عاصم الزعبي: الانتهاكات الجنسية في سجون النظام السوري… عمل ممنهج مستمر لكسر إرادة المعارضين

0

بعد اندلاع الثورة السورية، في آذار/ مارس 2011، اعتمدت أجهزة النظام الأمنية والميليشيات التابعة لها الانتهاكات الجنسية، بمختلف أنواعها، بدءاً من التحرش الجسدي واللفظي وصولاً إلى الاغتصاب، كنهج وسلاح متعدد الأهداف.

فهو سلاح لكبح جماح الثورة، كما أنه سلاح فعّال لانتزاع اعترافات مزيّفة من النساء المعتقلات عن أعمال لم يقمن بها في الأصل، أو عن أشخاص لهم نشاطهم السياسي أو العسكري المعارض للنظام.

من 2011 وحتى اليوم

تشير معظم المعلومات الصادرة عن حقوقيين مختصين بأوضاع المعتقلين في سوريا، وعن منظمات حقوقية مختصة، إلى أن الانتهاكات الجنسية على مختلف أنواعها، لا تزال مستمرةً في سجون النظام السوري، ومراكز الاحتجاز غير النظامية، منذ عام 2011 وحتى الآن.

يقول عضو مجموعة ملفات قيصر، المحامي إبراهيم القاسم، لرصيف22، إن هذه الانتهاكات موجودة منذ بداية الثورة السورية، ولا تزال حتى الآن، وهي تبدأ بالانتهاك اللفظي والتفتيش الجسدي المهين على الأقل، والذي يستمر طوال فترة الاعتقال.

وحسب المعلومات المتكررة منذ 2011، لم يغيّر النظام نهجه في التعامل مع المعتقلين، وخاصة النساء منهم.

ويشير القاسم إلى أن هناك اعتقاداً يسود حالياً، مفاده أن هذه الانتهاكات انخفضت، وهذا غير صحيح. ما يدعو إلى هذا الاعتقاد أنه لا يتم الإفراج عن أعداد كبيرة من المعتقلين، وأن معظم حالات الإفراج تتم من سجن عدرا، بالإضافة إلى النهج الذي تركز عليه غالبية المنظمات الحقوقية، إذ تختزل العنف الجنسي بالاغتصاب، وهذا ما يدعو المعتقلات إلى التفكير قبل الحديث عما مررن به، ويجعل الكثيرات منهن لا يعرفن ما الذي تعرّضن له.

من جهتها، قالت مسؤولة ملف المعتقلين في الشبكة السورية لحقوق الإنسان نور الخطيب، لرصيف22 إن “حصيلة حوداث العنف الجنسي لدى قوات النظام السوري تخضع لعملية تحديث دورية تبعاً للحوادث الجديدة التي يتم توثيقها، وهي من دون شك تؤكد استمرار حدوث العنف الجنسي، وبشكل خاص داخل مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري، حتى اليوم”.

ممارسة في معظم الفروع الأمنية

تؤكد ياسمينة بنشي، وهي معتقلة سابقة وتدير منظمة ياسمين الحرية من غازي عنتاب التركية، لرصيف22، أن عمليات التحرش الجنسي لا تزال مستمرة في الفرع 215، أو ما يعرف بسَرية المداهمة التابعة لشعبة المخابرات العسكرية، من خلال تفتيش النساء عاريات تماماً بمجرد وصولهن إلى هناك، وأن عمليات التفتيش يقوم بها سجّانون رجال، واشتهر السجّان الملقّب بـ”شرشبيل” بهذا النوع من التفتيش خلال السنوات الأولى من الثورة، إذ تُجبر المعتقلات على خلع ملابسهن بشكل كامل، والقيام ببعض الحركات، للتأكد من عدم قيامهن بتخبئة أي شيء داخل أجسادهنّ.

ولم تسلم من عمليات التحرش الجنسي هذه النساء والفتيات اللواتي يعانين من مشاكل عقلية، كما تقول لولا الآغا، وهي معتقلة سابقة تنقلت بين مراكز اعتقال عدة، لرصيف22، وتضيف: “خلال اعتقالي الأول في المخابرات الجوية في حلب عام 2013، لم أشاهد أو أسمع عن حدوث عمليات اغتصاب للمعتقلات، لكن التحرش اللفظي كان دائماً موجوداً، إنْ بشكل لفظي من خلال كلمات ذات إيحاءات جنسية، أو من خلال تعمّد العناصر لمس المعتقلات”.

