شريف صالح: تهمة تحرم مسرحية “هاديس” من جائزة افضل عرض في مهرجان الكويت

0

مع انطلاق مهرجان الكويت المسرحي كانت الأجواء تُوحي بدورة مميزة تحتفل بمرور الذكرى العشرين في مسيرة أحد أهم المهرجانات المسرحية في الخليج. ثم مع اقتراب موعد إعلان الجوائز وجه الأمين العام الأسبق للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدر الرفاعي، رسالة صوتية إلى رئيس مجلس الوزراء الكويتي، متهماً فيها عرض “هاديس” بتجاوز الأعراف والتقاليد.

كان بالإمكان أن تمر الرسالة مرور الكرام، لولا أنها صادرة عن شخصية عامة سبق أن تولت أعلى منصب ثقافي، فجرى تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ثم فوجئ الجمهور برئيس لجنة تحكيم المهرجان علي العنزي، عميد المعهد العالي للفنون المسرحية، يعلن حجب جائزة أفضل عرض لهذه الدورة. وسرعان ما سرت التكهنات بأن القرار اتُخذ بضغوط من إدارة المهرجان على لجنة التحكيم، خصوصاً أنه أمر نادر الحدوث في السابق. ثم سرعان ما توالت ردود الفعل في اتجاهات مختلفة.

لجنة تحقيق

أبرز رد جاء من وزير الإعلام محمد الجبري الذي أكد ـ في بيان ـ رفضه التام لأي تجاوز لثوابت أو قيم المجتمع الكويتي الأصيلة. واتخذ قرارين، أولهما تشكيل لجنة تحقيق “محايدة” لبحث مزاعم الرفاعي، برئاسة وكيلة وزارة الإعلام منيرة الهويدي، بهدف التأكد من تهمة أي تجاوز وتطبيق العقوبات اللازمة. أما القرار الآخر فتمثل في إيقاف لجنتي النصوص والمشاهدة عن العمل لحين انتهاء لجنة التحقيق من المهام الموكلة إليها.

إلا أن كامل العبد الجليل، الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون ـ الجهة التي تنظم المهرجان ـ نفى صحة ما أثاره بدر الرفاعي. وقال إن ما تم تداوله منافٍ للحقيقة وعارٍ من الصحة، مؤكداً أن لجنة التحقيق ستضع الحقائق أمام الجميع. ولفت إلى أن الأمين العام المساعد لقطاع الفنون في المجلس الوطني بدر الدويش ـ بصفته رئيس المهرجان ـ أكد أن المسرحية خضعت لرقابة لجنة النصوص وتمت إجازتها.كما أشار  العبد الجليل إلى أن اللجنة حضرت أيضاً “البروفة الكاملة” وتم تصويرها فيديو، ولا يوجد فيها ما ذُكر منسوباً إلى الرفاعي.

ثم أصدر علي العنزي رئيس لجنة التحكيم بياناً دافع فيه عن قرار حجب جائزة أفضل عرض، جاء فيه: “لم يحدث أن اللجنة اختارت إحدى المسرحيات الست المشاركة في المسابقة لجائزة “أفضل عرض متكامل”، ثم ألغت قرارها بسبب تدخل المجلس الوطني للثقافة أو أية جهة أخرى”، مشيراً إلى “أن قرار الحجب جاء بإجماع أعضاء اللجنة ولا يملك المجلس حق توجيه بوصلة أي من الجوائز”. وأضاف: “إذا فرضنا أن إحدى المسرحيات خالفت أية لوائح، فهذا أمر خاص بالمجلس، وفق أطره القانونية، ولا علاقة له بلجنة التحكيم، التي يتحدد دورها في الجانب الفني فقط وفق قناعاتها ومعاييرها. وهذا الدور لم يتأثر من بعيد أو قريب بأية قرارات خارجية، والدليل نيل العرض، الذي أثير حوله الجدل، عدداً من الجوائز”. وأشار إلى أن “الحجب” ليس بدعة، فالبند الرابع في اللائحة، يمنح لجنة التحكيم حق حجب جائزة أفضل عرض، وسبق لمهرجان الكويت المسرحي نفسه في دورته الخامسة أن حجب الجائزة ذاتها. وأضاف “من الخلل انتقاص اللجنة جراء تفعيل بند من بنود اللائحة وفق اجتهاد مشروع، ومن لا يؤيد سياسة الحجب، فالأجدر به مطالبة الجهة المنظمة بتعديل اللائحة بعدم جواز حجب أية جائزة، على الرغم من خطورة هذا التوجه في تفويز من لا يستحق”.

