شادي خدام الجامع: “الإيرلندي” لسكورسيزي..استعادة المواهب الضائعة

0

طرحت شبكة نيتفليكس لمشاهديها قبل فترة فيلم الأيرلندي الذي تم عرضه في صالات سينما محدودة ولزمن قصير نسبياً. الفيلم الذي بلغت كلفته 159 مليون دولار مرّ بأطوار عديدة قبل نهاية رحلته، فقد رفضت كثير من دور الإنتاج في هوليود الدخول في “مخاطرة” إنتاجه في ظل تقلبات السوق، وتوجه الصالات نحو أفلام الأبطال الخارقين حتى أن شركة بارمونت العالمية للإنتاج انسحبت من إنتاج الفيلم في مرحلة لاحقة!

ظلّ الكلام يدور عن هذا الفيلم بين المخرج مارتن والممثلين دي نيرو وال بتشينو وجو بيتشي لما يزيد عن 9 سنوات ولم يكن من السهل أن يجتمع هذا الفريق بشكل بسيط بل كان هنالك الكثير من التحضيرات والعمل على الشخصيات والنصوص والحوارات التي تم تعديلها في بعض الأحيان لأكثر من 5 مرات حسب ما ذكر المخرج، لم يكن من السهل البحث عن شركة تنتج هذا الفيلم، رغم ما يحتويه من قامات سينمائية ، في الإخراج مارتن سكورسيزي ، الممثلين روبرت دينيرو في دور فرانك شيرون (الراوي) ، ال بتشينو (جيمي هوفا واحدة من أكثر الشخصيات جدلية في الثمانينيات)  ، جو بيتشي (الذي عاد من الاعتزال) (بدور راصل بوفالينو) من أشهر زعماء المافيا وكاتب سيناريو الفيلم ستيفين زايلين (الذي يحتوي رصيده العشرات من االأعمال الرائعة)، على الرغم من هذا الفريق إلا أن شركات الإنتاج لم تكن مهتمة حتى تقدمت نتفليكس وأخذت المبادرة.

يعتبر هذا الفيلم أطول الأعمال التي أخرجها مارتن سكور سيزي، لكن قبل البدء في الكلام عن تفاصيل الفيلم لا بد لنا التأكيد على أن الفيلم  (أي فيلم) في مدته و زمن حضوره يجب أن يكون بمثابة “مناسبة اجتماعية” كان ولازال المخرج يدافع عنها، فحضور السينما أيام العطل والإجازات كانت يعتبر مناسبة مجتمعية في بدايات السينما من القرن الماضي، مناسبة يستمتع بها المشاهد مع العائلة أو الأصحاب. فكيف إذا كان الفيلم بحد ذاته رحلة طويلة إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي بكل تفاصيلها من الألبسة والألوان والمنازل وصولاً إلى الشخصيات ومواقع التصوير والموسيقا، وكل ما يتعلق بتفاصيل الفيلم! حتى أن الممثل آل باتشينو صرح في إحدى مقابلاته بأنه شعر بنفسه وكأنه عاد بالزمن إلى تلك الحقبة خلال أدائه إحدى المشاهد.

ظهور فيلم الإيرلندي وجه صفعة للجميع سواء كانوا كتاباً، أو مخرجين، أو منتجين وحتى شركات الانتاج، لتذكرهم بالسينما الحقيقية التي كانت ولازالت في جوهرها تتبنى المجتمع لتخرج منه وتعود إليه، لتذكرهم في انحرافهم عن المعنى الحقيقي للسينما وبقائهم في (منتزهات السينما) على حسب تعبير المخرج مارتن سكور سيزي عن سينما هذه الأيام.

فيلم يصعب التركيز فيه!

إذا كنت تبحث عن فيلم لتمضية الوقت بدون الخروج منه بأي فائدة تذكر، فانت لست معنياً بهذا الفيلم!

جميع التحف الفنية التي مرت على السينما العالمية لم تكن مكتوبة بشكل مبسط وخفيف كوجبة سريعة! بل كانت أعمق من ذلك فلا تكفيك مشاهدة مرة واحد للفيلم لتستطيع أن تلم بكل التفاصيل وتستطيع أن تفهم الصورة الكاملة! فالحياة والأحداث فيها لا تجري بهذه الطريقة، السينما هي انعكاس لهذا الواقع ولذلك لا يمكنها ان تكون أبسط من تلك الحياة ولا يمكنها أن تنفك عن طريقة رواية أحداثها! بل هي محاولة لتبسيط ذلك الواقع المعقد في مادة بصرية لمدة ساعتين أو ثلاثة ..

