ترجمة حسين جرود
لسوء الحظ، كتبت فيرجينيا وولف في مذكراتها عام 1934: «لا يمكنك حل لغز الكون عند تناول الشاي»، وذلك بعد محادثة مع ويليام بتلر ييتس، الذي أتى إليها بتفسير متأثر بالصوفية لروايتها «الأمواج» ورؤى استثنائية عن «الغَيْبيّ».
«لا الدين ولا العلم يفسران العالم»، أخبرها ييتس، كما سجلت. «السحر والتنجيم يفعل ذلك». ربما كانت وولف، التي تستمتع بالفروق الدقيقة، قد وافقت جزئيًا على تقييم ييتس بأن لا الدين ولا العلم قد غيَّر كل فهمنا للكون، ولكن هذه المؤلفة من جماعة بلومزبري* كانت بلا شك أكثر ميلًا إلى العلم. لم تكتفِ فقط برش مقاطع ساخرة من النقد السام عما عدته خرافة عبر كتاباتها الخاصة والعامة، ولكنها أبدت أيضًا اهتمامًا عميقًا بالتقدم في الفيزياء وعلم الفلك، وأبرزه في نظريتي النسبية الخاصة والعامة لـ ألبرت أينشتاين عامَي 1905 و1915 على التوالي، الذي افترض بنحو أساسي أن الأحداث في الوقت نفسه لا تكون هي نفسها في كل مكان بالنسبة إلى الجميع، ولكنها تعتمد على مسافة الراصد وسرعته (مثلًا، إن الساعة التي تتحرك بسرعة الضوء تبدو أبطأ من ساعة تتحرك بسرعة أقل من ذلك). أحدثت هذه الفكرة غير البديهية ثورة في عالم وولف بعد أن أثبت عالم الفلك آرثر إدينغتون النسبية عام 1919، وهو إنجاز ساعد كليهما على قلب العقيدة العلمية وجذب اهتمام الجمهور العام.
يمكن لقراءة وولف من منظور أينشتاين والنسبية -الفيزيائية أو النظرية المذكورة في «السيدة دالاوي»، و«غرفة تخص المرء وحده»، وفي رسائلها- أن تثري الالتواءات المتصاعدة للوقت والبنية السردية في «إلى المنارة» (التي نُشرت قبل تسعة عقود)، و«أورلاندو»، و«الأمواج»، وقصتها القصيرة «أثر على الحائط»، والعديد من النصوص الأخرى. قد تكون نظرية أينشتاين أثَّرت ببراعة في فلسفة وولف البسيطة -ولكن السامية- للفن والحياة، التي سعت إلى معنى في عالم محموم وغير خطي ومن المحتمل أن يكون ملحدًا. رغبت وولف في كتابة روايات تصور تدفق الحياة الداخلية والخارجية وغرابتها، على النقيض من عمل شخص مثل أرنولد بينيت، الذي وصفته بأنه يخلق شخصيات مثل المنازل التي «ترفض الحياة الإقامة فيها». هذه الفكرة القائلة بأن الحياة ليست بسيطة، وقابلة للتحديد، وخطية (شيء تحدده العقيدة بنحو صارم). ولكن، بدلًا من ذلك، شيء شفاف، بعيد المنال، ونسبي تبعًا للتجربة الفردية، تُلخَّص بوضوح في سطر من «الرواية الحديثة»، إحدى أشهر مقالات وولف. كتبت: «الحياة ليست سلسلة من مصابيح الحفلة مرتبة بنحو متناظر». بالأحرى، «الحياة هالة مضيئة، غلاف شبه شفَّاف يحيط بنا من بداية الوعي حتى النهاية».