وتتابع: “أما في اعتقالي الثاني، عام 2014، فشاهدت حالات عدة في فرع الأمن العسكري في حلب، حيث كانت هناك حالات اعتقال متكررة لفتيات وسيدات من الشارع، تعاني العديدات منهن من مشاكل عقلية، ويتم إطلاق سراحهن بعد أيام عدة، يتحرش العناصر خلالها بهن بشكل مستمر”.

وتروي أنه “في إحدى المرات جعلوا إحدى الفتيات تكشف عن صدرها وبدأوا بملامسته، كما أجبروا سيدة في العقد الخامس من عمرها على خلع كامل ثيابها أمامنا في الزنزانة، وقاموا بضربها لترهيبنا، وبعد أيام عدة حوّلوها إلى مستشفى للأمراض العقلية”.

التعذيب الجنسي والاغتصاب

يُعَدّ فرع فلسطين، في الفترة ما بين 2011 و2013، الأسوأ من حيث الانتهاكات الجنسية، وبلوغها درجة السادية من قبل الضباط والعناصر، إذ مورست أساليب مختلفة في قسوتها وبشاعتها من الناحية الجنسية مع المعتقلات، حتى افتُضح أمر هذا الفرع من خلال حملات المناصرة التي قامت بها منظمات حقوقية ووسائل إعلامية.

أدى هذا الضغط إلى تغيير طريقة التعامل مع المعتقلات بعد عام 2014، وانخفاض الانتهاكات الجنسية في هذا الفرع بشكل كبير، خاصةً بعد وضع كاميرات للمراقبة في الزنزانات والممرات وغرف التحقيق. وقالت الآغا لرصيف22، إنها وخلال فترة اعتقالها في فرع فلسطين، عام 2014، والتي استمرت ثلاثة أشهر، لم تسمع بعمليات اغتصاب، ولم يتحرش أحد بها، وإنها شاهدت كاميرات المراقبة في كل مكان دخلته ضمن هذا الفرع.

تقول خولة (اسم مستعار)، لرصيف22: “خلال فترة اعتقالي في فرع المنطقة، المعروف بالفرع 227، جلب العناصر سيدة أربعينية كانت معتقلة في فرع فلسطين، وكانت في حالة صحية سيئة، وتحدثت عن كيف تعرضت للشبْح والتعذيب بالكهرباء، وكيف تم تعليقها من صدرها بشكل مؤلم لأنها كانت أماً مرضعة، كما لمّحت إلى أنها تعرضت للاغتصاب، من أجل الإدلاء بمعلومات عن زوجها المعارض”.

كما استُخدم الاغتصاب في فرع فلسطين كوسيلة للضغط على بعض المعتقلات للاعتراف ببعض التهم المنسوبة لهنّ.

وروت جود (اسم مستعار)، أنها اعتُقلت مع صديقتها على أحد الحواجز على أوتوستراد دمشق-درعا، وخلال جلسة التحقيق معها في فرع فلسطين، أنكرت التهم المنسوبة إليها، فطلب المحقق من العناصر أخذها إلى غرفة أخرى لرؤية ما يحدث لمَن يرفض الاعتراف. وأكدت أنها وبمجرد دخولها الغرفة الثانية، شاهدت صديقتها عارية ويتناوب عناصر عدة على اغتصابها، ما أدى إلى فقدانها الوعي، والإقرار لاحقاً بكل التهم المنسوبة إليها.

أما سمر (اسم مستعار)، وكانت في منتصف العشرينات من عمرها عند اعتقالها، فقالت لرصيف22 إنها اعتُقلت على أحد الحواجز في مدينة حمص منتصف عام 2012، ونُقلت إلى فرع فلسطين في دمشق، وبعد التحقيق قام الضابط الذي حقق معها، وكان برتبة نقيب ويتحدر من محافظة درعا، باغتصابها بعد أن مزّق ثيابها.

