آلاء ياسين، دكتوراه في النقد الأدبي
مجلة أوراق- العدد 15
أوراق النقد
الملخص:
يتكون البحث الحالي الموسوم ب(دراسة في الأنساق الثقافية المضمرة لنماذج روائية مختارة تناولت قضية الإرهاب ) من أربعة مباحث، اختصّ المبحث الأول بالإطار المنهجي والنظري للبحث، وقد تلخصت مشكلة البحث بالتساؤل الآتي: كيف جسّدت الرواية ملامح الإرهاب، متمثلةً ضحاياه وجُناته؟ كيف صوّرت البعد الإنساني في مواجهة الإرهاب وانعكاساته لبناء موقف فكري شكّل مرجعية ضاغطة اعتمدّتها؟ كيف تمثلت الاعتداءات بحق الضحايا وقولبتها في خطاب سردي متفرد في خصوصيته وموضوعه وأسلوب عرضه؛ لتفعيل الموقف الجمالي في التصدي للإرهاب؟ وكان هدفَ البحث كشف ملامح الإرهاب في نصوص روائية مختارة. في حين اهتم المبحث الثاني والثالث والرابع بدراسة ملامح الإرهاب في الروايات المختارة.
وكانت أهم النتائج: أنَّ الأدب أمام الإرهاب يمثل عنصراً إشهارياً وإعلانياً، كونه يلتقط عشوائية العمل الإرهابي وسرعته وغفلة إدراك تفاصيله والهروب منه ويعيد طرحه ببطء وبثبات بلغة محكية، فيتيح للمتلقي فهم أبعاده ومعانيه التي تناساها بفعل الألم والحزن والرعب ورؤية ما لا يمكن أن يراه كأثر عنيف وتخريبي.
كلمات مفتاحية: النقد، الثقافي، الرواية، الإرهاب،الأنساق الثقافية.
مقدمة:
حاولت الرواية العربية في تمثلها للقضايا المصيرية والإنسانية كضحايا الإرهاب أو كمواجهة الإرهاب، نقل المعنى بعمقٍ من دون تحفظ؛ لذا فالروائي ينتقي الموضوع في أظهر تمثّلاته مأساويةً وأشد معانيه ألماً من خلال الانتقاء والحذف، وتخيل الحدث المؤثر عاطفياً وتقديمه بصورة يجعل فيها المتلقي أشد خصوم الإرهاب ثورةً وثأراً من خلال رفد الموضوع بدلالات مؤثرة في النفس تصلح لكل زمان ومكان؛ فضحايا الإرهاب هم متشابهون في معاناتهم، والإرهاب ليس له وطن محدد وتهديد الإنسان بوجوده، تشهد عليه أحداث التاريخ قديماً وحديثاً، فالأدب يَسمُ الأحداث بالديمومة والبقاء.
المبحث الأول: الإطار المنهجي للبحث
اتبع البحث المنهج الوصفي التحليلي في الروايات المختارة؛ إذ نجد الأدب يتصدى لتناول الواقع المأزوم، ويتخذ موقفاً فكرياً مناهضاً لجرائم الإرهاب.
- أهمية البحث
تتجلى أهميته في سعيه لكشف ظاهرة من أهم الظواهر على الساحة المعاصرة، وهي الإرهاب التي عانت منها المجتمعات جميعها والتي دأب كثير من الروائيين على توظيفها في خطابهم السردي بصورة يمكن من خلالها تسليط الضوء على أسبابها ودوافع مرتكبيها؛ لاستيضاح البعد النفسي والاجتماعي وراء شخصية الإرهابي، ومن ثم حجم الكارثة على حياة الضحايا وذويهم.
كما يمثل هذا البحث إثراءً ورفداً للأبحاث حول الإرهاب، ولاسيما المقاربات التي تربط بين الأدب والسياسة، فالأدب كونه سلاحاً إعلامياً، يقدم ترضية أخلاقية، ويكشف عن نوع من المسؤولية المجتمعية تجاه ضحايا الإرهاب وذويهم؛ كونه يؤرخ الجرائم في الذاكرة.
2. مصطلحات البحث
2_1: النقد الثقافي
يعود تاريخ المصطلح إلى عام 1964م، حيث شرع مركز الدراسات الثقافية المعاصرة بجامعة برمنجهام بنشر صحيفة أوراق عمل الدراسات الثقافية التي تناولت مواضيع ثقافية عدّة(1). غير أنّه لم يتبلور منهجاً إلا مع الناقد الأمريكي (فنست ب لتش)، فكان أول من أطلق مصطلح النقد الثقافي على نظريات الأدب ما بعد الحداثة، وذلك في كتابه الصادر عام 1992م، والذي اهتم بدراسة الخطابات في ضوء التأريخ والاجتماع والسياسة والمؤسساتية ومناهج النقد الأدبي (2)؛ إذ ربط بين النص والاتجاهات الأخرى في العملية النقدية الثقافيّة ، فقد حمل رؤية خاصة، ولاسيما في التعامل مع النصوص الأدبية والخطابات بأنواعها عبر أنساق ثقافيّة، تستكشف ما هو غير مؤسساتيُّ وغير جماليُّ (3)؛ أي إنّه أكد خصوصية الأنساق المضمرة في النص الأدبي.
ويحدد آرثر أيزربرجر النقد الثقافي بأنه: “نشاطٌ وليس مجالاً معرفياً خاصاً بذاته ….هو مهمة متداخلة، مترابطة متجاوزة متعددة؛ إذ بمقدوره أن يشمل نظرية الأدب والجمال والنقد؛ فضلاً عن التفكير الفلسفي، وتحليل الوسائط والنقد الثقافي الشعبي، وبمقدوره أيضاً أن يفسر نظريات بنقد الأنساق المضمرة التي ينطوي عليها الخطاب الثقافي بكل تجلياته وأنماطه وصيغه، ما هو غير رسمي وغير مؤسساتي ومجالات علم العلامات، ونظرية التحليل النفسي، والنظرية الاجتماعية الأنتربولوجية(4)“.
ولعلّ أهمية النقد الثقافي تكمن في جرأته وإمكانياته على التجدّد والإنتاج؛ إذ يواكب روح العصر، ويستلهم الواقع؛ لذا يحتاج إلى تأنٍ ودقة وعمق ومراجعة جادة، وهذا ما جعل النقد الثقافي يُعدّ نشاطاً فكرياً “يتخذ من الثقافة بشموليتها موضوعاً لبحثه وتفكيره ويعبّر عن مواقف إزاء تطوراتها وسماتها(5)”، فلم يكن بديلاً عن النقد الأدبي بقدر ما كان محاولة منهجية تتمحور حول استكشاف الأنساق الثقافية المضمرة؛ فضلاً عن كشف حيل الثقافة التي تتمارى في البوح عن كشف الأنساق الخفيّة، سواء أكانت تلك الأنساق مهيمنة أم هامشيّة، ولعلّ الحيل الجمالية البلاغية شكلت إطاراً قِناعيّاً تنطوي تحته تلك المضمرات الثقافيّة (6).
فالنقد الثقافي مصطلح معاصر يرتبط بتوجهات ما بعد الحداثة (7)، وقد برز هذا التوجه منذ سبعينيات القرن العشرين، ويؤكد أتباع هذا الاتجاه أن النقد الثقافي ليس منهجاً واضح المعالم محدد الأركان والزوايا؛ بل هو طريقة في القراءة تعتمد على الجمع بين كل الآليات العلمية والفنية والثقافية والفلسفية وعلى التحليل النفسي وعلى الأنثربولوجيا وعلم الاجتماع وغيرها من العلوم، هذا التوجه يتفق مع النظرة الثائرة على الثبات والتنظير الذي حاول تأطير الحقائق والمناهج في فترة الحداثة الغربية.
كما نوّع النقد الثقافي في أساليب القراءة وآلياتها وأوجهها، فقد تنوعت مجالات عمله، فشملت المجالات التقليدية للثقافة والمعرفة مثل الدراسات الاجتماعية والاستشراق، وكذلك الإشكاليات التي تواجه الإنسان المعاصر مثل الثقافة الإعلامية المرتبطة بالصوت والصورة …لذا نجد تداخلاً بين مصطلح النقد الثقافي، ومصطلحات مثل التأريخانية الجديدة، ونقد ما بعد الاستعمار.
وتتجلى أهمية النقد الثقافي في أنه “فرعٌ من فروع النقد النصوصي، وبالتالي فهو أحد علوم اللغة وحول الألسنية معني بنقد الأنساق المضمرة التي ينطوي عليها الخطاب الثقافي بكل تجلياته وأنماطه وصيغه، وما هو غير رسميّ وغير مؤسساتي وما هو كذلك سواء بسواء…وهو لهذا معني بكشف لا الجمالي، كما هو شأن النقد الأدبي؛ وإنمّا همّه كشف المخبوء من تحت أقنعة البلاغيّ الجماليّ (8)“، إذ تجعل من الاستقراء يأخذ على عاتقه الكشف عن خبايا النص للوصول إلى رؤية حداثية، تستمد معطياتها من المرجعيّات الثقافيّة الذاتية، حتى أصبحت مهمة الناقد الثقافي مختلفة عمّا كانت عليه_ في النقد الأدبي_ ليعتمد على الأنساق المضمرة وربطها بالمرجعيات الثقافية، الفكرية، والتاريخية، والاجتماعية، والنفسية، والأخلاقية والجمالية؟
2_2: الرواية
يقول روجر آلن: “الرواية نمط أدبي دائم التحول والتبدل، يتسم بالقلق بحيث لا يستقر على حال (9)“، وفي السياق ذاته يؤكد باختين واصفاً الرواية بأنها: “المرونة ذاتها، فهي تقوم على البحث الدائم وعلى مراجعة أشكالها السابقة باستمرار، ولابدّ لهذا النمط الأدبي من أن يكون كذلك؛ لأنه إنما يمد جذوره في تلك الأرضية التي تتصل اتصالاً مباشراً بموقع ولادة الواقع (10)“؛ لذا ليس من قبيل المبالغة أن يقول الناقد جون كبريس متحدثاً عن إشكال تعريف هذا الشكل الإبداعي الأدبي: “للرواية قدرة على امتصاص كل اللغات والانبناء على أي بنية من بنيات الواقع، الاجتماعي أو النفسي؛ لذا ينظر إليها بوصفها جنساً أدبياً يستحيل سيمانطيقيّاً وجمالياً (11)“. حتى المقاربة التصنيفية لأنماط الرواية تعترضها عوائق عدّة؛ لأن النماذج الروائية تبلغ من التعدد والكثرة حداً يعسر معه العدّ والحصر؛ وقد تبدى هذا التعدد منذ أولى مراحل تطور الفن الروائي.
2_3: الإرهاب
اصطلاحاً: التخويف terrorismأدخل هذا المصطلح إلى مجال النقد الأدبي من قبل الكاتب الفرنسي جان بولان، ويستخدم لوصف أسلوب الكاتب الذي يقيم حججاً لا أخلاقية وعدوانية وعادةً ما تكون متحيزة للرجل ضد المرأة(12).
وورد في معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، الإرهاب: “إيديولوجية أدبية تتأسس على رفض البلاغة وحجب عمل الكتابة، وقد استعمل ج. بولمان الاصطلاح كحجة على تخلف البلاغة، والإرهاب الفكري إرغام على تبني أطروحات ثقافية مخالفة (13)“.