رغم أن اهتمام وولف بالعلوم قد حظي ببعض الالتفات النقدي -ومنها «فرجينيا وولف» لهولي هنري و«خطاب العلوم» وفي بعض النصوص حول الحداثة والخطاب العلمي- ما يزال من النادر نسبيًا أن نرى وولف تناقش في هذا السياق. ومع ذلك، يمكن القول إن الأفكار الجديدة لعلوم عصرها تتخلل عملها. لقد قدمت رؤية لعالم في حالة تغير مستمر، حيث قد يغدو الوقت بالنسبة إلي أبطأ منه بالنسبة إليك في لحظة ما، تلك الرؤية التي جرى توصيلها في عصر كان التقدم العلمي يعيد فيه تعريف مفاهيم الوقت نفسه بنحو متكرر، من التطور الثوري للتصوير الفوتوغرافي بإيقاف الحركة (الذي أبطأ الوقت، إنْ جاز التعبير) إلى النسبية، وإعلان إدوين هابل الصادم بأن الكون يتوسَّع، وميكانيكا الكم (التي جعلت الوقت أغرب من أي وقت مضى). هذه الأمور الثلاثة الأخيرة بعد اللورد كلفن، قرب بداية القرن العشرين، قدمت إحدى أكثر التصريحات السابقة لأوانها عبر التاريخ: «لا يمكن اكتشاف شيء في الفيزياء الآن». من المؤكد أن وولف لم تكن عالمة. لكنها ترجمت ما فهمته من اللغات الجديدة للفيزياء -خاصةً لغة أينشتاين- إلى فنها، وأعتقد، إلى فلسفة قدمت رؤية بسيطة -ولكنها مؤثرة- لمعنى الحياة والفن على حد سواء.
كان أينشتاين من المشاهير العلميين. يمكن القول إن شعبيته -في ذروتها- قد طغت على شعبية ستيفن هوكينج اليوم أو الحماس المكرس لمروجي العلم المعاصرين، مثل نيل ديجراس تايسون أو بيل ناي.
بعد أن أثبت إدينجتون نظرية أينشتاين بقياس انحناء ضوء النجوم في أثناء الكسوف، نشأت لدى عامة الناس فورة غير عادية من الفضول حول النسبية، بحيث كان من المتوقع أن يبيع أي شيء كتبه أينشتاين (أو يتعلق به) كثيرًا من النسخ، إن لم يكن يسبب أعمال شغب. لبقية العام بعد إنجاز إدينجتون، كانت صحيفة التايمز اللندنية تنقل مقالات عن أينشتاين ونظريته المميزة يوميًا تقريبًا. يمكن للمرء حتى شراء البضائع النسبية في لندن، متضمنةً الأواني النسبية. يعود جزء من جاذبية أينشتاين إلى الحدس المضاد المذهل للنسبية، ولفترة من الوقت، كانت الصحف مستعدة لدفع رسوم مرتفعة بصورة استثنائية مقابل تفسيرات موجزة وبسيطة. كان هوس الجمهور العام بأينشتاين محمومًا جدًا، حتى أنه عندما كتب أينشتاين عام 1929 ورقة قصيرة لمطبوعة ألمانية، تلقى رسالة معبرة من آرثر إدينجتون، أخبره فيها أنه «قد يكون مسليًا أن تعرف أن أحد متاجرنا الكبرى في لندن (سيلفريدجز) قد نشر على نافذته ورقتك (الصفحات الست التي ألصِقتْ جنبًا إلى جنب)، كي يتمكن المارة من قراءتها بالكامل. حشود كبيرة تتجمع حولها لقراءتها!». في العام التالي، كما سجل هولي هنري، اضطر الحراس في متحف مانهاتن للتاريخ الطبيعي إلى فضّ ما كاد أن يصبح شغبًا عندما سارع أكثر من 4000 شخص لمشاهدة فيلم يُزعم أنه يزيل الغموض عن النسبية.
إن مدى إلمام وولف بعمل أينشتاين غير واضح، بل متناقض. إذ كانت ستصادف عمله من طريق صداقتها مع الفيلسوف برتراند راسل، الذي أصدر عام 1925 شرحًا ساحرًا لنظريات الفيزيائي الألماني «ألف باء النسبية». ومع ذلك، في عام 1938، كتبت وولف: «لم أقرأ أينشتاين؛ لا ينبغي أن أفهم ذلك»، وذلك في رسالة في أكتوبر إلى طالبة الأدب الأمريكية إليزابيث نيلسن (أول من كتب أطروحة عن وولف)، التي زارت المؤلفة للمناقشة، بحسب تعبير وولف: «أينشتاين وتأثيره الدنيوي الإضافي على الخيال». ومع ذلك، في مدخل مذكراتها عام 1926 تصف حفلة لدى الناقد كلايف بيل، كتبت وولف: «أردت، مثل طفل، أن أبقى وأجادل»، رغم أن «المناقشة كان تتجاوز حدودي، فإذا كان أينشتاين محقًا، سنكون قادرين على التنبؤ بحياتنا» (هذا سوء فهم لأينشتاين، ربما يكون مستمدًا من الإفراط في تفسير فكرته عن كون غير محدود ولكنه متناهٍ، حيث تعود جميع حزم الضوء بالنتيجة إلى مصدرها، أو ربما إلى «مفارقة التوأم» سيئة السمعة، حين يمكن لشخص ما أن يتقدم في العمر أبطأ من شخص آخر، بالاقتراب من سرعة الضوء؛ كانت مثل هذه الأخطاء في القراءة التفصيلية شائعة في ذلك الوقت). علاوةً على ذلك، ألصقت وولف إدانة أينشتاين للفاشية في دفتر ملاحظاتها. لذا، إنها قرأت أينشتاين بلا شك. ربما ما كانت تعنيه وولف في رسالتها هو أنها لم تقرأ أوراقه الرسمية. ربما استخلصت وولف بعضًا من فهمها للنسبية من طريق مقالات في الصحف بقلم إدينجتون وعالم الفلك والناشر العلمي جيمس جينز.