ومنذ بث رسالة الرفاعي، وحجب الجائزة، لم يهدأ السجال، مع شعور البعض بأن عرض “هاديس” كان الفائز بالجائزة الكبرى، خصوصاً أنه نال ثلاث جوائز هي: أفضل مخرج لأحمد العوضي، وأفضل ممثلة للفنانة “سماح”، وأفضل ممثل واعد يوسف بوناشي.

ونال السجال الذي انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي، من جميع الأطراف، فانتقد بعض المسرحيين موقف الأمين العام الأسبق بدر الرفاعي، واعتبروه استعداء للسلطة، بحيث نصب نفسه حامياً للقيم والتقاليد، وأشاروا إلى تعارض كلامه مع تصريحات سابقة له ينتقد فيها “الرقابة”. وتندر البعض بأنه ينتقد عرضاً لم يشاهده بتاتاً. وانتقد آخرون موقف وزارة الإعلام، لأنه لا يُعقل أن تشكل لجنة تحقيق بشأن مسرحية تمت إجازتها ـ نصاً وعرضاً ـ من الجهات المعنية في الوزارة ذاتها.

وكان من أبرز الأصوات المنتقدة، الكاتب المسرحي بدر محارب الذي شارك في المهرجان بمسرحيته “نكون أو لا نكون” وكتب تدوينة قال فيها: “لسنا بحاجة إلى “كتم” حريات جديد في المسرح بعد أن طال (الكتم) كل القطاعات الثقافية، حتى الفنون التشكيلية… مسرحية “هاديس” لم تتجاوز أي خطوط لا حمراء ولا زرقاء… أعطوا الشباب الفرصة كي يتنفسوا “مسرحياً” على الأقل”.

مسرحية هاديس

بعيداً من التداعيات التي أثارتها “هاديس”، فإن المسرحية قدمتها فرقة المسرح الكويتي التي يترأسها الفنان أحمد السلمان، وقُدمت في افتتاح المسابقة الرسمية، من تأليف وإخراج أحمد العوضي، وحظيت بمراجعات نقدية تشيد بها. فعلى سبيل المثال رأى الناقد مبارك بلال العميد الأسبق للمعهد العالي للفنون المسرحية بأن المؤلف والمخرج “تحرر من الروح المحلية وإيحاءاتها المحددة لآفاق الفعل الإنساني المطلق”. واعتبر أن العرض هو “مزيج مركب من عوالم أسطورية وغيبية بات معظمها جزءاً من الثقافة الإنسانية”.

يقع العرض يقع في حوالى سبعين دقيقة، واستلهم عنوانه “هاديس” إله العالم السفلي في الميثولوجيا الإغريقية، ومن ثم وضع العنوان المتلقى إزاء فضاء غرائبي الطابع. تسيدت العتمة الفضاء شبه الثابت، الذي تتوسطه شجرة سوداء لترسيخ القتامة، وربما تحيل رمزياً إلى نقيض “شجرة الحياة”… مع تناثر بقع ضوء محيطة بالشخصيات، وكاشفة عن دواخلها، حتى أنها بدت جميعها صلعاء شبحية، ترتدي زياً بنياً بدائياً. وتتزامن آهاتها، وصيحاتها، وانفعالاتها، مع موسيقى مقبضة، مثيرة للخوف والترقب.

في هذا “الحجيم الأخروي” تلتقي الزوجة زوجها، بعدما انكشفت حقائق كل منهما للآخر، وتبينت الخيانة. من ثم نسمع حوارات مثل: “زوجي يقيم علاقة بالحرام… ومع من؟ مع جارته”، “مهما فعلتَ لن ترتقي لتصبح رجلاً”! ثم نسمع الزوجة نفسها تعترف للزوج: “لستُ بزوجةٍ شريفة”… “كان يملكني غيرك… واحتضنني رجل غيرك”.

إنها فكرة اجتماعية تقليدية عن “الخيانة” أراد المؤلف والمخرج أن يسبغ عليها طابعاً فلسفياً، عندما يلتقي الجاني والمجني عليه، وفق قواعد مختلفة، لتقديم كشف حساب أخروي، حاشداً الخطايا والذنوب والرغبات والذكريات في حوارات العرض. ففي تلك اللحظة يبلغ الاعتراف أقصى مداه، لكن في الوقت نفسه وكما جاء على ألسنة الشخصيات، “الماضي لا يعود”.. و”لا مجال لأن نصحح أياً من أخطائنا”. إنها مراجعة بعد فوات الأوان، لن تغير وقائع قد جرت، لكنها ربما تفيد في التطهر وصعود الأرواح، إلى ما تستحق. وهكذا جاءت رسالة العرض إجمالاً، كبحث مزدوج عن العدالة المغيبة على الأرض، ودفع للإنسان كي يتحمل ـ في جحيمه الأُخروي ـ جزاء ما ارتكب في حياته الدنيا.

المصدر: اندبندنت

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here