وتشير ياسمينة بنشي إلى أن فرع فلسطين كانت فيه تسعة مهاجع، وكانت المعتقلات يُفصلن عن بعض حسب عمر كل واحدة منهن، وجمالها، وكان يُطلق على أحد المهاجع اسم “مهجع البنات الحلوات” حيث توضَع الفتيات والسيدات الجميلات وصغيرات السن، اللواتي كنّ الأكثر تعرضاً لعمليات الاغتصاب.

سجل حافل بالانتهاكات الجنسية

أسس النظام السوري قوات الدفاع الوطني عام 2012، في محاولة لقوننة عمل عصابات ما يُعرف في سوريا بـ”الشبيحة”، والذين مارسوا خلال عام 2011 أبشع الجرائم ضد المتظاهرين.

ونُشر هؤلاء العناصر في مختلف المناطق، وخاصةً على الحواجز في ريف دمشق عند المداخل المؤدية إلى العاصمة دمشق، مثل جرمانا، والمعظمية، وصحنايا، بالإضافة إلى انتشارهم الواسع في مدن الساحل السوري، ويقومون بعملهم بالتنسيق مع مختلف الأجهزة الأمنية السورية.

ومارست هذه القوات العديد من الانتهاكات بحق الأهالي، ومنهم النساء، إذ وُثّقت العديد من حالات اعتقال سيدات من قبلها، والاعتداء عليهن جنسياً على حواجزها، قبل أن يحوّلن إلى الفروع الأمنية، أو يُطلَق سراحهن.

تقول ياسمينة بنشي لرصيف22 إنه تم توثيق قيام قوات الدفاع الوطني الموجودة في فيلّا تعود للضابط المنشق “يعرب الشرع”، في منطقة صحنايا في ريف دمشق، باغتصاب العديد من المعتقلات. وتروي، نقلاً عن عدد منهن، أن قادة وعناصر هذا المقر كانوا يتفننون في ممارسة عمليات الاغتصاب، وكانوا يجلبون شفرات حلاقة للنساء ويجبرونهن على تهيئة أجسادهن قبل الاغتصاب، كما كانوا يضعون تسعيرة معيّنة للعناصر تُدفع لقادة هذه الميليشيا، مقابل اغتصاب بعض المعتقلات، بالإضافة إلى مساومة المعتقلات على الطعام مقابل الجنس، بعد حرمانهن من الطعام أياماً متتالية عدة.

وسُجلت حالات عديدة لممارسات شبيهة في مقرات أخرى للدفاع الوطني.

تقول فداء (اسم مستعار)، التي تعرضت للاعتقال من قبل الدفاع الوطني، لرصيف22: “اعتُقلت عام 2012 على أحد حواجز الدفاع الوطني في منطقة جرمانا في ريف دمشق، وتم إدخالي إلى إحدى الغرف القريبة من الحاجز، حيث تعرضت للضرب من قبل العناصر للاعتراف بأنني أقدّم المساعدة الطبية للمعارضة المسلحة، وحين أنكرتُ، جاء المسؤول عن الحاجز، وقام بوضع شريط لاصق على فمي، واغتصبني مرات عدة في ذلك اليوم، وعند المساء قاموا بإطلاق سراحي مع تهديدي بجلبي مرة أخرى في حال قدّمت شكوى حول ما حصل إلى أي جهة”.

أما هيفاء (اسم مستعار) من حماة، فتقول لرصيف22: “اعتُقلت من منزلي في مدينة حماة عام 2012، من قبل قوة تابعة للفرقة الرابعة، بسبب عملي في المجال الطبي، واقتادوني في إحدى المدرعات مع سيدات وفتيات، إلى مقر تابع لأمن الدولة يُستخدم من قبلهم، ويقع قرب مركز الإطفاء في المدينة”.

وتتابع: “عند وصولنا، أُجبرنا على خلع ملابسنا كاملة للتفتيش من قبل العناصر، وبعد ذلك أخذوني إلى أحد الحمامات حيث تم شبْحي على الحائط يومين مع شابين من المدينة، وتعرضت للتعذيب من قبل عنصر من منطقة سلحب كما كان يناديه العناصر، وأدى التعذيب إلى كسر اثنين من أصابعي، وكسور في أسناني. وخلال التعذيب كانت كل النساء المعتقلات عاريات، وكان العناصر يخبروننا أنهم يتعمدون ذلك لأننا من حماة”.