قد يبدو دَين وولف لأينشتاين أكثر وضوحًا في روايتها الهزلية «أورلاندو» عام 1928. بدأ الكتاب الذي يحمل اسم أورلاندو، عندما كان صبيًا صغيرًا في عهد إليزابيث الأولى، وبعد ذلك بكثير، استيقظ يومًا ما ليجد نفسه امرأة تعيش في القرن العشرين. بالنسبة إلى بطل وولف، كما هو الحال بالنسبة إلى صديق أورلاندو كثير الانتقاد، نيكولاس غرين، الذي يعيش أيضًا لأكثر من عمر تقليدي، فإن الوقت نسبي؛ يتحرك الوقت أبطأ بكثير بالنسبة إلى أورلاندو وغرين مقارنة بالعالم المحيط بهما. هذا الارتباط بأينشتاين في «أورلاندو» لم يلاحظه أحد إلى حد كبير، رغم أن أحد المراجعين الأوائل اكتشفه: في مراجعة للرواية في صحيفة نيويورك تايمز في 21 أكتوبر 1928 ، كليفلاند ب. ادعى تشيس أن الرواية لم تكن أقل من فحص واعٍ لنسبية أينشتاين، إذ كتب: «أولئك الذين بدؤوا بقراءة أورلاندو، وهم يتوقعون رواية أخرى على غرار «السيدة دالاوي» أو «إلى المنارة» سيسعدهم أو يؤسفهم، أن السيدة وولف قد كسرت التقاليد والأعراف مرة أخرى وشرعت في استكشاف بعد رابع آخر للكتابة. لا يعني ذلك أنها تخلت عن طريقة “تيار الوعي” التي استخدمتها بمثل هذا النجاح الملحوظ في رواياتها السابقة، ولكن مزجتها بما يمكن وصفه -لعدم وجود مصطلح أفضل- بأنه تطبيق لعمل أينشتاين: نظرية النسبية». بدت وولف نفسها غنائية بإشارتها إلى أيقونة معروفة للنسبية الأينشتاينية، وهي ساعات تدق بمعدلات مختلفة، قرب نهاية الرواية:
«بالفعل، لا يمكن إنكار أن أكثر الممارسين نجاحًا لفن الحياة، وغالبًا ما يكونون أشخاصًا غير معروفين بالمناسبة، يبتكرون طريقة ما لمزامنة الستين أو السبعين مرة مختلفة التي تطرق في آنٍ واحد في كل نظام بشري عادي بحيث عندما تضرب إحدى عشرة ضربة، تتناغم بقية الضربات بانسجام، والحاضر ليس اضطرابًا عنيفًا ولا يُنسى تمامًا في الماضي. من بينهم من يمكننا أن نقول بحق إنهم يعيشون بالضبط ثمانية وستين أو اثنين وسبعين عامًا المخصصة لهم والمكتوبة على شاهد القبر. ومن البقية من نعرف أنهم أموات رغم أنهم ساروا بيننا، ومن لم يولدوا بعد رغم مرورهم بأشكال الحياة، وآخرون يبلغون من العمر مئات السنين رغم أنهم يطلقون على أنفسهم ستة وثلاثين عامًا. إن الطول الحقيقي لحياة الشخص، بصرف النظر عما قد يقوله “قاموس السيرة الوطنية”، هو دائمًا موضوع خلاف. لأن “حفظ الوقت” عمل صعب…».
