كنت أتضاءل، تنكمش أعضائي، ويصغر حجمي رويداً رويداً؛ وكأنني تناولت شيئاً من بلاد العجائب، تلك التي حلمت بها كثيراً وأنا صغير، تمنيت أن أحصل على كلّ تلك الأشياء، أن أتضخم، و أنكمش بإرادتي، أفعل ما يحلو لي، من دون أيّ خوف أو لوم.
وها أنا الآن أتضاءل، لعنة تلك العجوز حلت بي حقاً، وصار لزاماً عليّ أن أتحرر من حرصي لأعود لما كنته!
أيّ غباء هذا! لابدّ هي لوثة أصابتني لأفكر بهذه الطريقة الطفولية الغبية، لن أغير أيّاً من عاداتي، ولتذهب لعنات تلك العجوز إلى الجحيم.
::
ما زلت أتضاءل؛ حتى زوجتي التي نادراً ما تهتم لأمري بدأت تنظر نحوي بفضول قائلة:
“هل تعاني من مشاكل عظيمة؟ وكأنك أقصر!”
لم أجبها كعادتي، فقد اعتدت أن أدخر كلماتي لما هو مهم.
مشاكل في العظام تعني الذهاب إلى طبيب، تعني الكثير من الفحوصات والمصاريف.
نظرت نحوها تلك النظرة التي تفهمها تماما فقالت:
” بيت مالك لن يتضاءل كما تتضاءل أنت، ولكن لا بأس! إن صرت صغيرًا جداً سأحبسك في صندوقك.. وآخذ أموالك” وضحكت بصوت عالٍ وماكر..
لم أتمالك نفسي من الغضب سحبت يدي_ التي نادراً ما أستعملها_ من جيبي ولوحت بها مهدداً..
::
كنت عائداً من البقالية التي أشتري منها آخر ما تبقى عندها من خضار، عندما لمحت تلك العجوز تسألني أن أعطيها شيئاً.. تجاهلتها كعادتي، بل إنني رفضت الاستماع إلى كلامها، وأكملت سيري لأفاجأ بها تقف أمامي، حاولت تجاوزها لكنّها أحاطت بي من كل الجهات. أغمضت عينيّ عن رؤيتها، إنّه لمن الإسراف أن أتطلع إلى كلّ هذا القبح.
راحت تلحّ بالطلب، وتسأل القليل فقط، عندما نهرتها بأقصى ما أملك من صوت. ولأنني نادرا ما كنت أستغلّ كلّ طاقات صوتي، شعرت به يخرج من كلّي فخفت أكثر منها.
نظرت نحوي وقالت: ستتضاءل.. أعدك مالم تجزل بالعطاء.! واختفت..
صحوت، وقد تسارع نبض قلبي بشكلٍ مبالغ فيه، مجدداً تلاحقني تلك العجوز في أحلامي.
نظرت إلى زوجتي.. كانت تبدو أكبر حجماً مما أعرفها..
لا لست أتضاءل.. إنّها التي تتضخم لا بدّ هي تأكل أكثر مما يجب!
::
في الليلة الأولى من زواجنا مررتُ كفيّ على وجهها، قبلتها من جبينها، ثمّ بدأت سريعاً أجردها من ثيابها القليلة، عندما راحت تبدي تدللاً؛ أخبرتها بأنّني الليلة سأكون كريماً جداً. فاستجابت بخجل..
“ثلاث قبل.. وجنون مدروس يفي بالغرض.. نشوةٌ سريعة، هدوء وقبلة”
هذا الإسراف بالمشاعر لم يصدف أن حدث بعدها أبداً، أكتفي بذرٍ قليلٍ من كلّ ذاك، بينما تكون نائمة أو غير مهتمة..
تلك الحمقاء لا تعرف أنني أدخرني من أجلها..
اقتربت منها الليلة.. فشعرت بها أكثر مني، جسدها يفيض عن قدرتي على إنجاز مهمتي..
إنني أتضاءل حقاً.. سحقاً لتلك العجوز الشمطاء!
::
“اقطعوا رأسه”
كانت ملكة القلوب تجلس على عرشها، بينما تقف بالقرب منها تلك العجوز الشمطاء، وأنا مكبل بالكثير من الأصفاد، لم أستطع أن أتكلم، عبارة “اقطعوا رأسه تتردد في كلّي كأغنية سخيفة نكرهها” كنت أودعني بالكثير من الأسى.
اقتربت مني العجوز وقالت: أعطني.. وستنجو!
كنت غير قادر على الحراك، أو الكلام أشرت لها أنني لا أملك ما أعطيه، فصرخت هي أيضاً: “اقطعوا رأسه”
مجدداً استيقظت وجسدي غارق بعرقي، ورأسي عالق في كمّ زوجتي التي أصبحت عملاقة..!
::
لم أكن أملك خياراً آخر، صار لزاما عليّ أن أبدأ بالعطاء لأستردني من هذا الجنون..
جسدي الذي تواطأ مع اللعنة وخانني، صار أصغر من قدرتي على التحمل.
اليوم صباحاً كدت أقع في مجرى الحمام، ولمّا نجوت كادت زوجتي العملاقة تدوسني بقدمها، عندما كانت تبحث عني خائفة.
اضطررت لإخبارها عن مكان مفتاح الصندوق الذي أخبئ به كلّ ما يفيض عن حاجتي، وقفت بالقرب منها وهي تفتح الصندوق..
كنت أصغر من أرى ما يجري فرفعتني فوق كتفها..
فتحت الصندوق فانطلق صوتي بأغنية جميلة كنت أمنع نفسي من تردادها، ثمّ راحت تتطاير كلمات كثيرة” شكرا.. لطفٌ منك.. رائع.. أنت جميلة.. ممتن لك.. أحبك..” وغيرها من الكلمات التي أمنع نفسي من استخدامها، نظرت زوجتي نحوي، وابتسمت بهدوء.
دقائق و راحت تتطاير من الصندوق تنهيدات وشهقات، وقبل!
مطر من القبلات راح يتساقط على زوجتي التي نسيت في زحمة الحبّ المخبوء أن تمدّ يديها لالتقاط المال كما اتفقنا.
كانت تلتقطُ كلّ همسة و تنهيدة وقبلة، وتستجيب لها بجنون، وإسراف.
تتلاقاها بجسدها وتتمايل على وقعها وكأنّ مسّاً قد أصابها، يحمرّ وجهها، يتكور نهداها، تنضو عنها ثيابها، بينما تفحّ بجنون وشبق..
كانت سعيدة كما لم تكن يوماً، وقد سقطت من كتفها ملتاثاً وحزيناً على كلّ ما ادخرته..
كانت زوجتي تنتشي وهي تدور في مكانها، ثمّ بدأتُ أراها تتضاءل مثلي رويداً رويداً.. أو.. يبدو أنني الذي بدأت أكبر!
*من المجموعة القصصية (أزرق ورمادي)