عادل نصار: أن تبحث عن كتاب في بيروت!

0

ثمة مقولة درجت مؤخراً في بيروت، مفادها أن الكتاب في أزمة حادة والمكتبات تترنح، ومن ظواهرها فقدان العناوين المطلوبة، فما بالك بالكتب غير الرائجة. بالطبع، لطالما كان “النق” على أحوال الكتاب سائداً، حتى في أيام مجده.. اليوم، الأمر مختلف، المكتبات تترنح، وأصحابها أصابهم اليأس، شأنهم شأن الكثير من القطاعات في لبنان. فبعضهم يعزو الأسباب لأمر عالمي من ضمن أسباب محلية فاقمتها، مثل غلاء الورق وانهيار الليرة اللبنانية في مقابل الدولار، وعدم قدرة اللبنانيين على تأمين مستلزمات العيش، فكيف سيفكرون بشراء الكتاب الذي، حتى في زمن الرخاء، يعتبرونه من “الكماليات”، يتم تداوله بين قلة قليلة ومحدودة؟ إذ لا يتجاوز عدد النسخ من أي كتاب مطبوع بضع مئات، حتى قبل الأزمة. 

المكتبات خاوية تترنح، وسوق الكتاب في أزمة، ومعرض “بيال” معطل حتى إشعار اخر، مع أنه، حتى في زمن الحرب، لم يتوقف. كأن ارتفاع الدولار أقوى من الرصاص… أصحاب الشأن يتلكأون، من شدة يأسهم وضجرهم، في تلبية طلبات الزبائن. فبعضهم يعتذر عن البطء في التجاوب لانشغاله في استقبال ضيوف، والبعض الأخر يتذرّع بعطل في السيستم، او انقطاع في الكهرباء. وثمة من هم مشغولون في إشعال سيجارهم على رصيف حلّوا فيه نجوماً على شاشات التلفزة للحديث عن أزمات المهنة، وهناك من يتحدى موت المكتبات والكتاب بالإصرار على فتح المكتبة، رغم اعترافه بمشقة ما يقدم عليه. والمولجون بالاهتمام بالمكتبة لا يوفرون وسيلة تواصل معهم، عبر فايسبوك وأرقام للاتصال بهم كل مرة حسب توقيت معين. 

هذا، ولم نتحدث بعد عن الرضوخ للأمر الواقع، بالانتظار يومين أو ثلاثة حتى يتم تحضير ما تطلب من كتب. وعندما تتصل في الموعد المحدد، يكون الجواب سلبياً. كل هذا يحصل في عاصمة صغيرة تجتازها سيراً على الأقدام، وفي مختلف الاتجاهات، في أقل من ساعة. ورغم ذلك، تستلزم عملية تأمين كتاب، بضعة أيام، هذا إذا كنت محظوظاً. وأصحاب المكتبات لا يتصلون بك على سبيل المتابعة، بل عليك، أنت الشاري أو الزبون، أن تتابع معهم وتتصل لتتأكد إن كان قد تأمّن ما طلبته من كتب. وفي بعض المكتبات الديلفري، عليك أن تطلب الكثير من العناوين حتى تتحرك لخدمتك…

مملة ومضجرة حكاية تأمين الكتب، أكان لغاية المتعة أو اجراء الأبحاث والدراسات. وهناك مشكلة أخرى لا بد من ذكرها وتتعلق بالإعلان عن صدور الكتاب في إحدى دور النشر، وفي صفحاتها في وسائل التواصل الاجتماعي. الأمر الذي يجعل المرء يظن أن الكتاب بات متوافراً. إلا أن هذا الظن في غير مكانه، إذ أنك تواظب على الاتصال بالدار أسبوعياً من دون نتيجة، تحت حجة عدم استلامه، إما من المستودع أو من المطبعة.

تحمل هواجسك وتقرر كتابة عجالة عن أزمة الكتاب وترنّح المكتبات. يتخلف الجميع عن الرد، باستثناء مكتبة واحدة تعزو الأزمة إلى ارتفاع سعر صرف الدولار كما ذكرنا. أما الباقون، فأسبابهم واهية كالمرض، وإيقاف النشاط، ومع ذلك يستمرون في فتح مؤسساتهم والالتزام بدوام ساعات العمل منتظرين بادرة أمل في مدينة تقفل أبوابها عند الخامسة عصراً، مدينة لشدة بؤسها تتصحر، ويتصحر معها المشهد الثقافي برمته، من ضمن مشاهد عديدة كانت من وجوه بيروت المألوفة… فهل نعلق ورقة النعي للكتاب لهذه الأسباب مجتمعة؟ أو لعله التعبير عن أزمة بطريقة المفكر الفرنسي جاك دريدا، أي أزمة اللوغوس الغربي الذي يشملنا وجعل الكتابة، ولمئات السنين، تعبيراً عن الكلام المنطوق، وأن ترنح الكتاب المُعبَّر عنه بطفرة المكتبات ما هو سوى صورة عن هذه الأزمة في ظل انفلات الكتابة من القيود التي كبّلتها فبدأت كتابة الموسيقى وكتابة الجسد السبرنطيقا والرياضة…

وحده الوقت كفيل بالرد على سؤالنا سلباً أو إيجاباً، خصوصاً متى تركنا الباب مفتوحاً لتدلي الميديا برأيها. تقدمت الميديا المسموعة والمرئية على حساب المقروءة، هذه الميديا رغم سطحية المعرفة التي تقدّمها، إلا أنها تشهد انتشاراً واسعاً ربما للتكلفة البسيطة ولسهولة الحصول على معلومة. ذلك كبه أثر تأثيراً شديداً في الكتاب. على أن بيروت، التي عُرفت بوصفها مطبعة الشرق، وكانت تتوافر فيها الكتب على أنواعها، في مكتباتها ودورها، إلا أن هذا الامتياز يبدو وصل الى التبدد، وأسواق الكتب الواعدة بدأت بالاتجاه صوب دول عربية، خصوصا الخليجية، ومَن كانوا يزورون بيروت للتزود بالكتب، باتت بلدانهم تنتج كتباً كثيرة.. أصبحت لهذه الدول دُور نشرها ومكتباتها التي تنتج وتبيع كتباً كانت من اختصاص دور بيروت ومكتباتها، حصراً. فرفع الحظر عربياً عن نشر الكتب على اختلاف مشاربها، وتقلص نسبة التابو والخوف، أثرا تأثيراً شديداً في اختصاص اشتهرت بيروت زمناً طويلاً. 

*المدن