شخصيات متعددة ومركبة!

الفيلم بحد ذاته هو عبارة عن سرد لأحداث شخصية مهمة في التاريخ الأميركي وهي جيمي هوفا والذي كان له ارتباطات متعددة مع العصابات والمافيا وصراعه المستميت على السلطة مع الاخرين، وكذلك وصول الرئيس جون أف كندي إلى سدة الحكم عبر دعمه من خلال المافيات وانخراطه في الحرب الكوبية وتصفيته من قبل المافيات نفسها التي دعمته، جميع هذه الاحداث المهمة تم توثيقها من خلال 3 شخصيات رئيسية في الفيلم جسدها جو بيتشي وروبيرت دي نيرو و ألباتشينو بالإضافة إلى العديد من ممثلين الصف الثاني الذين كانوا ومازالوا متعاونين مع المخرج مارتن سكور سيزي منذ التسعينات الذين كانوا جزء من أفلامه أشهرها كاسينو، جود فيليز.

الفيلم يسرد لنا القصة بأكثر من زاوية وذلك لتكون مفهومة بشكل كامل، فأحيانا حتى المواقف الصغيرة  قد تكون محرك لدوافع الشخصيات تجاه خطوات أو تجاه أعمال لا يمكن أن تخطر على البال، فالطريقة التي تم فيها عرض الشخصيات ومسار تطورها وكذلك الطريقة التي تعاملت فيها مع المواقف التي واجهتها كانتا من متعة الفيلم، فنحن هنا لا نشهد حياتها بل كنا نتماهى معها في لحظاتها تلك.

نقطة ضعف واحدة   كانت جلية للمشاهدين في الفيلم، تحدث كل من شاهده عنها هي بطء وثقل حركة الممثلين وخصوصاً في المراحل الشبابية التي كانوا يمرون فيها خلال رواية الأحداث، إلا ان المخرج عمل على الانتهاء من هذه المراحل الشبابية من العمر في النصف الساعة الأولى من الفيلم تقريباً أو الساعة الأولى، كان من الممكن أن تتم إحالة هذه الأدوار إلى ممثلين شباب، بالإضافة إلى العمل على بعض التقنيات لتركيب الوجه أو تبديلها، ولكن الموضوع سيزيد من تكلفة الإنتاج بمراحل، غير أن هذا لا يمنعنا من الإشادة بأداء النجوم الثلاثة وما قدموه، بعد أن راهن الكثير في هوليوود على أن تاريخ صلاحية موهبتهم قد انتهت وخصوصاً ان روبرت دي نيرو وآل بتشينو في سنواتهم الأخيرة قدموا أعمالاً لم ترق إلى مستوى موهبتهم الأصلية، لكنهم عادوا وأثبتوا جدارتهم كأبناء حقبة ذهبية من تاريخ السينما العالمية.


أسلوب إخراجي مميز.

لا يخفى على من يتابع أفلام المخرج مارتن سكور سيزي أسلوبه المميز في الإخراج ورواية الاحداث وقدرته على رصد التفاصيل واستخدامها بطريقة حادة، بدء من تجميد الصورة إلى الكلام من الشخصيات بشكل مباشر إلى الكاميرا، واستعمال اللقطات الطويلة في افتتاحية الأعمال، وحتى اللقطات التي يتخللها الفلاش والصحفيين والمصورين، كما أن المشاهد يستطيع أن يلاحظ الدقة في التفاصيل الاكسسوارات والممثلين المساندين، والمواقع التي تم التصوير فيها،

وحسب ما ذكر مدير االإضاءة والتصوير رودريجو بيروتو  الذي عمل مع المخرج أنه تذكر جميع التفاصيل البصرية للمقاهي التي كان تجتمع فيها العصابات، فأحد هذه المقاهي التي حدثت فيها أحداث الفيلم الذي يدعى بالم بويز في حي هارلم في مدينة نيويورك، تمت إعادة تصوير المشاهد بداخله بعد أن كان مهجورا لسنين طويلة.

في النهاية لا يمكننا أن ننظر إلى الفيلم إلا من زاوية كونه حياة فرانك التي بدأت في الحرب وحولته إلى وحش لتستفيد منه العصابات والساسة ومن ثم فقدانه الجميع لتبدأ مرحلة الندم والعقوبة على ما فعله خلال سنين حياته، فابنته بيغي على سبيل المثال التي لم تتكلم كلمة واحدة معه في الفيلم حتى نهايته كانت بداية العقوبات ومدخل إلى النهاية التعيسة التي عانها بعد أن فقد الجميع.

خاص بموقع الرابطة

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here