فواز القادري، شاعر كردي سوري مقيم في ألمانيا، وله العديد من الإصدارات الشعرية
مجلة أوراق- العدد 15
أوراق الشعر
ما أخبارهم؟
تسأل الروح وهي تقرفص إزاء النافذة
تسأل النافذة وهي تتمرأى بأشجار اللهب
أوراق صفر وأوراق رماد
وهذا الحريق موجع في الذاكرة
ما أخبارهم؟
والحجر الخريف جاد هذا المرّة بتعرية الشجر
لا كرامة للعصافير ولا خاطر لشرفة الشاعر
منجله بيده كما يفعل الموت هناك
ما أخبارهم؟
لا يجيب أحد على السؤال
تعول الريح في فراغ ذاكرتي فقط.
*
أعود إلى ميونيخ وهي ليست المبتغى
في الطريق إليها ضيّعتُ الطريق
لا علامات ولا أثر يدلّ على الفرات
يا حبور يا سرور عاشقة بعد لقاء عاصف
لا أثر للكؤوس الشقر ولا للمازات المزّة
ضيّعتُ عباءة أمي السوداء وما بكيتُ
ضيّعتُ الشبابيك والأيدي التي تلوّح وما بكيتُ
ولكني حينما خسرتُ رقصة أمواجه وطريقي إلى الشطآن
رائحة الشجر رائحة الخبز ورائحة الطين بكيتُ
مرّت أمامي جميع الطرق بمسافاتها الشاهقة
جميع الأنهار وجميع السواقي وجميع المزن
نوم الظهيرة وسهر الليالي إلى الصباح
لا بساتين أعرفها كي أسرق عنقودي الأخير
لا سواتر طينيّة لكي أقفز هاوية الأزمنة
لا ألعاب ولا نياشين أعلّقها على أكتاف الفرح
بكيتُ حين وصلتُها ولم تكن “إيثاكا” الفرات.
*
الطرقات تفتنني ويغويني السفرخلفكِ
أتبعك أينما ترحلين ومعي رائحة مطر صديق
بالخناجر والصرخات أرقص رقصة الحياة
كرجل بدائيّ تتدلّى من عنقه تعويذة القدر
ويرقص رقصة الموت فتى الخوف الطائش
قطط الشارع الخالي من الناس تموء بحزن
قططكِ تموء وتنثر أصوات حنينها
قططك الوسيمة بكت حين لم تجد لكِ أثراً في الدار
الكلاب تتلفّت إلى الوراء وفي عينيها صور أحباب راحلين
وصايا العجائز معي وحكمة الشيوخ ونزق الشباب
أبحث عنكِ ولا أمل
أقلب الدنيا رأساً على رأس
إلى المحيطات أرسل بحّارتي النشطاء
يجوبونها جزيرة جزيرة
يفتشون أرخبيلات لم يطأها لا بحارة ولا قراصنة
أتبعك وفي آخر الأمر
أغلق الكوكب على أواجاعه
حتى لا تفرّي مع دمعة صغير نفرت قبل أن يموت.
*
أتبعكِ تصعد سناجبي عالي الأشجار
تفتش طيوري عنك بمناقيرها
رئات الحدائق وحوصلة الأدغال
المدن وأسواق الباعة العجولين
أماكن العبادة وحانات السكارى
تطعم الأسماك وتسأل
تطعم الفراخ وتسأل
وحين ينفد صبر القدّيسين منّا
ولاتكتشف الأحاجي اسمك النوراني
تغلق عينيها أمام أجراس غياب ترن
حين لا تحس البلاد بخسائر العشق الجسيمة.
*
في طريق العودة إلى ميونيخ
ميونيخ هودج حضري غارقة في الحلم والضباب
والعاشق لا يمتلئ إلّا بجسد بنلوبي الدافئ
وبنلوبي يحاصرها الزناة والقتلة وتنتظر
تنسج ثوب صبرها وتجمّله بالحيلة
فرسان عزّل ومحاصرون يحرسون ظلها
وإيثاكا المشتهاة تشمشمها الكلاب
وتبقى بعيدة عن متناول القلب.
*
أتبعكِ وعيوني على الوعول وحجل الجبال
السماء قريبة وفي متناول القلب
أتبعك ومعي أسماء كل الأنهار والجسور
تلف رأسي ولا تتوقف الدنيا عن الصرير
أنادي خجل الفقراء ورموش الأعين الخائفة
لا يقربني أحد من المشردين وأبناء آوى
أتبعك وكأنّك سراب في الضباب
خيولكِ تصهل وتقفز حواجز خوفي العالية
وأنا أكتم صهيلي وأتبعك من الأثر إلى الرائحة.
*
أتبعكِ حتى آخر الأرض
حتى آخر الدموع في قصص الحب
حتى آخر الأشرعة في أعالي البحار
حتى آخر القوافل التي أضاعت الحداء
حتى آخر أنفاس العشاق الحبيسة في الأغاني
حتى آخر المواويل في الدبكات الشعبية
حتى آخر المراثي وآخر الموتى الذين لا يتذكّرون
حتى آخر مواعيد الحب السرية في الحارات
وحين أتعب
سأنتظركِ على آخر رصيف في هذا العالم
كبطل رواية رومانسيّة مهزوم.
*
أتبعك حتى آخر الطرق
حتى آخر الظلام
حتى آخر الأغاني
حتى آخر الشهيق
وحين تشرف قصيدتي على الانتهاء
أكتبك على هيئة حسرة
وأترك بشائر فرح عينيك للخاتمة.