وفي موسوعة السياسة نجد أن الإرهاب يعني “استخدام العنف غير القانوني أو التهديد به بأشكاله المختلفة كالاغتيال والتشويه والتعذيب والتخريب والنسف؛ بغية تحقيق هدف سياسي معين، مثل: كسر روح المقاومة والالتزام عند الأفراد وهدم المعنويات عند الهيئات والمؤسسات أو كوسيلة من وسائل الحصول على المعلومات أو المال، وبشكل عام استخدام الإكراه لإخضاع طرف مناوئ لمشيئة الجهة الإرهابية (14)“.
إذن الإرهاب هو: استخدام العنف بطريقة لا يشرعها القانون والدين لإخضاع الطرف الآخر وإرعابه؛ لتحقيق مصالح دينية أو سياسية، حيث تستخدم استراتيجيات منظمة أو عشوائية، تطال الأبرياء وتخلف ضحايا، وتهدم البنية التحتية للدولة.
2_4: الأنساق الثقافية
تقف إلى جانب النقد الثقافي، ظاهرة الأنساق الثقافية التي أشار إليها الغذامي، والتي اصطف إلى جانبها الكثير من النقاد الذين آمنوا بها أو تبنوها، فهي بكل بساطة دلالات اجتماعية، أخلاقية، دينية، جمالية…إلخ يفرضها الوضع الاجتماعيّ وتحظى بقبول المتلقي، وليس هناك للنسق الثقافيّ ثبات واستقرار؛ إذ يتحقق في نصوص محددة تسعى إلى النهوض بالموروثات والأعراف عبر مفاهيم المرجعيّات النخبوية، التي تضمّها جميعاً كلمة (الأنساق)؛ إذ تستعمل” كثيراً في الخطاب العام والخاص، تشيع في الكتابات إلى درجة قد نُشوّه دلالتها (15)“، والغذامي بذلك يؤكد فاعليّة تلك الأنساق وأهميتها، إلى جانب تأكيده على توضيح تلك المضمرات وتفسيرها وربطها بدلالة الخطاب بدون تناقض. ويشير نيكلاس لومان إلى الأنساق؛ محاولاً ربطها بواقع الإنسان الاجتماعي، وهذا واضح من خلال سؤاله: “كيف يمكن أن نتمثّل جسم الكائن بشكل منفصل عن البيئة المحيطة، ويكون منغلقاً رغم حاجته لكل ما يجري ببيئته، لكي يتمكن من الاستمرار في الحياة(16)“.
فالبيئة تفرض نفسها على النص، وهذا بدوره يولّد التأثر المباشر أو المضمر عبر نسق تتضمن فيه نقطة مركزية لها خصوصيتها الدلالية، ويؤكّد نيكلاس لومان إلى أنّ الأنساق: “تعتمد وتؤسس على التميّيز بين النسق والبيئة، أي على خط ورسم الحدود بينهما، حيث تتشكّل بيئة النسق من كل ما عداه! وليس المقصود هنا بالبيئة الطبيعيّة وحسب، بل كل البشر من حوله وكذلك كل الأنساق الأخرى استناداً إلى هذه الرؤية يمكننا تحليل كيفية قيام الأنساق (17)“، فالنسق يعكس طبيعة النص ويبيّن مدى أهميته وقيمته، إذ يفرز النسق المضمر نمطاً أدبياً جديداً تكمن آلياته بالنتاج الجديد للمعنى (18).
المبحث الثاني: دراسة ملامح الإرهاب في رواية فاليوم عشرة
يسلّط البحث الضوء على الهوامش الثقافية في الحياة العراقية منطلقاً من حياة القاع العراقية كنمذجة لصورة الوجع العراقي من خلال سلسلة الانتكاسات والأزمات التي مست الذات العراقية في صراعها مع الآخر حيناً، ومع الذات حيناً آخر.
تضعنا الرواية أمام احتمالات قراءاتها المتعددة؛ بوصفها بؤرة سردية للعديد من الإشكالات الدافعة للكشف عن وجوه أخرى للحياة، فلا يمكن انتزاع الرواية من الحاضنة السياسية، والاجتماعية، والثقافية التي تشتبك بها، فالروائي منبثق من مرجعيات ذات سياق ثقافي، ديني، اجتماعي، إثني، سياسي، ومن ثم فإن الكتابة تجسد منظور كاتبها؛ كونه منظوراً يقوم على القصدية أحياناً والكشف والإجهار والإشهار أحياناً أخرى بحثاً عن معان كامنة وأنساق مغيبة أو مسكوت عنها، هو نوع من استكناه مكامن البوح عبر وعي الشخصية لذاتها ومجتمعها من خلال إزاحة المألوف.
ففي رواية خضير فليح الزيدي (فاليوم عشرة) موضوع هذا المبحث، تتضح فاعلية النص من خلال إدراك سرديات النص الروائي، فهناك تحريض على تقصي مكامن النص وحمولاته الرمزية والدلالية وطبيعة تعالقاته المتبادلة بين الوقائع والشخوص والتاريخ بمستوياته الزمنية، والرواية العراقية بمرجعياتها النفسية والثقافية والاجتماعية والأيديولوجية خضعت لهذه التفاعلات وهي تعيش تمظهراتها داخل البنيات المفتوحة للأنساق السردية.
إن القراءة الناقدة تضعنا أمام إشكالية البحث عن الأنساق الثقافية في الرواية. “والنسق هنا من حيث هو دلالة مضمرة، فإن هذه الدلالة ليست مصنوعة من مؤلف ولكنها منكتبة ومنغرسة في الخطاب، مؤلفها الثقافة ومستهلكوها جماهير اللغة من كتاب وقراء(19)“
فالقراءة توجهنا بنوع من القصدية إلى شغف الكشف عن الوقائع والوثائق بما فيها وقائع الحرب المضمرة بمستوياتها السياسية والاجتماعية، ووقائع أنساق القاع العراقي المخبوءة في ثنايا السرد، فيحيد نظر القارئ من متابعة حياة شخصيات الرواية إلى أرشفة مريرة للواقع العراقي.
1) ثقافة الفضاء التدميرية: يؤكد الزيدي مسار الروائي في قراءة الهوامش في المجتمع العراقي، ويقوم المعجم اللغوي لشخصيات الرواية على أشياء هي ناتج أنساق الثقافة في المجتمع العراقي بعد عام 2003 من انفجارات وإرهاب سلطوي وسياسي وإباحة المحظورات من حبوب مخدرة وشذوذ وأماكن موبوءة. والرواية في منجزها الأدائي تناظر الأداء المسرحي في استقصاء الروائي لمشاهد مهمة موغلة في البؤس والألم من الحياة العراقية، إذ تميل الرواية إلى تقنية التشظي، فليس هناك حدث متسلسل يتنامى ويتطور درامياً معلناً نهاية الرواية بل يبدأ النص من نقطة تلاشيه وانتهائه معلناً عودة سلام الوافي الشخصية الرئيسة في الرواية والتي نتلقى الأحداث من خلالها ونتعرف بقية الشخصيات في الرواية من خلال حوارها مع نفسها أحياناً بطريقة الاستذكار أو من خلال حوارها مع الشخصيات الأخرى، إذن يبدأ النص معلناً عودة سلام الوافي بتقرير مصور عن فلم وثائقي إلى وكالة (جو الفرنسية) الأخبارية معلناً خطاب الرئيس والخليفة في آن معاً.
ويأخذ النصّ مساره السردي بإعلان خطاب الرئيس المعلن بتاريخ جديد محدد (10 /6 / 2014)
بسم الله الرحمن الرحيم: أيها السيدات والسادة سنذيع بعد قليل الخطاب التاريخي للرئيس، إلى ذلك نسترعي الانتباه (20) “
مشيراً إلى تاريخ سقوط الموصل وبداية توغل حاضنة الإرهاب إلى الأراضي العراقية بدخولها الموصل دون إشهار لشخصية الرئيس أو تسميته؛ بل بإضمار لنسق سياسي مبطن، معلن في ولائه، مضمر في قصديّته. وفي نسقٍ موازٍ يصدح خطاب الخليفة القادم بسلطة الدين والمتسلح بمفاهيم الشريعة وأحكامها إلا أنه في الحقيقة قادم برداء الدين ومتبنٍ لسياسة القتل والتطهير العرقي تحت مسمى الدين والدولة الإسلامية والشرائع.
يبدأ الروائي حديثه بنسقين متضادين نسق الدولة المدنية ذات المرجعية المؤسساتية، والمتضمن تشريعات الحكومة العراقية ودستورها وقوانينها، ونسق الخلافة الإسلامية المزعومة المشرّعنة لظاهرة الخلافة القديمة والخليفة القائم بأمر الله؛ مؤسسة دولة ترتّد لمتحف التاريخ، ومؤسسة دينية ذات شرعية تاريخية_ عقائدية.
يبدأ الخليفة خطابه بنبرة كهنوتية مستدرجاً مشاعر الناس “بسم الله الرحمن الرحيم: إلى المؤمنين كافة. هلمّوا إلى الصلاة خفافاً إلى جامع النور الكبير، سيخطب الخليفة_ أطال الله في عمره _في الجمع المؤمن بعد قليل (21)“.
وفي الوقت الذي أفرد الفلم الوثائقي الذي عرضته القناة الفرنسية France 24 arabi مساحة لكلا الخطابين إلا أنه لأسباب غير معلنة، ومن وجهة نظر الشخصية الرئيسة في الرواية “لم يتوغل في تفسير أو نقل خطاب الرئيس الذي بث عقب الانسحاب، في المقابل أفرد مساحة جديدة بغزل واضح لخطبة الخليفة في مسجد المدينة المحتلة (22)”.
وفي عرض الروائي لنسق النهايات في بداية الرواية، ممثلاً بسقوط الموصل وامتثال القيادات العسكرية لهذا الأمر؛ قد أفصح عن الخلفية الثقافية التي ترتكز عليها الرواية في تبنيها لمشروع الأزمات والنهايات التي تطال أحداثها وشخصياتها “حيث يندس الإيديولوجي في المشهد؛ ليؤدي دوراً أساسياً في إنتاج الفضاء الروائي وفي إنتاج المعنى (23)“.
تبدو أزمة المكان في الرواية جزءاً من أزمة الشخصية؛ لأن الشخصيات في الرواية تعيش أزماتها الوجودية واغتراباتها الداخلية تحت هاجس متاهة المكان وفوضويته؛ متمثلاً بالوطن كتكوين مؤسساتي لا بجغرافيته المعلنة، إذ هوت أغلب قيم الوطنية والمواطنة والهوية وتحول إلى وطن غير صالح للاستعمال أو الاطمئنان.
تدور أحداث الرواية حول عودة الشخصية الرئيسة في الرواية (سلام الوافي) والذي يعرف عن نفسه “أنا سلام محمد عبد الله الوافي، أنا الأخ الأصغر للعقيد غسان بطل الانسحاب الأكبر، جئت إلى بغداد في يوم 14 حزيران من عام 2014 بعد خطاب الرئيس بثلاثة أيام، صادف أنه يوم سبت، بعد غربة قاسية، مبتعداً عن هموم وطن حبة العدس، استمرت لثمانية عشر سنة بالتمام، جئت بعد سقوط الموصل ومدن أخرى مباشرة على يد برابرة جدد، برابرة يتحركون بريموت كونترول (24)“.
