمير الذي بدا ألعوبة بيد حاجبه “بكو” النمّام، رمز البطانة الفاسدة، وخلافات أبناء العمومة (الأمير وأبناء أعمامه الآخرين)، التي يمكن أن تكون رمزاً للخلافات الكردية التي أدت إلى سقوط مملكة ميديا، وأطماع أعدائها، وتجزئتها بين دول متعددة، حال دون ذلك.

ملحمة “ممي آلان” أدبياً

وللملحمة قيمة أدبية تتجلى في الوزن والإيقاع، إذ نرى الجُمل أو الأبيات غير متساوية في الوزن و الإيقاع والطول، هناك جمل قصيرة، وأخرى طويلة، يحكمها إيقاع صوتي، يظهر من خلال تكرار الأصوات ذات التردد العالي، فينصرف الذهن إلى الميزة الصوتية فيها أكثر مما يحاول بلوغ قيمتها الشعرية. إن هذه القيم الصوتية أكثر تأثيراً “في جمهور المتلقين عن طريق رفْع الصوت وخفضه بشكل يراعي تقوية المقطع أو إرخاءه، فالمقطع الذي يقع عليه النبر يرتفع معه الصوت بطبيعة الحال، وفي ما عدا ذلك يرتفع الصوت ارتفاعاً عفوياً في المواقف العاصفة”([37]). طول الجملة أو قِصَرها يعتمد على نَفَس المغني أو الشاعر الشعبي، بمعنى إن الجملة الشعرية تتبع الجملة أو الدفقة الشعورية في الطول والقِصَر، والهدوء والصخب.

ومن هنا حين يكون الانفعال هادئاً، ينعكس هذا الهدوء على التعبير، فيأتي هادئاً أيضاً، وتأتي الجمل الشعرية طويلة، وأكثر ما يكون ذلك في السرد القصصي:([38])

Hesen ҫû, sendoq vekir, jê derxist tapiya Kaniya Qestelê, da Memê Alane.

Her sê bira, tevî Memê daketin, li hewşê sekiniyane “.

حَسَن چوو سَندوق فَكر، ژي دَرْخسْت تابيا كانيا قَسْتَلِى، دا مَمِى آلان.

هَرْ سِى برا تَفي مَمِى داكَتنْ، ل حَوْشِى سَكنيان.

المعنى: “ذهب حسن وفتح الصندوق، وأخرج منه وثيقة تمليك نبع عين القسطل، وأعطا مَمْ إياه.

ونزل الأخوة الثلاثة مع مَمْ، ووقفوا في فناء الدار”.

وحين يرتفع الانفعال ويشتد الهيجان، تأتي الجمل الشعرية قصيرة متزاحمة وسريعة ومتساوقة مع نَفَس المغني الشعبي، وتعبِّر تعبيراً دقيقاً عن الحالة الشعورية. وأكثر ما يكون ذلك في الحوار، كما في قول “مَمْ” للفقير الذي استضافه:

“ Memê got: Bira, berde serê Bozê rewane.

Derdê min derdekî pir î girane

Lê nabe tu ҫare û dermane

Nayê gotin ji bona her kesane “([39]).

مَمي كوت: برا بَرْدَ سَرِى بوزِى رَوانةْ

دَرْدِى منْ دَرْدَكي پر كرانةْ.

نايى كوتن ژبو هَرْ كَسانة. (الكاف في (كوت وكرانة وكوتن) تُلفَظ كالجيم في اللهجة المصرية).

المعنى

 “قال مَمْ: اترك يا أخي رأس الأشهب العدَّاء.

علَّتي علَّةٌ كبيرة.

لا علاج لها ولا دواء.

ولا يُباح بها لأيٍّ كان”.

