غيرتني الثورة..

0

إيلينا كيتي

مترجمة إيطالية*

مجلة أوراق العدد 12

الملف

قبل عشر سنوات كنت أتابع الأخبار من تونس ومصر بحماس. بعد رحيل بن علي ومبارك، وعلى الرغم من القمع المستمر في ليبيا واليمن والبحرين، شعرت أنني على وشك أن أرى سقوط الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي. كان هناك بعض الاحتجاجات المحدودة في سوريا قبل 15 آذار، لكن الحركة لم تكن ضخمة أبداً. قال لي زميل سوري مقيم في فرنسا: “آمل ألا تنتشر وتتسع حركة الاحتجاجات والتظاهرات في البلد، لأن النظام سيذبح الشعب، فنظام الأسد ليس مثل تونس أو مصر”. لم أردّ في ذلك الوقت. لكني كنت أشعر بالعكس، وكنت أتمنى أن أرى ثورة في سوريا.

في ذلك الوقت كنت أترجم رواية “لها مرايا” للكاتبة السورية سمر يزبك، التي التقيتها في معرض تورينو للكتاب عام 2010.

على الرغم من الوقت الذي كنت أقضيه في مشاهدة أخبار الثورات، إلا أن العمل في الترجمة كان يسير على ما يرام. ومع ذلك، في مرحلة ما، وجدت نفسي أشكك في ترجمة بعض المصطلحات المرتبطة بالطائفة العلوية. من واجبي كمترجمة، في مثل هذه الحالة، التواصل مع المؤلفة وإشراكها في عملية الترجمة. ولكن لم أقم بواجبي، إذ كانت الثورة السورية قد انتشرت في الفترة نفسها، بعد اعتقال بعض الأطفال في درعا ثم إطلاق سراحهم بعد التعذيب.

 سمر، في دمشق، كانت توثق التظاهرات والقمع وترسل تقارير إلى عدة جرائد أوروبية. علمت أن النظام كان يراقبها. لم أرغب في إثارة المزيد من المتاعب لها من خلال رسائل البريد الإلكتروني من أوروبا، إذ اتُّهِم المتظاهرون بأنهم عملاء أجانب وخونة لبلدهم. ذهبت إلى المكتبة وحاولت الاستفادة من المصادر القليلة التي وجدتها حول المعتقدات العلوية. تعاملت مع الكتّاب في إطار الثورة. قلت لنفسي: لا يمكنني أن أكون المترجمة التي كنتها قبل الثورة.

بعد بضع سنوات، كتب صحفي إيطالي تعليقا على مجموعتين شعريتين لفرج بيرقدار، كنتُ ترجمتُها إلى الإيطالية. لم ير فيهما إلا وثائق للوضع في السجون السورية في عهد حافظ الأسد ونوعاً من التحذير الاستباقي من القمع والحرب الحالية..

بالطبع رددت عليه بقوة منطوق القصائد وأشرت إلى قيمتها الأدبية، بما يتجاوز كل الاعتبارات السياسية. أخبرته أنه لا ينبغي معاملة الكتب في إطار الثورة فقط. وقلت لنفسي: لا يمكنني أن أكون مترجمة مختلفة عن المترجمة التي كنتها قبل الثورة.

طبعاً، هذا تناقض. ولكن هذه هي الثورة، ما دامت توجد تناقضات ونعترف بها فالثورة مستمرة، لأن التناقضات تشير إلى عدم قبول الوضع الحالي، وإلى صعوبات التعامل معه، حتى في حياة المترجمين البسيطة.

في السنوات التالية، ركزت على ترجمة الكتاب السوريين، ولا سيما الشعراء:

بعد فرج بيرقدار، قمت بترجمة هالا محمد، خولة دنيا، وداد نبي، مروان علي.

كل الكاتبات والكتاب الذين ترجمتهم وقفوا مع الثورة. من ناحية، كان هذا اختياري الواعي. أردت أن أرى ما جلبته الثورة للثقافة، فعملت مع بعض الزملاء المترجمين على مختارات شعرية عربية مرتبطة بالثورات في الشرق الأوسط. من ناحية أخرى، فإن أهم الكتاب السوريين، باستثناء أدونيس ونزيه أبو عفش، قد دعموا الثورة، وكانت متابعتهم جميعاً في رأيي مجرد متابعة للأدب السوري في الوقت الراهن.

*من مواليد 1979، حائزة على دكتوراه في التاريخ المصري الحديث، وباحثة ومدرّسة في جامعة ستوكهولم. تتقن العربية قراءة وكتابة، وتتحدثها بطلاقة بلكنة فلسطينية.