هنا، تؤدي النسبية إلى رؤية فلسفية: يمكن أن نفهم بعضنا بعضًا فهمًا أفضل إذا لم نفترض أن تجربتنا مع الزمن، وثقلنا في الماضي والحاضر، مثل أي شخص آخر، ويمكن أن نكون مسنين في جسدٍ شاب ونحن حديثو السن ظاهريًا، إذ يتدفق هذا الوقت داخلنا جميعًا بصورة مختلفة. (أذكر، أيضًا، التشوهات الزمنية في «رصاصة في الدماغ» للروائي توبياس وولف). بينما يغالي طريق فرجينيا وولف في علم النسبية، ولكنه، مع ذلك، يدرك التجربة بدقة. لقد ترجمت وولف فكرة مربكة في كثير من الأحيان إلى صورة جميلة بخفة البالون.
تخلق «إلى المنارة» أيضًا إحساسًا بالنسبية الملموسة في قسم «الزمن يمر» الشهير. جرى تقليص دور آل رامزي، الذين كانوا محور الرواية سابقًا، إلى موجز مختصر ومحدود. في إحدى الحالات المذهلة، ماتت السيدة رامزي بجملة اعتراضية، وفي حالة أخرى، جرى تفجير أندرو رامزي في أثناء الحرب. في حين أن هذه علامات سريعة خشنة (مُسنَّنة) على مدار الساعة، فإن بقية «الزمن يمر» (التي تصف الجو داخل المنزل شبه الفارغ وخارجه) بطيئة وممدودة. إنه الشعور حرفيًا كأن الوقت يتحرك بنحو مختلف بالنسبة إلى كل من عائلة رامزي ومنزلهم. سواء أكانت وولف قد وضعت أينشتاين في اعتبارها أم لا في أثناء تأليف هذا الانعكاس العنيف الغامض لمنزل مهجور -فقد وصفت «الزمن يمر» في أحد مذكرات عام 1925 بأنه «هذا شيء غير شخصي» تحداها الأصدقاء بجرأة بأن تفعله؛ «مشكلة جديدة» يجب معالجتها من أجل «كسر وحدة التصميم»- فإنه يظل تصويرًا أدبيًا مذهلًا للنسبية. تستخدم وولف أسلوبًا مشابهًا في «أثر على الحائط»، إذ يتساءل الراوي المجهول، عبر الكثير من الالتواءات، ما العلامة الموجودة على الحائط (وهي ذكرى)، إلى أن تقاطع شخصية أخرى أفكارها الشاردة وبنحو غير رسمي ويكشف عن علامة الحلزون. يبدو الأمر كما لو أننا أُجبرنا على الخروج من مسيرة لطيفة لساعة ما نحو السرعة القاسية لإيقاع ساعة أخرى.
في «الأمواج»، أخذت النسبية الهيكلية إلى أقصى الحدود. تؤرخ القطع ذات الخط المائل من الكتاب ببطء يومًا واحدًا من شروق الشمس وهبوطها على الأمواج، بالتناوب بين منظور محلي وعالمي. ومع ذلك، فإن مناجاة الشخصيات الست التي تحدث بين هذه الفواصل الجوية تحدث على مدى سنوات عديدة. تعكس اللغة أيضًا النسبية: مناجاة المتحدثين كلها تستخدم الإملاء المرتفع والخفيف نفسه، ولكنه بسيط عمومًا، في حين أن الفواصل، كأنها في عالم زمني آخر تمامًا، تتحرك باسترخاء محيطي عميق: ضخم وكهفي في الوقت نفسه، ملتوٍ، أفعواني، ومضيء في اليوم التالي. تأخذ «الأمواج» (التي وصفتها وولف وصفًا مشهورًا بأنها «كتاب غامض مجرّد بلا عيون: قصيدة مسرحية») ذلك الإمضاء من الروايات الحداثية -حبكة تحدث على مدار يوم واحد- وتحولها إلى شيء هندسي معماري.