إن بطء إيقاع السرد وهدوءه عائد، على حدِّ قول الدكتور محمد صابر عبيد، إلى أنه نابع من ذات الفرد (السارد أو الراوي هنا) وهو يسترسل بالوصف أو الحديث تبعاً لرغباته الخاصة، بينما يتألف إيقاع الحوار من المشاركة مع الآخرين، ولهذا يختلف سرعةً وبطأً، صخباً وهدوءاً.

تتميَّز هذه الملحمة عن سواها من الملاحم الكردية بأن الحديث فيها أكثر ما يكون تناوباً بين السرد والحوار، ويتخلل ذلك أحياناً مونولوج داخلي يبدو من خلاله ما يعتمل في صدور الشخصيات، مثلما نرى “زِين” في مشهد حزين، وقد بدأ اليأس من قدوم “مم” يتسلل إلى نفسها:

“يا ويلتاه! من أجل حلمِ ليلةٍ أصبحتُ كالبلهاوات.

رميت ملابسي، ولففت جسدي بثوبٍ عربي.

حبست نفسي بين جدران أربعة.

كل هذا من أجل “ممي آلان”، سلطان مدينة المغرب.

تُرى أيتذكَّرني؟! ربما أُعْجِب بإحدى بنات عظماء المغرب.

ربما لا أخطر بباله حتى في الأحلام.

ربما لا يكون جميلاً بأفعاله مثلما بدا جمال وجهه.”([40])

ومن هنا يتناوب الإيقاع بين الهادئ والسريع، والأقل سرعة.

ومكان وقوع الأحداث والشخصيات جميعها كردية، وهي شخصيات منتقاة من البيئة الكردستانية، بطبيعتها الجبلية التي يبدو تأثيرها واضحاً في شخصيات الملحمة من مثل العناد الذي تعكسه شخصيتا “مم” و”حسن”، والكرم والضيافة واحترام الغريب، وقد بد ذلك واضحاً في أغلب شخصياتها، رئيسية كانت أم ثانوية.

لقد حيكت أحداث الملحمة من خلال نسيج فني قوامه اللهجة الكردية الشمالية (البهدينانية)، وجاءت سلسة تخللتها أحياناً كلمات باللهجة الجنوبية (السورانية)، ولكنها نادرة جداً، وأكثر ما ورد ذلك في صيغة التملك أو الإضافة، فقد وردت عبارة ( Mîrim / مِيرم ) في أكثر من موضع، و هي تعني ( Mîrê min / مِيري منْ ) أي أميري.

وجاء الأسلوب مرناً خبرياً في أغلبه، معتمداً على الصورة البلاغية، ولا غرو في ذلك، فهي ملحمة شعرية، والشعر كما يراه الجاحظ “فن تصويري يقوم جانب كبير من جماله على الصورة الشعرية وحسن التعبير”.

إن مصطلح الصورة الفنية وإن كان جديداً، فقد ظهر في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين في الدراسات الأدبية، ولكنه ظهر بشكل آخر لدى النقَّاد العرب القدماء قبل ذلك بكثير تحت ما يمكن تسميته بالصورة البيانية أو البلاغية التي “تعني الشكل الخاص الذي يعطي المعنى قوة وتأثيراً، ليكون أكثر أصالة وإيحاءً “([41]). وللصورة وظيفتها، لأنها “طريقة خاصة من طرق التعبير، تنحصر أهميتها في ما تُحدثه في معنىً من المعاني من خصوصية وتأثير”([42]).

إن نظرة في الصورة في هذه الملحمة، تقودنا إلى القول إنها في معظمها، بل في الكثير الغالب، صور أدبية، ليست فنية، وجاء أغلبها حسية تعتمد على الحواس وخاصة السمع والبصر، وأكثر ما تكون الصور فيها بيانية قائمة على تقنيات البلاغة من تشبيه واستعارة. وهي بذلك لم تخرج عن تصوُّر أرسطو الذي كانت الصورة الأدبية في نظريته، بادئ الأمر، مقتصرة على التشبيه والاستعارة.

