قاسم حداد: السعي نحو الثمانين

0

حثيثاً أسعى نحو الثمانين من العمر.
لكن، ربما ليس من الحكمة الاستعجال، غير أن الوقت يبدو أسرع مما توقعت. الوقت كفيل بكل شيء، ليس ثمة أسرع من الوقت.
قبل سنوات طويلة نسبياً، كان الوقت بطيئاً، بل يبدو لي أنه كان بالغ البطء. في حين كنّا على عجلة من أمرنا. كنّا نريد أن نكبر بسرعة، ونذهب إلى حياتنا، نترك المدرسة بسرعة، نشتغل سريعاً، نتزوج بأسرع ما يمكن، فيما كان الوقت أبطأ مما ينبغي. وهو على كل حال لا يكترث بنا.

٭ ٭ ٭

أذكر،
هناك، حين نسمع أن شخصاً في الخمسين من عمره، كنّا نبدي استغرابنا، وربما ذهولنا، من كونه طاعناً في السن إلى هذا الحد. الخمسون كان عمراً متقدماً، وربما اعتبرناه معمراً أيضاً. ولو أن أحداً قال لنا وقتها إننا سنعيش حتى نبلغ السبعين، ربما ضحكنا وقهقهنا حدّ الاستلقاء على ظهورنا، لفرط المبالغة في ذلك الافتراض، واعتبرنا أن قائل ذلك الكلام حالماً، لئلا نعتبره مجنوناً. فعمر السبعين، ليس فقط لا يناسبنا، نحن الطائشين، لكنه العمر الذي سيكون قد انتخبه الآباء، وحازوه قبلنا فقط.

٭ ٭ ٭

لذلك، أعتقد أنه ليس من العدل الآن الاستعجال المستحيل للذهاب نحو الثمانين، فلن نكون على درجة من المنطق عندما نزعم للناس أن الثمانين لا تناسبنا، فالطيش الذي رافقنا منذ سبعينيات القرن الماضي لا يزال مستحكماً في سلوكنا حين ننفرد بأنفسنا مؤخراً، حتى أن السرقة غير المشروعة، الآن، في تناول الحلويات بغفلة عن العائلة، لا تعتبر سلوكاً رصيناً لأشخاص قد تمكّن مرضُ السكر من سنواتهم الأخيرة. العدل هنا يفترض بنا أن نمتثل لشروط الأطباء وقوانين علاجاتهم في تناول الأدوية، ورصانة السلوك والحيطة في العادات.
ولكي نبدو في سلوك رصين، يناسب السبعين، يتوجب ألا نتظاهر بالفتوة عندما يتطلب الموقف شجاعة الشباب وإقدامه، خاصة حين نحضر رفع الأمتعة الثقيلة أو تحريك بعض قطع الأثاث في البيت. هذا ليس من شأننا، لقد شَيَّخنا على مثل هذه الأمور، ولَم نعد شباباً، حتى عندما يبالغ الأبناء في التعامل معنا على أساس أننا لا نزال شباباً، كما نزعم متهورين دائماً. يتوجب الحذر في مثل هذه المواقف.
لا مثلبة في الاعتراف بالتقدم في العمر. إنها طبيعة الحياة. غير أن هذا لا علاقة له بالروح.

٭ ٭ ٭

حسناً،
هنا سوف تكمن المسألة الجوهرية التي نتشبث بها، كلما تعلق الأمر بالسنّ. شباب الروح شأنٌ نحسن التعلق به والتفنن في التعبير عنه، (أعني التحصن به) كلما حاول الآخرون اختراقنا. فعندما يتقدم العمر بالمرء، يجوز (لئلا أقول ينبغي) له التحلّي بشباب الروح، كي لا يسمح للزمن أن يهزمه. وشباب الروح هذا لن يتسنى لأحد أن يمنعه عليك، ولا أن ينفيه عنك، ولا حتى يصادره منك، خصوصاً عندما لا يكون موجوداً فعلاً.

٭ ٭ ٭

فإذن،
دعك من الأوهام، واجلسْ على أقرب مقعد، واتركْ أحفادك يدلكون لك ركبتك المعطوبة، ولا تخجل من أن تطلب منهم سكبَ المزيد من الزيت قبل التدليك.
تلك هي الحقيقة الوحيدة التي تساعدك على ردم الفجوة (المتعاظمة) بينك وبين أحفادك، وبين الأجيال المتسارعة في النمو، فيما تجلسُ أنت على ذلك المقعد، كل يوم، منذ الصباح حتى المساء، تراقب عصافير الحديقة وهي تنظف الأرض من أثر عبث الأطفال عند الأكل وبعده.

٭ ٭ ٭

اسمعْ مني،
تعقّل، ولا تسعى حثيثاً نحو الثمانين.
السرعة تقتل.

*القدس العربي