بينَ مدينتي السوريّة عامودا وتركيا مِيلٌ تخطّيتُ ذاكَ الميلَ بخطوة غزالٍ أو نمرٍ جريح،كنتُ وحدي آلافاً من الأرجُل والأفواه والأيدي.مُدمَّى …عَطِشاً ..حيرانَ ولجتُ تركيا العثمانيّة مع ثمانية آخرين بعدَما فقدنا شابّاً من دير الزور بطلقٍ ناريّ ارتدّ مني إليه،فلَدَغَه وغادرَ تغريبتَه الأولى وترَكَنا لحياتِنا التعيسة التي لفظتنا إلى فيافي الدنيا ومهاويها مع تغريبتِنا السوريّة المتنقّلة.
شهرزاد استقبلتني باكيةً…..مُستبكيةً آنَ رأتني مضرَّجاً بالدماء والأتربة والأوحال……طائِشاً..هارباً من المعارك مُدبِراً ظهري لمنبتي الأوّل”عامودا” ملعب الصّبا والشباب ولن أعودَ إليها…ولو خطفاً أو في شطحات الحلم المُرّ أو منطفئِاً.
كأنّ معي فتىً فوقَ كتفي بهيئة مَلَاكٍ ثالثٍ يُملي على نفسِه تغريبتي،حيث رآني أتأبّطُ لافتة”الحريّة للمعتقلين”في إحدى زوايا اسطنبول مُطوَّقاً بالبوليس،انتشلَني الفتى المَلَاكُ من وسطِهم،هامِساً:”هذي البلادُ تضيقُ بكَ” ثم رماني في المثلّث المُرعب الذي يجمعُ تركيا وبلغاريا واليونان حيث سأفقدُ كتابَ عُمري” الخمسون:رائحة الفَقد”.
ستتذكّرُ وإن بَلِيَ العظمُ أنّك أُودعتَ سجناً بلغاريّاً بسبعةِ أبوابٍ من الفولاذ،ثم خرجتَ منه كالفولاذ بسبعةِ أرواح، والمَلَاكُ الثالثُ يرفرفُ فوقَكَ ليذكّرَكَ بالشاب الكرديّ من كردستان العراق الذي وُجِدَ مُثلّجاً في السوق الصفيح بخرمنلي القديم في ذاك اليوم الشؤم الذي احتّلَ الثلجُ الرُّكَبَ.
التغريبةُ السوريّةُ معي أبداً تبقى، وإن بَلِيَ العظمُ..
ـ ياجارُ لا تبتعد ….آمنتُ بالنجم الغريب الدار.ياجار نادتُ ليالي العمر: أنتَ الدار. يامَا ارتحلنا،وظلَّ القلبُ صوبَ الدار يا جار.
*خاص بالموقع