إيديولوجية العودة أنتجت بشكل معلن عملية تقشير للفضاء الروائي، فالفضاء العراقي ظهر بصورة مناقضة لمرويات المنفى وما ترويه أو تمارسه في طقوس حنينية للفضاء، وهذا ما يؤكده السارد حين عودته “بغداد مدينة غير عادية مقلاة ساخنة، يشوى فيها البشر كل يوم، بغداد الآن غير بغداد الكتب الصفراء(25)“.
تعمد الرواية إلى فضح تشظي الذات العراقية على أعتاب حروب وويلات وحصار وهزائم وصراعات طائفية وتحولات سياسية واجتماعية، لقد نسف سلام الوافي المقولة التي تشير إلى أن العربي يصبح أكثر التصاقاً بوطنه، كلما ابتعد عنه مكرهاً وها هو ذا يصرح بذلك “تبين أن الوطن ليس الأرض… كنت واهماً كثيراً، كندا قدمت لي على طبق من ذهب وطناً بديلاً محاطاً بالسلام والأرض والحنان، عادت لي إنسانيتي من دون مقابل، تغيرت النظريات الحماسية بخصوص فكرة الوطن أرض الآباء والأجداد هو مسقط رأسي (كلاوات عراقية) بمعنى وهم عظيم، مثلاً باسمه مات الكثير وسيموت المتبقون أيضاً (26)“.
يبنى السرد الروائي على جحيمية الفضاء الروائي من حروب وحصار وهزائم وموت جماعي وإرهاب واحتلال مدن وانسحاب، مفردات أصبحت مفاتيح روائية لكل روائي أراد الحديث عن التجربة العراقية مع الموت، ثقافة الموت التي شرّعنت نسقاً مضاداً لنسق الحياة، فالموت يحدث بكل الطرق، حروب، حصار، إرهاب، انفجارات، الموت أصبح فكرة عراقية رائجة “الفكرة العراقية خالصة يا صديقي وغير مستلة من كتب التاريخ الإسلامي في الاستشهاد، أو في الموت الحضاري المشع … نحن باختصار شعب الله المهمش لكل أنواع المآسي منذ انكيدو ليومنا هذا، حروب واحتلالات وقتل جماعي ومجاعات وحصارات وفقدانات، كل شيء وحسب ما تشتهي النفس من الضيم (27)“.
هذا الفضاء الجحيمي وفي حيلة سردية من الروائي إلى الترويج في الرواية لرابطة (كفى) أو (رابطة الموت الجماعي)(28)بعد أن غدا الموت حالة طبيعية، هذه الرابطة تجعل من المنتمين لها يحصلون على الموت اختيارياً، وهذا ما حصل للعقيد غسان أخو أخي سلام الوافي؛ ليعلن نهايته المأساوية في انتحاره المعلن؛ للتخلص من شبح الهزيمة بعد الانسحاب من الموصل، فشخصية العقيد غسان بقيت تعيش عقدة هروبها وانسحابها، ويتحول هذا الهاجس إلى سلسلة من الإكراهات الداخلية التي يمتزج فيها الحسي مع المعنوي مع اللغوي التعبيري، فالعقيد غسان يعتزل الناس ونفسه في غربة داخلية من خلال لجوئه إلى الصمت، وهذا يعكس في الحقيقة موقفاً أو نسقاً ضمنياً، يمليه العجز والاحباط وثقل المنفى الداخلي العميق، فكان موته بطيئاً غير معلن وتعبيراً عن واقع يعيشه الناس، إذ يفرض الوضع في عراق ما بعد 2003 وما بعد سقوط الموصل تحديداً مأزقاً ذاتياً تعيشه الشخصية العراقية في علاقتها بالقيم والواقع والذاكرة. يمثل العقيد غسان أيقونة الحيرة العراقية الواقعة بين سلطة الواقع السياسي وسلطة الذات، وهذا ما جاء على لسان بطل الرواية سلام الوافي “فالعقيد يمثل لي رمزاً لعراقيتي المهدورة التي بددتها السلطات المتعاقبة والمنتهكة من الآخرين خاصة عندما غدا البلد مجرد خريطة تقرض فيها الفئران لتكون كحبة عدس شاحبة (29)”.
نحن إذاً أمام نص روائي يفتقر إلى خطة سردية، تنتظم أحداثه ووقائعه ضمن نفس حكائي واحد، فالذات الساردة لا تستوقفها الوقائع بقدر انصياعها إلى مأساوية عالم منحط منكفئ على ذاته (30)، لا نقرأ فيه سوى الأنقاض، أنقاض المدن، والإنسان والأشياء.
2) التقانة وأثرها على النسق: عودة بطل الرواية (سلام الوافي) من كندا إلى العراق؛ لتسجيل فلم وثائقي عمّا يجري في العراق لصالح وكالة جو الفرنسية، أنتج عملية تعرية للفضاء والبيئة العراقية بصورة محلية، فإنتاج الفلم التسجيلي داخل الرواية أصبحنا أمام ميتا الرواية من خلال بث الحقائق والأرقام والشخوص والأمكنة في صورة بث تسجيلي، واستثمار الروائي لتلك التقنيات في عملية الكشف وإشهار المعنى، فالمعنى ما عاد محصوراً في تقانة القراءة وشخوصها المعنيين بل في الأشياء أيضاً (حبوب الفاليوم و الهلوسة) “التي تنسي متناولها مدن النكبة في الموصل وبغداد والبصرة (31)“، هي نقاط بوح وإجهار عن فساد المؤسسة السياسية والاجتماعية والدينية، كما صور الفلم لقطات من سقوط الموصل وتسليمها إلى داعش من قبل مجموعة من الضباط المتآمرين، “الفلم الوثائقي الذي عرض بعد لحظة الإنكسار التاريخية عبارة عن ريبورتاج لقصة الانسحاب معمولاً بسياسة خبيثة (32)”؛ بمعنى أن هذه الأشياء أصبحت شكلاً من أشكال الأنساق التي تحكم المؤسسة السياسية والدينية في المجتمع، وربما أراد الروائي من استخدام هذه التقنية، منح الشرعية والمصداقية لوجهة نظره.
ويبدو تأطير المشهد في الرواية بدءاً باستعمال تقنية C.D والفلم الوثائقي، وانتهاءً بمعاقرة حبوب الإدمان والهلوسة والترويج لها كنوع من الهروب من أزمة النكسة وسقوط الموصل، إنّه ببساطة على حد تعبير أحد الشخصيات “إذا أردت اعتياد الوضع هنا إما أن تبلع أو تشلع (33)”.
وصولاً إلى الأدوار التي يمنحها الروائي للشاشة في تشكيل الصورة المؤسسة للمشهد، كما لو كانت الكتابة الروائية لا تكتفي بأن تجعل القارئ يشعر فقط؛ بل تحرص على جعله يرى أيضاً. ويتكلف السارد أولاً ثم الراوي العليم ثانياً الذي يسجل مناوبة مع السارد الرئيس في الرواية (سلام الوافي) عملية انشطار للمشاهد والتنقل بينها؛ بغية التركيز على صور معينة أو مشاهد في بنية النص الروائي، إذ يتوقف حيناً للحديث عن نفسه أو عن أحد الشخصيات في الرواية أو واصفاً لبعض الأحداث التي لا تعدو أن تكون صوراً لمشاهد تحدث يومياً في العراق، وكأني بالسرد كاميرا متنقلة تنقل مشاهد متنوعة يتم تجميعها بتقنية، واختيار هذه التقنية ليس مجرد لعبة جمالية مجانية مفرغة من القصد في السرد، إذ ثمة أولاً نوع من التوثيق لنسق مضمر يتحرك دونما شعور يتغلغل في أعماقنا وفي فضائنا بحرية مكشوفة ومقصودة متوسلاً بالعمى الثقافي في مجتمعنا خصوصاً أن الصور التي جيء بها لا كسؤال بل (كجرح) غائر في مجتمعنا (الهزيمة)، (الفساد السياسي)، و(الفساد المجتمعي) متمثلاً بظاهرة الإدمان، فيرتقي الفضاء اليومي من مجرد تفصيل تلتقطه نظرة هشة إلى أعمق ما في الواقع من هشاشة تاريخية ووجودية.
3) نسق العبث و مركزية اللاجدوى: لقد كان للعبث حضوره المركزي في تشكيل الكثير من السرديات الحديثة، فجاءت في جانب كبير منها فوضوية الطابع تدميرية لكل انتظام، وقد كانت هذه التدميرية ضرورية لهدم واقع فقد شروط صلاحيته وتكوين واقع آخر بديل يخرج عن طبيعته المنتظمة إلى دائرة أوسع وأعمق، وفي ظل شتات الهوية والمواطنة وفوضوية الواقع، ظهرت الرواية العراقية الجديدة “بعد التغيير متلائمة في شحوبها وملامحها القاسية من ناحية وصيحاتها ووحشتها المرة من ناحية أخرى مع شحوب ووحشية واقع الفرد العراقي الذي ما زال في بداية تعرفه إلى هويته الوطنية الجديدة التي لم تتضح معالمها بعد بفعل ضبابية الوضع العراقي الجديد، كما لم يتضح الدور الفعال الذي على الفرد العراقي تجسيده داخل مجتمعه الجديد بأحداثه وتقلباته إلا في وضوح دوره في لعب دور الضحية الذي أجاده بامتياز (34)“.
يتخذ الروائي من العبث واللاجدوى تقانات مركزية يشيد بها نصه الروائي، وقد كان للعبث حضوره المركزي في الرواية فجاءت ذات طابع فوضوي بفعل شخصياتها وأدائهم التدميري لأنفسهم ومجتمعهم، شخصيات نتاج واقع عراقي مرتبك وفوضوي، يعرفنا الراوي العليم عن شخصية أبو العوف “أبو العوف هذا ليس بعثياً أو شيوعياً أو إسلامياً هو خلطة سحرية عجيبة لشخصية أفرزها الواقع ما بعد الموصل والهزيمة، سحنته لعنة الحياة العراقية بكل صلفها، وأنتجت لنا هذا الرمة (35)“.
وبذلك شيد الزيدي فضاءً استعارياً يستتر خلف الفضاء الواقعي، اتخذ من هوامش ثقافتنا العربية والأزمات التي تمر بها الذات العراقية أداة للاحتجاج على سلسلة الانكسارات السياسية، كي يقرأ خطاب الهامش، خطاب الصمت، خطاب الظل، فما عادت شعارات الوطنية والهوية تمثل الصدارة في أنساقنا الثقافية، لقد حلّ محلّها خطاب بديل، مضمر يتستر خلف رداء الثقافة والحرية الجديدة، معلن في إباحيته، مضمر في قصديته، فشرّعنة الإدمان والشذوذ ليس إلا نتيجة لتحلل مكونات مجتمع بأكمله … مكونات ثقافية بيئية اجتماعية، فسقوط المدن، وانحدار مستوى القيم، وتشتت الولاء، والهوية المزيفة والمشتتة…كل هذا دفع بأنساق الثقافة البديلة إلى التغلغل، فأصبحت ثقافة متأصلة لمجتمع تتهاوى أركانه. لكن ظهور رواية بهذا المستوى من الفضح والكشف يُعدّ بحد ذاته تحدياً لنسق الرواية التقليدية أو الكلاسيكية وهي تكتب بصيغة جمالية صورة الوجع العراقي المزمن أو تؤرخ لأدب الوجع العراقي (36).
