علي سفر: إتحادات كتّاب الأنظمة.. عضلات على آلام ضحايا الزلزال

0

يحدث في سوريا المنكوبة منذ ستة عقود، بالنظام الذي يحكمها، وبعدما حلت بها فاجعة سقوط آلاف الضحايا إثر الزلزال المدمر، أن يتحوّل الواقع الدموي القاتم إلى حفلة صاخبة، تتسابق فيه المؤسسات الرسمية إلى تصدر مشهده، لجهة التنطح المزيف للفعل، وافتعال دور ما، حتى وإن ابتعدت أصلاً عن دورها الأصلي.

ويُصدم المرء حين يرى البيانات التي تطلقها كل جهة، من مثابرتها على ممارسة الدجل الرسمي، ومن حقيقة أنها لن تكون على مستوى الحدث، إلا من خلال البيانات الطنانة والرنانة.

وللاستفادة إلى أقصى درجة من المأساة، استغل الدكتور محمد الحوراني، رئيس اتحاد الكتّاب والأدباء العرب في سوريا، حضوره اجتماع مجلس الأمانة العامة لاتحاد الكتّاب العرب، بمشاركة رؤساء الاتحادات والنقابات والروابط والأسر الأدبية العربية، الذي انعقد في القاهرة في بين 2 و6 شباط الجاري، للقيام بحملة علاقات عامة لصالح النظام، ستفضي إلى أن يصدر أمينه العام د.علاء عبد الهادي بياناً تضامنياً، يناشد من خلاله “كل زعماء الأمة العربية من ملوك ورؤساء وأمراء، وكذلك نقابات عربية للوقوف مع سوريا”.

وفي هذا المسار، وبعد يوم واحد، أطلق الاتحاد السوري المؤيد للنظام، نداءً للمشاركة، بعد تشكيل لجنة مؤلفة من رئيسه ونائبه ومدير إدارة النشاط الثقافي، ويضع من خلاله مقراته وآلياته، والأعضاء الأطباء، بخدمة المحتاجين من المتضررين!

طبعاً، سيكون من المهم بعد قراءة نداء المشاركة هذا، أن ينتبه القارئ إلى أن المؤسسة المذكورة، لا تمتلك أسطولاً من السيارات، وأن مقراتها في المحافظات ليست أكبر من شقق صغيرة، وأنها لن تستطيع إقناع أي أحد، حتى الأعضاء فيها، باللجوء إليها، وأنها لن تتمكن من أن تنفخ حجمها، الذي يعرفه السوريون كتّاباً وقرّاء، عبر ادعاء أنها تمتلك أدوات، تساهم من خلالها في التخفيف عن المتضررين والمكلومين، في المصيبة التي حلت بهم.

وفي تفسير معطيات النداء الذي نُشر موقَّعاً من رئيس الاتحاد ومختوماً بختمه، لا بد للمتابع أن يعود إلى وكالة “سانا” الرسمية، التي ظلّت منذ وقوع كارثة الزلزال، ترسل رسائل الأخبار العاجلة، عن خطط تحرك طارئة لكل المؤسسات الرسمية، وغير الرسمية، وبما يُشعر المستقبلين لها، بأنهم يشهدون تحركاً غير مسبوق، سيخفف من أثر الكارثة على السوريين الذين يعيشون في مناطق سيطرة النظام. لكن الوقائع والمعلومات، في الحسابات الشخصية في فايسبوك وغيره، تشير، وبشكل لا ريب فيه، إلى أن هذه المصيبة إنما تُكمل على من تبقوا، وتقودهم صوب اكتمال سلسلة النوائب التي لحقت بهم، خصوصاً أن واقع الحال المتردي، يتكشف اليوم عن مستوى جديد له، يفضح النظام، ويعري ما كان يدعيه عن جاهزيته، لمثل هذه الحالات الطارئة!

يدوّن الكاتب المُعارض بسام اليوسف، الذي أصيبت عائلته في مدينة جبلة، عن قيام فرق الإنقاذ التي تبحث عن الناجين تحت الركام بإيقاف عملها مساء، والعودة في الصباح، وكأنها تمارس عملاً روتينياً! بينما تنقل صفحة للمؤيدين تصريحاً لمحافظ اللاذقية، التي تتبع لها جبلة، يقول فيه إنها أكثر مدينة منكوبة حتى الآن، لكنها بلا مراكز إيواء، وبلا وسائل إنقاذ، حسب مدير بلديتها!

في سياق كهذا، أي حيث يتم الادعاء بأن البلد استنفرت كلها، بينما لا شيء يحدث على الأرض، سوى مُناشدات الملتاعين الباحثين عن أحبابهم تحت الركام، فهذا الاتحاد، وبعد صمت دام 12 سنة على كل الكوارث التي ألحقها النظام بالسوريين، يحاول إبراز قدراته على تقديم العون مع الآخرين، بانتظار أن يتم تصوير عضلاته التي ظهرت فجأة، بالتوازي مع البيان الذي أصدره الاتحاد العام للكتّاب والأدباء العرب، وأبرز فيه وجهه المعتاد، والمكرّس على أنه اتحاد الرسميين السلطويين، مداهني ومنافقي الأنظمة، الذين –حتى في النوائب- لا يعرفون كيف تُكتب عبارات مواساة الشعوب في مصائبها، ولا يستطيعون أن يكونوا سوى جحفل من المطبلين والمزمرين، حتى وإن وضعوا صورة للأقصى الشريف في أعلى ما يصدرون من تصريحات!

وفي المحصلة، وعبر وضع نداء الاتحاد السوري والبيان العربي أمام العيون المدققة، لن يكون أمام من يتابعون تواتر الأخبار، عن سقوط الآلاف قتلى تحت العمارات والبيوت المنهارة على أصحابها، إلا اعتبار هذه المحاولات الرديئة من هاتين المؤسستين المكرستين لافتعال الأدوار المؤثرة، وادعاء القدرة والفعالية، جزءاً من الكارثة الكبرى التي حلت بالشعوب العربية، المحكومة بأنظمة الثورات المضادة، والتي لن يكون الزلزال المريع، سوى إضافة لخرابها المزمن.

(المدن)