يستسهل الرؤساء الحاليون وأنظمتهم في استخدام تهمة الإرهاب على كل من يقف في ضفة مواجهة لهم، فبينما تستخدم اليوم ذات مفردات النظام السوري مع تطوراتها الوظيفية في الرد على ثورتي لبنان والعراق، بوصف المتظاهرين بالمحتجين المحقين بداية ثم بالمندسين والإرهابيين والممولين خارجياً، يأتي الرد الدولي أيضاً بذات ردات الفعل من التجاهل والدعوات لضبط النفس، ومن ثم امهال الأنظمة في استخدام كل أساليبها القمعية للتهرب من استحقاقات شعوبهم أو “قتلهم”، حدث ذلك في سوريا خلال تسعة أعوام من عمر ثورة السوريين، وفي العراق خلال الفترة الحالية بمئات الضحايا العزل، وبدأت ملامحه في لبنان بمقتل اللبناني علاء أبو فخر، وبذلك تتحول المواجهات من سياسية تستهدف الأنظمة في آلية حكمها واستبدادها، إلى عنفية مسلحة تستهدف أمن الشعوب مقابل سلامة كراسي الرؤساء وأنظمتهم.
هذا لا يعني أن التطور المنتظر للثورات يسير في اتجاهه الشعبي إلى المكان الذي يريده مفجرو الثورات السلمية في بلدانهم، لأن ذلك يعني في حقيقته انتصار الثورة على الأنظمة، ما يؤكد أن انحراف خط الثورات ومدها بالتيارات الايدلوجية المتطرفة، ووضع مشاريع موازية لمشروع الثورة والانقلاب عليه من قبل خصوم حقيقيين أو مفتعلين للأنظمة، هو خطة دفاعية ناجعة من الأنظمة الحاكمة، والمسارات الدولية التي توظفها وتساندها للحفاظ على أدوارها، أو تغيير تلك الأدوار وانهائها، وهذا ما يمثله واقع نتائج اليوم في الثورة السورية، أو ما يمكن تسميته من بعضنا غير المتفائل “التسليم ببقاء النظام، والتحايل على مسميات إعلان مناصرته دولياً بما سمي المفاوضات معه ومن خلاله”، أو التعاطي مع المتفائلين منا بأنه “تقليم أظافر للنظام السوري ووضع شريك مقابل له يسمى المعارضة”، وهو ما يستدعي أن تحضر في تلك المفاوضات أدوات محلية لكلا الطرفين تعمق كل منها فكرة انتصارها على الطاولة بعد هزيمتها على الأرض.
وضمن هذا يمكن فهم خطاب قيادات “المعارضة” في وداعته واحتوائه للخطاب الحربي المقابل له، على أنه وعي لثنائية هزيمته وانتصاره المتلازمتين، في واقع ميداني “شبه معدوم”، وواقع سياسي تطل فرصته من خلال قرارات دولية لم تستهدف النظام في وجوده، بدليل بقائها مجرد أوراق في أدراج المنظمة الأممية، ولكنها قرارات تمكن “المعارضة” من الجلوس إلى طاولة مفاوضات لا يمكن التخلي عنها، والاستسلام للهزيمة الكاملة من خلال التنازل عن انتصار جزئي تمثله القرارات الدولية التي تعترف فيها، وتناصر وجودهم في مستقبل سوريا الغائم.
على الضفة المقابلة، وفي اتجاه معاكس إعلامياً، يذكرنا خطاب النظام بموقع المعارضة في قاموسه، وهو بذلك يقدم صورة عن مستقبل العقد الاجتماعي الذي يريده من لجنة دستورية، تجمع “حفنة” من وطنيي النظام الذين تحسبهم الحكومة على نفسها، ولا يمثلونها، ومجموعة إرهابية -حسب تصنيف بشار الأسد رئيس النظام السوري لهم- تمثل معارضة على اختلاف منصاتها من موسكو مروراً بالقاهرة إلى ائتلاف استنبول ويضيف إليهم من يمثل المجتمع “غير المنسجم” من المحسوبين على معارضته.
ولعله من المفيد ان تعتبر هذه المصارحة العلنية الهجومية للأسد على المعارضة هي جزء من العملية السياسية التي يستشعر فيها النظام بهزيمته في الجزء السياسي من خلالها، بينما يستقوي بموقع حليفه الروسي ميدانياً، ولعل ما تعنيه الرئاسة المشتركة داخل اللجنة الدستورية بين المعارضة (هادي البحرة) والنظام (أحمد الكزبري) هي عملية حسابية تصفر بين ثنائية الانتصار والهزيمة لكلا الطرفين وتساوي بينهما، وهي ما تجبر وفد النظام أن يتعامل مع ممثل الإرهابيين كما يحب النظام أن يصف كل معارضته ويقول له داخل الاجتماع : سيدي الرئيس ” الإرهابي”.
مما يفقد النظام قدرته على تسويق هذه الخطوات الإصلاحية في دستور سوريا على أنها واحدة من مكرمات “السيد الرئيس” أو كما يريد أن يصوره حسب حديثه الأخير لوكالة سبوتنيك وروسيا 24 أنها عملية تحدث من وقت لآخر على اعتبار “ان الدستور ليس نصاً مقدساً وأنه من وقت لآخر لابد من دراسته وتعديله” في الوقت الذي تعنيه هذه العملية برمتها أو يمكن تسميتها على قدر المساواة مع المعارضة “وإن بواقع متعاكس ” بانها تمثل جزئية هزيمة النظام السوري سياسياً، المتلازمة مع جزئية انتصاره الميداني الذي يمثله الوجود الروسي في سوريا كما تمثل انتصار السوريين بسبب تضحياتهم في انتزاع قرارات دولية توجب تغيرات أو حتى تعديلات دستورية، “ربما” لن يخطها في مرحلة أولى السوريون، كما هو حال التسويق لها، ولكنها لاحقاً ستعود صلاحيات التعديل فيها للسوريين طال الزمن أو قصر.كلمات مفتاحية:سورياالعراقلبنانالثورة السورية