وقد يكون انحدار الأدب الروائي إلى هذا المستوى من السفه هو دليل ثقافي مضمر لانحدار الوطن المنتج لهذا الأدب.
ينهي الروائي روايته بجزع تجرعه ويتجرعه العراقيون باستمرار، إنه الموت المستمر الذي حصد ويحصد آلاف الأرواح العراقية “لم أر في حياتي ميتة كهذه…هل يبكي الميت من دون دموع؟ تلك مهزلة عراقية كبرى تضاف لمجموعة المهازل … عادي جداً فأنت في بغداد يا صديقي (37)” وبهذه الكوميديا السوداء أنهى الكاتب روايته بإشارات لا تخلو من همس عميق حول جدل الهوية والوطنية، رواية تؤرخ لجيل الخيبات والهزائم، رواية لا تبتعد عن محرقة الحرب، حيث شبح الموت والهزيمة يلاحقان أبطالها، ظهر سلام الوافي رمزاً ثقافياً لجيل عراقي بأكمله تتصارعه الرغبات وتموت منه الأحلام، جيل اللا جدوى.
تبقى رواية (فاليوم عشرة) سؤالاً وشاهداً هل الخطاب الروائي بعدّه منتج لغوي، إيديولوجي، ثقافي هو نتاج عراق ما بعد 2003م أم نتاج أنساق الثقافة المضمرة التي جعلت منه أرضاً للنزاع والتناحر منذ عهد البرابرة والمغول (38)؟.
خلاصة هذا المبحث:
1. الرواية في منجزها الأدائي تتقصى قراءة الهوامش في الثقافة العربية بأنساقها الصريحة والمضمرة، أما الدراسة فقد سعت إلى الكشف عن النسق الثقافي المضمر وما يتوارى خلفه، لكونه نسقاً خطيراً يتغلغل ثقافياً، فيمارس دوره وتأثيره دونما رقيب متوسلاً بالعمى الثقافي.
2. يستدعي الروائي في رواية (فاليوم عشرة) بتمثلات مشهدية صوراً سردية على شكل حلقات القص، حاول بتلك الصور والمشاهد السردية، كشف ما يخفيه المجتمع العراقي من أنساق ثقافية مضمرة، كرست خطاب ديني واجتماعي، كما كرس الروائي جهده في اختيار شخصيات من قاع المجتمع العراقي.
3. وبذلك فإن الرواية تضع ثيمتها على حياة القاع العراقية وعلى المهمش والمسكوت عنه في المجتمع العراقي، فتغوص في أعماق الذات العراقية المسحوقة في اختيارها لمناطق (الباب الشرقي، التنك، الحواسم، البتاوين).
4. منحنا الروائي في توظيفه لهذه المناطق قوة الإحساس بأنّ الحكاية حقيقية ليست تلك التي تمر في الفضاءات المفتوحة بل هنا بالذات في الأماكن الضيقة والمهمشة والمنسية.
5. وقد وجدنا أن نص الرواية يدفع بفكرة النسيان، ويكرس الموت واليأس والخوف، فقد قدم السرد تناظراً بين الذكرى والنسيان بدءاً من العنوان (فاليوم عشرة) الذي شغل بثنائية التسمية والوصف، تأتي الذكريات من الماضي القريب حيث الحروب والحصار والحزن، ويأتي النسيان من الحاضر المبهم في تناول حبوب الإدمان من خلال طرح (معاقرة حبوب الهلوسة) كحل للأزمة النفسية المعاشة، إذ سعت الرؤية السردية إلى تمثيل الخراب الداخلي الذي أصاب مجتمعاً بأكمله ثم انهيار نظام القيم وتلاشيه.
6. عالج النص الحرب كنتيجة وليس كأثر، فقد تعطل إيقاع الحياة وغابت الأشياء الجميلة، وتناثرت الهوية الفردية والوطنية، وتشتت الولاء، وأصبح الوطن لا يعني لأبطاله شيئاً سوى ذكرى متراجعة إلى الوراء، وكأن الانتساب والهوية، قد انتزعا مع استلاب الوطن واغتصاب أرضه.
7. عرض الروائي من خلال تقانات القرص والفلم شكلاً جديداً من أشكال إعلان الأنساق التي تحكم المؤسسة السياسية والاجتماعية ووسيلة جديدة في كشف وإجهار المعنى.
8. سقوط المدن تبعه سقوط الإنسان والأشياء، فأنهارت المقومات المجتمعية، وفقدت الشخصيات ثقتها بذاتها وبانتماءاتها، فتجسدت الفوضى والعبث الذي كان له حضوره المركزي في الرواية، فيحل الاستثناء محل القاعدة، إذ تمارس الشخصيات أداءها التكفيري بالإدمان أو الهرب أو الموت.
9. كانت هذه التدميرية ضرورية لهدم واقع فقد شروط صلاحيته؛ لتكوين واقع آخر بديل، إنه يقترح تطهيراً للمجتمع وإعادة بنائه بعد انهيار المنظومة القيمية والأخلاقية لأبطاله الذين يعانون رهاب الحرب، والحصار، والانفجارات، والموت، والهزيمة، وكأن لا أمل ولا منقذ لأبطاله إلا الموت الذي كان النهاية الفعلية لأبطال الرواية.
10. قدمت الرواية لغة جريئة في تفسير التابو وعرضه وهو تابو المثلية الجنسية، ووجهت انتقاداً مضمراً له من خلال عدة شخصيات في الرواية، إذ رسم لنا الروائي نموذجاً للشخصية السلبية النمطية وصورة فضائحية لتلك الممارسات اللاأخلاقية، وقد طرح التابو كإشكالية في تكوين مجتمع مفكك من منظور كون التابو هنا غير إنساني أو حضاري.
11. يخلق الحوار بين الأنا _الأنا، والأنا _الآخر المخبوء تحت حبوب الفاليوم نوعاً من فسحة الذات، تجتاز بها عتبة الراهن الكابوسي باتجاه فضاءات أخرى، تنتزع من النفس أغلالها وتمنحها نشوة سرابية سرعان ما تبددها يقظة الشخصية على واقعها اليومي.
المبحث الثالث: دراسة ملامح الإرهاب في رواية إرهابيس للكاتب الجزائري عز الدين ميهوبي
يعد العنوان العتبة الأولى للنص، يعمل على إغواء القارئ واستدراجه شيئاً فشيئاً للدخول إلى عالم النص. وأعتقد أن الروائي باختياره لهذا العنوان إرهابيس يكون قد حقق فيه وظائف متعددة، وضمّنه عناصر مهمة من حيث الشكل والمحتوى، تحث القارئ وتغويه ليدخل عالم الرواية ويتواصل معها بفاعلية، ويكشف المستور. ومن بين أهم الوظائف المتحققة في هذا العنوان، الوظيفة الإشهارية التي من شأنها أن تساعد على تسويق الرواية وتحقيق مبيعاتها؛ فعنوانها قد كسر السائد وخرج عن المألوف. إن العنوان إرهابيس هنا يتعدى كونه بنية لغوية خالصة منغلقة على نفسها، فقد حاول الروائي في إرهابيس الحفر في الأعماق القصية للتربة الحضارية في محاولته تفكيك سؤال الإرهاب ومعالجته من جوانب عديدة منها، إذ وضع الروائي عنوان روايته هكذا “إرهابيس” ثم كتب في الصفحة الداخلية IRHABIS(TAN) أرض الإثم والغفران، وكأن هذه اللاحقة لا تجعل من الكلمة عربية أصيلة، وإنما هي كلمة دخيلة على العربية، تشكلت في سياق آخر مخالف لها _ وهي هنا_ ترتبط بمفهوم شحنته الثقافة الغربية الحديثة ومعها الثقافات الأخرى ومنها ثقافتنا العربية المعاصرة المغلوبة على أمرها في معظم الأحيان بشحنات مدروسة وألبسته لبوساً خاصاً، ووجهته لتحقيق أهداف حددتها بدقة من أجل محو مفاهيم أخرى محددة وإبطال مفعولها و إزالتها؛ هذا المفهوم هو مفهوم الإرهاب في مقابل مفهوم المقاومة المشروعة .
يشير الروائي هنا إلى ماركوس قائد السفينة وهو يشير بيده نحو قوس داروين الصخري العائم في البحر، ويقول للصحفيين: “انظروا، إنها معابد البحر …معابد لن تجدوها في بلدانكم المتخمة بالحداثة …هل تعرف داروين؟ ولا يهمه إن سمع مني جواباً فيسترسل في القول: كان هذا الإنجليزي يأتي هنا ليتحدث مع السلاحف، ويقرأ تجاويف الصخور، ولما يعود إلى بيته في الجزيرة الهرمة، يقول: إن الإنسان كان في الأصل سمكة فسلحفاة ثم قرداً … ولا أعرف من أين أتى بهذا الكلام الفارغ. هل رأى القردة تقرأ شكسبير والسلاحف تردد أشعار كيبيلنغ! (39)“.
لعل الإشكالية تبدأ من حديث داروين صاحب نظرية النشوء والارتقاء الذي درس أصل الإنسان وصنفه تصنيفات محددة حسب مراحله التطورية، إن المسألة تبدأ من هذه النظرة العرقية الاستعلائية التي وظفت العلم بطريقة معوجة. لقد”أحسن أولئك الذين طمسوا اسم داروين من الخريطة، وأطلقوا على الجزيرة اسم إرهابيس تخليداً لأسطورة أتلانتس الغارقة في قاع المحيط، غير أن أهل هذه الجزيرة يسمّونها إرهابيستان (40)“.
ويبدو ماركوس الشخصية الرئيسة في الرواية وقد حنكته التجربة والخبرة في رحلاته المتتابعة إلى جزيرة إرهابيس المهجورة، التي ترحب بزوارها من ذلك ما قاله أحد القادة العسكريين عندما نزل المسافرون على متن مونكادا: ” أهلاً بكم في إرهابستان أو إن شئتم إرهابيس..لن تجدوا هنا أضواء لاس فيغاس ولا أبراج دبي، ولن تجدوا مطار فرانكفورت، ولا ميترو موسكو … لكنكم تجدون رجالاً يريدون تغيير العالم (41)“.
من هم الذين يغيرون العالم؟ هل الإرهابيون هم الذين يغيرون العالم؟!!
تعد هذه الرواية مثالاً حيّاً لتفاعل الخطابات وتضافرها وتآزرها وتلاقيها وتحاورها وتناصها، وربما تصادمها أيضاً، فالخطاب الأساسي هو الخطاب الأدبي بما يحمله من خصوصيات شكلية ولغوية وأسلوبية وموضوعية لها علاقة بالمحتوى الحضاري _الثقافي الذي تعالجه، ومن خصوصيات فنية وجمالية وبلاغية أيضاً، تحفظ لها مكانتها في عالم الرواية وعالم الأدب. وهكذا فإن إرهابيس بعدّها خطاباً أدبياً روائياً سردياً، تنفتح على خطابات أخرى اندمجت معها واحتوتها وحاورتها ووافقتها وتبادلت التأثير معها، وبكلمة أخرى، تفاعلت معها في خطابٍ واحد يحاول أن يفكك سؤال الإرهاب.
