علي سفر: فيلم عيران ريكليس: عنكبوت في الشبكة.. تواضع الرؤى وغياب للجماليات

0

متأخِّراً، شاهدت على شبكة “نتفليكس” الفيلم الأخير للإسرائيلي عيران ريكليس، (Spider in the Web عنكبوت في الشبكة)، والذي تم إنتاجه في عام 2019.

كنت مهتماً في وقت ما بتجربة هذا المخرج، من زاوية تأمُّل معالجاته لشؤون السوريين في الجولان السوري المحتل كما في فيلم (The Syrian Bride العروس السورية) (2004)، وكذلك للشؤون الفلسطينية في غير فيلم من تجاربه مثل أفلام (Lemon Tree شجرة الليمون) (2008) و(Zaytoun زيتون) (2012) وغيرها، وأظن أن أهمية ما تقترحه علينا هذه المعالجات، يكمن في عرضها لوجهة نظر شريحة من شرائح المجتمع الإسرائيلي، حيال قضايا ملحّة بالنسبة لنا، كالتفكير بالأرض المسلوبة، وبالحقوق المشروعة للواقعين تحت الاحتلال، وبالسلام.

مشاهدة هذه الأفلام مفيدة جداً، فهي “وثائق” تستحق الدراسة، في مجال البحث عن صورتنا في السينما، وعلى الأخص تلك التي تمولها مؤسسات إسرائيلية رسمية، ليس من الزاوية الاستهلاكية، التي تتحيز لرواية الدولة الإسرائيلية، وتحاول تورية وجهة النظر الرسمية بتصوير العرب دون تشوُّهات فاقعة، لتكسب من الجمهور اعترافاً بالموضوعية، كما في مسلسل فوضى! بل من زاوية أكثر تأنٍّ في المعالجة، وبكثير من الشغل لجعل الشخصية الفلسطينية أو السورية جزءاً من سياق تظهر فيه فاعلة، وغير مسلوبة الإرادة، مع محاولة لطرح أسئلة أكثر جرأة لجهة الحقوق، ومواجهة نمط محدد من سياسة الدولة الصهيونية، ولا سيما ذاك الذي يكرس الاستيطان، والتمييز، وبناء الجدار العازل، الذي يسجن الفلسطينيين على أراضيهم.

الفيلم الأخير، بعيدٌ فعلياً عن هذه الثيمات التي لفتت الأنظار إلى تجربة ريكليس، فهو يدور في مغطس أفلام التجسُّس والمخابرات، وهو قريب بشكل أو بآخر من الفيلم الذي سبقه وحمل عنوان (Shelter المأوى) (2017)، الذي حكى عن محاولة الموساد حماية عميلة لبنانية هاربة من قبضة حزب الله، قام بإيوائها في شقة برلينية.

فبينما تتخذ الحكاية في ذاك الفيلم بُعداً إنسانياً محدوداً تجاه الحفاظ على حياة الشخص المفيد، يذهب ريكليس في هذا الفيلم نحو قضية مرتبطة بالوضع السوري الراهن، متخذاً من جريمة استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي في مجزرة الغوطة 2013، عنواناً لمحاولة الجهاز الأمني الإسرائيلي “حماية الإنسانية”، عَبْر كشف الوسائل والشركاء الذين أتاحوا للأسد تطوير ترسانته من هذا السلاح المحرم دولياً.

وبناء على وجود عميل سوري (الضابط نادر) يقدم للإسرائيليين المعلومات التي يريدونها، ويتعرض للخطف في بلجيكا، يحاول الضابط أدريث (بن كنغسلي) الذي جنَّده كشف ما يجري، ومتابعة البحث عما يثبت حقيقة استمرار النظام في تطوير سلاحه الكيماوي، على عكس ما يصرح به رأسه ويعلنه في الإعلام.

لكن العوائق التي تظهر أمامه ومنها أنه قد فقَدَ مصداقيته أمام رؤسائه، تكتمل مع وقوعه في حب الطبيبة أنجيلا كوروني (مونيكا بيلوتشي) التي تساعد النظام في عمله. وفي فوضى صراع بين أجهزة المخابرات السورية والإسرائيلية والبلجيكية، سيكتشف عميل الموساد الشاب المكلف بمراقبة صديق والده دانيال (إيتاي تيران) أنه كان صادقاً وحريصاً على إتمام المهمة قبل أن يقع ضحية الخداع، من قِبل ضابط بلجيكي مخادع، يقدم الخدمات للمخابرات السورية.

سيناريو هذا الفيلم الذي شارك في كتابته اثنان من الكُتّاب هما جيدون مارون وإيمانويل نكاش، يبدو لجهة تفاصيله العامة قابلاً للتصديق، خاصة أن جرائم النظام تجعله يلبس كل الاتهامات، حتى تلك التي تُصاغ على عجل، وتصنع بأدوات ساذجة، ويمكن أن يؤدي حيثياتها سينمائياً ممثلون جيدون.

لكن تدقيق المُشاهِد في ما يراه على الشاشة، ولا سيما في تلك المبالغات التي تُصنع لإيهامه بأن ثَمة حدثاً كبيراً سيجري، وأن ثَمة قضية خطيرة ستتم معالجتها، بينما تأتي المحصلة هزيلةً، مبتسرة، تفتقد للسياق المنطقي، وينقصها الكثير من تَبْيِئَةِ الشخصيات، ضِمن محيطها، بالشكل المطلوب للإقناع، سيؤدي إلى خيبة أمل في الفيلم وممثليه ومخرجه في المحصلة.

يشعر المشاهد وهو يرى المشاهد الهزيلة لصراعات الأجهزة الأمنية المتصارعة، أو التي تحاول السيطرة، بأن كل شيء سهل أمام ضباطها وعناصرها، وأن البلاد التي يتحركون فيها لم تُخلَق إلا من أجل أن ينفذوا عملياتهم فيها، وفي هذا المسار، لن يكون الممثلون بحاجة لبذل الجهد حتى لأداء شخصياتهم بشكل مقنع، إذ ثَمة ما يستندون له في حضورهم أمام الكاميرا، هو ثقة المنتجين وكذلك المخرج في أن الثيمة التي يشتغلون عليها تكفل لهم أن يحققوا النجاح والحضور المطلوبين!

تقديم السوريين بوصفهم ضحايا للنظام، وللخداع من قِبل جهاز أمن غربي، ورسم صورة صداقة وحب بين الشخصيات الإسرائيلية، وبين السوريين المتعاونين معهم، أو أولئك الذين وقعوا في الشرك ولم ينقذهم الحب و”النوم مع العدو”، لا يبدو خياراً مقنعاً في هذه الآونة، خاصة أن الحبكة التي تستند عليها حكاية الفيلم تبدو فاشلة، مليئة بالمواقف المفتعلة، رغم وجود إشارة تقول بأن الفيلم يستند على قصة حقيقية!

كما أن السياق الإخراجي بدا مستعجلاً، متواضعاً، غابت عنه الجماليات التي اعتاد مُشاهِد أفلام ريكليس أن يراها عَبْر عدسته، وفي الوقت نفسه بدا اشتغاله على مشاهد الحركة اللازمة في هذا النمط من الأفلام، بسيطاً، أولياً، فاقداً للحرفة وبلا إمتاع.

*نداء بوست