وتكمل: “في اليوم الثالث استدعاني المقدم سليمان جمعة من الفرقة الرابعة، وكان يقوم باختيار الفتيات والسيدات الجميلات. وعند دخولي إلى مكتبه، أدخلني الحاجب إلى غرفة داخلية كان فيها سريران، وثلاجة صغيرة، وبدأ بتناول المشروبات المسكرة، ثم رشّها على جسدي، ويداي مقيدتان، وبعد ذلك اغتصبني”.

وتضيف: “استمر اعتقالي في هذا المقر شهراً تقريباً، كنت أتعرض خلاله للاغتصاب يومياً من قبل المقدم سليمان، كما كان هناك ضابط برتبة عميد، اسمه جهاد، اختار فتاة عمرها 16 عاماً، واغتصبها. أما الأكثر بشاعة، فهو اغتصاب سيدة كانت معنا، وهي حامل في شهرها السابع، بشكل عنيف ومتكرر إلى أن جاءها المخاض. وعندما وضعت مولودها أطلق أحد العناصر النار عليه، وقتله أمام الجميع، ونتيجة لذلك فقدت عقلها، ولا تزال تجول شوارع مدينة حماة فاقدة العقل حتى الآن”.

لا يمكن إحصاء الحالات

تشير الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير أصدرته في آذار/ مارس 2021، بمناسبة “اليوم العالمي للمرأة”، إلى أن زهاء 8029 امرأة سورية لا يزلن قيد الاعتقال والإخفاء القسري في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري، منذ آذار/ مارس 2011.

كما تم تسجيل 8013 حالة عنف جنسي ارتكبتها قوات النظام السوري، بينها 879 حالة داخل مراكز الاحتجاز (الفروع الأمنية)، بين آذار/ مارس 2011 وحتى صدور التقرير.

ولكن في الحقيقة تُعدّ هذه الإحصاءات تقريبية، إذ لا يمكن معرفة أعداد النساء اللواتي تعرضن للعنف، وللانتهاكات الجنسية على وجه الدقة، فكثيرات يرفضن الحديث عن ذلك، وينكرن تعرضهن لهذا النوع من الانتهاكات، بسبب نظرة المجتمع، إذ يعتقدن أن عقوبة المجتمع لا تقل سوءاً عما لاقينَه في سجون النظام.

ويصنّف نظام روما الأساسي الناظم لمحكمة الجنايات الدولية “الاغتصاب، أو الاستعباد الجنسي، أو الإكراه على البغاء، أو الحمل القسري، أو التعقيم القسري، أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة”، جرماً ضد الإنسانية (المادة 7، الفقرة 1ـز)، وذلك “متى ارتُكب في إطار هجوم واسع النطاق، أو منهجي موجَّه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم”.

ويُعدّ كل فعل من الأفعال المذكورة في هذه الفقرة جريمة مستقلة، لها أركانها القانونية الخاصة التي تؤكد مدى انطباقها على الفعل المرتكب.

وتؤكد العديد من التقارير الحقوقية والإعلامية التي صدرت عن منظمات حقوقية وإعلامية سورية ودولية عدة، قيام قوات النظام السوري، وأجهزته الأمنية، بارتكاب العديد من الانتهاكات الجنسية بحق النساء السوريات في مراكز الاحتجاز. لكن النظام ضرب بكل المناشدات والتوصيات الواردة في هذه التقارير عرض الحائط، استمراراً منه في محاولة قهر كل مَن يعارضه مهما كانت الوسيلة المستخدمة.

وفشلت كل محاولات إجبار النظام على التوقف عن هذا النوع من الانتهاكات، وعن الانتهاكات الأخرى، بسبب عدم وجود قرار دولي حقيقي يجبره على ذلك، بالإضافة إلى فشل مجلس الأمن الدولي في اتخاذ قرار بإحالة ملف الانتهاكات في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، بسبب استخدام الفيتو ضد مشروع هذا القرار مرات عدة من قبل روسيا والصين، وعدم تمكّن المحكمة من النظر في هذا الملف بشكل مستقل، لأن سوريا لم تكن من الدول الموقعة على إنشاء هذه المحكمة.

(رصيف 22)