من بين أهم الخطابات التي كان لها قيمة وأثر واضح في رواية إرهابيس: الخطاب السياسي؛ لأن سؤال الإرهاب مضمخ بالسياسة؛ لأن الإرهاب سياسة، وكلاهما صناعة في المخابر الاستراتيجية العالمية، يتم تسويقها والترويج لها والإشهار بها؛ بل والتشهير بها أحياناً أخرى بواسطة خطاب آخر صُنع هو أيضاً في المخابر نفسها هو : الخطاب الإعلامي، هذا الخطاب المهم المؤثر في غيره من الخطابات والمتأثر بها في الوقت نفسه؛ فهو الذي يقوم بتوجيهها وتأجيجها، وهي التي تزيده تأثيراً وفاعلية، وتجعله يعبر الحدود والآفاق، وتحاول كبح جماحه، والحد من تأثيره أحياناً أخرى.
فالسياسة إعلام، والإعلام سياسة، والإرهاب سياسة وإعلام. وهنا يدخل خطاب آخر على خط المواجهة بقوة: هو الخطاب الديني بعدّه الخطاب المرجع الذي يتم تصويره في سؤال الإرهاب على أنه العقل المدبر غالباً، وعلى أنه الضحية أحياناً أخرى، المهم أنه يتشابك مع الخطاب السياسي والخطاب الإعلامي؛ لتزداد مساحة الخطابات اتساعاً وتفاعلاً في إرهابيس الرواية، وفي كاتبها أيضاً ، فهو الشاعر والكاتب و الإعلامي والرسام والسياسي .
” هذه ساحة أتلانتس…
نزل مانكو من سلم حجري، وتبعناه صامتين مشدوهين كأننا قطيع أغنام، ولما بلغنا سطح المكان المفتوح، قال لنا: انظروا إلى هذه الإشهارات المضيئة، و اقرؤوا ما فيها…تشير اللافتة الأولى إلى اسم الضاحية الحمراء، وبجانبها صورة لقبعة وسيجار. قال كوستا: إنها إشارة لتشي غيفارا…فعالجه مانكو برد سريع: الكوماندانتي…وليس تشي غيفارا . ليس صديقاً لك يا سيد كوستا
طبعاً طبعاً..
وحملت اللافتة الثانية اسم الضاحية الخضراء تعلوها صورة صومعة وسيف، فضحكت وقلت: بلا شك هذه اللافتة تشير إلى الحركات الإسلامية المسلحة ؟
وهل خشيت أن تقول أسامة بن لادن ؟ قال مانكو
وكتب على اللافتة الثالثة الضاحية السوداء ورمزها جمجمة ورصاصتان، لا أظن أنهما تعنيان الثورة والسياسة. قد تكون المافيا و المخدرات (42) “.
تزاحمت العلامات السيميائية في النص، أمّا الألوان: الخضراء والحمراء والسوداء فقد شاع استخدامها في الخطابات السياسية والإعلامية والدينية والقانونية أيضاً، وهي مشحونة شحناً إيديولوجياً واضحاً.
إن الذي يقرأ هذه الرواية وهي تعالج إشكالية الإرهاب وتحاول تفكيكها يستشف مسألة محورية فيها، هي : العلاقة بالآخر، وهي مسألة جوهرية مطروحة بقوة على طاولة الحضارة العالمية المعاصرة وبخاصة بعد 11 أيلول عام 2001. فنحن لا نعرف الآخر، والآخر لا يعرفنا، وهذا ما يفسر العلاقة بيننا و بينه، فهي أقرب إلى القطيعة منها إلى التواصل و التفاهم.
إن الضواحي الحمراء و الخضراء و السوداء تلتقي كلها في هذه الجزيرة . وإنّ لها برلماناً ولا أحد يجرؤ أن يفرض رأيه بالقوة، الموت هنا ممنوع (43) ” . ولها دستور وعلم وعملة نقدية ونشيد وطني، يعتمد إيقاع موسيقى (أفول الالهة) للموسيقار الألماني ريتشارد فاغنر، تقديراً لهتلر الذي كان معجباً به (44). ولإرهابيس بيان تأسيس كما يظهر في أدبياتها وهذا نصه كما في الرواية : ” شعوراً منا بالحاجة إلى عالم بديل، ليس فيه مرتزقة باسم القيم، ولا سماسرة باسم الثورة، ولا أنبياء يدعون العصمة في عصر النفاق، ولا زعماء يصنعون المجد من جماجم شعوبهم، فإننا نحن الذين أعلنا الحرب على عالم مزيف، وشعوب خنوعة، وساسة يمتهنون الكذب والنفاق، وعلى أفكار تقتل حق الإنسان في أن يرفض ويقول لأ، وعلى إيديولوجيات خبيثة وماكرة، قررنا هجرة هذا العالم الموبوء، وبناء عالم مختلف أسميناه على بركة الله إرهابيس يلتقي فيه القاتل والديكتاتور الذي يرى القوة وسيلة للاستقرار، والمتاجر في السلاح والمخدرات لتحقيق أمنية الحق في الموت الرحيم، إنها ليست فلسفة طوباوية ، لكنها حقيقة العالم الذي لا يعترف به الآخرون ليبارك الله إرهابيس (45)“. توقيع الآباء المؤسسون (46).
هذا هو البيان السياسي المؤسس لإرهابيس كدولة لها زوارها و روادها و ساكنوها الذين لا يموتون .
بل وأكثر من ذلك؛ فإن لإرهابيس دستوراً ينظم إدارة حكمها ويحدد نظامها السياسي من الناحية القانونية . جاء في ديباجة هذا الدستور ” إرهابيس ليست دولة و لا مملكة ولا إمارة ولا امبراطورية، هي عائلة تجمع بين منظمات و حركات شعارها القوة أبداً (47) “. يشمل دستور إرهابستان اثنتي عشرة مادة قانونية، أمّا العائلات التي تسكن إرهابيس، فهي : ” القاعدة و روافدها ، الحركات الثورية ، تحالف الإسكو_كابون (إسكوبار وألكابون)، مشاهير القتلة ، تكتل الدكتاتورية (48) “، “واتفقوا أن تكون هيئة الحكم تحمل اسم سيكويا الحكمة (49) “، وسيكويا الحكمة تعني أطول أشجار الدنيا عمراً، ويقولون: إنها ولدت قبل الأهرامات.
ولإرهابستان إعلامها الخاص، فلها قناة تلفزيونية داخلية تسمى قناة العائلة وشعارها “الحق في ألا تقول الحقيقة (50) “، ولها صحيفة يومية اسمها :”الفلاذ (51) ” . لا يدير هاتين الوسيلتين الإعلاميتين العراقي سعيد الصحاف، ولكنه الألماني جوزيف غولبز(52) “.
تحاول الرواية أن تؤرخ للإرهاب أو على وجه التدقيق تشير إلى بعض من تاريخه ، ” فتشير إلى أكثر من مائتي عملية إرهابية وانتحارية بدءاً من اغتيال ولي عهد النمسا و زوجته يوم 28 يونيو 1914 بسراييفو؛ مروراً بعشرات العمليات التي تخللت الحرب العالمية الثانية، وبدا واضحاً أن قلب العالم هم العرب المسلمون الذين نالوا حصة الأسد؛ من ذلك ما يفوق 80 بالمئة منها منذ نشوء إسرائيل ، وفي منحنى تصاعدي منذ السبعينيات إلى غاية تأسيس إرهابيس(53) “.
فيخصص الروائي الصفحات 42، 43 و 44 و 45 و 46 لذكر الشواهد التاريخية الكثيرة عن الجرائم المرتكبة في العالم موثقاً إياها وبتواريخها و عدد قتلاها.
وأخيراً ، ” لم تر شيئاً يا صديقي” عبارة كثيراً ما تتكرر في الرواية عند مقاماتها اللازمة المتصفة غالباً بالغرابة ، من ذلك أن إرهابستان كيان هجين يتقاطع في الدم، حتى أن القاتل والضحية يلتقيان فيها، ويتناولان القهوة و الشاي معاً(54).
تقدم الرواية مفارقة أخرى بين سناء محيدلي المناضلة الفلسطينية التي فجرت نفسها يوم 9 نيسان 1985 في تجمع لآليات الجيش الإسرائيلي تحمل مرجعية، تختلف عن المرجعية التي تميز الأم ماتيلدا المعلمة المكسيكية التي التحق ابنها خيسوس في 1999م بكارتل لوتس زيتاس أقوى عصابات المخدرات، وحدث أن كان ضحية من ضحاياه ، فرأت أمه ماتيلدا أن تأخذ بثأره بتنفيذ عمليات عديدة ، فقتلت أشخاصاً كثيرين(55).
لكن شتان بين الوطن المحتل وبين من ينتمي إلى عصابات المافيا والمخدرات، وبين من يدافع عن وطن وبين من يأخذ ثأراً شخصياً، فهل سناء مارست الإرهاب ؟ وعلى من ؟ أم هي إحدى ضحاياه؟
توجد بإرهابستان مكتبة بها أكثر من عشرة آلاف عنوان، مرتبة ترتيباً متناسقاً منسجماً، وقد ذكر الروائي عناوين كثيرة كعينة تمثيلية عنها امتدت من الصفحة 54 إلى الصفحة 59 من الرواية.
إذن من قال إنّ سكان إرهابستان ومن ينتمي إليها جهلة لا يقرؤون؛ وإنما اختاروا عقيدة الموت من أجل هدف (56) ، لكنهم لا يعترفون بما يكتب عن الإرهاب من وجهات نظر اجتماعية ونفسية واسترتيجية؛ إنهم يعتمدون على التجربة الواقعية والممارسة الميدانية، ولا يعيرون قيمة للكتب والمنشورات التي تصدر عن أمريكا وما جاورها، وما تصل إليه من نتائج غير صحيح، ومن هذا قولهم عن روبيرت باب صاحب كتاب الموت لأجل النصر: “المنطق الاستراتيجي للإرهاب الانتحاري” يصدر في رأيهم عن رؤية قاصرة؛ لأن صاحبه يعتقد أن السياسة وحدها تدفع إلى العمل الانتحاري (57) “، لكن أهم ما يميز مكتبة إرهابيس (بيان الإثم و الغفران) ، ويشمل : مختارات من الكتب السماوية، وأقوالاً للحكماء والفلاسفة والثوار والمحاربين؛ ولذلك فهو جدير بالقراءة والفهم والتحليل و ربما بعد ذلك يتم الوصول إلى تفكيك سؤال الإرهاب حقّاً، ويتم معرفة من الإرهابي، وما هو الإرهاب؟ ، وما هي أشكاله و تجلياته؟ . ولكن من يحصل على هذا البيان، ومما جاء فيه : ” نحن أبناء الخطيئة الطالعين من تشققات الأرض العطشى التواقة للعدل و المحبة . لسنا أنبياء و لا حكماء، ولسنا كما يروجون قتلة و شذاذ آفاق…اخترنا الأحذية الخشنة والمسالك الوعرة ، والنوم في العراء؛ لأننا لا نؤمن بعالم يحكمه الخونة وباعة الضمائر وسماسرة السياسة و الدين والمعرفة ... (58)”.
ومما جاء في بيانهم :” نحن نعرف أعداءنا جيداً…وهم يعرفوننا أيضاً، اخترنا أن نكون متمردين لوجه الله و الشعب و التاريخ (59)“.
