منذ أشهر والناس جميعا في كوكبنا يعيشون تحت حكم «عزرائيل» آخر إضافي اسمه كورونا، مع الحجر المنزلي، وارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي وغير ذلك، مما خلق مناخا من الاكتئاب في القلب البشري والخوف الخفي كمن يعيش داخل كابوس.
والتلفزيون الفرنسي لم يتجاهل تلك الحقيقة، ولذا صارت قنواته الذكية إعلاميا تعرض أفلاما خفيفة الظل ومضحكة… وهكذا لمع من جديد نجم الممثل الفرنسي الراحل لوي دو فينيس، ولعل الكثير من العرب سمعوا باسمه أو شاهدوا بعض أفلامه وأكثرها شهرة: المغامرة الكبرى (شاهدته في بيروت وقت صدوره) كما أعيد في فرنسا عرض سلسلة أفلام «شرطي سان تروبيه» وهو بطلها الطريف.
وباء الاكتئاب.. والضحك لقاح ضده!
عربيا، لدينا مرادفات فنية مضحكة وخفيفة الظل للأفلام التي يتولى بطولتها لوي دو فينيس.. لكن هل بوسع أي فيلم أو مسرحية عربية هزم الكآبة العامة أمام ما يدور في عالمنا العربي من أحداث سياسية محزنة، كما في لبنان وذلك الانفجار المروع في مينائه، فالحريق والانفجار المالي في اقتصاده وحاجته إلى المعونات مما لا يخفف من غمه ساعة ونصف الساعة أمام فيلم خفيف الظل، هذا إذا لم تكن الكهرباء مقطوعة… لكن على الرغم من ذلك كله، نجد في شخصية لوي دو فينيس كإنسان مناضل ما يبعث الأمل في القلوب، فهو رجل كافح طويلا حتى استطاع ترويض النجاح. وإعادة وباء كورونا إلقاء الضوء عليه مؤخرا جدد شهرته مقدما له خدمة! وقلما قدم هذا الوباء اللعين خدمة لبشري!
لكن القليل من الضحك ينعش قلب الإنسان.
خمسون عاما من الشقاء حتى نجح واشتهر!
لم يولد لوي دو فينيس وفي فمه ملعقة من ذهب الشهرة. كان عليه أن يبدأ من الصفر.
عاما بعد عام، فيلما بعد آخر، استطاع حين صار في الخمسين من العمر أن يحظى بالشهرة… لكنه ظل رب أسرة وفيا لزوجته وأولاده، وحين صار ثريا لنجاح أفلامه اشترى مزرعة وبيتا وعاش حياة هادئة ريفية بين فيلم وآخر.
وهذه المعلومات اطلعت عليها من مجلة «باري ماتش» الباريسية الشهيرة التي نشرت تحقيقا عنه في 6 صفحات، تعرفنا فيها على هذا الفنان الذي أضحكنا في زمن الاكتئاب حين أعيد عرض أفلامه مؤخرا مرات.
وفي نجاحه، بعدما صار في الخمسين من العمر، علامة ضد اليأس في الحياة عامة. لكنه لم يعد حيا ليفرح بذلك.
ثمة أحزان لا فيلم فكاهيا يلهينا عنها
أكثر من ألف مهاجر ركبوا قوارب الحظ هربا إلى أوطان سعيدة آمنة، غرقوا في البحر المتوسط في السنة الماضية، كما جاء في الصحف، ولعل ما يعادلهم أو يفوقهم قد غرق هذه السنة… كم هو محزن أن يترك المرء ويذهب في مركب مشبوه طمعا في الوصول إلى أوطان يعيش فيها كما الآخرين آمنا.
تجارة مراكب الهجرة حيث يتقاضى معظم أصحابها المال سلفا، ويتم ترك المهاجر المسكين ليواجه حظه مع الأمواج وشواطئ الغربة، وبقية الهاربين الحالمين يتم منعهم أحيانا من مغادرة المركب باعتبارهم من المهاجرين غير الشرعيين.
وإذا تم دخولهم إلى البلد الذي يحلمون بالوصول إليه سيتعرض بعضهم لمأساة أخرى على يد سماسرة «الأعضاء البشرية»!
الفقير المهاجر يبيع عافيته مرغما أحيانا!
وسماسرة الأعضاء البشرية يعرفون جيدا مَنْ الذي قد يرضى ببيع أحد أعضائه مثل كليته، مقابل المال، بعد عملية جراحية لا ينجو الكثيرون بحياتهم منها بعدما استطاعوا النجاة من «مركب الحظ» ولم يموتوا غرقا.
ثمة حكايات مروعة في هذا الحقل وبلا هجرة. وثمة مثلا أستاذ جامعي صديق لزوجي عاش حكاية لا تصدق في حقل التبرع بالأعضاء البشرية.
يعيش بإحدى كليتي ابنه الراحل!
إنه صديق عربي للمرحوم زوجي. مرض وصار بحاجة إلى زرع كلية ليستطيع الحياة، وتبرع له أحد أبنائه بكليته.
(وأعترف أن قبوله بذلك قد روعنا) ونفرنا من صداقته، إذ كيف يقبل أب هدية من ابنه الشاب إحدى كليتيه؟ وبعدها بعام قتل الابن الذي وهب والده كلية، وذلك في حادث اصطدام سيارة!!
وكان ذلك مروعا، وتعلمنا درسا في عدم محاكمة الآخرين، فالقدر صاحب ألاعيب لا تخطر ببال، وقال لي زوجي إنه حين ذهب بعد أعوام لزيارة البلد العربي الذي يقيم فيه صديقه الدكتور م.س وقرع الباب لم يعرفه صديقه، فقد كان مصابا بمرض الزهايمر؛ أي فقدان الذاكرة، تراه الإحساس بالذنب أم أن المرض هو المرض؟
وهكذا لم يفتح الدكتور م.س باب حديقة بيته لزوجي لأنه لم يعرفه بسبب مرض الزهايمر، وتساءلنا: هل مرض حزنا على ابنه أم لشعور بالذنب أيضا، لأنه يعيش بكليته؟
لا فيلم مضحكا لفينيس أو قرينه عربيا يلهينا
مآسي الحياة كثيرة، وكورونا من بعضها، وهي لا تستطيع وحدها قتلنا، لكن الاستسلام للكآبة يزيد في فعالية كوفيد 19.
ولذا، أعود إلى لوي دي فينيس، لا بسبب أفلامه الضاحكة التي تنسينا غمنا لساعات، بل للتذكير بأن الاكتئاب لا ينجح في دفع الأمراض عنا، بل يسرق مناعتنا، وقليل من الضحك ينعش قلب المكتئب ويساعد على رفع معنوياتنا لمواجهة حقائق حياتنا..
ولذا، أحب أفلام لوي دي فينيس ومرادفها العربي، وأتمنى إلقاء الأضواء عربيا على الذين نجحوا في إضحاك العرب مسرحيا وسينمائيا وهزيمة الاكتئاب، من القلوب. فكل ما في عالمنا العربي اليوم يدعو للاكتئاب حقا مثل كورونا نفسية!
*القدس العربي