لعلها من المرات النادرة يلتقي نحو 1800 كاتب وكاتبة في حملة سياسية عبر الإنترنت ضد مرشح للرئاسة الأميركية، سعياً منهم إلى المشاركة في المعركة الانتخابية، بصفتهم مواطنين، يناهضون شخصاً بذاته هو الرئيس دونالد ترمب. هذه الحملة الموجّهة تحديداً ضد ترمب في ترشحه لدورة ثانية في انتخابات الرئاسة القائمة الآن والتي لم تسفر بعد عن نتيجة، انطلق بها الروائي الأميركي الكبير بول أوستر مع زوجته الكاتبة سيري هوزتفات وابنتهما صوفي، وهدفها الأول تحريك القراء والمواطنين ضد ترمب، وتحريض الرأي العام الذي يمكنهم الوصول إليه طبعاً، على مواجهة الأجواء التي أرساها الرئيس الحالي والتي يصفونها بـ”أجواء الانفصام” أو البارونويا والكراهية والعنصرية. عنوان الحملة “كتّاب ضد ترمب” وشعارها “ووردز ماتر” (الكلمات ذات أهمية)، وتفترض الحملة بحسب هذا الشعار، أن الكلمات تستطيع أن تؤثر، وأن تؤدّي دوراً فاعلاً. وهذا الشعار يعيد طرح مسألة الأدب الملتزم ولكن هنا في تجلّيه الأميركي العملي. الالتزام ليس موقفاً خطابياً أو نظرياً بل هو مضيّ في تحقيق هدفه عبر الانخراط في التحرك المدني والنضال المباشر.
اعتمدت الحملة التي تضم بين أعضائها أسماء كبيرة مثل راسل بانكس وسلمان رشدي وجومبا لاهيري وريبيكا سولينت وسواهم، كل وسائل التواصل الاجتماعي من “فيسبوك” و”تويتر” و”إنستغرام”، كي تخاطب المواطنين وتحمل إليهم رسالتها وتدعوهم إلى مشاركتها في هذه الخطوة “المواطنية” غير الأيديولوجية. وأعلن أعضاء الحملة في بيان لهم أنهم متّحدون ضد عنصرية ترمب وكرهه للأجانب وعداوته للمرأة، وضد الفساد الذي برز في عهده وعدم احترام القوانين وحقوق الإنسان وضد التهاون في مواجهة وباء كورونا ومشكلات البيئة… ودعت الحملة المواطنين إلى التظاهر سلمياً والانضمام إلى الحركات المدنية المعترضة. وأبدى البيان تخوّفه من لجوء ترمب وإدارته إلى إعلان موقف ضد النتائج الانتخابية إذا لم تكن لصالحه، واعتماده أسلوباً ديماغوجياً في معارضتها.
شخصية روائية
ربما لم يلقَ رئيس أميركي سابق معارضة من أهل الأدب والفن مثلما لقي الرئيس دونالد ترمب الذي وُصف بأنه “صالح لأن يكون شخصية روائية”. ممثلون ومغنون ومخرجون وروائيون وشعراء عارضوا سياسة ترمب وأسلوبه في الحكم ومنهجه، واحتجوا علناً على سلوكه غير المألوف لدى رؤساء الجمهورية، حتى إن بعضهم تظاهر ورفع الصوت عالياً حتى كاد أن يلاحق قانونياً، ومنهم: روبرت دي نيرو وسالي فيلد ومايكل مور ومادونا وكيم كارداشيان وأليك بالدوين وجنيفر لورانس…
سئل مرة الروائي الأميركي الشهير ستيفن كينغ عن رئاسة دونالد ترمب وهل هي أشدّ رعباً من رواياته، فقال: “الجواب قصير، أجل أستطيع أن اقول إنها أشدّ رعباً من رواياتي”. أما المفكر نعوم تشومسكي، فكان أكثر من ألقى على ترمب أوصافاً غير حميدة، وكأنّ بينهما عداءً شخصياً. ووصفه بـ”اليائس الذي يتعيّن عليه تغطية حقيقة مفادها بأنه مسؤول شخصياً عن قتل مئات الآلاف من الأميركيين”، ووصفه بـ”المريض النفسي الذي يواجه خطراً كبيراً في حال فقده موقعه في البيت الأبيض”. الروائي الأميركي جون إيرفينغ أطلق عليه صفة “المهرج” الذي “يلهب الجماهير مستخدماً الجهل والتعصب والكراهية”.
ير أن نقاداً أميركيين يُجمعون على أن عهد ترمب شهد ازدهاراً في الروايات السلبية والنقدية التي تفضح أحوال الفساد والتردّي في الدولة والمجتمع، وتكشف عن فضائح الأخبار المزيفة والإعلام الموجّه. إنها روايات تنقل صورة عن واقع التدني والتراجع في الحياة الأميركية، على أكثر من مستوى. ومن هذه الروايات على سبيل المثل:”اللبوءات” للوسي أليمان، “نقاء” لجوناثان فرانزن، “كتاب الشهداء الأميركيين” لجويس كارول أوتس، “البصمة” لألكسندريا مارزانو ليزينفيتش، “أبيض” لبريت إيستون إليس، “قذارة أميركية” لجانين كامينغز، “لايك ساكسيس” لغاري شتينغارت وسواها.
الأدب في مواجهة السياسة؟ بل الأدب في مواجهة شخصية مع رئيس هو مرشح لدورة ثانية في الرئاسة الأميركية. مواجهة كتّاب بصفتهم مواطنين، يملكون الحق في إبداء رأي وإعلان موقف، بجرأة تامة وحرية يحميها القانون.
لكن السؤال المطروح بإلحاح: من يكون الفائز؟
*اندبندنت