وأخيراً إن الإرهاب لا وطن ولا حدود و لا دين و لا لغة له. هذا ما أرادت الرواية أن تصل إليه ، من هنا نحن_ كمسلمين_ لسنا إرهابيين ، إننا ضحايا حاولنا أن نقاوم الضخ الإعلامي الغربي بوسائلنا البسيطة دفاعاً عن أنفسنا، مثل ما صرح الكوماندانتي : ” أنا ثوري و لست إرهابياً (60) “. لقد قتل على أيدي الذين كان يقاتل من أجلهم و ذلك ما يؤلمه (61).
وأخيراً مؤتمر إرهابيس الذي ترأسه موسوليني بمساعدة الألمانية “أولريكي” وأيمن الظواهري بحضور كل الأشخاص والقادة، وبعد السماع لعزف نشيد إرهابيس، وبعد استلام نسخة من بيان الإثم والغفران للصحافيين الحاضرين ” على سبيل الترويج لفكر إرهابيس لدى عالم الفساد والطغيان (62) “، وبعد الاتفاق على جدول أعمال المؤتمر افتتحت أشغاله بكلمة ألقاها موسوليني قال فيها: ” أيها الكبار …أبناء إرهابيس الأعزاء، شرفتموني برئاسة هذا المؤتمر مع أولريكي وأيمن، وهي ثقة كبيرة منكم جميعاً، أشعر بمدى ثقلها في هذه اللحظة التاريخية التي ستكون فارقة في قرار مصيري سنتخذه اليوم ، قرار العودة (63) ” وأي عودة ؟
فالعودة هي شعار المؤتمر اقتناعاً منهم أن” هذا هو العالم الفاسد الذي تعرفون، سيبقى فاسداً إذا لم نقوّم حكامه وشعوبه، ونترك في كل عاصمة ندبة تاريخية (64)”
وقد بدأت الاقتراحات تتوالى لتكوّن برنامج المستقبل، برنامج ما بعد العودة؛ فكل واحد يقترح ماذا يدمر ؟ ولكن إيغال أمير قاتل إسحاق رابين اقترح أن يضيف إلى المعالم العشرة المقترحة معلمين، هما : الكعبة وقبة الصخرة؛ ليرتاح العالم تماماً. فأمسك الظواهري بالميكروفون بعد أن استأذن في الرد عليه : ” اسكت يا وقح …أنت إرهابي، كيف تجرؤ وتفكر في فعل كهذا؟ أنت سليل قتلة الأنبياء، تتحدث عن تدمير الكعبة المشرفة وقبة الصخرة المباركة، لولا أننا في مؤتمر لمسحت بك الأرض…لكن سيأتي يومكم، ولن ينفعكم شجر الغرقد الذي تختبئون وراءه (65) “. سقطت الأقنعة، ولربما أراد الكاتب أن يشير إلى أنّ التعايش المشترك في البلدان العربية هو شعار لا أكثر و لا أقل، وهو كمفهوم أوهن من بيت العنكبوت.
خلاصة هذا المبحث:
- لقد صار القاتل في هذه الرواية ضحية، وكأن التاريخ ينتقم لنفسه .
- لا تخلو الرواية من أبعاد أسطورية واضحة في أكثر من مقام.
- أتقن الكاتب لعبة الأسماء، فقد برع في اختيار أسماء شخوص الرواية
“السيد كوستامارتينيز معد برامج في قناة غلوبو، البرازيل
السيدة ماريا كاستينوفا، صحفية بوكالة أنترفاكس ، روسيا
السيد كوامي سوماري صحفي دايلي غرافيك، غانا
السيد أمين الدراجي صحفي وكاتب سير ذاتية لشخصيات سياسية ، الجزائر
السيد جون كيمبس صحفي في دايلي غراف_ إنكلترا
السيد جواد أمان الله صحفي بقناة جيو ، باكستان
بالإضافة إلى غارسيا و مانكو مؤسس مملكة الأنكا (66) “
هذه الأسماء عبارة عن وفد صحفي متنوع من بلدان عديدة، وكل اسم من الأسماء يناسب البلد الذي جاء منه، ولم تقتصر التسمية على الأشخاص فحسب؛ وإنما طالت أسماء الأماكن المتخيلة في الرواية : ” كان الشارع طويلاً نظيفاً، وبه عشرات المحلات ذات تسميات غريبة بعض الشيء منها: حلاق الديناميت ، مخبزة الصاروخ اللغوي، أقمشة ألغام الموسم، سوبر ماركت البارود، مطعم اليورانيوم…الفلوجة للمجوهرات ،ستالينغراد للهدايا (67) “. إن كل اسم من هذه الأسماء له قواعده الخلفية وأسراره الخفية ومرجعياته المحددة الدالة عليه.
- إن كلاً من القصيدة والأغنية قد سجلت حضوراً لافتاً في إرهابيس ، وقد أجاد الكاتب توظيفها بكفاية واقتدار وفي المقامات اللازمة؛ فضلاً عن مقتطفات من أقوال القادة، أمثال: هتلر، و موسوليني، و غيرهما …
- ولكن اللافت للنظر أن قارئ الرواية سيتساءل لماذا لم يوجد جورج بوش الابن و الأب في إرهابيس؟
- الرواية فيها أنساق ثقافية مضمرة يصعب تحديد دلالتها بدقة، فكلمة (العودة) كانت عنوان مؤتمر إرهابيس، وهي عبارة عن عودة الإرهابيين إلى أوطانهم، لكن ما معنى اختيار كلمة (العودة)؟ هذه الكلمة التي لها معانٍ عميقة في المنظومة التاريخية العربية، هل أراد الكاتب الربط بين الدلالتين دلالة الرواية ودلالة السياق التاريخي؟
- أرى أن الرواية فيها حشد هائل من الأحداث التاريخية والرموز والعلامات السيميائية حتى نأى النص بهذا الحمل الدلالي، فكان هذا الاستدعاء الهائل للرموز أمراً مبالغاً به.
المبحث الرابع: دراسة ملامح إرهاب الدولة في رواية كتاب رجل وحيد للكاتب الصيني غاوكسينغجيان المترجمة إلى العربية
هذه الرواية في أبسط تقديم لها هي الكتابة بالجسد ورسم صورة الحياة باللغة، إنها سرد، يعلن وجه الوجود بها، حيث يشكل المبدع سرّ الوجود بلغة الذات، وحوار الآخر، أو قل هي سيرة الأنا وصراعه مع الأشياء و الكائنات، وهي على العموم: شكل الحياة وتحوّلاتها، وتبعثرها وتشظيها وانعكاس ذلك كله على الجسد لحظة الكشف والحدس والتجربة، إذن نحن أمام تجربة روائية هي سفر الجسد والوجود في الزمكان، حيث يقوم السرد في الفن الروائي على ثلاثية الجسد والتخييل و شكل الحياة.
ماهية المصطلح : الجريمة السياسية / إرهاب الدولة
يعد تحديد ماهية الجريمة السياسية من أهم جوانب هذا المبحث وهي مسألة ليست بالأمر الهين أو المطاع بل هي من الأمور الصعبة البالغة التعقيد؛ لأنه يتطلب وبالضرورة أن يتضمن حقوق الأفراد وحرياتهم بالإضافة إلى حق السلطة في المحافظة على هيبتها وإرساء قواعد الأمن والنظام، وهذه الأمور ليست من الأمور السهلة التي يمكن استيعابها بإعطاء تعريف جامع بحيث لا يكون هناك مساس بأي حق من هذه الحقوق .
وبالرجوع إلى قانون العقوبات السوري رقم (148) لسنة (1949م) فقد نص على أن :” الجرائم السياسية هي الجرائم التي أقدم عليها الفاعل بدافع سياسي وهي كذلك الجرائم الواقعة على الحقوق السياسية العامة و الفردية ما لم يكن الفاعل قد انقاد لواعز أناني دنيء (68) “
ولأنّ الرواية تتحدث عن جرائم الشيوعية، فلابدّ لنا من التعرض لها، فالشيوعية تأمل تحقيق مجتمع إنساني تنتفي فيه الطبقات، وتنعدم فيه الحاجة إلى وجود الدولة، ولكنها ترى أنه لابد من الاستيلاء على مقاليد الحكم أولاً واستخدام أجهزة الدولة ذاتها في القضاء على الطبقات، فتضمر الدولة شيئاً فشيئاً حتى تموت وتنطفئ شمعتها، فالدولة نظام غير مرغوب، ولكنها وسيلة مؤقتة لبلوغ غاية وهي تطبيق النظام الشيوعي و زوال طبقات المجتمع(69).ويرى البعض من الفقهاء القانونيين أنه من الجائز إدخال هذه الجرائم في دائرة الجرائم السياسية (70) ، أمّا قانون العقوبات السوري واللبناني فقد عدّها جرائم اجتماعية واستبعدها من الجرائم السياسية (71) ، كما أن مؤتمر المحامين العرب المنعقد في بغداد عام 1958 م استبعد هذه الجرائم من نطاق الجرائم السياسية و لو كان الباعث عليها سياسياً (72). إذن ليست جرائم سياسية بل إرهاب دولة لفرض نظام حكم .
وانطلاقاً من المثل الصيني ” إذا أردت معرفة الطريق أمامك فما عليك سوى سؤال الذين سبق أن قطعوه من قبل”، من هنا علينا القول إنّ: هذه الرواية تغير كل مفاهيمنا السابقة عن الثورة الشيوعية الصينية.
جاءت ثورة الصين البروليتارية الثقافية العظمى إلى الحياة في أيار عام 1966م ، واستمرت حتى وفاة ماوتسي تونغ عام 1976م. وقد كانت بروليتارية في طموحها أكثر من واقعها ، بالنظر إلى أن أربعة أخماس الصينيين كانوا من الفلاحين، ” كان في ذلك الوقت مبهوراً بالثورة الثقافية لماوتسي تونغ (73)”
كانت هذه الثورة _كما كنا نعلم_ مصدراً للإلهام و التجربة الاجتماعية، حتى أطراها الناس في داخل الصين وخارجها ، لكن اتخاذها للعنف منهجاً، أصاب العديد بخيبة أمل ؟ ” عند ذلك شرح أنه عندما تصبح الكتب من المحرمات، فإن المجتمع يصبح مرعباً بصورة حقيقية خلال ما يسمى بالثورة الثقافية الكبرى، والتي يقال اليوم إنها اكتملت ، فقد الكثير من الناس حياتهم بهذه الطريقة . قالت: إنها تعرف هذا ، وإنها شاهدت رجالاً يضربون حتى الموت، ودماءً سوداء مغطاة بالذباب ، وكانت هذه الدماء تسيل من أنف جثث الرجال الذين وصفوا بأنهم معادون للثورة ، ولم يأت أي شخص ليسأل عنهم (74) “.
إن استحضار الوجود ذاته عبر الكشف عن أنساقه المغيبة هو نوع من أدب الاعتراف (75). ففي رواية غاوكسينغجيان موضوع هذا المبحث تتضح فاعلية النص من خلال إدراك محمولات هذه الرواية وإدراك ما تقترحه من قراءات متعددة وما تثيره من أسئلة حول فاعلية الكتابة والقراءة تلك التي تستحضر في الأذهان ثقافة ووعياً يزداد بزيادة رقعة الحرية و تزداد درجة انزياحه، كلما أفضت الكتابة إلى الكشف عن مضمرات السرد ، “فالكتابة ، كل الكتابة تنهض على مستوى المتخيل ، بمعنى أن الكاتب حين يكتب لا يتعامل مباشرة مع الواقعي ؛ بل مع ما يرتسم في ذهنه أو مخيلته من صور تخص هذا الواقع ، أو تمثله أو تعنيه و هذه الصورة المرتسمة هي صور مفهومية تعادل معاني أو تشكل معاني (76) “
فالرواية يطغى على أحداثها التأريخ الشخصي، حتى يشعر القارئ أن الكاتب لا يقدم شهادة عن الحياة الصينية في فترة 1949م ، بقدر ما يقدم عرضاً متسلسلاً لفترات حياته وأفكاره. “انتظر سنة تقريباً قبل استلام جواز سفره، مرّ خلالها على كل فروع الأمن . لقد كان مواطناً من هذا البلد ، ولم يكن مجرماً (77)”.
