غادة السمان: لبنان.. الرقص على حبل فوق هاوية!

0

أسابيع في بيروت، وانطباعي العام ليس اختراعاً استثنائياً بل يعرفه الجميع، هذا الوطن الحبيب، لبنان، دخل أرض الزلازل والناس قلقة بل وخائفـــــة على المصــــــير.. الشــــاعر اللبناني لامع الحر لخص شعوراً عاماً حين كتب قائلاً: «لا الفرح يتسلل إلى القلوب ولا الحزن البغيـــض يغادرنا كأنه مزروع في خفايا النفوس ليعطيها أوكسيد الكآبة المتفشي في حياتنا اليومية تفشياً مذهلاً».

وطني يصرخ: دعوني أحيا

يحتضن لبنان العطاء كعادته مهرجاناً بعد آخر وتظاهرة بعد أخرى وحرباً أيضاً! هذا «مهرجان بيروت للصورة 2019» الذي نظمته «جمعية مهرجان الصورة – ذاكرة». وهذا معرض «بيكاسو والأسرة» في متحف سرسق، وهذا «مهرجان المسرح الأوروبي» في «مسرح المدينة». إهدن احتضنت المعرض الثاني عشر للكتاب.. أما جزيرة «الزيرة» الصغيرة قرب صيدا فقد جعل منها «جمعية أصدقاء زيرة صيدا» معلماً سياحياً يتيح المجال لرياضة الغطس وسواها، ويبقى ألا يقوم البعض أو الأحداث بتخويف السائح من زيارة لبنان.. فالحرب والسياحة ليستا من العشاق! لكن لبنان كله يريد أن يحيا رغم تخفيض التصنيف الائتماني المصرفي للبنان، والتظاهرات الغاضبة في الشوارع والساحات.

المقاومة الإبداعية: نشاط ضد التخويف

ثمة مهرجانات تكافح لتستمر، وتقول نورا جنبلاط (رئيسة مهرجانات بيت الدين): «أخشى من عدم القدرة على إكمال درب العطاء الذي كان يتصدر المشهد الثقافي اللبناني».
والشيء ذاته ينسحب على مهرجانات بعلبك. أما المسؤولة الثقافية في لجنة مهرجانات جبيل، د. إلهام كلاب بساط، فتقول إن عدم حضور الإخوان العرب من بلدانهم لحضور المهرجانات «له أثر سلبي». وتلك حقيقة، إذ يفقد لبنان صورته كمكان آمن ولحظة فرح، وثمة تظاهرات ستتكاثر ضد الوضع المعيشي والفساد وانخفاض سعر الليرة أمام الدولار. وعلى الرغم من ذلك كله نظل نجد نشاطات متعددة، لا يتسع المجال لتعدادها. ومن الجميل عودة (التلفريك) بين بلدة جونية والتلة التي تعلوها وعليها مزار «سيدة لبنان»، (صورتي مع غسان كنفاني على غلاف كتاب رسائله لي، كانت تمثلنا ونحن نغادر (التلفريك) ذاته قبل أعوام طويلة، إذ توقف عن العمل أيام الحرب طويلاً. هذا كله ناهيك عن مهرجان «أيام فلسطين الثقافية» التي عادت إلى «المسرح الوطني اللبناني» بعد توقف طال، ومعرض «قطعة حرية» من «مؤسسة جبران التويني» وغير ذلك كثير.

الحرية الإعلامية في لبنان: لغم تحاشاه؟

ثمة معركة إعلامية دارت وستدور دائماً في لبنان. وتتلخص مثلاً في طلب رئيس الجامعة اللبنانية البروفيسور فؤاد أيوب شطب وحذف مقالات منشورة في الصحافة وعلى المواقع الإلكترونية.. تتعرض له. أما ردة الفعل على ذلك، فتلخصها كلمات غسان حجار، مدير تحرير جريدة «النهار»، حين كتب يقول حرفياً: «لم يبلغ أي من الطغاة والديكتاتوريين ومخابرات الاحتلال والوصاية ما بلغه رئيس الجامعة اللبنانية فؤاد أيوب من محاولة لقمع الإعلام اللبناني عبر (تبييض صفحته) بالقوة المستندة إلى دعم سياسي يوفر له الغطاء للاستمرار في موقعه. ما يفرضه القانون اللبناني يقضي بنشر الرد المرسل من المعترض تحت عنوان «عملاً بحق الرد»، ولم تحكم محكمة بإزالة كل ما كتب وشطبه وعدم التعرض للشخص المعني. ويضيف غسان حجار: «وإذا كان أيوب نال (براءة) غير موثقة حول التشكيك في شهاداته ـ الجامعية ـ التي لم يبرزها علناً حتى اليوم لإثبات استحقاقه رئاسة الجامعة»، ويؤكد حجار: «هذا يشكل سابقة في لبنان لم يقدم عليها أحد حتى في أزمنة الوصاية والاحتلال. إن الاعتداء على وسائل الاعلام لم يبلغ هذا الحد من التسلط. وكان «مبرراً لكونه صادراً عن ميليشيات الحرب، وليس من جهة أكاديمية تحتل موقعاً رفيعاً».

جريدة «نداء الوطن»… أمام القضاء

كثيرة هي القضايا الخلافية في لبنان، ولكن الإجماع على حرية اللبناني يمثل موقفا وذلك سبب الدعم الإعلامي لجريدة «نداء الوطن»، إذ فجرت المطالبة بكشف الشهادات الجامعية لرئيس الجامعة اللبنانية لغما، فيما يمثل رئيس تحرير «نداء الوطن» ومديرها المسؤول أمام التحقيق في محاولة للضغط على الجريدة الوليدة، جرت أمس محاولة لقمع الإعلام جماعياً، اذ عمد رئيس الجامعة اللبنانية، د. فؤاد أيوب، إلى الطلب عبر القضاء من معظم المؤسسات الإعلامية العاملة في لبنان شطب كل الأخبار والتحقيقات المتناولة وإزالتها عن مواقعها الإلكترونية.

في لبنان الحرية الإعلامية سلك مكهرب!

الوزير والنائب السابق بطرس حرب كتب على حسابه عبر «تويتر»: «ذكّرنا موقف السلطة بإسكات المعارضين والاكتفاء بالمخبرين بسلوك هتلر»، أما النائب السابق لرئيس مجلس النواب، فريد مكاري، فكتب أيضاً على «تويتر»: «إن الادعاء مستهجن»، والصحافي فارس خشان قال: «إن جريمة «نداء الوطن» مخالفتها لتعليمات الأمين العام لحزب الله..».
وباختصار، ما زال في لبنان تظاهرة أبجدية لخط أحمر يجمع عليه كل حامل قلم، هو الحرية الصحـــافية الفكــــرية، ولخص الأمر عوني كعكي، نقـــــيب الصحافة وصاحــب جريــدة «الشرق»، بقوله: «لو كانت للصحافة ميليشيات كما هي حال أصحاب الحصانات الميليشياوية، فهل كان أحد تجرأ على استدعائها؟ إننا نعيش في بلد الحكم فيه لحامل السلاح حتى ولو كان هذا السلاح غير شرعي..! ورحمة بسمعة لبنان هذا البلد الذي يمتاز على جميع بلدان المنطقة بأنه بلد الحرية..»، ويرى أن «الاعتداء على صاحب أي مؤسسة صحافية أو إعلامية… يلغي لبنان ودوره..».
ومن طرفي أجد أن لبنان كان ويظل عاصمة الحرية الإعلامية العربية وبأي ثمن.. وأياً كانت شعارات التظاهرات.

*المصدر: القدس العربي

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here