علي لفتة سعيد: ما بين الكُتاب ودور النشر.. علاقة مأزومة تفتقد الثقة

0

لا تبدو العلاقة جيدة في ظاهرها ما بين الكاتب أو الأديب ودار النشر. فكثيرا ما نسمع شكوى من الطرفين، من أن الدار لا تهتم بالجودة أو الالتزام بالجدول الزمني بقدر اهتمامها بالربح على حساب الإبداع وأنها تستنزف الأديب وتعطيه نسخا قليلة مقابل مئات الدولارات.
ويكاد يتفق الكتاب في مشرق الوطن العربي ومغربه، على أن المؤلف مغبون من قبل أصحاب دور النشر، وأن الكثير منهم لم يتحصل على حقوقه أو أن العقود التي يوقعونها عبارة عن حبر على ورق. إلا أن أكثر دور النشر ــ تهرّب العديد من أصحاب دور النشر من المشاركة في الاستطلاع ــ تؤكد حرصها على تقديم كتاب جيد بمواصفات تليق بالمنجز الثقافي، بدون أن تنسى أنها تبحث عن الربح على اعتبار أن العمل لا يخلو من كونه تجاريا أيضا.
فما هي أسباب توتر العلاقة بين الكاتب ودار النشر؟ وكيف السبيل إلى تذليلها إن أمكن؟ نستعرض في هذا الاستطلاع آراء بعض من الكتاب وأصحاب دور النشر..

حيل ومكر

يقول الروائي وكاتب السيناريو العراقي شوقي كريم، إن تجربة وجود دور نشر في العراق، تعد من التجارب الحديثة والمتعثرة أيضا، لأن رأس المال العراقي لا يثق كثيرا بالمنتج الثقافي بعمومة، لهذا غاب تماما في الحقول الجمالية مثل السينما والمسرح والفنون التشكيلية، ولأنه هكذا ظلّ الكاتب العراقي يعتمد على مصادر ترويجية عربية، وفي مدينتين مهتمتين ثقافيا وتجيدان صناعة الكتاب هما بيروت والقاهرة، مع فرصة استغلال واضحة. هذه الدور لم تدفع مستحقات الكاتب مهما كان الكتاب مهماً ومروجا له. وأن مرحلة الثمانينيات من القرن الماضي أغلقت الأبواب تماما أمام المنتج الثقافي العراقي، فاضطر إلى الحفاظ على وجوده داخليا، فظهرت إلى العيان تجربة الاستنساخ المحدود والخارج عن مواصفات الطباعة التسويقية، كما غابت الدار الوطنية التي كانت حلقة مهمة بالترويج لهذا المطبوع، حيث ابتكرت فكرة التبادل والتوزيع على الآجل، وهذا ما سمح للمطبوع العراقي بتجاوز حدود محليته والانتشار عربيا، خاصة مطبوعات وزارة الثقافة. ومع الحصار بدأت تجارب عرجاء خجلة للناشر العراقي، ولكن هذا الناشر نقل بكامل حيلته كل أمراض الناشر اللبناني من حيث غمط حق المؤلف، واتخاذ كل تدابير الحيلة والمكر، مع فرض شروط أهمها قلة أعداد المطبوع ومحدودية توزيعه. ولم نجد ناشراً عراقياً يوزع ولو بنسخ محدودة في المغرب العربي مثلا. فالحيلة والمكر والاستغلال هما شعار الناشر العراقي. ويؤكد أن الحاجة ماسة إلى رأس مال ثقافي جريء وعارف بآليات التسويق والصناعة، والتخلص تماما من روح النفعية واللصوصية التي همشت الكثير من الناشرين وأبعدت الكتاب عنهم.