ويكمن تحدي الكاتب في تعامله مع الثورة الثقافية على محمل الجد بدلاً من الاكتفاء_ كغيره من المثقفين الصينيين_ برفضها لما تحمله من سلوكيات قاسية وسخافات.” حتى حصل على شقة صغيرة قبل أن يتهم من قبل قيادة الحزب (78) “، وقوله أيضاً : ” نقسم أننا سندافع عن الرئيس ماو حتى الموت، نقسم إننا سندافع عن اللجنة المركزية للحزب حتى الموت (79) “
كانت الثورة ثقافية من منظور أن أكثر أهدافها ثباتاً كان الفنون والمعتقدات العامة . ولم تكن هذه الثورة عظيمة في نفسها؛ فقد أحدثت الكثير من الفوضى، ولكنها أعادت تنظيم الدولة فقط ولم تقوض بنيانها . ومثل معظم الثورات استمرت لأكثر مما هو مرغوب به ، استمرت وسط شعارات قدسية عظيمة . “حزب عظيم ، وعادل ومجيد! أكثر عظمة، وعدلاً ، ومجداً من الإله ذاته ! وهو إلى الأبد عادل وعظيم ومجيد (80) ” ، لقد بينت لنا الرواية أن جزءاً كبيراً مما نعتقد أننا نعرفه عن الثورة الثقافية مغلوط ، ” استجابت والدته لدعوة الحزب، وذهبت إلى إحدى المزارع من أجل إعادة التأهيل الإيديولوجي (81) “
صور الكاتب القائد الصيني ماوتسيتونغ كطاغية مجنون، وأن تاريخ الصين الحديث الحقيقي يبدأ فقط مع موته .” جئت لدعم الرفاق الذين يطلقون النار ضد العصابة السوداء المضادة للحزب، المضادة للاشتراكية، المضادة لفكر ماوتسيتونغ (82)!”. كما تعرضت الرواية لبعض الأحداث التاريخية تعرضاً مضمراً، لا يتعدى الإشارات، ” كان شعر ذقنه طويلاً، مثلما كان عندما خضع لجلسات الاستجواب و التعذيب خلال الثورة الثقافية(83)”.
“إنني أعتقد أن أي شخص لا يملك الشجاعة ليصرح علناً بأنه معارض للثورة. هل يوجد من هؤلاء هنا ؟ هل يوجد هنا من يجرؤ على القيام ويقول: إنه ضد الحزب الشيوعي ، وضد فكر ماوتسيتونغ، ضد الشيوعية، من يجرؤ؟ (84) “
في هذا إشارة إلى حملة (دع ألف زهرة تزهر)، فمع الثقة المفرطة التي انتابت ماوتسيتونغ في أعقاب تحول اشتراكي سلس للحياة الاقتصادية في عام 1956م ، تواصل مع المثقفين خارج الحزب مشجعاً إياهم على التحدث دون خوف عن الشؤون العامة بل وانتقاد الحزب الشيوعي. تردد العديد من المثقفين في البداية، وفي النهاية استجابوا لنداء (دع ألف زهرة تزهر)؛ ليكشفوا عن كم من الاستياء والمرارة تجاوز توقعات الحزب وفي تغيير سريع ومفاجئ للمسار، تخلى القادة عن ليبرالية المائة زهرة، واتجهوا إلى حملة شرسة مضادة لليمينيين في عام 1957م، صنف على إثرها مليون مثقف كعناصر يمينية ، وفقد كثيرون وظائفهم ، وأرسل بعضهم إلى معسكرات الإصلاح الزراعي على مدى العقدين التاليين (85).
” وحده عمه الثاني الذي كان يحب الغناء في أوبرا بكين ، تعاون مع السلطة السياسية الجديدة كشخصية ديموقراطية ، قبل أن يتهم باليمينية (86) “
كانت الفنون موجهة لخدمة السياسة، غير أن ماو ذهب أيضاً إلى أن رفع المعايير الفنية من شأنه أن يصنع دعاية أكثر إقناعاً.” الحزب يتدخل في كل شيء ، في أفكاره ، وفي أعماله ، وفي حياته الخاصة (87) “.
حقيقةً ، تظل الثورة الثقافية في الصين محل خلاف لتطرفها، ومداها الطموح، وتأثيرها في حياة ما يقارب من مليار شخص، لكن هل أصاب الكاتب في توصيفه للأحداث أم صور الواقع كما أراد هو أن يراه ؟
” أصبحت المجموعات الشيوعية بعد التحرير، تشكل الحزب الشيوعي، ثم جيش التحرير، ثم بحسب التسمية الجديدة جيش التحرير الشعبي (88) ” ، ” الجماعات الشيوعية المسلحة، تتقاسم فيما بينها الأموال و النساء (89) “
هذا الكاتب الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 2000 ، لم يترك فرصة دون أن يتعرض بالنقد اللاذع للحزب الشيوعي الصيني، فأخبرنا في روايته أنّ هذه الثورة سيطرت على جوانب الحياة الصينية كلها، فتشتّتت أُسر، وسرّح موظفون، وتعطل التعليم وانطلقت مبادرات سياسية هشة.
” انتبهوا أيها الرفاق ، إنهم يريدون إقامة الرأسمالية ! إنني أتحدث عن كل الشياطين الأشرار الموجودين في كل المستويات بدءاً من القمة و حتى القاعدة! ويوجد من هؤلاء في مستوى اللجنة المركزية أيضاً ، وعلينا أن نعزلهم دون أي شفقة ، وأن نحافظ على نقاء الحزب ، ولن نسمح بالإساءة إلى مجد حزبنا (90) “
” قدمت وهي الباحثة عن التقدم ، تقريراً عقائدياً لسكرتير الحزب وضعت فيه عبارات ساخرة بخصوص الرواية الثورية (نشيد الشبيبة) التي أوصت منظمة الشبيبة الشيوعية بقراءتها بصورة إجبارية (91) “.
خلاصة هذا المبحث
- قدم الكاتب في هذه الرواية مزجاً بين الحلم والواقع، بين الرعب والمشاهد الجنسية، بين المعارف التاريخية والانطباعات الشخصية ، قدم عملاً راسخاً بقوة في الحداثة.
- استطاع الكاتب التأثير في متلقيه من خلال أنساق ثقافية مضمرة ، أحسّ بها المتلقي ولم يتلمسها في الرواية .
- ومن الجدير ذكره أنّ معظم صفحات الرواية تحمل إحساساً عميقاً بازدراء الكاتب للحضارة الصينية، وإعجابه المطلق بالحياة الأوروبية .
- الثورة الثقافية حركة وطنية ضخمة لها الكثير من السمات المحلية الخاصة ، لكن الكاتب تعمد إغفال أبعاد الثورة الاجتماعية والاقتصادية ، ولا أجد مسوغاً لمهاجمة الثورة الثقافية الصينية وتصويرها كمستنقع تاريخي.
خاتمة
تجدر الإشارة إلى أنه توجد أعمال روائية (عربية أو مترجمة إلى العربية) عديدة تناولت الإرهاب وقد تمّ استبعادها من هذه الدراسة للأسباب الآتية:
- تميزها بطابع ذاتي ذي رؤيا ضيقة ومحدودة، صوّر بعض كتابها أنفسهم ضحايا للإرهاب مطاردين منه، أو مناوئين له، مقاومين إياه إلى درجة البطولة، وكان خلف ذلك إما تصفية حسابات ليس مع الإرهاب فحسب، ولكن مع الوطن أيضاً؛ لأنهم رأوا اللحظة مناسبة في رأيهم، إما رغبةً في الابتزاز، وإما للاستفادة الشخصية من بعض الامتيازات.
- كما تميزت معالجة بعضهم للموضوع بأسلوب قريب جداً من المراسلة الصحفية.
ويبقى السؤال:
لماذا تطرقت بعض الروايات العربية المنشورة بعد عام 2003م لموضوع الإرهاب، ولماذا تجاهلته روايات أخرى؟
الحواشي:
- انظر: آرثر آيزربرجر، النقد الثقافي تمهيد مبدئي للمفاهيم الرئيسة، ترجمة : وفاء إبراهيم ، رمضان بسطاوبسي، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، الطبعة الأولى، 2003م، ص31.
- يُنظر: سمير الخليل، النقد الثقافي من النص الأدبي إلى الخطاب، دار الجواهري، بغداد ، الطبعة الأولى، 2012م، ص 11.
- نفسه، ص 11.
- آرثر آيزربرجر، النقد الثقافي تمهيد مبدئي للمفاهيم الرئيسة، ص30_31.
- سعد البازعي _ميجان الرويلي، دليل الناقد الأدبي _ إضاءة لأكثر من ثلاثين مصطلحاً وتياراً نقدياً أدبياً معاصراً _ ، المركز الثقافي العربي، المغرب، الطبعة الخامسة ، 2005م، ص305.
- يُنظر : حفناوي رشيد بعلي ، مسارات النقد و مدارات ما بعد الحداثة في ترويض النص وتقويض الخطاب، دروب للنشر والتوزيع ، عمان ، الطبعة الأولى، 2011م، ص 155.
- ما بعد الحداثة هي : ” اتجاه قوي بدأ على الأغلب في العام 1979م ، ومن قادته في فرنسا ليوتار ،وميشيل فوكو وجاك دريدا : التفكيك وتحرير الإنسان و مرتكزات التفكير البشري من الاتجاهات و المسلمات والمعتقدات و القيم (حضارية أو قومية أو إنسانية أو دينية ) ؛ بل ومن دعاوي العقلانية و المثالية و التمركز تلك المبادئ التي سادت أوروبا لعقود منذ عصر التنوير ، وهي تذهب إلى أنّه حول الذات لا توجد حقيقة موضوعية مجردة أو سردية عليا كبرى في أو خارج الإنسان تستحق عناء البحث عنها و التمسك بها و التصديق بها فهي تنزع القداسة عن العالم” يُنظر: نك كاي، ما بعد الحداثة والفنون الأدائية ، ترجمة نهاد صليحة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، الطبعة الثانية، 1999م، ص 33.
- حفناوي رشيد بعلي، مسارات النقد و مدارات ما بعد الحداثة في ترويض النص وتقويض الخطاب، ص 156.
- روجر آلن، الرواية العربية، ترجمة حصة إبراهيم المنيف، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، الطبعة الأولى، 1997م، ص7
- ميخائيل باختين _بي إن ميدفيديف ، الأسلوب الرسمي في الدراسة الأدبية ، مقدمة ثقافية للشاعرية السوسيولوجية ، مطبعة جامعة هوبكنز ، بالتيمور ، الطبعة الأولى، 1978م . نقلاً عن روجر آلن، المرجع السابق ، ص19.
