زياد طرقجي: حرق المراحل

0

تشهد منطقتنا حاليا عددا من نماذج التحولات المجتمعية التي تتم عن طريق حرق المراحل بما يشبه العلاج بالصدمة، فيما تقف الجماهير مشدوهة ومنقسمة بين مؤيد ومعارض.

-في النموذج الأول نشاهد السعودية اليوم تخلع عباءة الوهابية فجأة بعد أن تدثرت بها لعقود طويلة، وتتجه نحو التحديث والانفتاح بما يُشبه قفزات الكنغر. فبدون مقدمات تم الانتقال من جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشرطة الدينية إلى بناء المسارح ودور السينما واستضافة نجوم الفن والسماح للمرأة بقيادة السيارة، مع إسكات المعارضين بلا هوادة. أي أن ثلاثة أجيال من السعوديين وجدوا أنفسهم فجأة مضطرين أن ينسوا ما تلقنوه خلال تسعة عقود وأن يُغيروا النظارة التي يرون بها العالم.  

-في النموذج الثاني، نرى وزير التعليم في مصر يقوم بقفزة ثورية بأن يفرض إدخال ألواح التابلت الالكترونية على المدارس لتحل محل الكتب والدفاتر بحيث يدرس التلاميذ ويمتحنون الكترونيا.  مؤيدو الوزير الطليعي يرون أن اللحاق بالركب الحضاري لا يسمح بإضاعة المزيد من الوقت. أما المتحفظين على قراره، فيرون أن ظروف التعليم الحالية ليست مهيئة لهكذا نقلة، وأن تلك الخطوة يجب أن يسبقها تمهيد وتدريب فني، وإعداد بنية تحتية ملائمة.

-ربما أخطر نموذج يتشكل حاليا هو عملية التحول إلى الديمقراطية البرلمانية والتعددية السياسية كإحدى إفرازات الاضطرابات السياسية العنيفة المستمرة منذ 2011. فالآن، وبعد “خراب مالطة”، اكتشف اللاعبون الكبار الذين يعبثون بأقدار هذه الشعوب أن لا حلَ عسكريا للصراعات في اليمن وسوريا وليبيا والعراق وأنه لابد من توصل الأخوة الأعداء في كل بلد إلى تسويات تسمح بمشاركة مختلف الأطياف بالحكم. وحسب أعراف الشرق الأوسط عموما، هذه بُدعة – وكل بُدعة ضلالة – بالنسبة للدول التي استمر فيها فعليا نظام الحزب الواحد لعدة عقود. فهل ستعرف هذه الشعوب ممارسة الديمقراطية التي تأتيهم مسلوقة، بينما تعلمتها الشعوب الغربية على مدى مئات السنين، بل ومنذ جمهورية روما قبل الميلاد؟

ربما من أوضح الأمثلة عن خطورة أسلوب حرق المراحل كانت تجربة الوحدة الاندماجية بين سوريا ومصر (1958 -1961) والتي بُنيت على الارتجال والعواطف القومية برعاية عبد الناصر، والتي وسرعان ما تحطمت على صخور الواقع.

بالعودة إلى النموذج المصري المتعلق بمحاولة ادخال الكمبيوتر على التعليم في المدارس، وقتها علق أحد الإعلاميين التلفزيونيين المتحمسين قائلا: “خلينا نجرب، ولو ما نفعش، نرجع للنظام القديم ..مش حنخسر حاجة.” !! ترى هل تصلح تلك المقاربة على مختلف المستويات؟ وهل الأمر بهذه البساطة؟ أم أن العملية تشبه السير على حبل مشدود، حيث عليك أن تنظر دائما إلى الأمام، ولكن مع ألف حساب لكل خطوة لأن الخطأ مهلك؟  ربما إطالة الانتظار هي ترف لا نمتلكه، لكن الإقدام دون الاستعداد الكافي سيكون مُكلفا جدا. التحارب السابقة أظهرت أننا لا نخطط لأن نفشل، بل نفشل بأن نخطط…وهنا يأتي دور القيادات الحكيمة التي تعرف كيف تستفيد من التاريخ وتجارب الآخرين.
*خاص بالموقع

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here