علي سفر: اصمدوا وتصدوا وموتوا ليبقى أسد الممانعة

0

ثمة سردية شعاراتية رائجة في صفوف مؤيدي النظام والممانعين العرب هذه الأيام، تتمحور حول قانون قيصر، تقول: إن الدبابات الأميركية التي اجتاحت بغداد في 2003، وبعد عشر سنوات من الحرب الكونية على سوريا، تتقمص الآن صور قيصر، العسكري السوري المنشق الذي قام بتوثيق جزء من جرائم النظام بين عامي 2011 و2013.

ولهذا، يظن هؤلاء أن ما عجزت عنه الدبابات، لن تنجح فيه الصور، وبما يحقق فعلياً صوابية الرؤية التي جاهر بها هؤلاء منذ أحداث درعا في آذار 2011، حينما قالوا بأن الهدف من كل ما يجري إنما هو إسقاط المقاومة في أهم قلاعها العربية!

ومن فضاء هذه الرؤية يمكن فهم استغراق بثينة شعبان المستشارة السياسية لرأس النظام، ومن بعدها وليد المعلم وزير خارجية حكومته، بإرث الماضي، عندما تطلب من السوريين الصمود!

كان ينقص السردية هذه كلمة واحدة هي “التصدي”، فوجودها يكفي الجمهور السوري، لكي يدرك أن نصف قرن دموي من حكم الأسدين لسوريا، ومن قبلهما سبع سنوات بعثية، لن يُخرج من عقل هذا المحور تصوره الأزلي لوجود المؤامرة، التي يجب أن تقابل بالصمود والتصدي!

لقد حاول الناصريون انتزاع السلطة من البعثيين في عام 1963، فقابلهم هؤلاء بالصمود والتصدي، وفتكوا بهم في شوارع دمشق! وفي العام التالي صمد البعثيون وتصدوا لـ”مؤامرة الإخوان المسلمين” في حماة، فقصف أمين الحافظ الأماكن المقدسة. وحينما نشب صراع داخلي بين الزمرة البعثية صمدوا وتصدوا فيما بينهم، واستمرت مقتلهم الداخلية حتى حسمها الأسد، الذي كان أبرع من صمد وتصدى لرفاقه ولغيرهم، فسجن وقتل وشرد سوريين ولبنانيين وفلسطينيين، وفي عهده باتت دمشق قلب العروبة النابض! وقلعة الصمود والتصدي!

السخرية من هذه العبارة الممانعاتية لا يعني أنها ذات جوهر مضحك، بل إن جوهرها الفعلي هو الخلاصة والنتيجة التي بلغتها سوريا بعد عشر سنوات من الثورة، ضد نظام يحكمها بالحديد والنار، ويعيد نمطه السلوكي ذاته الذي بدأ به حكمه منذ خمسين سنة! حتى إننا نخال حافظ الأسد ما يزال يجلس في مكتبه في قصر المهاجرين، وحوله أزلامه الخُلص، ومن بينهم أولئك الذين خرجوا عليه وعلى ابنه مثل أخيه رفعت ونائبه عبد الحليم خدام. أو أولئك الذين بقوا مخلصين له مثل وزير دفاعه مصطفى طلاس، ورئيس مخابراته الجوية محمد الخولي، ورئيس شعبة استخباراته العسكرية علي دوبا وغيرهم!

لقد جابه الأسد الأب الأميركيين والإسرائيليين على طريقته التي أورثها لابنه، فقام بسحق إرادة السوريين الحرة بالموت والمجازر والسجون، وحاول جعلهم قطيعاً بشرياً يسبح بحمده وشكره! ولكن التاريخ أثبت أنه لم يستطع فعل شيء سوى صناعة طبقات من الرماد فوق الجمر الذي تفجر بوجه ابنه في الثورة الراهنة المستمرة!

الفرق بين زمن الأسد الأب وزمن ابنه، ينعكس مضمونه عبر تلمس قدرة الأول على جمع خيوط اللعبة كلها في يده. وضمان البقاء من خلال تآلف المصالح على كون نظامه صمام أمان محلي وعربي وإقليمي ودولي.

وأيضاً من خلال تلمس قدرة الابن على بعثرة الخيوط واللعب على تضاد المصالح بين القوى الإقليمية والدولية والقفز بين الأحضان، وضمان الاستمرارية والبقاء على الطريقة المافيوزية، من خلال تقديم الخدمات وبيع كل ما يمكن بيعه!

