ذكّرنا المرشح الرئاسي الفرنسي الصحافي اليميني إيريك زمور في محاولته إقناع نساء المهاجرين المسلمين بنزع الحجاب، من خلال الحديث معهن، والإلحاح بشكل منفّر على تخلُّفهن واستلابهن، بسبب ما يضعْنَه على رؤوسهن، وتصوير العملية، ثم عرضها عبر قناة يمينية مثل “سي نيوز” (CNEWS).
يذكّرنا بحادثة سورية جرت في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، حينما حاولت مظليات ينتمين إلى مجموعات (فرسان القائد رفعت الأسد) نزع الحجاب عن رؤوس النساء الدمشقيات، بحجة مكافحة تهميشهن وانغلاقهن!.
ليس لدي دليل قاطع يؤكد أن زمور، قد اطلع على تجربة ميليشيات سرايا الدفاع السورية التي أسسها شقيق الأسد (عاد قبل فترة وجيزة إلى سورية بعد عقود من إقامته في أوروبا) كأداة خاصة لتنفيذ سياسته في إقناع المختلفين، وردع الخصوم.
لكن أفكاراً مثل هذه لا تحتاج فعلياً إلى القراءة والتثقف والمتابعة، كي تتناسل، وتتكرر، بل إنها تحتاج بدلاً من ذلك، إلى تفكير محدود، وإلى واقع مأزوم، وإلى ضحايا يمكن استخدام خصوصيتهم ووجودهم كمكسر عصا.
وحال توفر ما سبق إضافة إلى سباق يقوم على اعتلاء المنابر، ومخاطبة الجمهور، ستنفجر دمامل القَيْح الشعبوي، ليسيل أمام الكاميرات، مقدماً نفسه رغم قباحته على أنه المنقذ!.
ظاهرة زمور الراهنة، تخيف شرائح واسعة من المجتمع الفرنسي، فهي أنموذجٌ للطروحات المتطرفة ضد المهاجرين واللاجئين، وضد السياسات الاجتماعية المنصفة للفقراء.
كما أنها تنطوي على كراهية غير مستترة للنساء، وترفض في سياقها الحريات المجتمعية العامة، وإذا كان أحد أهداف المرشح الرئاسي منع المسلمين من حق إطلاق اسم محمد على مواليدهم، فعلينا أن نتخيل كيف سيتم التعاطي مع حقوق أخرى مثل الحصول على الجنسية، والتعبد في المساجد، وغيرها.
بناءً على ذلك، سيكون من المتوقع في الشهور القادمة، أن يتصاعد الرفض للشعارات الشعبوية التي يرفعها إيريك زمور، لكن، وبعد ارتياح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتراجع منافسته السابقة مارين لوبن زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية اليمينية المتطرفة، في الاستبيانات الانتخابية أمام زمور، مَن يستطيع ضمان عدم تحويل الأخير للموازين واقترابه أكثر فأكثر من قصر الإليزيه؟
يتحدث كثير من الفرنسيين عن أن الخوف من تقدُّم لوبن في الانتخابات الرئاسية السابقة، كان هو الدافعَ الرئيسَ لقيامهم بالاقتراع لصالح ماكرون، وقد يتكرر السيناريو ذاته هذه المرة.
ولكن خوفاً من شخصية زمور هذه المرة، سيما أن الآلات الإعلامية الفرنسية من صحف وتلفزيونات باتت وبشكل يومي تذكر اسمه عشرات المرات، ضِمن نكشها لسيرته وحياته وطريقة تفكيره وكيف ينام وكيف يصحو، وماذا يحتوي قوس آرائه، من صُرَر تختص بكل شيء يهم الفرنسيين!.
ورغم أن المزاج العامّ يبدو ساخراً من هذه الحكاية، إلا أن التركيز العالي على يمينية توجُّه زمور، لا بد أن يصنع مسارات إلزامية لقيادة الجموع الخائفة من المجهول، إذا سلكت طرقاً لا تعرف إلى أين ستُودي بها، وبما يصنع في مجمل الحالة أنموذجاً آخر لهراوات الإعلام التي تسقط على رؤوس المشاهدين، وتُجبرهم على اتباع الدروب المرسومة لهم، تنفيذاً لسياسة القطيع التائه التي أشار لها المفكر الأميركي نعوم تشومسكي في كتابه “السيطرة على الإعلام- الإنجازات الهائلة للبروباجندا”.
وفي المقابل لهذا الوضع المستنقعي، الذي تنطلق منه روائح الأفكار الكريهة، لا بد من التدقيق في الأرضية التي يحدث فوقها كل هذا الضجيج، فقد تم صنعها أيضاً من خلال سياسات إقصائية عامة، قامت بتنميط المهاجرين المسلمين، واستفادت من وجود التطرف الإسلامي، لتضخ في العقول أفكار رعب إضافية، جاء بعضها على لسان الرئيس الفرنسي ذاته حينما تحدث عن “الانفصالية الإسلاموية” والتي أُقِرَّ في شهر آب الفائت قانونٌ خاص من أجل محاربتها!.
يطلق البعض على إيريك زمور تسمية “ترامب فرنسا”، في إطار الإدراك الكامل لانتقال الموجة الشعبوية بين البلدان المتقدمة، في ظل أزماتها المتكررة، والتي تعجز عن إيجاد حلول لها، فتمضي واجهاتها السياسية في صناعة الأعداء، محلياً، وخارجياً.
فهل تكفي المعرفة للمقاومة؟ أم أن التهديد يحتاج إلى جهود مجتمعية أكبر من أجل استيعابه؟! من المؤكد أن جزءاً كبيراً من الجهد يقع على عاتق المهاجرين والمؤسسات التي تُمثِّلهم، بما فيها المنظمات الدينية، في سبيل الاندماج بشكل حقيقي وفعّال، على كافة المستويات.
غير أن جزءاً آخر لا يقلّ شأناً يقع على المنظمات الحقوقية الفرنسية والأوروبية من أجل تحصين الحريات العامة، وحقوق الإنسان، وضمان ألا يستغل السياسيون المهاجرين، عَبْر تحويلهم إلى قضية يجترونها على المنابر الإعلامية.
*نداء بوست