- د. الطيب بو عزة، ماهية الرواية، عالم الأدب، بيروت، الطبعة الأولى، 2016م، ص16 ، نقلاً عن مقال : الرواية ، محاولة في الطوبولوجيا (علم المكان-الفراغ)، موسوعة أونيفرساليس 2008.
- انظر: محمد عناني ، معجم المصطلحات الأدبية الحديثة، الشركة المصرية العالمية للنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1996م، ص114.
- سعيد علوش ، معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، منشورات المكتبة الجامعية، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، د.ت، ص 62، 63.
- عبد الوهاب الكيالي وآخرون، موسوعة السياسة ، المؤسسة العربية للدراسات و النشر، بيروت، الطبعة الثانية ، 1985م، 1/ 153
- عبد الله محمد الغذامي، النقد الثقافي قراءة في الأنساق الثقافية العربية،، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الثانية ،2001م، ص76 .
- ديكلاس لومان ، مدخل إلى نظرية الأنساق ، ترجمة : يوسف فهمي حجازي، منشورات الجمل ، بغداد ، الطبعة الأولى ، 2010م ، ص7.
- ديكلاس لومان ، مدخل إلى نظرية الأنساق ، ص7.
- يُنظر : حفناوي رشيد بعلي، مسارات النقد و مدارات ما بعد الحداثة في ترويض النص وتقويض الخطاب، ص 151.
- عبد الله محمد الغذامي ، النقد الثقافي في قراءة الأنساق الثقافية العربية، ص79.
- خضير فليح الزيدي، رواية فاليوم عشرة، منشورات الاختلاف، منشورات ضفاف، بيروت _الجزائر، الطبعة الأولى،2016م، ص7.
- نفسه، ص7
- نفسه، ص7
- حسن نجمي ، شعرية الفضاء المتخيل والهوية في الرواية العربية، المركز الثقافي العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 2000م، ص211.
- خضير فليح الزيدي، رواية فاليوم عشرة، ص16
- نفسه ، ص82
- نفسه، ص214
- نفسه، ص222
- انظر: نفسه، ص102
- المرجع السابق نفسه ، ص213
- سعيد بنكراد ، السرد الروائي و تجربة المعنى، المركز الثقافي العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 2008م، ص122.
- خضير فليح الزيدي ، رواية فاليوم عشرة، ص99
- نفسه، ص14
- نفسه، ص10
- حسين السكاف ، الرواية العراقية صورة الوجع العراقي ثماني سنوات في عمر الرواية العراقية2004_2012 ، دار الروشة للنشر والتوزيع، بغداد ، الطبعة الأولى، 2014م، ص12_13.
- خضير فليح الزيدي ، رواية فاليوم عشرة، ص99
- حسين السكاف ، الرواية العراقية صورة الوجع العراقي ثماني سنوات في عمر الرواية العراقية2004_2012، ص15
- خضير فليح الزيدي ، رواية فاليوم عشرة، ص231
- انظر: نفسه، ص16. وانظر أيضاً: عبد الله إبراهيم ، السرد النسوي الثقافة الأبوية_ الهوية الأنثوية_ الجسد ، المؤسسة العربية للدراسات و النشر، بيروت، الطبعة الأولى، 2011م، ص22 وما بعدها.
- عزّ الدين ميهوبي ، رواية إرهابيس (أرض الإثم و الغفران) ، د. د، الجزائر، الطبعة الأولى،2006م، ص6
- عزّ الدين ميهوبي ، رواية إرهابيس (أرض الإثم و الغفران) ، ص7
- نفسه ، ص10
- نفسه ، ص15
- نفسه ، ص15
- انظر: نفسه ، ص16
- نفسه ، ص20
- نفسه ، ص2021. وهم إرنستوتشي غيفارا، الشيخ أسامة بن لادن، السيدة أولريكي ما ينهوف، السيد أوم شيريكو آل كابون ، السيد بابلو اسكوبار، كارلوس، بوكاسا، كيم جونغ إيل وبتزكية من موسوليني، وستالين، وبول بوت، وبينوشية، وعيدي أمين وصدام حسين والقذافي ، وتشاوسيسكو واعتذار هتلر لوعكة صحية.
- نفسه ، ص21
- نفسه ، ص22
- نفسه ، ص27.
- نفسه ، ص30
- نفسه
- نفسه
- نفسه، ص42
- نفسه ، ص46
- انظر: نفسه ، ص48
- نفسه ، ص48
- نفسه ، ص52
- نفسه، ص59
- نفسه ، ص66
- نفسه ، ص101
- نفسه ، ص106
- نفسه ، ص242
- نفسه ، ص242
- نفسه ، ص253
- نفسه ، ص259
- نفسه ، ص117
- نفسه ، ص73
- انظر: نص المادة (195) من قانون العقوبات السوري والمادة (196) من قانون العقوبات اللبناني.
- انظر: د. مصطفى أبو زيد فهمي، النظرية العامة للدولة، دار المطبوعات الجامعية ، القاهرة، الطبعة الخامسة، 1997م، ص257 وما بعدها.
- انظر: محمود نجيب حسني ، شرح قانون العقوبات_ القسم العام، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة السادسة، 1989م ، ص262. وانظر أيضاً: عبد الوهاب محمد عمر البطراوي، الجريمة السياسية، بحث منشور في مجلة المحاماة ، العددان السابع و الثامن ، 1990م، ص70
- انظر: محمد الفاضل ، الجرائم الواقعة على أمن الدولة، الجزء الأول، المطبعة الجديدة ، دمشق، الطبعة الأولى، 1987م ، ص38.
- انظر: عبد الوهاب محمد عمر البطراوي ، الجريمة السياسية ، ص84
- غاوكسينغجيان، كتاب رجل وحيد، ترجمة د. غسان السيد، الجمعية التعاونية للطباعة، دمشق، الطبعة الأولى،2003م، ص26
- نفسه، ص33
- انظر: عبدالله إبراهيم، السرد والاعتراف والهوية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 2011م، ص 5_6.
- يمنى العيد، تقنيات السرد الروائي في ضوء المنهج البنيوي، دار الفارابي، بيروت، الطبعة الأولى، 1990م، ص16.
- غاوكسينغجيان، كتاب رجل وحيد، ص36
- نفسه، ص34
- نفسه، ص47
- نفسه، ص60
- نفسه، ص17
- نفسه ، ص61
- غاوكسينغجيان، كتاب رجل وحيد ، ص43
- نفسه، ص62
- انظر: ريتشارد كيرت كراوس ، الثورة الثقافية الصينية ، ترجمة: شيماء طه الريدي ، مراجعة محمد إبراهيم الجندي ، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، الطبعة الأولى، 2014م، ص11 وما بعدها .
- نفسه، ص14
- نفسه، ص30
- غاوكسينغجيان، كتاب رجل وحيد، ص48
- نفسه، ص48
- نفسه، ص46
- نفسه، ص30
المصادر والمراجع
- آرثر آيزربرجر، النقد الثقافي تمهيد مبدئي للمفاهيم الرئيسة، ترجمة : وفاء إبراهيم ، رمضان بسطاوبسي، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، الطبعة الأولى، 2003م
- حسن نجمي ، شعرية الفضاء المتخيل والهوية في الرواية العربية، المركز الثقافي العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 2000م
- حسين السكاف ، الرواية العراقية صورة الوجع العراقي ثماني سنوات في عمر الرواية العراقية2004_2012 ، دار الروشة للنشر والتوزيع، بغداد ، الطبعة الأولى، 2014م
- حفناوي رشيد بعلي ، مسارات النقد و مدارات ما بعد الحداثة في ترويض النص وتقويض الخطاب، دروب للنشر والتوزيع ، عمان ، الطبعة الأولى، 2011م
- خضير فليح الزيدي ، رواية فاليوم عشرة، منشورات الاختلاف، منشورات ضفاف، بيروت _الجزائر، الطبعة الأولى،2016م.
- ديكلاس لومان ، مدخل إلى نظرية الأنساق ، ترجمة : يوسف فهمي حجازي، منشورات الجمل ، بغداد ، الطبعة الأولى ، 2010م
- روجر آلن، الرواية العربية، ترجمة حصة إبراهيم المنيف، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، الطبعة الأولى، 1997م
- ريتشارد كيرت كراوس ، الثورة الثقافية الصينية ، ترجمة: شيماء طه الريدي ، مراجعة محمد إبراهيم الجندي ، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، الطبعة الأولى، 2014م
- سعد البازعي _ميجان الرويلي، دليل الناقد الأدبي _ إضاءة لأكثر من ثلاثين مصطلحاً وتياراً نقدياً أدبياً معاصراً _ ، المركز الثقافي العربي، المغرب، الطبعة الخامسة ، 2005م
- سعيد بنكراد ، السرد الروائي و تجربة المعنى، المركز الثقافي العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 2008م
- سعيد علوش ، معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، منشورات المكتبة الجامعية، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، د.ت
- سمير الخليل، النقد الثقافي من النص الأدبي إلى الخطاب، دار الجواهري، بغداد ، الطبعة الأولى، 2012م
- الطيب بو عزة، ماهية الرواية، عالم الأدب، بيروت، الطبعة الأولى، 2016م
- عبدالله إبراهيم، السرد والاعتراف والهوية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 2011م
- عبد الله إبراهيم ، السرد النسوي الثقافة الأبوية_ الهوية الأنثوية_ الجسد ، المؤسسة العربية للدراسات و النشر، بيروت، الطبعة الأولى، 2011م
- عبد الله محمد الغذامي، النقد الثقافي قراءة في الأنساق الثقافية العربية،، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الثانية ،2001م،
- عبد الوهاب الكيالي وآخرون، موسوعة السياسة ، المؤسسة العربية للدراسات و النشر، بيروت، الطبعة الثانية ، 1985م
- عزّ الدين ميهوبي ، رواية إرهابيس (أرض الإثم و الغفران) ، د. د، الجزائر، الطبعة الأولى،2006م
- غاوكسينغجيان، كتاب رجل وحيد، ترجمة د. غسان السيد، الجمعية التعاونية للطباعة، دمشق، الطبعة الأولى،2003م
- محمد عناني ، معجم المصطلحات الأدبية الحديثة، الشركة المصرية العالمية للنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1996م، ص114
- محمد الفاضل ، الجرائم الواقعة على أمن الدولة، الجزء الأول، المطبعة الجديدة ، دمشق، الطبعة الأولى، 1987م
- محمود نجيب حسني ، شرح قانون العقوبات_ القسم العام، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة السادسة، 1989م
- مصطفى أبو زيد فهمي، النظرية العامة للدولة، دار المطبوعات الجامعية ، القاهرة، الطبعة الخامسة، 1997م
- ميخائيل باختين _بي إن ميدفيديف ، الأسلوب الرسمي في الدراسة الأدبية ، مقدمة ثقافية للشاعرية السوسيولوجية ، مطبعة جامعة هوبكنز ، بالتيمور ، الطبعة الأولى، 1978م
- نك كاي، ما بعد الحداثة والفنون الأدائية ، ترجمة نهاد صليحة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، الطبعة الثانية، 1999م
- يمنى العيد، تقنيات السرد الروائي في ضوء المنهج البنيوي، دار الفارابي، بيروت، الطبعة الأولى، 1990م
المقالات
عبد الوهاب محمد عمر البطراوي، الجريمة السياسية، بحث منشور في مجلة المحاماة ، العددان السابع و الثامن ، 1990م .