أشبه بسياسات بلدانها

فيما تقول الروائية التونسية حياة الرايس.. شخصيا لي عدة تجارب متنوعة مع دور نشر متعددة ما بين تونس والقاهرة وبغداد وعمّان وبيروت، والمشاكل نفسها تقريبا وتوضح أن أهم مشكلة هي معضله التوزيع الكتاب العربي لا يوزع توزيعا جيدا في كل البلدان العربية ناهيك عن توزيعه في كافة انحاء العالم وأن بعض دور النشر تأخذ على عاتقها مهمة التوزيع، ولكن لا تحقق الغرض وهناك شركات توزيع وهي قليلة لا تفي بالغرض أيضا. وتضيف أن الكتاب الذي يصدر في تونس لا يصل بسرعة إلى الجزائر مثلا، أو قد لا يصل بتاتا إلا بجهود فردية، فما بالك بوصوله إلى المشرق والعكس صحيح، وحتى في البلد الواحد، الكتاب لا يسمح بتوزيعه في كامل البلاد مثلا، والمعارض لا تحل أزمة التوزيع فتلك تتطلب آليات أخرى، ومراجعة لتقنيات النشر في علاقة بالرقمية التي تكتسح العالم الآن، فما لم تدخل صناعة الكتاب في عجلة التنمية الاقتصادية في أي بلاد عربية، فإن القطاع يبقى فوضويا ومتخلفا وعرضة للنهب والسلب، لأن عملية طبع الكتاب ونشره وتوزيعه، هي عملية تجارية بالأساس ثم ثقافية بالنسبة لبعض الناشرين. كما أنها مسألة سياسية أيضا تتعلق بالسياسات الثقافية وبأولوية أهمية القطاع بالنسبة للدولة وجديتها في نشر العلم والمعرفة والتوعية، لأن هناك دولا تعتمد سياسة تهميش الكتاب والثقافة والتجهيل المنظم والمبرمج، لذلك يكفي أن يكون لك مال لتطبع كتابا مهما كان مستواه، وفي غياب لجان التصحيح والاختيار الرفيع المستوى، ومن المستحيل متابعة دور النشر في تصريحها الحقيقي بعدد السّحب ــ النسخ المُباعة ــ وبعضها لم تعد تعلن عن كمية السحب تماما، وأخرى تعيد الطبع من غير إذن المؤلف في فوضى عارمة ولصوصية خفيّة، وصولاً إلى أن بعض دور النشر تريد أن تتقاسم مع الكاتب عائدات الجوائز المالية مناصفة. ورغم ذلك هناك دور عريقة وجادة مازالت تؤمن برسالتها الثقافية، ومازالت تقاوم وتناضل من أجل الكتاب، لأن تكاليف الطباعة والنشر والورق والتوزيع المادية في تصاعد مستمر.

احتكار الكاتب والكتاب

الروائية المصرية علياء هيـكل تقول من جهتها إن العلاقة بين الناشر والمؤلف هي علاقة من المفترض أن تتميز بالانسجام والتفاهم والثقة، كونها علاقة تبادلية في المقام الأول، فالمؤلف يكتب والناشر يقدم العمل للقارئ على أن يستفيد الطرفان مادياً ومعنوياً وأدبياً. وتعتقد هيكل أن من الأسباب التي تقف وراء توتر العلاقة بين المؤلف والناشر هي غياب الدور الرقابي لمؤسسات الثقافة الرسمية، التي من واجبها وضع القواعد والأسس التي يسير على نهجها كلا الطرفين، فيحصل كل منهما على حقوقه ويقدم في المقابل ما عليه تجاه الآخر. فمن المشاكل التي تواجه المؤلف مثلاً، إقدام بعض دور النشر على احتكار الكاتب وإنتاجه، بدون أن يقدّم للمؤلف ما يتناسب مع حجم وقيمة أعماله مادياً ومعنوياً، علاوة على عدم التسويق الجيد وعمل الدعاية الواجبة للعمل طوال فترة توزيعه، ما يؤدي إلى ضعف الإقبال في أحيان كثيرة على شرائه، رغم أننا قد نجد هناك أعمالا أخرى قد تكون أقل في المستوى الأدبي، لكنها تلقى الرعاية والدعاية والتسويق الجيد، فتحقق مبيعات ضخمة لا تستحقها على أرض الواقع. وترى هيكل نقطة أخرى ألا وهي الشفافية، من حيث اطلاع المؤلف على نسب التوزيع الحقيقة والعائد من أرباح البيع، فهناك خلل ملموس في هذا الجانب حيث أنه من الصعوبة على المؤلف أن يستطيع التأكد من صحة البيانات المقدمة له في أغلب الأحيان. وهنا نستطيع أن نقول إن العامل الأكبر يقع على عاتق الناشر، فهو الذي من المفترض أن يسعى إلى الكاتب وأن يقدم له الرعاية الأدبية والاحتفاء بمنتجه الأدبي بالشكل اللائق وبالتالي وضع الكاتب في المكانة اللائقة به أدبياً ومعنوياً.