ثمة مشهد في الملحمة، يظهر عند وصول “مَمْ” إلى شاطئ نهر دجلة في رحلته من بلاد المغرب إلى جزيرة بوتان. يعرض الشاعر الشعبي لنا نهر دجلة هائجاً في صورة بصرية وسمعية في آن معاً، قوامها التشبيه، إذ يقول:

“بدت مياه دجلة محمرَّة كدماء الرجال

تتقلَّب الأمواج فوق بعضها هادرة”([43]).

هذه صورة قائمة على تشبيه لون مياه النهر، وقد اختلط بها التراب نتيجة السيول والفيضانات التي أكسبها لوناً داكناً مائلاً إلى الحمرة، بلون الدم في احمراره، والتشبيه فيها تام، فقد ذُكِر جميع أركانه، الطرفان، أي المشبَّه والمشبَّه به، ووجه الشبه (الاحمرار)، وأداة التشبيه (حرف الكاف)، وهو أبسط أنواع التشبيه.

لم يقتصر التصوير البلاغي في الملحمة على التشبيه التام، بل تعدَّاه إلى الأنواع الأخرى، ففي المثال الآتي حُذِف وجه الشبه وذُكرت الأركان الأخرى، وهو ما يسميه البلاغيون بالتشبيه المُجْمَل:

“انفتحت أسارير وجه “مَم” في الحال، كسابق عهدها مثل أوراق الورود”([44])

وقد برع الخيال الشعبي في ميدان التصوير، وخاصة في الوصف. فالمرء إذ يقرأها، أو يستمع إلى المغني، ينبهر أمام وصف البطلة “زِين”، وخاصة حين يصف أصداغها وشعرها المنسدل على كتفيها:

“عيناها سوداوان بلقاوان.

جبهة عريضة، من معدن الفضة والذهب.

أرسلت ضفائرها على رمَّانة الوجه.

والعِذار على الغدائر.

ملتفَّة على ظهرها والخاصرة

لكأن زينة وحِلىً انسالت على الصدر كنقوش مطرَّزة.”([45]) 

أو حين يصف مشاعرها وقد سمعت بوصول “مَمْ” إلى جزيرة بوتان. فبمجرَّد سماعها الخبر، بدأ قلبها يخفق سريعاً صعوداً وهبوطاً كأمواج البحر، والأماني بدأت تنتعش بعد أن كادت تتلاشى:

“هاج قلبها كالبحر.

تقاذفتها أمواج الفكر من قمة رأسها إلى أخمص القدمين.

وثارت الأحزان والآلام من جديد.

لكنها لم تكن كما كانت شجون اليأس من قدوم مَم، سلطان الكرد”.([46])

ولا أبالغ إن قلت إن المرء لَيقف مشدوهاً أمام اللوحة التي تَرٍد في الملحمة مصوِّرة لعبة الشطرنج، يلعبها الأمير و “مَم”، فتأخذ المرء إلى جو المعركة، حيث تختلط صيحات المقاتلين بصليل السيوف، وقرقعة الرماح:

“انهال مَمْ بالرماح والنبال على جنود الأمير.

اخترق الصف الأول، واندفع نحو المعمعة من خلال الأجنحة.

أوقع الفرسان من ظهور الخيول.

ورمى المشاة تحت أقدام الفيلة.

أخذ أحمال الضرائب من العدو، وقادها أمامه.

اقترب من الشاه، وأسر الملك.”([47])

إن حرص الشاعر أو المغني الشعبي الكردي على تلوين أسلوبه وعلى بيان جمال لغته الكردية إمعاناً في التأثير على قلوب سامعيه وأحاسيسهم، يظهر في اختياره ألفاظاً تعكس أصواتُها معانيها، مثل قوله: Bû şîngeşînga şûran / بوو شينگة شينگا شووران.

