عمر قدور: ماذا تعرف عن رامي مخلوف؟

0

ولى زمن التكهنات حول “المعركة” بين بشار الأسد ورامي مخلوف، التكهنات التي أثارها الأخير بمجرد ظهوره على وسائل التواصل كاشفاً عن الخلاف بينهما، وهذا أسلوب غير معهود في الخلافات بين أركان السلطة. من غير المعتاد أيضاً استقرار الخلاف كما هو الحال الآن، فلم ينتهِ بقتل رامي كما تفعل السلطة بمن صاروا عبئاً عليها، ولا بإسكاته عبر الضغط أو بإرغامه على الاعتذار، وبالطبع لم يكن متوقعاً إعلان انشقاق مخلوف على غرار انشقاق عبدالحليم خدام مثلاً.

إذاً، توقف ظهور رامي عن تقديم مادة للتحليل السياسي، إلا أنه لم يتوقف عن جذب الانتباه على وسائل التواصل، مثيراً سخرية المعارضين من دون أن نعرف الصدى الحقيقي لظهوره بين الموالين، إن كان من صدى يُعتدّ به. وهو لا يتوقف عن تقديم المادة المثيرة للسخرية لمن يريد ذلك، إما لأنه لا يراها من موقع أولئك الخصوم، أو لأنه يقدّم نفسه كما هو حقاً فلا يستطيع تمثّل الصورة التي ينبغي أن تكون لمن هم على شاكلته.
 

في ظهوره الأخير، الذي نستعرضه بإيجاز، إستتر الخلاف مع بشار، بينما طغت نبرة التدين التي رافقته منذ أول تسجيل بثّه. الجديد هي النبرة القيامية التي تحدث بها، واصفاً أهوال السنة الفائتة بالعلامات الصغرى، منبّهاً إلى العلامات الكبرى “من زلازل وبراكين وفيضانات وانهيارات مالية ووفيات بأعداد ضخمة” التي إذا حصلت في العام الجديد نكون في عصر الظهور، ظهور المهدي أو نزول المسيح. مستذكراً ما حل بالسوريين بنبرة جديدة، إذ يتحدث عن كلفة عشر سنوات من الحرب بعبارات من نوع “الكل خسران، خسرنا أعز أحبائنا، تشرّد أحلى ناسنا!”، داعياً إلى وحدة السوريين أينما كانوا بالتضرع لله يومياً لمدة أربعين يوماً في توقيت واحد بدءاً من منتصف الشهر.

بقليل من البحث، سنعثر على ما عدّه علامات كبرى ضمن نبوءات مناخيين وفلكيين واقتصاديين وعلماء صحة. لعلها، إن حدثت، تمنحه مصداقية أمام جمهور من البسطاء، إلا أن “استعارته” العلامات من رهط المتنبئين لا تمنع أن يكون مقتنعاً بدلالاتها القيامية. مثل هذا نراه هنا وهناك، شرقاً وغرباً، بمظاهر وجذور متعددة، ولدى أشخاص ناجحين في حيواتهم العملية وربما العلمية، ومخلصين جداً لوعيهم القيامي. وإذا عدنا إلى تدين رامي، ما الذي يمنع أن يكون حقيقياً؟ ماذا نعرف عنه، لنرى تدينه زائفاً؟

باستثناء من كانوا على صلة شخصية برامي، لا معلومات لدى عموم السوريين عن إمبراطور الاقتصاد العائلي الأسدي، لا معرفة لديهم بطباعه، بسلوكه، بثقافته، باستثناء ما يُتوقع منه كإبن سلطة فاسد. وفق المتخيَّل، ينبغي أن يكون ذلك الولد اللاهي العابث، غير المؤمن بالضرورة، وغير المؤهل ليصبح مؤمناً كما يفعل آخرون تصيبهم “الهداية” في وقت ما. وفق المتخيَّل ذاته، لا بد أن يتمتع بدهاء وحنكة ذلك الذي يدير عشرات المليارات من الدولارات، ومن لوازم الحنكة أن يكون متحدثاً ماهراً، إذا لم يكن على معرفة واسعة؛ هو بالضرورة شخص مختلف عن الهيئة الركيكة التي يظهر بها في تسجيلاته.

