لا يبدو أن المؤسسات الطبية المحلية، وكذلك العالمية، مطمئنة إلى أنها مستعدة لمواجهة الأنواع المتحورة الجديدة من فيروس كورونا، نعم، أتحدث عن أنواع جديدة، وليس نوعا واحدا، وأنت عزيزي القارئ لم تقرأ الكلمة خطأ!
إذ إن الأيام الماضية حملت لنا أخباراً عن ثلاثة منها، لسنا بحاجة لذكر أسمائها العلمية، التي لن يذكرها الخائفون من وجودها، وإمكانية ولادة أنواع أخرى مثلها، فنكتفي باستخدام التسمية حسب مكان اكتشافها، وانتشارها، فنقول إنها: بريطاني وآخران جنوب أفريقي وياباني!
أساس ما نتكلم عنه حمله لنا قبل أيام تصريح، نسب إلى كبيرة علماء منظمة الصحة العالمية، الدكتورة سوميا سواميناثان، قالت فيه: “إن سبب القلق بشأن السلالتين المتغيرتين الأخيرتين من فيروس كورونا يرجع إلى كونهما أكثر ميلاً للانتشار بشكل أسرع، وبالتالي فإنها أكثر قابلية للانتقال ونشر العدوى”.
ومع تركيزنا على عبارات مثل “أكثر ميلاً”، و”أكثر قابلية” نسأل ودون اللجوء للمجازات في اللغة العلمية، وكذلك اللغة الصحفية؛ هل ثمة عقل للفيروس؟! وهل يمتلك بالتالي أحاسيسَ وميولاً، تدفعه للعمل، وفق هذا الشكل أو ذاك؟!
أم أن ثمة خضاب مضمر لدى علماء المنظمة العالمية، يمنح القدرة والذكاء والقوة للفيروس، فيجعل منه صاحب القول الأخير فيما يحدث على الأرض، وقد يظهر في توصيفاته التي تم تداولها منذ البداية، والتي بنيت على معلومات كثيرة غير صحيحة ومضللة، أن هناك من فتح مغارة كبرى في الهواء فوق رأس أي إنسان، وأسكن فيها غولاً، يمكن له وحال استيقاظه في صباحه هو، وليس صباح البشري المسكين المرتعد من الخوف، أن يمد يده إلى رئتي الإنسان، لينشر فيها ما يحمله من جراثيم وأوبئة!
فعلياً، وكما تحدث الأطباء منذ البداية أيضاً، كانت الطريقة الأفضل لمواجهة الفيروس هي اتباع إجراءات يجب أن يلتزم بها الناس، كالنظافة والتقليل من الاختلاط، في سياق استراتيجية مشتركة مع الحكومات وبالتعاون مع المؤسسات الدولية ومراكز الأبحاث، تستهدف تقليل عدد الخسائر، بينما يتم العمل على إنتاج اللقاح، الذي يقي البشر الموت بعد الإصابة!
رمي كل شيء في القصة إلى أفعال الناس وتصرفاتهم، وكما يوحي خطاب كبيرة علماء منظمة الصحة العالمية، والذي يظهرهم مصابين بالغباء مقابل ذكاء الفيروس، وعاجزين وضعفاء أمام قوته وقدرته، محتالين لا ينصاعون للتعليمات!
يبدو لكثير من المتابعين على أنه تواطؤ من نوع ما، بين المنظمة العالمية وبين الحكومات! فهو لا يبرز دورها في السياق، ولا يكشف عن المبررات التي جعلتها تتجاوز التحذيرات، وتذهب باتجاه فتح الحياة العامة بعد الإغلاق الكامل في الموجة الأولى، والجزئي في الموجة الثانية!
ما أدى ومازال يؤدي إلى اتساع الخسائر البشرية، رغم أن الجميع كان يتنفس الصعداء قبل فترة وجيزة مع البدء بعمليات التلقيح في عدد كبير من البلدان!
الملفت حقاً، ضمن سياق قراءة التغطيات الإعلامية الخاصة بفيروس كورونا، في فرنسا، على سبيل المثال لا الحصر، والتي يشترك فيها الأطباء والمسؤولون الحكوميون والاقتصاديون، على حد سواء، أن ثمة تراجع كبيرة في حرص الفاعلين على حيوات البشر، واقتصار النقاش أولاً، على الأزمة الاقتصادية التي يسببها وبشكل غير مقنع إغلاق قطاعات مهنية كالمطاعم والمقاهي، وغيرها. رغم أن إبقاء العملية التدريسية مستمرة في المدارس والثانويات، وكذلك ترك عدد كبير من المؤسسات الحكومية تعمل، وإن بفعالية أقل من المعتاد، يشكلان بوابتين للنفاذ إلى بيئة تساعد على انتشار الفيروس.
وثانياً، على البحث عن أفضل أنواع اللقاحات وأسعارها، بما يمثله ذلك من نقاش حول الشركات المصنعة، بينما غابت وبشكل مريع التقارير التي تصور عمل الكوادر الطبية، والأخطار المحتملة الوقوع، في سياق عملهم، كما اختفت أيضاً الأفعال الإنسانية، التي كانت تقرب ما بينهم وبين البشر المحجورين في بيوتهم (كالتحيات المسائية من على الشرفات)!
وطبعاً، في مثل هذا الفضاء لن يكون المرضى في بيوتهم، وأولئك الراقدون تحت المنافس، في المستشفيات، وأيضاً الموتى، سوى أرقام، تنقلها لنا تطبيقات التتبع اليومي المخصصة، وهي تخبرنا أننا ولحسن الحظ لم نلتق في يومنا السابق، أو بالأحرى، لم نقترب من أحد ما، أصابه الفيروس، وصرح طوعاً بإصابته!
فإذا كان هذا ما يحدث في العالم المتقدم طبياً، واقتصادياً وإدارياً، فما الذي يمكن أن ترويه الأخبار عما يحدث في البلدان المتأخرة، في هذه المجالات، أو تلك المنكوبة بأنظمتها، مثل سوريا، التي تتكتم مؤسساتها الصحية على عدد الإصابات فيها، فلا يجد الصحفيون طريقة لمعرفة الحقيقة سوى الاشتراك بصفحات الوفيات على شبكات التواصل الاجتماعي، ليخمنوا بعد المراقبة والتدقيق أعداد من يرحلون يومياً، بسبب الاستهتار والتراخي، وتخلي الدولة عن مسؤولياتها، ورمي كل الأسباب والنتائج، وكلفتها كلها على عاتق المواطن الذي سحقته الحرب، بالتوازي مع الدمار والنكبة المستمرة منذ عقود على يد النظام!
*تلفزيون سوريا