أوكار استخباراتية

بدر السويطي مدير عام دار الدراويش للنشر والترجمة في بلغاريا يقول، إنه في ظل غياب المؤسسات الثقافية وقوانين حماية حقوق الناشر والمؤلف على حد سواء، يكون المشهد ضبابيا وغير واضح المعالم، بمعنى أن البنى الأساسية للعلاقة بين الطرفين تكاد تكون منعدمة، ويعتقد أنه لابد من الحديث بكل صراحة ووضوح ما هي دور النشر، وما هي مشاريعها ومن يدعمها وما سبب تعاقد المؤلف مع هذه الدور؟ في المقابل نحن أمام أمزجة متعددة من المؤلفين ليس بالضرورة كل ما يشكو منه المؤلف هو دقيق وجديذ، هنالك حبال شائكة تتداخل بتعقيداتها في تعاملات يشوبها الغموض، برأيي الشخصي، ومن خلال تجاربي المريرة مع بعض دور النشر العربية، أكاد أجزم أن غالبية دور النشر العربية هي عبارة عن دكاكين تجارية، ليس لديها أي مشروع ثقافي أو معرفي، ويعتد السيوطي أنها أشبه ما تكون بأوكار استخباراتية لبلدان عربية تحت مسمى هيكل بائس وهو اتحاد الناشرين العرب، ويرى أن هذا الأمر بطبيعة الحال له آثار كارثية على المشهد الثقافي بشكل عام، ولا أقلل هنا من أهمية الربح المادي في منظومة النشر دعما للاستمرارية وديمومة العمل، إلا أن العلاقة ستبقى مريبة وتشوبها الشوائب بين الناشر والمؤلف في بلدان تفتقر لقوانين صارمة للنشر، وحقوق الملكية الفكرية. ويمضي بقوله إن ما نسعى إليه هو العمل على تغيير هذا الوضع المزري، وبناء علاقة ثقة متبادلة بين المؤلف والناشر، ضمن حفظ كامل الحقوق المادية والمعنوية للطرفين، في إطار قانوني وأخلاقي يلزم الجميع بالانصياع لبنوده و تفاصيله كما هو الحال في الغرب.

تبادل منفعة

رباب فؤاد الشهوي مديرة دار الفؤاد المصرية تعتقد أن العلاقة هي علاقة تبادل منفعة، ما بين الكاتب والناشر، كلاهما بحاجة إلى الآخر ليستفيد مما لديه ويحقق أكبر منفعة ممكنة. فالكاتب بحاجة إلى طباعة جيدة، وتسويق جاد ينقله من خانة الكاتب المغمور إلى خانة الكاتب المعروف نسبيا على أقل تقدير، والذي يتطلع القراء لمعرفة جديده، لكنه يغفل أهمية التعاون مع ناشره وتنفيذ ما يُطلب منه، سواء حفلات توقيع أو ندوات لمناقشة عمله أو متابعة الحملة الدعائية المخصصة لعمله. وترى أن الناشر إلى جانب التزاماته المادية والأدبية العديدة هو مطالب بالتوازن بين الجودة الأدبية والفنية للعمل مع سعر المنتج النهائي والربح المادي المعقول، الذي يتيح له الاستمرار في مهنة النشر، فالمشكلة تحدث حينما يتقاعس أحد الطرفين عن دوره، فلا يهتم الناشر بالدعاية والتوزيع والجودة، أو لا يهتم الكاتب بمتابعة الدعاية على صفحته الخاصة وتعبر عن اعتقادها أنه إذا اعتمدت كل دار نشر على خطة واضحة لتسويق وتوزيع أعمالها والتزم الكاتب بدوره فيها سيكون الأمر مفيدا لجميع الأطراف.

الثقة المتبادلة

فيما تختصر رنا حايك مديرة التحرير في دار هاشيت انطوان اللبنانية قولها، إن العلاقة بين الكاتب ودار النشر، رغم كل العقود التي توقّع والالتزامات التي يتعهد بها الطرفان، تقوم في المقام الأول على الثقة. فالكتّاب يشتكون من قلة الشفافية، فيما يتعلق بحقوقهم عن المبيع، ومن سوء توزيع كتبهم في بعض الحالات، ولذا يجب الحفاظ على علاقة شفافة قوامها احترام الكاتب ومنتجه الأدبي، على كافة الأصعدة المعنوية منها والمادية. بمجرّد أن تحلّ الثقة بين الطرفين وأن يتصرف كل طرف بما يراعي مصالح الآخر، لا يعود هناك مجال للتوتر في العلاقة، بل يكون تعاون وتنسيق وشراكة مبنية على أرضية صلبة.

  • المصدر: القدس العربي

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here