هناك من يؤكد أن تديّن رامي، أو إظهار تدينه، سابق على الشقاق بينه وبين بشار الأسد. في كل الأحوال، ليس هناك ما يمنع تآزر التدين مع الحس التجاري، وألا يكون صاحبهما منافقاً وفق الصورة النمطية عن تجار الدين. الأهم من ذلك، تلك الركاكة غير المتوقعة من رامي وأمثاله، والتي تثير “مع السخرية” دهشة مكبوتة لدى كثيرين من السوريين، رغم كل ما يقولونه عن فساد السلطة ووحشيتها وانحطاطها. 

لسان حال الدهشة: كيف حكمنا ويحكمنا هؤلاء الركيكون، جامعو مختلف أنواع الرثاثة؟ قد يعزز من الدهشة أن الحديث عن الجيل الثاني من السلطة، الجيل الذي فُتحت أمامه أبواب الحياة على مصراعيها، فأتيح له التعلّم والسفر ومخالطة ثقافات أخرى، على غير المتاح لعموم السوريين ولم يكن متاحاً حتى لجيل الأسدية الأول. بدهشتنا المتكررة، ننسى ما نعرفه جيداً عن الأسدية كسلطة مطلقة، سلطة عاجزة بطبيعتها عن إنتاج رجالات على السوية المتخيّلة عنها.

من النوادر المعروفة أن أحد أبناء عمومة بشار الأسد انتسب إلى كلية الحقوق، لننسَ ما إذا كان يستحق شهادة البكالوريا أم حصل عليها بالقوة، وفور انتسابه وضع لوحة في الشارع تشير إلى مكتبه كمحامٍ، بل راح يمارس المهنة بطريقته وبأعوانه الذين يحصّلون عنوةً الحقوق المزعومة لزبائن المكتب. هل يجرؤ معلم أو مدرس أو بروفيسور جامعي على منح أولاد السلطة علامات الرسوب؟ هل تجرؤ مربية لهؤلاء، إذا وجدت، سوى على مراضاتهم وقبض راتبها مع اتقاء شرورهم؟ وهل آباؤهم أنفسهم كانوا منشغلين بجعل أبنائهم أكثر علماً وثقافة وأدباً؟ أم كانوا متلهفين ليأخذوا مكاناً في السلطة؟ أو لينافسوا أقرانهم من أبناء المسؤولين الآخرين على المناصب؟

حتى في الجيل الأول، ما الذي يعرفه السوريون عن رفعت أو جميل الأسد “أعمام بشار”، سوى الركاكة والرثاثة مع التأهب للبطش لدى الأول والتأهب للسطو لدى الثاني؟ ما الذي يعرفونه عن شخصيات مثل علي حيدر وعلي دوبا وشفيق فياض وصولاً إلى آصف شوكت وماهر الأسد، باستثناء ما ينطوي عليه كل منهم من وحشية؟ إن ما نعرفه، وما لا نعرفه، عن أركان الأسدية يصب في المنحى الذي يبدو مدهشاً في ركاكته ورثاثته، من دون أن نبخس هؤلاء الأشخاص “حدسهم” إزاء سلطتهم وما يتهددها، الحدس المدرّب كما تُدرَّب الكلاب البوليسية.

في وسعنا الجزم بعملية اصطفاء معكوسة تقوم بها آليات السلطة المطلقة، بحيث تكون عاجزة سوى عن اتخاذ هذا المسار المواكب لطبيعتها. ركاكة رامي مخلوف المثيرة للسخرية هي “على سبيل المثال ليس إلا” صورة ابن عمته بشار، إذا جردناه من عشرات المستشارين، بل رغماً عن وجودهم أحياناً. لا يضير الأسدية أن يدهش ابتذالها بعض الخصوم، فهذه أصالتها من جهة، ومن جهة أخرى هذا ما يتفاخر به حُماتها وهم يتنافسون في إبراز قابليتها للسقوط لولا مجيئهم.

*المدن