بينما يجادل بعض النقاد بأن تصوير وولف للوقت يظهر تأثير الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون، الذي حظي بشعبية كبيرة قبل مناظرة حاسمة عام 1922 مع أينشتاين، ادعى فيها الفيزيائي أن برجسون فشل في فهم النسبية، وبدأ برجسون بالانزلاق إلى الغموض. نفى ليونارد زوج وولف ذلك: «السيدة وولف لم تقرأ كلمة برجسون». لئلا يشك أحد في أنها قد تكون قد تأثرت بنحو غير مباشر بالفيلسوف الفرنسي، الذي اقترح وقتًا تجريبيًا «داخليًا» يسمى «الديمومة»، لا يمكن قياسه، ويختلف عن وقت الساعة. أضاف ليونارد: «لا أعتقد أنها تأثرت بأدنى حد بأفكار برجسون». وولف نفسُها لم توضح قط، رغم أنها قد تكون على علم بأفكار برجسون التي نوقشت كثيرًا. وبالنسبة إليّ، فإن صورها تولي اهتمامًا أكبر من ذلك للفيزيائي الذي -كما يُزعم- لم تقرأه أبدًا.
إذا أثارت النسبية فضول وولف وأنارت عملها بهدوء، فإن وجهات نظرها حول الدين المنظم كانت أكثر وضوحًا وأقل تقديرًا. تحتوي الكثير من حياة وولف المسجلة (اليوميات، والرسائل، والمنشورات) على ازدراء صريح للدين المنظم والخرافات عمومًا، وهو موقف من شأنه أن يؤثر في فلسفتها للحياة. كان معظم أبطال وولف، مثل مؤلفتهم، ملحدين أو مناهضين للإيمان بالله. «آه، كم أكره الدين»، أخبرت وولف الملحنة إثيل سميث في رسالة عام 1934. في العام السابق، كتبت سميث في مذكراتها أن الدين لدى وولف «ليس له تصور». وبكلمات وولف الخاصة، كان لديها «تحيز ضد الدين». كرهت «ابنة عمها الدينية»، دوروثيا ستيفن، التي سافرت إلى الهند للدراسة، وكتبت بعد ذلك عما سمته وولف «مغالطات بوذا». إي إم فورستر وصفها بأنها «صوفية، سخيفة» (كلمة مزدوجة الإيحاء طبعًا). عندما زعمت دوروثي بريت (أحد معارفها) أن شبح كاثرين مانسفيلد كان يطارد منزل بريت، رصدت وولف بسخط: «هذا ليس علميًا. إنها تأخذ الخرافات القديمة على محمل الجد… هل فعلت ك. م شيئًا يستحق هذه الحياة الرخيصة بعد وفاتها؟».
ومع ذلك، ادخرت وولف شجبها الأكثر سمًا لـ ت. س. إليوت، الذي أثار تحوله إلى الأنجلو كاثوليكية غضب المتشككين في بلومزبري. في رسالة ازدراء طريفة، أعلنت عام 1928 أن إليوت «مات لنا جميعًا منذ هذا اليوم فصاعدًا»، لأنه «أصبح مؤمنًا أنجلو كاثوليكيًا بالله والخلود، ويذهب إلى الكنيسة. لقد صُدمت. تبدو الجثة بالنسبة إليّ أكثر مصداقية مما هو عليه. أعني، يوجد شيء فاحش في شخص حي يجلس بجانب النار ويؤمن بالله». رغم قساوة مثل هذه الأوصاف، كان بإمكان وولف أن تكتب بذكاء أيضًا كيف يمكننا أن نكون أناسًا طيبين ولطيفين، دون الحاجة إلى آلهة. كما قالت في السيدة دالاوي: «اعتقدت [كلاريسا] أنه لا توجد آلهة؛ لا أحد يقع عليه اللوم. ولذا فقد طورت هذا الدين الملحد المتمثل بفعل الخير من أجل الخير».
تأثرت آراؤها بوالدها اللاأدري الشهير، ليزلي ستيفن (الذي صوَّرته بصورة كاريكاتورية: السيد رامزي في «إلى المنارة»)، وهو نفسه نتاج إنجلترا الفيكتورية المنقسمة حين أدى التقدم العلمي -خاصة نظرية التطور- إلى نشوء صراعات مع الأوصاف الكتابية الراسخة منذ فترة طويلة لمكانة البشرية في الكون. أدى هذا التوتر إلى ظهور نصوص أيقونية من هذا العصر، مثل «شاطئ دوفر» لماثيو أرنولد و«في ذكرى A. H. H.» للورد تينيسون. بات العلم (في كل من الماضي والحاضر) مفيدًا، إذ بدا أنه يلقي الضوء على أسئلة غامضة، ويوفِّر -للمتحمسين- أداةً خادعة للشيطان.
