فتحت كارثة زلزال تركيا – سوريا، الباب على مصراعيه، للحديث عن دور الامم المتحدة، والمنظمات الدولية المختلفة، في الاستجابة الطارئة للكوارث التي تصيب البشرية. إذ أننا ما نكاد نخرج من كارثة الوباء العالمي ( كوفيد 19 ) في ظل كثير من الاستفهامات ، والغموض، والإشكاليات الكثيرة، المتصل بدور المنظمات الدولية في معالجة الأزمات، حتى واجهتنا إشكالية عدم مقدرتها على أداء دور فعّال، بالتنسيق بين الجهود الدولية، في الاستجابة الطارئة، كحدّ أدنى، في حالة الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا مؤخرا.
وفي الواقع، تشكل كارثة الزلزال حالة خاصة، لكون الشمال السوري، يدخل في نطاق المناطق الدولية ذات النزاعات المسلحة، وفق تعبير وتصنيف الأمم المتحدة. وهنا ما يتوجب التركيز عليه، في نقد أداء المنظمة الدولية، وبالتالي المجتمع الدولي، في التعامل مع الكارثة. إذ يستوجب الأمر خطة إنقاذ ومساندة، غير متعارف عليها، في الاستجابة الطارئة في المناطق المستقرة. يضاف إلى ذلك تعدد الوجود العسكري والتدخلات السياسية والأمنية، التي تتسم بها منطقة الزلزال في الشمال السوري، وهذا ما يجعل من اي خطة للدعم والمساندة عملية معقدة. ولكن يجب أن تتقدم في هذه الحالة المواثيق والأعراف الدولية الناظمة للتدخل السريع، في الحالات الإنسانية، والكوارث الطبيعية.
تأخرت الأمم المتحدة، وبمعنى أدق، أنها لم تستجب ، ومثلها حكومات الدول الكبرى، خاصة أعضاء مجلس الأمن، بما تمتلكه من قدرات وخبرات، في التدخل السريع، إثر الزلازل. وتعللت المنظمة الدولية، بإشكالية فتح المعابر امام قوافلها. وفي الأصل لم تصل أية مساعدات الى المعابر بين تركيا وسوريا، ولم تحدث اي عملية منع لدخول القوافل الإغاثية. وهنا ما يستوجب الإشارة، ليس إلى التقصير في الإستجابة فحسب، وإنما إلى تجاهل منطقة الشمال السوري، تجاهلاً تاماً، وفي أنها لم تكن مدرجة حتى ضمن سلم اولويات المجتمع الدولي.
في المسألة ثلاثة نقاط أساسية: أولاها، أن قضية المعابر، هي مسألة مزمنة، تبعاً لموقف روسيا الدائم في عرقلة إدخال المساعدات الإنسانية الى المناطق السورية الخارجة عن سيطرة النظام الأسدي، والذي يطالب بأن يتم ذلك عبر معابر النظام السوري، وبمعرفته. وفي كل تجديد دوري لتفويض آلية إيصال المساعدات عبر الحدود التركية – آخرها القرار 2642- تطرح الإشكالية ذاتها، ويتم التفاهم بحده الأدنى، على التمديد، دون إيجاد حلّ جذري.
النقطة الثانية، تتصل بطبيعة موقف الأمم المتحدة، وسياسة تعاملها بما يتعلق بالقضية السورية. إذ انها تنطلق من قاعدة وجوب العمل مع كل الأطراف، ، للوصول الى تسوية سياسية للوضع في سورية، وفقاً لقواعد جنيف 1، وفيينا. بما في ذلك التعامل مع النظام السوري، باعتباره يمثل دولة عضو في الأمم المتحدة. المفارقة التي يجب أن نشير إليها، هي أن المنظمة الدولية، تفرض عقوبات دولية على دمشق بسبب سياسات القمع والمجازر في سوريا، وهي أعمال مدانة من طرفها، وصدرت قرارات بشأن الوضع السوري أهمها القرار 2254 والذي تجاوزت الأمم المتحدة الالتزام بتطبيقه، عبر خطط وبرامج وأداء مبعوثيها الخاصين الى سوريا: دي ميستورا وبيدرسون، واللذان يرى الشارع السوري في أدائهما، انحيازا يستجيب للضغوط الروسية.
ثالثاً، تدفق المساعدات الدولية عبر معابر النظام السوري، في وقت يدرك فيه المجتمع الدولي، حقيقيتين مهمتين، أن النتائج الكارثية للزلزال هي في المناطق الغير خاضعة لسلطة الأسد، وفي أن النظام في حالة إنهيار تام للإدارة الحكومية، مع استفحال الفساد، وهو ما أدى الى عدم إمداد منطقة الكوارث بالمساعدات، والى سرقة المواد وتسلط الميليشيات المسلحة، والمجموعات الموالية للنظام السوري والإيراني، ذات الطبيعة الأمنية على كل المساعدات.
في الوقت نفسه، تم التجاهل – كما أشرنا آنفاً – للوضع في الشمال السوري.
لم تكن المناطق التي ضربها الزلزال، بحاجة الى المساعدات الطبية والغذائية ومستلزمات الإيواء فحسب، بل إن الحاجة الملحة هي – أيضاً – في تأمين معدات الإنقاذ ورفع الأنقاض، وهو ما لم يتم الاستجابة إليه، بعد مرور اسبوع كامل على الكارثة، مما ادى إلى ارتفاع كبير في عدد الضحايا، بمن فيهم العالقون تحت الركام حتى اليوم.
اعتذرت الأمم المتحدة عن تقصيرها، بعد أعلنت القبعات البيض، حقيقة الموقف الدولي الذي اتسم بعدم الاستجابة الطارئة وعدم المساندة. لكن ذلك الاعتذار لاقيمة له، في ظل غياب الدوافع الإنسانية والأخلاقية التي يتوجب فيها على الأمم المتحدة، والدول الكبرى، اللجوء إليها لفرض التدخل الإنساني الدولي في مناطق النزاعات المسلحة، دون أن يشكل الفيتو الروسي عائقاً امام ذلك.
على أية حال، كان ذلك امتحاناً جديداً، للقوى الدولية، وللمنظمة الدولية، بشأن دورها الإنساني، الذي يظل محصوراً في نطاق الرغبات، والسياسات المرتبطة بمصالح الدول، بعيداً عن القانون الدولي، وعن مسؤولية الحفاظ على الاستقرار، أو حلّ الأزمات، كما يُفترض.
لقد تُرك السوريون في مواجهة نظام الأسد، وروسيا وإيران، دون سند دولي حقيقي، كما تُرك السوريون في الشمال المنكوب بين سطوة الميليشيات المسلحة وسلطات الامر الواقع، وبين الكوارث الطبيعية المدمرة. وهذا خذلان كبير، من الصعب ان تنساه الشعوب.
*خاص بالموقع
*نشر بالانجليزية في موقع syriawise