في البدء كان الماء
وكان “روح الله يرف على وجه المياه”
وقال الله: “ليكن جلد في وسط المياه فاصلاً بين مياه ومياه”[1]
“وجعل من الماء كل شيء حي”[2]
“لون الماء لون الإناء”[3]
أول خلية حية تنفست الأوكسجينَ من الماء
الأنوثة هي الماء، ماء الحياة، في الذكور والإناث.
* * *
هنا.. في حضرة النيل الخالد
هنا حيث المكان يشكِّله الشوق
ويطوّقه القلب
أجَلْ يطوِّقه ويسوِّره
هنا..
حيث الغربة سلَّمتني دفةَ الرياح
وأعلنتني إلهة الجهات، مثل نجمة الصبح
إلهة سمراء.. بيضاء.. شقراء.. خلاسية
عروساً من الزنج..
تسبح في مياه النيل
فيشكِّلني النيل من جديد
كأني ماؤه، كأنه دمي
ويعلِّمني كيف يكون الرقص على حافة الجنون
على الحدود القصوى للشوق
على حدود الحب
هل للحب حدود؟
هنا..
في حضرة النيل.. علَّمتني الضفاف
أنَّ حضورك لا يشبه شيئاً سواك
وأني أنا موجةٌ، أتبعني موجةً موجةً، إلى آخر الموج
وأن النيلَ في عينيك عُمْرٌ من الشوق
هنا.. في حضرة الحب
تجمعنا ضفتان
لحظةَ ينام النيل الأزرق
في عينيك
ينسانا حراس الليل
وصخب المدينة
هنا..
في ساعة الرمل أرمي صحراء شوقي
فتمتلئ باللآلئ
توشوشني (أحبكِ)..
يا من صنعَتْني قارباً للحب
يطفو فوق جدائلها.
…
أهمس: أحبكَ
قل لي بأي لغة أكتبك
قل لي من أين أبدأ..
أرسل لي إشارةً.. تلميحاً
فأكتبكَ لغةً لم تعرفها امرأةٌ قبلي
حيثما تكون يكون الحب
عمري مذ جئت هنا..
درب لم يسلكها إلى قلبك غيري
درب أمشيها وأحملها معي
كي أمشيها ثانية وثالثة..
ليلي مشتعل بالأماني
خبَّأتُ أشواقي تحت وسادة النهر
وأسدلتُ الستائر
على مواسم الغياب
أطفأتُ جميع الأقمار لعل الليل يطول
وأحرقتُ مراكبي كي لا نعود
هنا…
نيل وليل
وأنت على ضفاف عيني.
1- مقتبس من العهد القديم، سفر التكوين.
3- العبارة للجنيد البغدادي، كما أوردها الشيخ محي الدين بن عربي في “تاج العارفين”.
*خاص بالموقع