طبعاً، الممانعون المستغرقون بالشعارات هم القطيع الأهم للأسدية كممارسة ثقافية راسخة، ولهذا ستحفزّهم عبارة “الصمود” وشقيقتها “التصدي”، كي يندفعوا إلى الواجهة في كل محفل وجمع، ليعلنوا وقوفهم إلى جانب الأسد.

حتى وإن جاءت تحيته لهم من خلال صورة أو صورتين، تم نشرهما قبل أيام، يظهر فيهما هو وعائلته، فيما يتجمد وراءهم (يا لفظاعة الكناية) قطيعٌ من الخراف الوادعة في إحدى التلال، ما بين دمشق وبلودان!

ولكن كيف استوت لدى هؤلاء فرضية تقابل الدبابة الأميركية التي حملت المعارضة العراقية إلى السلطة! مع صور قيصر الدموية المرهقة للعقل وللتفكير، والخيال المفجع المتحقق في سوريا بأن هناك من يقوم بقتل الناس في السجون، ويقوم بعدها بترقيمهم وتصويرهم ودفنهم، دون تسليمهم لذويهم؟

مراجعة سيرة القانون ذاتها تظهر كيف أنه لم يمر بسلاسة، كما توحي سرديتهم عن أنه مؤامرة صنعت في ليلٍ معتم. فقد كان يتعثر منذ أن كان مجرد مشروعٍ في أروقة المؤسسات الأميركية، وصولاً إلى تكاثف جهود القانونيين والسياسيين الذين أوصلوه في الخاتمة إلى حيز التنفيذ. بعد أن جرى تمريره كملحق الموازنة الدفاعية الأميركية في العام الماضي، كي ينال موافقة مجلسي النواب والشيوخ، وصولاً إلى توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عليه!

لقد أعلن الأميركيون صراحة (تصريحات جيمس جيفري) أن القانون لا يهدف لإسقاط النظام! وأن الهدف هو تغيير السلوك، والقبول بتنفيذ مقررات جنيف، قرارات الأمم المتحدة بشأن سوريا وخاصة القرار 2254.

وبالتالي فإن محاولة تلبيس الممانعين القانون ثوباً أكبر منه عالجها الخياطون الأميركيون بسرعة، فوضعوا الإجراءات التي ينطوي عليها في سياقها، ولاسيما إعلانهم السريع عن القائمة الأولى للمعاقبين وفق القانون، والتي شملت عائلة الأسد، وعدداً من المؤسسات الداعمة لنظامه!

ولكن هل تقف سردية الدبابات الأميركية عند هذا الحد لدى جمهور الممانعين والمؤيدين؟!

بالتأكيد لا، فهم في خضم صناعتهم لمقومات الصمود والتصدي تجاوزوا كل ما قام به النظام من جرائم، على المستوى الاقتصادي والاجتماعي خلال نصف قرن؛ من نهب للمال العام والخاص، وتسليط بؤر الفساد على مقدرات السوريين.

إضافة إلى بيعه للبنى التحتية لإيران وروسيا، وتسليمهما الثروات الباطنية من نفط وفوسفات وغاز، إضافة للسياسات الاقتصادية المدمرة للطبقة الوسطى وللفئات الأشد فقراً!

وقبل أن يقع تطبيق القانون، قاموا بإحالة كل مآسي السوريين الاقتصادية إليه، وجعلوا كل التردي الاقتصادي اللاحق ذنباً من ذنوبه!

هنا يقفز البعض ومن بين هذا البعض معارضون، قفزة متقدمة إلى المستقبل، فيسألون عن الأثمان التي سيدفعها السوريون لاحقاً، بعد سقوط النظام، أو تغير بنيته القمعية الدموية، لكي تلغي الإدارة الأميركية القانون؟!

ربما نسي هؤلاء أو تناسوا أن الأسوأ قد حصل وانتهى، وأن سباق السوريين الذين سعوا من أجل قانون قيصر، كان يجري مع الزمن، من أجل وقف القتل، وإنقاذ المعتقلين الذين كانوا وما يزالون مأساة السوريين المرعبة، حيث يعتبرهم النظام ورقة رابحة، في سياق اختطاف عصابته للبلد مع شعبها كرهائن دائمين!

*المصدر: تلفزيون سوريا

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here