أطرف ما مر على السوريين خلال الأيام الماضي بلاشك، هو ذلك الفيديو الذي رأينا فيها وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك التابع للنظام عمرو سالم، يعلن فيه أنهم يشاركون الروس خبراتهم في مجال البطاقة الذكية، وأن ألمانيا وفرنسا، ستقومان باعتماد هذه البطاقة في ظل ارتفاع الأسعار وفقدان المواد التموينية!
للحظة، يظن المرء بأن ثقة الوزير بما يقول أمام الكاميرات، تعني فعلياً وجود شيء كهذا، لكنه سيتذكر أن تقدم هذه البلاد في مجال الأتمتتة، قديم، وأنها لو أرادت فعل شيء مماثل، فإنها بالتأكيد لن تتبع الأسلوب السوري في توزيع المواد المقننة، وهي قبل كل هذا، لا تحتاج للتقنين، إذ لم تصل تأثيرات الحرب الروسية على أوكرانيا، إلى هذا المستوى، لا من ناحية ارتفاع الأسعار (ظهر عمرو سالم سعيداً بحصوله)، ولا من ناحية اختفاء المواد التموينية!
لكن الطامة الكبرى التي وقع فيها الوزير الشامت السعيد، جاءت من كون المصدر الذي استقى منه أخباره، كان صحيفة سورية عربية تصدر في ألمانيا اسمها (أمل برلين)، تحدثت، وعلى سبيل الطرفة عن أن تجربة البطاقة الذكية سيتم اعتمادها في ألمانيا! ولم تنس أن تعايد القراء في نهاية الخبر بذكرى الأول من نيسان المعتمد كعيدٍ للكذب!
عمرو سالم الذي قدم نفسه ذات يوم خبيراً معتمداً في المعلوماتية، عمل في شركة ميكروسوفت، كشف وجوده في موقعه الوزاري الحالي، عن مستواه الذهني المتردي، في مناسبات عديدة، لكن هذه الواقعة ولاسيما في جزئها المرتبط بتصديقه لنفسه، واعتماده الوقائع الكاذبة الساخرة مصدراً للزهو والفخار، تبدو وكأنها واسطة العقد في تاريخه المهني الرديء! فهي من جهة تقدمه معتداً بمنجزاته، ومن جهة ثانية تظهره سعيداً بواقعة وهمية غير قابلة للتصديق، وهي متعلقة بتطبيقات المعلوماتية، أي اختصاصه الأصلي.
هنا، وبعيداً عن الطريقة التي يقدم بها الوزير نفسه للجمهور، والملامح الغبية التي ظهرت على محياه وهي يتحدث عن البطاقة الذكية، يسأل المرء نفسه، أيعقل أن يفكر سوريون يعيشون في بداية العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين، بأنهم سيصدرون لدول العالم المتفوقة عليهم سنوات وسنوات في المجالات التقنية، وفي أساليب الإدارة، وأدوات الطوارئ ومعالجة الأزمات، أسوأ ما تم صنعه في تاريخ سورية الحديث، من تقنيات إذلال السوريين؟!
الأمر يشبه أن يصدّر النظام السوري إلى هذه الدول المساعد أبو علي حيدرة جوية، كخبير في التحقيق الجنائي، أو كعالم في التحليل النفسي يقدم خدماته في جلسات استجواب المجرمين!!
مشكلة الأسديين أنهم ليسوا فقط منعزلين عن العالم منذ عقد، لا يعرفون ما يجري به، بل إنهم أيضاً ولأسباب بنيوية تكوينية، لا يملكون حواساً تدلهم على حدود المنطق، وعلى مراتب المعقولية! فهم يظنون أن ما يعيشونه يمكن أن يتكرر في بلدان أخرى، ولا يدركون بأن النظام الذي يؤيدونه ويسبحون بحمده، قد خسف بكل أحوالهم، وجعلهم خلف كل أمم الأرض!
وهم بالإضافة إلى ماسبق، لا يميزون بين ماهو المفيد وما هو الضار! فيذكروننا بغبائهم المريع، بالوعي والذكاء الفطريين لدى إحدى الشخصيات التي مرت في تاريخ دمشق، حيث تروي الحكاية أن زوجة الإمبراطور الألماني غليوم الثاني، أرادت أن تقتني حماراً أبيض رأته في أحد شوارع المدينة خلال زيارتها وزوجها للشام في نهاية القرن التاسع عشر. وحين طلب الوالي من مالكه أبو الخير تللو أن يهديها إياه، رفض الرجل، وأصر على موقفه، بعد أن عرض عليه شراء الحمار، فسأله عن السبب، فقال له: “سيدي إذا أخذوا ﺍﻟﺤﻤﺎﺭ إﻟﻰ ﺑﻼﺩﻫﻢ ستكتب جرائد الدنيا عنه، ﻭﻳﺴﺄﻝ ﺍﻟﻨﺎﺱ منين ﻫﺎﻟﺤﻤﺎﺭ؟ ﻓيرﺩﻭﻥ ﻋﻠﻴﻪ: “ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺎﻡ”. ﻭﻳﺼﺒﺢ “ﺍﻟﺤﻤﺎﺭ ﺍﻟﺸﺎﻣﻲ” حديث ﻛﻞ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﻭﺭﺑﻤﺎ معرض للسخرية ويقوﻝ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻫﻞ ﻳﻌﻘﻞ أن امبراطورة ألمانيا لم تجد في دمشق ما يعجبها غير الحمار؟ لذلك لن أقدمه لها ولن أبيعه”!
يعتقد عمرو سالم أنه يستطيع تصدير منتجات تجارته الداخلية الراهنة إلى ألمانيا، ولكنها لن تكون مجرد حمار أبيض جميل، بل قارورة مركزة (أصنص) من الحمرنة!
*النداء بوست