كلمة ” شِينكَة شِينگ “وهي بمعنى (الصليل)، تأخذنا إلى جو المعركة، التي تختلط فيه صيحات المقاتلين بصليل السيوف. بمعنى إن صوت الكلمة يؤدي معناها، إن مثل هذه المفردات التي تظهر معانيها من خلال رنين حروفها، وردت في أماكن كثيرة ومتفرقة من الملحمة، مثل Guşeguş گشَگشْ صوت الماء، Fiîşn / فشينْ صوت الثعبان، Çelpîn / چَلپين الصوت الذي تحدثه الأسماك عندما تقفز في المياه، Vixîn / ڤغينْ صوت المرء عند احتضاره، Şîngîn / شينْگين صوت حركة الأسْوِرة في المعصم، Vizîn صوت الخلاخيل التي تلبسها المرأة في كاحلها([48])، وغيرها كثير ورد في الملحمة.

أما الوزن، فإن الملحمة تجاوزت الأوزان التقليدية. الأوزان الشعرية الكردية تعتمد على مقاطع الكلمة، وقد تحدث الشاعر جكرخون عن أربعة منها في مقال له نشرها في مجلة “هاوار”. البيت الشعري حسب هذه الأوزان الأربعة يتكوَّن من شطرين تماماً كالبيت في الشعر العربي، ولكنهما لا يُكتبان متقابلين، بل يُكتَب كل شطر في سطر، و عدد المقاطع في كل وزن مختلف، يتراوح بين خمسة إلى ثمانية مقاطع([49]). وهناك أوزان أخرى يصل عدد المقاطع في بعضها إلى اثني عشر مقطعاً. أهمل الشعراء الكرد هذه الأوزن بعد وصول الإسلام إلى كردستان، وذلك بتأثير من أوزان العروض العربي، ولكنهم عادوا إليها في العصر الحديث، وفي ذلك قال الشاعر عبدالله غوران في خمسينات القرن المنصرم ما معناه إنه لم يعد يستخدم أوزان العروض، لأن أوزان المقاطع تناسب اللغة الكردية.

إن المغني الشعبي الكردي أو الرواة لم يستخدموا أياً من الوزنين الكردي والعروض العربي، بل جاءت أبيات أو أسطر الملحمة بعدد من المقاطع يختلف من سطر إلى آخر زيادة أو نقصاناً، فجاءت الجملة الشعرية مساوية “للدفقة الشعورية التي تتناسب في طول موجتها مع الموقف النفسي والعاطفي والفكري للتجربة الشعورية من جهة، ومع طول نَفَس الشاعر”([50]) أو المغني الشعبي من جهة أخرى. ولم يُلقِ الشاعر الشعبي بالاً للقافية في معناها التقليدي، التي يعرِّفها نُقَّاد الشعر العربي بكونها “آخر ساكنٍ في البيت الشعري قبله متحرِّك “، بل اتخذ شكلاً آخر مختلفاً عن ذلك، ومناسباً للسليقة الكردية، يتمثَّل في المقطع الأخير من السطر الشعري، سواء كان كلمة أو جزءاً من الكلمة، وهو ما يمكن تسميته بالقافية السطريّة التي تأتي في نهاية السطر الشعري. إلا أنه لم يستطع التحرر من الاستخدام الكلاسيكي للقافية، فعلى الرغم من تعددها في الملحمة بين nin, min, nim, anî, rok,  مثلاً، إلا أن ذلك كان نادراً جداً، وكانت الغلبة للقافية ane. وفي الحقيقة إن الأصل في هذه القافية هو an بمدّ الألف، وقد زِاد عليها المقطع القصير (e) الذي هو عبارة عن الفتحة في اللغة العربية، ويتم هنا لفظه فتحةً طويلة لتكون القافية أكثر توافقاً مع اللحن الحزين الذي يغلب على غناء الملحمة. ولعل أول من لحَّنها وغنَّاها كان موسيقياً بارعاً، أدرك الترابط الوثيق بين القافية ane / آنَةْ وبين هذا اللحن الحزين. وإلى جانب القافية لعب التقديم والتأخير بين عناصر الجملة دوره في الإيقاع، وقد جاء ذلك في مواضع متفرقة وكثيرة في الملحمة([51]).