بالنسبة إلى وولف، بدا ضوء المعتقدات المؤسسية خافتًا وبريئًا جدًا ومختنق اللهب، بحيث لا يمكن توجيهه خلال غموض الحياة. رغم صورتها النقدية لوالدها، فإن بعض كتاباته حول ما أسماه «لغز الكون المظلم» كانت لها صدى. على النقيض من فلسفته الأكثر مادية، عززت وولف تصوفًا فضفاضًا ترتبط فيه الحياة بالفن، إذ كانت الحدود بين الناس والتجارب قابلة للاختراق. ورغم كل اهتمامها بالعلوم، لم تلتزم حقًا بالعلمية الحازمة. كان عقلها مغلقًا على الدين، ولكنه منفتح على مكان آخر. في رؤية وولف للحياة -التي تعكس التدفق المستمر للغتها- قد يظل الكون لغزًا جاحدًا مظلمًا، ولكن بعض الأبواب المرصعة بالنجوم تظل مواربة، مما يؤدي إلى المدهش والرهيب في مكان ما.
جعلت وولف الحقيقة نفسَها متسامية ومقدسة. بصفتي شخصًا غير مؤمن، فقد رأيت عادةً الصورة النمطية السخيفة القائلة بأن عدم وجود دين يعني عيش حياة بلا ضوء، ومملة، وبلا معنى. تحدت فلسفة حياة وولف ذلك. يُظهر مقطع من مذكراتها عام 1926 -بنحو رائع- تجربة دنيوية للسمو العلماني:
«أرى الجبال في السماء. الغيوم العظيمة. والقمر الذي يطل على بلاد فارس. لدي إحساس رائع ومذهل بشيء ما هناك، ما “هو”؟ ليس الجمال بالضبط ما أعنيه. إنما الشيء في حد ذاته كافٍ: مرضٍ؛ مُتحقِّق. أيضًا إحساس بغرابة نفسي، والمشي على الأرض: من الغرابة اللانهائية لوضعية الإنسان… كثيرًا ما أواجه بوضوح هذا الـ “هو”، ثم أشعر بالراحة تمامًا».
لكن المقطع الذي يوضح هذه الفلسفة بنحو أفضل، بالنسبة إليّ، يظهر في «رسم من الماضي»، عندما تواجه وولف «صدمة» مفاجئة تكشف عن رؤية صوفية للعالم «وراء الزغب القطني للحياة اليومية»، حيث الحياة والفن، فجأة، متساويان:
«من هذا أصل إلى ما يمكن أن أسميه فلسفة. على أية حال، إنها فكرة ثابتة عندي؛ وراء الزغب القطني يوجد نمط مخفي؛ إننا -أعني كل البشر- مرتبطون بهذا؛ العالم كله عمل فني؛ إننا جزء من العمل الفني. هاملت أو رباعية بيتهوفن حقيقة عن هذه الكتلة الهائلة التي نسميها العالم. لكن لا يوجد شكسبير ولا بيتهوفن. بالتأكيد لا إله. نحن الكلمات. نحن الموسيقى. نحن الشيء نفسه. وأرى هذا عندما أصاب بالصدمة».
هنا نوع من «الإلحاد الصوفي»، على حد تعبير جوليا كريستيفا. تجربة متعالية قد لا تحتوي على أي إله، ولكنها تؤكد شيئًا مهيبًا، وكل ذلك: الحياة نفسها، تحولت، ولو لفترة وجيزة، إلى سمة الفن المضيئة والمبجلة. هنا، خلف الزغب، ربما كل الساعات تدق الشيء نفسه.
قد يكون معنى الحياة ببساطة هو العيش، كما يبدو أن وولف تخبرنا… ومع ذلك، يمكن أن يكون هذا عجيبًا بحد ذاته، ويمكن أن يكون منارة جديرة بإرشادنا في ليالي الروح الصاخبة أو الهادئة بنحو غير طبيعي.
______________
* جماعة بلومزبري: مجموعة من الفنانين والكتاب البريطانيين لها أثر بالغ في الأدب والاقتصاد والنقد. ظهرت في بداية القرن العشرين، وكانوا يجتمعون في منطقة وسط لندن تدعى البلومزبري.
*تكوين