قاسم حداد: تنتظر

0

دون أن يحدث شيء،
هذه هي حياتنا، فليس من الحكمة قضاء الوقت في انتظار شيء لا يحدث. (على كثرة الأحداث) فحدثنا لا يحدث بالضبط عندما تكون في انتظاره، خصوصاً في ما تنتظره جالساً. ففي هذا إهدار للوقت، وتفريط في الحياة. فليس في حياتنا ما يمكن أن يحدث وأنت ممعن في انتظاره.
الانتظار هو عبث في أمرين، إضاعة وقت من العمر القصير النادر، وتعويل على آلية الغيب التي لا تكترث بنا.

٭ ٭ ٭

دون أن يحدث ذلك الشيء، سوف ترى نفسك في مكان غير موجود، وفي زمان غير محسوب في روزنامة العمل. ثمة شيء لا يحدث أبداً، في ما يتوقعه الناس. فللأشياء ربٌ يدير الحياة على هواه. وأنت ليس من بين الروافع التي يكترث بها رب الأشياء. فكن على مبعدة من برنامج لا يحسبك، وبمعزل عن فهرس لستَ في مراياه. فكلما قدرت على النجاة مما يدربونك عليه، فأنت مرشح للتحرر مما يقدّرون.

٭ ٭ ٭

من أين لك كل ذلك العمر القصير النادر لكي تهدره، في انتظار تفسير حياتك الغامضة؟ ينبغي لك عدم إضاعة الأيام في الظن بأن نجاتك تكمن في حدوث ذلك الشيء. قادرٌ على تقدير أقدارك، إن أنتَ تريثتَ قبل الامتثال لوهم انتظاراتهم. ثم، قبل كل شيء، ماذا تريد أنتَ بالضبط مما هو في غيبٍ غير منظور؟ ما المعنى الذي تسبغه على كلامك لكي تكتبه في نصك الوشيك؟ ليسَ في الانتظار غيرك، فاذهبْ بعيداً عن محطاتهم ولا تنتظر معهم، لا تخضع للنفق الذي يكسر عمودك الفقري لفرط شرط الانحناء، فيما أنت تدخل، وتتغلل ولا تجد طريقاً للرجوع. فالانتظار الذي يقترحونه بمثابة مستنقع وحل، ما إن تضع قدمك الأولى فيه حتى تجد نفسك تتورط في تقدمٍ بكل أقدامك، دون أن يكون لك خيار التراجع. فلا تدخل ولا تنتظر ولا تمتثل.

٭ ٭ ٭

ليس لصَلاتهم ربٌ، ولا الآلهة تكترث بتضرعاتهم، فالله لا يحب المنتظرين.
وإن كنتَ تشكّ في العمل، فمن الأجدى أن تسأل الحركة. حيث الانتظار «موتٌ ماثل» لا يتيح لك الحلم، ولا تجد نفسك خطوة في طريق. فلماذا تؤجل حياة تفتقدها؟
فما يحدث هناك، لا يحدث لك، لكنه يحدث عليك، فلا تنتظره.

٭ ٭ ٭

على عظم وهول ما يحدث، رغم كارثيته، فإنه يحدث ضدك، كل ليلة وكل يوم، يؤسسون لحدوثه أجل ألا تكون، فهو يحدث ضد كيانك الإنساني، ومن يديره يدرك أنك نقيضه. وحين يسوقونك لانتظاره، فإنما يعملون على تمهيد طريقك للحد، للحدك، فلا تنتظره، ولا تترك لهم قيادك. على شمولية ما يحدثونه في الكوكب، فإن جذوة أحلامنا أبعد وأبدع. وهم يحثون السعي أجل أن نبقى في انتظار النيران تطالنا شلواً شلواً. فماذا تنتظر من انتظاراتهم.

٭ ٭ ٭

شيئك لا يحدث، وسعيك لا يبلغ الحلم، وأنت في برد المحطة.
فاربأ بنفسك عن أملهم، الذي يضاهي الألم. فلديهم لك من الكوارث ما لا تطيق، وما لا يدور لك في الظنّ. لا تنتظرهم ولا تدعهم في انتظارك.

٭ ٭ ٭

هل فتحت كتابك لتقرأ أم لتكتب؟
هذه هي المسألة.
نصوصهم في جاهزية السلاح، وأحلامك قيد الكتابة.
افتح كتابك.
فليست المسألة في الحياة، المشكلة في النص، نصها.
اكتب نصوصك واحذر لصوصك
ولا تؤجل خطوتك عن الطريق.
برد المحطات لا يرحمك
ووحشة الانتظار موتٌ بمثابة القتل.
دع لحبرك حرية الماء وصلابة الموج
واكتب الذرائع شامخة في هواء الأجنحة.
اكتب ولا تنظر
اقرأ ولا تنتظر.

*القدس العربي