إن إيقاع الملحمة الداخلي، والجملة الشعرية، التي هي أحد تقنيات أو مصطلحات حركة الشعر الحديث، واعتماد المقاطع باختلاف عددها من سطر إلى آخر أساساً للوزن، كل هذا يجعلنا أن نقول إن المغني أو الشاعر الشعبي الكردي ألقى معظم الأصول الفنية الكلاسيكية خلف ظهره، وسبق ما ظهر بعد مئات السنين، و سُمَّي بـ(الشعر الحر) أو شعر التفعيلة، في اعتماد تقنيات تعبيرية وإيقاعية لم تكن متداولة في عصره.

لا تقل هذه الملحمة من الناحية الأدبية عن غيرها من الأعمال الأدبية العالمية قيمة، فقد سبقت ملحمة “تريستان وإيزولدا” الأوروبية، وثمة وجوه شبهٍ كثيرة بينها و بين “روميو جولييت” للشاعر الإنكليزي الكبير شيكسبير، وخاصة في موضوع الحب، والنهاية المفجعة لأبطالهما “مم و زِين” من جهة و” روميو وجولييت” من جهة أخرى. فقد عانى أبطال الروايتين معاناة شديدة في حبهم، ولم يصلوا إلى النهاية السعيدة، بل انتحر بطلا شكسبير، كل منهما ضحى بحياته من أجل الآخر، كما يمكننا أن نقول إن “ممي آلان” لم يمت موتاً طبيعياً، فقد كان يعرف أن الرمانة التي أعطته إياها “زِين” مسمومة، وسوف تودي به، ورغم ذلك أكلها. من هنا يمكن اعتبار موته انتحاراً، ولكن خيال الرواة جعله في تلك الصورة، بتأثير من الثقافة الإسلامية التي تحرِّم الانتحار.

لقد توفر في هذا الأثر الفولكلوري جميع عناصر الملحمة، من حيث كونها تُنسَج شعراً، تتضمن أعمالاً خارقة من خلال ظهور إشارات أسطورية فيها، ولم تخلُ من العنصر البطولي من خلال الحديث عن بطولة الأخوة الجلاليين الثلاثة، وكذلك بطولة “مَم” في اقتحامه مسالك مجهولة لا يعرف عنها شيئاً، وكذلك ورود شيء عن غزوات الفرس على تخوم كردستان حديثاً فقط دون ذكر الوقائع. يُضاف إلى ذلك أنها أبرزت صوراً عن القيم الاجتماعية التي يعتز بها المجتمع الكردي من مثل الكرم وحسن الوفادة والضيافة والإيثار، وعن الأوضاع الاقتصادية المزدهرة في جزيرة بوتان، عاصمة الإمارة في ذلك الحين. كل هذا جاء من خلال نسيج فني غلب عليه السرد القصصي والوصف والحوار والمونولوج وغيرها من عناصر النسيج الفني الذي نسجه الشاعر أو المغني الشعبي بلغة سهلة وسلسة ونقية، فهي بحق ملحمة قومية.


([1]مدينة تقع في شمال كردستان. الجزء الكردستاني في تركيا.

([2]) هوميروس: الإلياذة. ترجمة سليم البستاني. كتاب إلكتروني، منشورات كلمات عربية، القاهرة، رقم وسنة الطبعة غير مذكورين. ص 33.

([3]Memê Alan. Pêşgotin, rû 5.

