لم يتخلَّ “الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب” (مقرّه القاهرة) عن لغته الخشبية التي تُميّز بياناته، ولا عنْ ولائه المعهود للأنظمة العربية، وهو يُحبِّر بياناً حول التطوُّرات الأخيرة التي شهدتها تونس، متمثّلةً في قيام رئيسها قيس سعيّد، الأحد الماضي، بتجميد عمل البرلمان وتعليق حصانة جميع نوّابه، وإقالة رئيس الوزراء، وتولّيه رئاسة السلطة التنفيذ.
أثارت خطوة سعيّد، التي اعتبرها كثيرون انقلاباً على الدستور، مخاوف مِن انتكاسة العملية الديمقراطية وتراجُع الحريات وحقوق الإنسان في تونس، أيْ عودة البلاد إلى زمن ما قبل الثورة التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي. لكنَّ أيّاً مِن تلك المخاوف والتساؤلات لن تشغل “الاتحاد”. وبدلاً مِن ذلك، سيُقدِّم موقّعو البيان، الذي صدر الثلاثاء الماضي، “دعماً” غير مشروط للرئيس التونسي.
يصف بيانُ الاتحاد، الذي حمل توقيع أمينه العام علاء عبد الهادي، ما حدث في تونس بـ”الإجراءات السيادية التي اضطُرَّ إليها فخامة رئيس الدولة التونسية قيس بن سعيد محافظةً على مقدّرات الدولة التونسية” (يُصّرُ البيان على لفظ الفخامة، بينما يورد اسم الرئيس خاطئاً)، قبل أنْ يُوجِّه له تحيّةً “على مبادرته بتحمُّل مسؤوليته التاريخية في حماية بلاده في فترة مِن أخطر الفترات التي مرّت بتاريخ تونس”.
لم تفت الموقّعين الإشارة إلى أنّهم استأنسوا، في موقفهم هذا، ببيان “اتحاد الكتّاب التونسيّين”، الذي صدر الإثنين الماضي وعبَّر فيه عن “مساندته المطلَقة” لخطوة سعيّد، مُعتبراً أنّها “إجراء دستوري لا غبار على شعبيته”، وأنّ الهدف منها هو “إنقاذ تونس ممّا تردّت فيه من خراب على مدى عشرية كاملة”. لكن، هل كان “الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب” سيستأنس برأي “اتحاد الكتّاب التونسيّين” لو أنَّ الأخير عبَّر عن موقف مناهِض لقرارات سعيّد؟
الإجابة هي لا بالتأكيد، ليسَ فقط لأنَّ “اتحاد الكتّاب والأدباء العرب”، يميل “بطبعه” إلى التصفيق للأنظمة الحاكمة بدل أخذ مسافةٍ نقدية منها، أو لأنّه مجرّد واجهة ثقافية لها، بل لأنّه يُمثِّل لسان حال النظام السياسي في القاهرة (وحليفه في أبو ظبي) التي يتّخذ مقرّه فيها منذ تأسيسه عام 1954. وهذا الدورُ سيدفعه، في ختام اجتماع مكتبه الدائم بأبوظبي مطلع 2015 إلى توجيه تحية إلى مصر “لما أنجزتَه من استحقاقات ديمقراطية ينبغي دعمها وحمايتها من أجل تحقيق الاستقرار وبناء دولة الحرية والعدل”.
و”الاستحقاقات الديمقراطية” المقصودة هنا هي “انتخاب” عبد الفتّاح السيسي رئيساً لمصر، قبل ستّة أشهر منذ ذلك، عقب انقلابه على الرئيس المنتخَب محمد مرسي. لم تتحقَّق “دولة الحرية والعدل”، التي بشَّر بها البيان، بل شهدت السنوات السبع مِن حكم السيسي انتهاكاتٍ جسيمة لحقوق الإنسان وتراجُعاً غيرَ مسبوق في الحريات، لكنّ “الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب” يبدو غير معنّي بكلّ ذلك.
ثمّةَ ما هو أهمُّ مِن الانتصار لقيم الديمقراطية والعدالة والحريات بالنسبة إلى “الاتحاد”. ودعوتُه، في ختام مؤتمره الاستثنائي بمدينة العين الإماراتية في أيلول/ سبتمبر 2017، إلى إدانة قطر ومقاطعتها ثقافياً، أعطت مثالاً جيّداً عن أنَّ توظيف الثقافة في خدمةِ الاصطفافات السياسية – التي يُفتَرض أن ينأى بنفسه عنها – يُمثّل هوايته المفضّلة الأُولى.
ربما ليسَ المطلوبُ من “الاتحاد” إدانةُ خطوة قيس سعيّد التي تُثير انقساماً في الشارع التونسي نفسه، بين من يعتبرُها انقلاباً وبين من يرى فيها خطوةً تصحيحيةً لمسار الثورة. لكنَّ مطالبته باتخاذ مسافةٍ حذرة ستكون تفاؤُلاً في غير محلّه وجهلاً بطبيعته ودوره وتوجُّهاته.
(العربي الجديد)(اللوحة: غرافيتي لمجموعة “أهل الكهف” في باب سعدون بتونس العاصمة، 2011)