([4])   Memê Alan. Pêşgotin, rû 7

([5]) Memê Alan, rû 8-10

([6]Memê Alan, rû 11

([7]Memê Alan, rû 38, 39

([8]Memê Alan, rû 69, 70

([9]Memê Alan, rû 68, 80, 95

([10])Memê Alan, rû 46     

([11])Memê Alan, rû 190   

([12]MemêAlan, rû 183

([13]Memê Alan, rû 200, 201

([14]Memê Alan, rû 157, 185

([15]د. دكتور أحمد محمود الخليل: مملكة ميديا. الطبعة الأولى، مؤسسة موكرياني للبحوث و النشر، أربيل 2011، ص 126 – 132. مهدي كاكه يي: ثورات الميديين بعد سقوط إمبراطوريتهم. مقال إلكتروني. http://www.ssrcaw.org/ar/show.art.asp?aid=512111

([16]) يقول البستاني عن الإلياذة: ” أما الإلياذة، و قد تناشدها الرواة نحواً من قرنين، و لا ضابط لها سوى أذهان المنشدين، فلم تكن ثَمَّ قوة بشرية قادرة على حفظها من أولها إلى آخرها على ما نطق به هوميروس، مهما بُذِل في سبيل ذلك من العناية و الهمة “. المرجع السابق، ص 39.  و قد أشار إلى الحذف في الإلياذة و الإضافة إليها في الصفحات 40، 41، 42.

([17]Memê Alan, rû 121

([18]Memê Alan, rû 122, 123

([19]Memê Alan, rû 90, 94, 138

([20]Memê Alan, rû 46

([21])Memê Alan, rû 138  

([22]Memê Alan, rû 185

([23]Memê Alan, rû 206.

([24]) Memê Alan, rû 63

([25])   د. أحمد محمود الخليل: الشخصية الكردية، الطبعة الأولى، دار موكرياني للبحوث و النشر، أربيل 2013، ص 176.

([26]Memê Alan, rû 206 

([27])  Memê Alan, rû 81

([28]Memê Alan, rû 87

([29]Memê Alan, rû 89, 90

([30])   Memê Alan, rû 83, 84

([31]) كلاهما أبناء عمِّ أمير جزيرة بوتان.

([32]) Memê Alan, rû 76.

([33]Memê Alan, rû 76

([34]د. أحمد خليل: لماذا لم تكن الأمة الكردية أمة غزو و فتوحات؟ مقال إلكتروني. https://www.box.com/s/z9i11dwhyflyoj7ii8ut

([35]الجبهة الكردستانية هي ائتلاف سياسي ضمّ القوى السياسية الكردستانية في إقليم كردستان عام 1991 أثناء الانتفضة الشعبية في مواجهة النظام الديكاتوري في العراق.

([36]Memê Alan. Pêşgotin, rû 27

([37]) أ. د. محمد صابر عبيد: القصيدة العربية الحديثة بين البنية الدلالية و البنية الإيقاعية. منشورات اتحاد الكُتَّاب العرب، رقم الطبعة غير مذكور، دمشق 2001، ص 38.

([38]Memê Alan, rû 135

([39]Memê Alan, rû 93

([40])    Memê Alan, rû 95, 96

([41]خالد بو زياني: الصورة الأدبية وخصائصها اللغوية بين اللغويين والأسلوبيين. رسالة جامعية لنيل درجة الدكتورة، قُدِّمت إلى جامعة الجزائر يوسف بن خدة في العام الجامعي 2006/2007، ص 25.

([42]أحمد جابر عصفور: الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي. الطبعة الأولى، المركز الثقافي العربي بيروت – الدار البيضاء 1992، ص 392.

([43]Memê Alan, rû 70

([44]Memê Alan, rû 67

([45]Memê Alan, rû 48

([46]Memê Alan, rû 100

([47]) Memê Alan, rû 188

([48])    Memê Alan, rû 68, 70, 71, 135, 137

([49]Hawar, hej 22. Sal 2. Şam 1933, rû 1, 2, 3

([50]المرجع نفسه. ص 105.

([51]Memê Alan, rû 44, 45, 48, 75, 104, 108, 111, 113, 118, 131, 135, 178